شعار قسم ميدان

ثغرات في الجدار العنصري.. "ميدان" يرصد رحلة شباب الضفة للوصول إلى الأقصى

Palestinians stand together as the Dome of the Rock is seen in the background following clashes with Israeli police at the compound that houses al-Aqsa Mosque, known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount, in Jerusalem's Old City May 10, 2021. REUTERS/Ammar Awad

لا يبدو أن المواجهات اليومية التي يخوضها المرابطون في ساحات المسجد الأقصى ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تُطلق قنابل الغاز والرصاص المطاطي لإخراج المصلين من المصلى القبلي، وتحاول إبعاد المرابطين عن باحات المسجد ومحاصرة المصلين والمعتكفين، لا يبدو أنها نالت من عزيمة هؤلاء المرابطين. فرغم كل شيء، لم يفقد الشباب بعدُ أملهم في الوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة والرباط فيه بقلوب يملؤها الشوق، وعزائم لم يعرف اليأس إليها سبيلا. نسرد لكم رحلة مجموعة من هؤلاء الشباب في مسيرهم المبارك إلى ساحات المسجد وطريقهم المزين بالأسلاك الشائكة والمواجهات مع دوريات الاحتلال على أمل اللحاق ببقية المرابطين في البقعة المباركة.

 

ثابت.. رحلة التسلُّل عبر "الفتحات"

Palestinian laborers cross through an opening in a fence between the Israeli-occupied West Bank and Israel, as they head to work in Israel, near Hebron August 11, 2020. Picture taken August 11, 2020. REUTERS/Mussa Qawasma

بحسٍّ ملؤه الحنين والشوق، أنشد الشاب الفلسطيني "ثابت ثابت" (25 عاما) بيتا شعريا للأردني "أيمن العتوم" قائلا: "خُذني إلى المسجدِ الأقصى وساحتِهِ.. أَمُتْ على بابِهِ في الأَشهُرِ الحُرُمِ"، وانطلق يركض نحو أرض المسجد الأقصى في الوقت ذاته، فرحا بالوصول إليه بعد رحلة قصيرة-طويلة من رام الله بالضفة الغربية. أبكى وأبهج "ثابت" الملايين ممن شاهدوا مقطعا مُصوَّرا بثَّه على صفحة فيسبوك الخاصة به قبل أيام قليلة من بدء شهر رمضان المبارك، واصفا فيه رحلته القصيرة إلى المسجد الأقصى، فرغم أنه يقطن في مدينة رام الله التي تبعد نحو 15 كم فقط عن القدس المُحتلة، فإن وصوله إلى المسجد لم يكن سهلا، فقد مرَّ بمعاناة هائلة مثله مثل المئات غيره ممن شدوا الرحال إلى الأقصى من مدن الضفة الغربية، بعد أن منعت دولة الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من دخول القدس.

 

ولعل لقطة واحدة تُظهِر يد هذا الشاب ممدودة إلى رفاقه المُختبئين بين أشواك جنود الاحتلال الإسرائيليين تحكي تفاصيل الحكاية، إذ يُمنَع هؤلاء الشباب منذ ولادتهم من الوصول إلى الأقصى بسبب حاجتهم إلى موافقة سابقة من سُلطات الاحتلال، التي تمنح التصاريح إلى فئات محدَّدة فقط مثل المرضى والتجار والأجانب، وتستثني مَن هُم دون الخامسة والأربعين من العُمر. علاوة على ذلك، كانت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي وما زالت مُتشدِّدة في السماح لمواطني الضفة العربية من الرجال بدخول المسجد الأقصى، إذ يتقيَّد دخولهم بالحصول على تصاريح أخرى تَسمَح لهم باجتياز الحواجز العديدة الواقعة في الطريق نحو القدس المحتلة، وهي تصاريح لا تُمنَح عادة.

