شعار قسم ميدان

ريال مدريد وبرشلونة.. بيدي وبيد عمرو!

ربما تكون تلك هي المرة الوحيدة التي نبدأ فيها حديثنا بصورة. في الرسم التالي توضح خوارزميات موقع "أندرستات" (Understat) عدد وجودة ووضعية كل فرصة أُتيحت للفريقين عبر الدقائق التسعين، وللوهلة الأولى يبدو الأمر محسوما لمَن لم يشاهد المباراة؛ برشلونة كان أفضل، وعلى أقل التقديرات، لم يستحق الخسارة. (1)

عدد وجودة ووضعية كل فرصة أُتيحت للفريقين خلال المباراة  (المصدر: أندرستات)

خطأ مطبعي

يصعب التخيل أن فريقا هُزم بثلاثة أهداف لهدف حظي بعدد أكبر من "الفرص"، وراكم رقما أعلى للأهداف المتوقعة (Expected Goals)، خاصة عندما تضم إلى ما سبق الخط الزمني لهذه الفرص من الموقع ذاته، الذي يوضح أن برشلونة كان متفوقا في إجمالي قيمة الفرص أغلب وقت المباراة.

الخط الزمني لفرص ريال مدريد وبرشلونة عبر الدقائق التسعين  (المصدر: أندرستات)

وحتى الإحصائيات الرقمية الصماء في النهاية تُظهِر تفوق البلوغرانا الرقمي في كل ما شهدته المباراة، من استحواذ، وفرص، وتسديدات إجمالية أو على المرمى، وعدد التمريرات والتوغلات في الثلث الأخير، بل وحتى عدد التمريرات المتتالية المسموح بها للخصم في نصف ملعبه قبل اعتراض اللعب. كل المؤشرات الرقمية ترسم الصورة ذاتها، بالطبع باستثناء عدد الأهداف.

إحصائيات المباراة للفريقين  (المصدر: أندرستات)

طبعا كل ما سبق يفتقد لما يربطه بأحداث المباراة الفعلية. يفتقد للوعاء الذي يحتويه ويمنحه المعنى، يفتقد للسياق.

موجة التدقيق الأولى توضح أن الأساس الذي بُني عليه كل ما سبق ليس أكثر من مجرد خطأ رقمي مطبعي؛ في الصورة الأولى مثلا تلاحظ أن برشلونة سدَّد كثيرا، ولكن كثرة تسديداته لم تكن تعبيرا عن سيطرته أو قوته أو حتى رغبة لاعبيه في الفوز، بل بالعكس تماما، كانت تعبيرا عن اليأس والاستسلام.

الأهم هنا أن فرصة التسجيل الضخمة الوحيدة التي حظي بها الكتلان -إلى جانب الهدف- كانت من موقع تسلل لليفاندوفسكي بعد عرضية رافينيا. هذه اللعبة لم تُحتسب فعليا تسللا لأن الحكم المساعد لم يرفع الراية، ولذلك استؤنف اللعب بضربة مرمى مباشرة رغم أن الإعادة أوضحت تقدُّم البولندي عن آخر مدافع.

تصحيح هذا الخطأ المطبعي يقلب كل شيء رأسا على عقب؛ فجأة، يفقد برشلونة أفضليته في الفرص والأهداف المتوقعة والخط الزمني للمباراة دفعة واحدة، وهنا تَظهر حقيقة رقمية أخرى أكثر اتساقا مع ما حدث فعليا عبر الدقائق التسعين.

بيد عمرو

ليس احتمالا مستبعدا أن كارلو أنشيلوتّي، أو ابنه دافيدي، قد هاتفا مواطنهما سيموني إنزاغي ليشكراه قبل المباراة. مباراتا إنتر لم تمنحا أنشيلوتّي الخطة المناسبة لمواجهة برشلونة، ولكنهما بالأحرى أكَّدتا قناعاته السابقة عن المقاربة الأفضل.

الإيطالي لم يكن ليخطط لمواجهة مفتوحة مع الكتلان، لأنه يعلم مسبقا أنهم أكثر تنظيما، حتى ولو كان تنظيمهم مبالغا فيه أو مملا في كثير من الأحيان، ولكنَّ مواجهتَيْ إنتر في دوري الأبطال منحتاه فكرة جيدة عن حلول تشافي أمام التنظيمات الدفاعية المنخفضة (Low Blocks)، وإصابات الكتلان في الخط الخلفي عَنَت أنه لا يملك الحِدَّة البدنية الكافية للتعامل مع مواقف 1 ضد 1 في التحولات السريعة.

هذه الحقيقة لم تمنع أن يبدأ الميرينغي بضغط عالٍ في أولى الدقائق، وبرسم 4-2-3-1، تمكَّن عبره آل أنشيلوتّي من غلق كل المنافذ للخروج الأرضي بالكرة؛ بنزيما يتأرجح بين قلبَيْ الدفاع، ومودريتش رقيبا لبوسكتس، وكلٌّ من فينيشيوس وفالفيردي على الأطراف في مواجهة روبرتو وبالدي على الترتيب، وتشواميني مع بيدري وكروس مع دي يونغ.

