يستخدمها عشرات آلاف العمال الفلسطينيين رغم مخاطرها.. الاحتلال يغلق 270 فتحة في الجدار الفاصل

يقرأ البعض التشديد الاسرائيلي الكبير في إغلاق فتحات مرور العمال بالكامل وملاحقتهم، والحملة الإعلامية التي يشنها الاحتلال ضدهم، في سياق امتصاص غضب المجتمع الإسرائيلي بعد سلسلة العمليات الفدائية التي وقعت في الداخل وأدت إلى مقتل 11 اسرائيليا في الشهر الأخير.

بعض العمال يجتازون السياج على معبر الطيبة عبر فتحات أحدثوها فيه محاولة لتلافي الأزمة التي يخلقها الإسرائيليون
عمال فلسطينيون يجتازون الجدار الفاصل بمعبر الطيبة عبر فتحات أحدثوها للوصول إلى أعمالهم (الجزيرة)

رام الله- منذ أيام يستيقظ أهالي بلدة حبلة، جنوبي غرب مدينة قلقيلية بالضفة الغربية، على أصوات الرصاص وقنابل الغاز التي يطلقها جنود الاحتلال على مئات العمال الفلسطينيين الذين يحاولون عبور ثغرة في جدار الفصل العنصري (يطلق عليها اسم الفتحة).

وفتحة الجدار هذه واحدة من أكثر من 270 ثغرة أحدثها الفلسطينيون على طول الجدار والسياج العازل الذي بنته إسرائيل على الخط الأخضر الفاصل بين الأراضي المحتلة عامي 1967 و1948، والممتد على طول الضفة الغربية، ويستخدمها الفلسطينيون الذين يعملون في إسرائيل بصورة غير نظامية، أي الذين يحرمهم الاحتلال من الحصول على تصاريح عمل رسمية.

وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر (الكابينيت) اتخذ في 30 مارس/آذار الماضي قرارا بإغلاق كافة ثغرات الجدار، ضمن مجموعة من قرارات العقاب الجماعي التي أقرها بعد العملية الفدائية التي نفذها الفلسطيني ضياء حمارشة في منطقة "بني براك" بتل أبيب وقتل فيها 5 إسرائيليين.

وخلال السنوات الأخيرة شكّلت هذه الفتحات طريقا لآلاف العمال الفلسطينيين لكسب رزقهم، وخاصة العمال الذين ترفض إسرائيل منحهم تصاريح عمل بحجة "المنع لأسباب أمنية".

الجدار الفاصل في منطقة فرعون قرب طولكرم وفيه أشهر الفتحات وأكثرها قربا إلى فلسطين 48 (الجزيرة)

100 ألف عامل

وتتضارب الإحصائيات الرسمية مع إحصائيات هؤلاء العمال، فبينما تقول وزارة العمل أن أعدادهم تصل إلى 40 ألفا، تشير أرقام "اتحاد نقابات عمال فلسطين" إلى قرابة 100 ألف عامل يعبرون ثغرات الجدار الفاصل يوميا.

وبحسب رئيس الدائرة القانونية في الاتحاد محمد البدري، فإن العدد كان يقارب 40 ألفا ولكنه تضاعف خلال فترة انتشار وباء كورونا (2020-2021)، حتى وصل إلى قرابة 100 ألف عامل، من بينهم من يعمل في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.

وتمنح إسرائيل 120 ألف عامل فلسطيني فقط تصاريح رسمية للعمل في مستوطناتها وداخل الخط الأخضر، من بينها تصاريح عمال الضفة الغربية وقطاع غزة الخاصة، وتصاريح للتجار الفلسطينيين تُمنح عبر الغرف التجارية بمدن الضفة الغربية.

وأشار البدري في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذه الفتحات (ثغرات الجدار) كانت قبل إغلاقها سبيلا مريحا نوعا ما للعمال الذين كانوا يضطرون، بسبب عدم حيازتهم على تصاريح، للمبيت لفترات طويلة في أماكن عملهم وفي ظروف صعبة مع ملاحقات من الشرطة الإسرائيلية.

ويعتقد البدري أن إغلاق هذه الفتحات لن يمنع العمال من محاولة الوصول إلى أعمالهم حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، فالبدائل لديهم معدومة "خاصة أن سوق العمل الفلسطيني ميت"، على حد وصفه.

رغم المخاطرة.. لا خيار

محمد علي (اسم مستعار) من بلدة تِل غربي مدينة نابلس، واحد من هؤلاء العمال الذين لا يجدون سبيلا سوى عبور ثغرات الجدار، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة بالضفة وارتفاع الأسعار وتزامن إغلاق الفتحات مع شهر رمضان وتكاليفه المرتفعة.