 

لمواجهة هذا الوضع، ابتكر سكان الضفة الغربية قبل نحو عامين ما يُعرف بـ"الفتحات"، وهي عبارة عن ثغرات قضمت جزءا من جدار الفصل العنصري الأسمنتي أو الأسلاك الشائكة التي تفصل بين الضفة الغربية والداخل المُحتَل بما فيه القدس. وقد مَثَّلت هذه الفتحات طرقا لتسلُّل مواطني الضفة إلى المسجد الأقصى من أجل الصلاة، لا سيما في أيام الجمعة وشهر رمضان، وإلى مدن الداخل المُحتَل نفسها من أجل العمل دون الحاجة إلى تصريح عبور. وقد أحدث الشباب حتى الآن أكثر من 270 ثغرة على طول الجدار والسياج العازل الذي بنته إسرائيل على الخط الأخضر الفاصل بين الأراضي المحتلة عامي 1967 و1948.

 

بيد أن قوات الاحتلال أقدمت خلال الأيام القليلة التي سبقت شهر رمضان الحالي على إغلاق وتشديد الإجراءات على تلك الفتحات في الجدار، إذ قرَّر المجلس الوزاري الإسرائيلي في 30 مارس/آذار الماضي إغلاق ثغرات الجدار كافة، ضمن مجموعة من قرارات العقاب الجماعي التي أُقِرَّت تحت وطأة عمليات المقاومين الفلسطينيين في الأسابيع الأخيرة، وخاصة العملية التي نفَّذها الشهيد "ضياء حمارشة" في مارس/آذار الماضي. وتُشير المعلومات الإسرائيلية إلى أن الشهيد انطلق بمركبته من بلدة "يَعبَد" في جنين شمالي الضفة إلى مكان تنفيذ العملية بمدينة "بني براك" وسط دولة الاحتلال، عبر إحدى هذه الفتحات. ولذا، شهدت بعض هذه الفتحات استهدافا واسعا لكل مَن حاول عبورها في الأيام الماضية، وتعرَّض العابرون إلى إطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز من جانب القوات الإسرائيلية، ومن ثمَّ لم يعُد أمامهم سوى خيار تسلُّق الجدار الأسمتني بواسطة السلالم والحبال ثم القفز من أعلى الجدار.

A Palestinian man ducks through an opening in a fence between the Israeli-occupied West Bank and Israel, as he heads to Israel August 12, 2020. Picture taken August 12, 2020. REUTERS/Raneen Sawafta

تنهَّد "ثابت"، أحد فلسطينيي الضفة، وهو يتحدَّث إلى "ميدان" قائلا: "لقد عدنا اليوم إلى زمن ما قبل الفتحات"، وهو خيار ينطوي على مخاطر عدة على حد قوله، إذ يُقدِّر ثابت نسبة تعرُّض الشخص لكسر قدمه أو يده بسبب السياج الشائك إلى 10%، علاوة على مخاطر ما بعد النجاح في تجاوز الجدار والمُضي نحو القدس، إذ تظل هنالك تخوُّفات من أن يُكشَف عن هويات هؤلاء ويُعتَقلوا من قِبَل دوريات جنود الاحتلال الذين يراقبون الحدود.

 

ومع ذلك، لم يتردَّد ثابت مع بدء شهر رمضان في اللجوء إلى هذا الخيار من أجل الوصول إلى المسجد الأقصى، وقد شرح تفاصيل تجربته قائلا: "حاولنا الأسبوع الماضي تجاوز الجدار، ووصل أحدنا إلى أعلاه فاكتشف أن المنطقة أسفل الجدار مفروشة بالأسلاك الشائكة. لقد كُنَّا بحاجة إلى القفز بالمظلَّات أو من طيارة كي نتجاوز ذلك". في خضم المعركة التي يخوضها الاحتلال الآن في القدس وتعرَّض على إثرها عشرات الشباب من الضفة إلى الاعتقال، وأُبعِدوا بالقوة عن المسجد الأقصى، أنهى ثابت حديثه مع "ميدان" وتركنا ليواصل مع رفاقه التخطيط لرحلة جديدة نحو الأقصى في العشر الأواخر من رمضان، حيث يسعى الشباب الآن إلى الظفر بأيام الاعتكاف المباركة، التي تستحق دون غيرها المخاطرة من جديد في مواجهة القمع الإسرائيلي. "إن شاء الله ننجح ونحكي معكم مجددا عمَّا قريب"، هكذا أنهى ثابت حديثه.