الرسم التكتيكي لضغط ريال مدريد في الدقائق الأولى.  (المصدر: مواقع التواصل)

بحلول الدقيقة الرابعة كان ريال مدريد قد اتخذ قرارا واعيا بتأخير خط الضغط الأول بمقدار 30 مترا تقريبا. نعتبره "قرارا واعيا" لأن برشلونة فشل في الخروج بالكرة خلال الدقائق الثلاث الأولى التي ضغط فيها ريال مدريد بالشكل السابق، ولأن هذه الفترة ليست عيّنة كافية لنتبيَّن ما إذا كان تشافي سيجد حلولا لهذه الكماشة أم لا.

تراجع خط الضغط الأول لريال مدريد في الدقيقة الرابعة.  (المصدر: مواقع التواصل)

الجدير بالذكر هنا أنه على عكس المتوقع، فإن مباريات الخصوم لا تجري في جزر منعزلة؛ بمعنى أنه لا بد أن تشافي وأنشيلوتّي قد شاهدا مباريات الخصم الأخيرة ليتعرَّفا على أبرز مزاياه وعيوبه، وتلك كانت الأفضلية البديهية التي حظي بها الإيطالي على نظيره الإسباني، ومن ثم قرَّر التراجع للخلف ووضع تشافي أمام عجزه المتكرر عن تفكيك التكتلات المشابهة، ولكن بالطبع مع بعض التعديلات المهمة مقارنة بمواجهة إنتر.

تيكي-تاكا الضغط

أحمد وليد، المحلل التكتيكي لموقع "ذي أثلتيك" (The Athletic)، الذي سبق لنا التحاور معه هنا، سلَّط الضوء على تمركز ثلاثي وسط ريال مدريد الذكي خارج الحيازة، في تحليله الذي نُشر عقب المباراة مباشرة. (2)

دعنا نذكرك أولا أن خط وسط برشلونة يعتمد ديناميكية غير معتادة بسبب وجود بوسكتس؛ ففي مراحل البناء -الشبيهة باللقطة أعلاه- يتموقع الإسباني أمام خط دفاعه باعتباره أهم ترس في ماكينة الخروج بالكرة، بينما يتحرك بيدري ودي يونغ/غافي/كيسييه في ظهره لاجتذاب باقي لاعبي وسط الخصم، غالبا في العمق، لتفريغ ما يمكن من المساحة لكلٍّ من دمبيليه ورافينيا للهبوط والاستلام بدورهما.

هذا هو ما عادله آل أنشيلوتّي أثناء الضغط والتنظيم الدفاعي كما أسلفنا، ولكن هذا كله ليس إلا المرحلة الأولى من اللعبة. بعدها يبدأ بيدري ودي يونغ في التحرك رأسيا صعودا وهبوطا لمحاولة تسلم الكرة وكسر الضغط، وهو ما تعاملت معه ثلاثية تشواميني وكروس ومودريتش بامتياز، طبقا لتعليمات مدربهم.

بحلول الدقيقة الرابعة والعشرين، كان بيدري يكرر اللقطة المعتادة التي يهبط فيها في موقع الظهير الأيسر ليتسلم الكرة بلا رقابة، دافعا الظهير للأعلى على الخط، ومن هنا يمكنه إدارة هجمات برشلونة ووجهه لمرمى الخصم، وتكوين ثنائيات التمرير مع باقي اللاعبين الذين يتعرضون للضغط.

كيف تمكن بيدري من الهروب من رقابة تشواميني والتحضير لأول فرصة حقيقية لبرشلونة في المباراة (1).  (المصدر: ذي أثلتيك)
(2)
(3)
(4)
(5)

طبعا كانت تلك هي الفرصة التي أهدرها ليفاندوفسكي من موقع تسلل، ولكن لأن هذا يعني أنه قد يسجلها في المرة القادمة، قرر آل أنشيلوتّي تنبيه تشواميني لمصاحبة بيدري حتى عند هبوطه. أمر بديهي متكرر في كل مباريات برشلونة تقريبا، ولكن على الأرجح كانت هيبة المباراة هي ما أفقد الفرنسي تركيزه للحظات. الأهم أن ما جعل ذلك كله ممكنا كان تقهقر فالفيردي إلى موقع الظهير الأيمن ليتحول خط دفاع الميرينغي إلى خمسة لاعبين.

محاولة تشواميني منع بيدري من الاستلام بعد الهبوط إلى موقع بالدي.  (المصدر: ذي أثلتيك)

فرديات الجماعة وجماعية الأفراد

على عكس ما يبدو، كانت حقوق اللقطة السابقة عائدة إلى الأمير لوكا مودريتش، الذي قام بالتحرك ذاته في بدايات المباراة مُجبِرا بيدري على الهبوط لملاحقته، ولكنه على عكس بيدري في مواجهة تشواميني، تمكَّن من حمل الكرة للمساحة وتجاوز الإسباني الشاب، ليُطلق بعدها أخطر تمريرة في كرة القدم الحديثة، ناقلا اللعب بأكمله إلى الجهة المعاكسة، وواضعا كلًّا من فيرلان ميندي وفينيشيوس جونيور في مواجهة 2 ضد 2 على الخط.