اعتاد علي المرور من خلال فتحة الجدار قرب ما يُعرف بـ "حاجز الارتباط" عند مدخل مدينة قلقيلية شمال الضفة، ولكن بسبب التشديد العسكري الإسرائيلي وإغلاق الفتحة، لم يتمكن من الوصول إلى مكان عمله منذ إعلان الإغلاق سوى مرتين خلال الأسبوع الأخير.

وحاول علي (35 عاما) مرارا الحصول على تصريح للعمل بشكل رسمي لكن الاحتلال رفض طلبه. ومع انتشار الفتحات بات يفضّل المرور عبرها، خاصة أن التصاريح الرسمية تكلّفه الكثير في ظل تحكّم ما بات يُعرف بـ" سماسرة التصاريح".

ويعمل هذا الشاب في البناء، وهو القطاع الذي يشتغل به 70% من العمال الفلسطينيين. وفي العادة يخرج من بيته الساعة الرابعة فجرا، ولكن مع إجراءات التشديد والإغلاق الجديدة صار يصل إلى الثغرة المتاحة الساعة الثانية فجرا، أي قبل موعد انتشار جنود الاحتلال.

وقال علي للجزيرة نت "بمجرد اقترابنا من الجدار يبدأ إطلاق النار باتجاهنا، لكن لا يوجد لدينا خيار آخر سوى المحاولة يوميا".

فتية فلسطينيون يحدثون خرقا في الجدار العازل لتسهيل دخو العمال
فتية فلسطينيون يحدثون خرقا في الجدار العازل لتسهيل دخول العمال (الجزيرة)

الحفاظ على لقمة العيش

في قرية نعلين غربي رام الله، لم يكن الحال أفضل، فقرب فتحة الجدار التي تعتبر الأشهر في منطقة وسط الضفة الغربية، ويقصدها العمال من محافظة رام الله والبيرة ومن جنوب نابلس. يقول سكان البلدة إن أصوات إطلاق قنابل الغاز والرصاص لا تتوقف منذ أيام في فترة الفجر.

وقبل يومين أصاب الاحتلال 3 من العمال بالرصاص المطاطي، كان من بينهم الشاب محمود خليل، ولكن عندما تواصلت "الجزيرة نت" معه في اليوم التالي، كان قد وصل إلى مكان عمله، وقال موضحا "خرجت من البيت الساعة 12 ليلا، وأنا مصاب، لأتمكن من الوصول للعمل قبل تمركز جنود الاحتلال على الفتحة".

خليل (26 عاما)، متزوج ولديه طفلة تبلغ من العمر 9 أشهر، ويقول إن عمله في ورشة إسرائيلية هو مصدر رزقه الوحيد، ففي الضفة وإن وجد عمل فإن أجره لا يكفي أجرة البيت الذي يسكنه. و"في ظل الغلاء الذي نعيشه بالكاد أستطيع تغطية مصاريف المنزل والعائلة".

وبحسب خليل، فإنه محظوظ لأنه تمكن من العبور، فمئات العمال من قريته والقرى المحيطة لم يعملوا منذ أيام، و"العمل في إسرائيل وفق نظام "المياومة" من يعمل يحصل على أجر، ومن يتغيب عن عمله يستبدله صاحب العمل بآخر، وهو ما يجعلنا نخاطر بحياتنا للحفاظ على مصدر رزقنا".

إسرائيل تستفيد من الفتحات

ويقرأ البعض التشديد الإسرائيلي الكبير في إغلاق فتحات مرور العمال بالكامل وملاحقتهم، والحملة الإعلامية التي يشنها الاحتلال ضدهم، في سياق امتصاص غضب المجتمع الإسرائيلي بعد سلسلة العمليات التي وقعت في الداخل الفلسطيني وأدت لمقتل 11 إسرائيليا في الشهر الأخير.

ويقول القائم بأعمال الإدارة العامة لتنظيم العمل الخارجي في وزارة العمل التابعة للسلطة الفلسطينية، عبد الكريم مرداوي، إن "إسرائيل هي المستفيدة من هذه الفتحات وانتشارها".

وأوضح للجزيرة نت أن "التراخي في التعامل مع الفتحات كان يدخل ضمن التسهيلات الاقتصادية للفلسطينيين التي تستخدمها إسرائيل إعلاميا كل حين".

ويعلل مرداوي ذلك أيضا بالحاجة الكبيرة للأيدي العاملة الفلسطينية في السوق الإسرائيلية، وخاصة في قطاع البناء، فهذه الفتحات توفر قرابة نصف عدد العمال، ومن دون أية التزامات مادية من مشغليهم. ففي حال دخولهم بتصاريح رسمية يتحمل المشغلون تبعات مالية كالتأمين الصحي وتعويضات الفصل والتقاعد.

وكل ذلك يجعل مرداوي يتوقع ألا يطول إغلاق هذه الفتحات، "فعلى العكس، تسعى إسرائيل لاستقطاب المزيد من العمال من خلالها في السنوات القادمة" حسب تقديره.

المصدر : الجزيرة