 

مجاهد.. ملحمة الصلاة في الأقصى

مثله مثل ثابت، انطلق الشاب "مجاهد حمايل" (22 عاما) من منزله الكائن في قرية "بيتا" التابعة لمحافظة نابلس في الضفة الغربية وهو يحمل خوفا كبيرا، لا من قوات الاحتلال، بل من أن تبوء رحلته نحو المسجد الأقصى بالفشل بعد أن حاول مرتين من قبل ولم يُفلح. كان ذلك ليلة الخميس 14 إبريل/نيسان الحالي، حين قصد مع نحو ثلاثين شابا مدينة رام الله وضواحيها للوصول إلى فتحة أو زاوية أسمنتية من جدار الفصل العنصري تُتيح لهم إن تجاوزوها الوصول إلى القدس. وسرعان ما حدَّد "مجاهد" ورفاقه المنطقة المناسبة للتسلُّق وكانت بطول عشرة أمتار.

 

نجحت المجموعة في تجاوز الجدار، لكن سرعان ما اكتشف جنود الاحتلال أمرهم فبدأوا في ملاحقتهم. يشرح مجاهد في حديثه إلى "ميدان" تفاصيل الكر والفر بين الشباب والجنود الإسرائيليين قائلا: "اختبأنا داخل مسجد في بيت حنينا (بلدة تقع في شمال مدينة القدس على الطريق المؤدي إلى رام الله)، وبقينا هناك حتى موعد الإفطار، ثم قررنا الخروج اثنين اثنين حتى نصل إلى موقف حافلات باب العمود، وما إن وصلنا حتى ذهب كل الخوف والتعب الذي نال منا".

Palestinians use a ladder to climb over a section of the Israeli barrier as they try to make their way to attend the first Friday prayers of Ramadan in Jerusalem's Al-Aqsa mosque, near Ramallah in the Israeli-occupied West Bank May 10, 2019. Picture taken May 10, 2019. REUTERS/Mohamad Torokman

بعد أن نجح الشباب في الأخير في الوصول إلى المسجد الأقصى، وصف مجاهد مشاعره آنذاك قائلا: "وكأنها المرة الأولى التي أصل فيها إلى الأقصى، رغم أني أتيت مرة وأنا في العاشرة من عمري. لقد كانت لحظة رائعة بالنسبة لي، جمال المسجد بقبته الذهبية المضاءة تعانق السماء يأسر القلوب والعقول". خلال هذه الرحلة، وعلى الطريق من نابلس إلى رام الله، تلقَّى مجاهد خبر استشهاد قريبه "فواز حمايل"، وهو أب لثلاثة أطفال، حيث أُصيب بالرصاص الحي في صدره أثناء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لبلدة بيتا. "لقد امتزجت غصة الألم على فراق فواز بفرحة الوصول إلى الأقصى، والحمد لله على كل حال"، هكذا عقَّب مجاهد.

 

صلَّى مجاهد صلاة التراويح ونوى اعتكاف ليلة الجمعة الثانية من رمضان في الأقصى، حتى حان موعد صلاة الفجر التي ما إن انتهت حتى اقتحمت قوات الاحتلال المسجد القبلي وحاصرت المصلين فيه، وقد تحدَّث مجاهد عن تلك الأحداث قائلا: "حوصرنا داخل المسجد القبلي، وكسَّر جنود الاحتلال الشبابيك، وأطلقوا النار وقنابل الغاز علينا بكثافة وعشوائية، فأُصِبتُ برصاصتين مطاطيَّتين في يدي وبطني، فيما كان مشهد الإصابات من حولي مهولا، إذ رأيت الدماء النازفة من مصلين كُثُر نتيجة إصابات خطيرة نالت من صدورهم ورؤوسهم وأياديهم".

 

انتهى حصار المسجد بعد فترة، ولكن المواجهات استمرت خارجه حتى أعادت القوات الإسرائيلية حصار المسجد القبلي حصارا أشد من سابقه. وقد كسر جنود الاحتلال باب الإسعاف ودخلوا بأعداد كبيرة لاعتقال المصلين الشباب بوحشية. "لقد اعتدوا بوحشية على الشباب وكَّبلوهم واعتقلوهم، حيث اعتُقل أغلب الموجودين مِنَّا، ومن بينهم ثلاثة من أصدقائي الذين جاؤوا معي، ولم ينجُ من الاعتقال سواي مع اثنين آخرين من الشباب، إذ اختبأنا وسط الشيوخ". حين هدأت الأمور قليلا، أخذ مجاهد مع موظفي الأوقاف والشيوخ بتنظيف المسجد وإصلاح أحواله حتى حان موعد صلاة الجمعة، ثمَّ صلى صلاته وعاد إلى قريته في انتظار أخبار الإفراج عن رفاقه.

 

عبُّود.. ليلة رباط دامية

Palestinian protestors clash with Israeli security forces at the compound that houses Al-Aqsa Mosque, known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount, in Jerusalem's Old City April 15, 2022. REUTERS/Ammar Awad

أثناء تجهيزه لرحلته نحو المسجد الأقصى، وصل إلى الشاب "عبُّود فارس" (26 عاما) خبر تناقله رفاقه بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي أعلنت أنها لن تتردَّد بإطلاق الرصاص الحي على الشباب الذين سيحاولون التسلُّل من فتحات الجدار بمدن الضفة الغربية. تجاهل عبُّود العديد من الاتصالات التي حذَّرته من الذهاب، وواصل رحلتة لاعتبارات عديدة كما أخبرنا، منها أن الوضع في المسجد الأقصى خطير بسبب اقتحامات المستوطنين المتطرفين، ومن ثمَّ فإن هناك حاجة مُلِحَّة إلى شد الرحال إليه من الفلسطينيين الذين يستطيعون إليه سبيلا، ومنها أيضا شوقه الشديد للصلاة والرباط في المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، مثله مثل آلاف الفلسطينيين ممن يسعون لأداء شعائرهم السنوية في بيت المقدس.

 

متجاهلا التحذيرات، وصل عبُّود إلى الأقصى بسلاسة لم يتوقعها، وحدَّد الوقت الأنسب والباب الملائم ليتجنَّب الاعتقال: "سجدت شكرا لله بعد دخولي المسجد بتلك السهولة، وفاضت مشاعري وأطفأت لهيب تغيُّبي عن المسجد فترة طويلة". صلَّى عبُّود وتناول إفطاره في باحة المسجد والتقى برفاقه المقدسيين في الساحات، ولكن سرعان ما اندلعت مواجهات عنيفة بسبب اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد ليلة الجمعة الثانية من رمضان، التي أُصيب خلالها أكثر من 150 من المصلين.

 

تحدَّث عبُّود عن العنف الذي نال من المصلين في تلك الليلة كما شهده قائلا: "لأول مرة أرى مثل هذه المواجهات العنيفة، فقد أُطلقت عشرات الرصاصات المطاطية داخل المصلى القبلي كل دقيقة تقريبا، وأُصيب الجميع بواحدة منها على الاقل، وخلال خمس ساعات من الحصار كنا نستنشق فقط الغاز المسيل للدموع". شحذ عبُّود ورفاقه الهِمَم بنداء "لبيك يا أقصى"، لكن بعد ساعات من الصمود، تمكَّن الجنود من اقتحام باب من أبواب المسجد بعدد ضخم مدجج بالسلاح. "وكأن القلوب بلغت الحناجر.. حشرونا في زاوية المصلى، وتعرَّضنا للضرب ثم طلبوا منا تسليم أنفسنا. ولم يكن أمامنا خيار إلا تسليم أنفسنا ونحن عُزَّل أمام القوات بعددها وعتادها"، هكذا وصف عبُّود ليلته.

 

اعتُقل عبُّود مع رفاقه وتعرَّضوا للضرب المُبرح والتنكيل، فقد رأى زميلا له في الجامعة وهو يُضرَب بلا هوادة من جندي إسرائيلي في جدار الحافلة، ورأى صديقا آخر كاد أن يُغمَى عليه من شدة القيود القاسية التي قيَّده بها جنود الاحتلال. وحدَّثنا عبود عن حادثة ترهيب جندي إسرائيلي دُرزي يتكلم العربية لأحد الشباب المُعتَقلين، قائلا إنه خلال تفتيش هذا الشاب انتبه الجندي إلى غلاف الهاتف المحمول الخاص به، فوجد عليه صورة الشهيد والقائد الفلسطيني "يحيي عياش"، وقد خُط الغلاف بجُملة "عياش حي لا تقل عياش مات". وسرعان ما هدَّده الجندي بالسجن عامين بسبب الصورة، وحين صدح الشاب الفلسطيني في وجه الجندي بلهجته العامية قائلا: "خليها ثلاث سنين.. مش فارقة معي". في الأخير، نجح المحامون الفلسطينيون في تأمين الإفراج عن جميع المعتقلين.

 

موسى.. المسير نحو الأقصى يتواصل

Palestinians walk at the compound that houses Al-Aqsa Mosque, known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount, in Jerusalem's Old City May 21, 2021. REUTERS/Ammar Awad TPX IMAGES OF THE DAY

مثل رفاقه، جلس الشاب "موسى ناصر" (26 عاما) في بيته الكائن بمدينة رام الله، وأخذ يفكِّر في خوض رحلة جديدة نحو المسجد الأقصى قبل أن ينتهى شهر رمضان، فقد اعتاد على شدِّ الرحال إلى القدس المحتلة منذ كان صبيا قبل عشرة أعوام. في البداية، عاد موسى معنا بذاكرته إلى رحلته الأولى نحو القدس، التي قال إنه وعى فيها ماذا يعني الوصول إلى الأقصى، فقال: "كنت آنذاك في الصف الثاني الثانوي، ووصلت وحدي إلى المسجد، وشعرت دون مبالغة بروحانية وطمأنينة وسكينة لم أجدها في مكان آخر من قبل". من ذاكرته أيضا، حكى موسى عن رمضان لعامَيْ 2016 و2017، حيث تمكَّن من الاعتكاف طيلة شهر رمضان في المسجد الأقصى آنذاك. "كان بقائي لمدة 30 يوما داخل الأقصى بمنزلة حياة في قطعة من الجنة، فكلما زادت مرات الوصول إلى الأقصى، زادت مشاعر التصاقي بهذا المكان".

 

بيد أن أصعب المواقف مرَّت بموسى عام 2019، يوم قرَّر أن يمارس شعائره المعتادة في رمضان بالذهاب يوميا إلى المسجد الأقصى، لكن الوقوع من الجدار أصابه بكسور في يده وقدمه، وقد روى تفاصيل ذلك العام الحزين قائلا: "صعدت إلى الجدار بواسطة حبل، وعندما انتصفت المسافة قُطع الحبل فجأة، فوقعت وكُسِرت يداي وقدمي. لقد كانت ضربة حامية، ورغم اشتداد الألم واصلت الوصول إلى الأقصى، وحين راجعت عيادة المسجد طُلِب منى العودة إلى رام الله بسرعة من أجل جبر كسوري".

 

كان موسى ناصر ضمن المجموعة التي وصلت إلى الأقصى قبل أسبوع واحد من شهر رمضان الحالي، وقد حاول الوصول إلى المسجد عدة مرات في الجمعة الأولى من رمضان، حتى وصل إلى جدار بلدة الرام الواقعة شمالي القدس، وصعد إلى الجدار هناك بواسطة حبل مجددا، لكنه لم يقع هذه المرة، بل وجد أن قوات الاحتلال وضعت سياجا جديدا في سابقة من نوعها. لم ييأس موسى، فذهب مع رفاقه إلى فتحة "نعلين" (شمال غرب رام الله)، ثم فتحة بلدة "المدية" (غرب رام الله).

 

في الليلة الأخيرة لمحاولاتهم، وقعت عملية الشهيد "رعد حازم" في شارع "ديزنغوف" بوسط تل أبيب، وشعر موسى حينئذ أن هناك المزيد من التشديد والخطر قادم في الطريق انتقاما من الفلسطينيين، ما دفعه للعودة إلى منزله على أمل النجاح في مرة أخرى قريبة. في ختام حديثه، أخبرنا موسى: "لدي خبرة بالجدار منذ عام 2012، وكنت أعرفه قبل وجود الفتحات. لم يوضع سياج مثل ذلك من قبل، لكن بعد العمليات الأخيرة يبدو أن التشديد الإسرائيلي لمنعنا من الوصول إلى الأقصى سيزداد، بيد أن هذا لن يعوق محاولات الرباط في الأقصى".

المصدر : الجزيرة