كيف كان هبوط مودريتش مفتاحيا في خروج ريال مدريد تحت الضغط (1). (مواقع التواصل الاجتماعي)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)

دعنا نتوقف هنا لدقيقة ونسألك: هل لاحظت شيئا غير اعتيادي في اللقطة الماضية؟

محلل قناة "The Purist Football" على يوتيوب لفت نظرنا ونظر الجميع إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي حقيقة أن تمركز ريال مدريد كان هدفه نشر لاعبيه في مساحة واسعة نسبيا، مع الاحتفاظ بمسافات رأسية وأفقية أطول من المألوف بين لاعبيهم، وكان ذلك لهدفين مهمين. (3)

المسافات الكبيرة نسبيا بين مواقع تمركز لاعبي ريال مدريد في مرحلة بناء اللعب. (مواقع التواصل الاجتماعي)

الهدف الأول هو إجبار ضغط برشلونة على توسيع مساحته بدوره، وهي فكرة ذكية للغاية في ظل افتقاد ثلاثي وسط الكتلان للحِدَّة البدنية الكافية في سباقات السرعة والصراعات الثنائية، وهو ما أظهر ضغط برشلونة مفككا بلا تأثير حقيقي أغلب أوقات المباراة.

الهدف الثاني يترتب على الأول، فتلك المساحات تسمح للاعبين أصحاب المهارات التقنية المميزة، أي كل لاعبي ريال مدريد تقريبا باستثناء واحد أو اثنين، بتجاوز لاعبي برشلونة كما فعل مودريتش في اللقطة السابقة، عن طريق لغة الجسد الهادئة التي توحي بالتمرير، ثم الانطلاق بسرعة خاطفة للمساحة التي تسمح بتمريرة عكسية متقنة مثل تلك التي نقلت اللعب جهة فينيشيوس وميندي.

الفرد هو خصم الجماعة بطبيعة الحال، وكل محاولة فردية للتقدم بالكرة غالبا ما تخلخل تنظيم الخصم وتدفع لاعبيه للخروج بعشوائية، وهو ما اعتمد عليه أنشيلوتّي هنا، بتوفير الأرضية اللازمة للاعبيه -المساحات- لاستخدام مهاراتهم الفردية في التخطي وحمل الكرة وصناعة التحولات المباغتة، حتى في حالة تتميز عادة بكثافتها العددية وضيق المساحات، مثل بناء اللعب في الثلث الأول "Build Up".

1 ميسي = 2 ميسي!

هذا كله يقودنا إلى أزمة برشلونة التكتيكية التي تجسدت في المباريات الأخيرة أمام التنظيمات الدفاعية المشابهة، ولتفكيكها -صدِّق أو لا تُصدِّق- قد نحتاج إلى العودة في الزمن.

برشلونة يخرج بالكرة، تمر عبر بوسكتس إلى ميسي مباشرة بتمريرة عمودية، ثم غالبا ما يصطدم به رقيبه من الخلف في محاولة لتعطيله قبل أن ينضم إليه باقي الزملاء. في هذا الزحام يرفع ميسي عينه ليكتشف أن اللاعب الوحيد الذي ينوي مهاجمة المساحات خلف خط دفاع الخصم هو جوردي ألبا.

(غيتي إيميجز)

على عكس ما يدركه أكثر الناس، فإن تلك الثنائية التي تكونت بين صانع الألعاب الأرجنتيني والظهير الإسباني كانت وليدة الضرورة؛ ميسي لم يكن أبدا يحاول اللعب مع الظهير العكسي، بل بالعكس اشتهرت ثنائيته مع ألفيش على اليمين، التي تمكنت من الخروج من أعتى مواقف الضغط، وكسر أكثر التكتلات الدفاعية تنظيما.

ولكن بعد انهيار المنظومة وزيادة الاعتمادية على البرغوث، دخل برشلونة في دائرة جهنمية مفرغة؛ فالجميع ينتظر الحل من ميسي، ولا أحد يرغب في تحمل مسؤولية أي تحرك أو لمسة إضافية، ولا يمتلك المدربون الشجاعة الكافية للمخاطرة، وهذا ترك الحل الوحيد على عاتق الظهير المعزول على الطرف العكسي بلا رقابة أغلب الوقت.

هذه المنظومة المعطوبة التي وصل إليها برشلونة رغما عنه، وبفعل تعاقدات جنونية غير مدروسة، ومدربين يهتمون بالحفاظ على وظائفهم أكثر من أي شيء آخر، هي المنظومة الهجومية ذاتها التي توصل إليها تشافي بمجهوده الخاص. الفارق الأهم هنا أن بعض الإصابات المباغتة أثناء التوقف الدولي ساعدت على ذلك، بالإضافة إلى جدول قاسٍ شمل عدة مباريات كبيرة تواليا، ومجموعة صعبة بدوري الأبطال، وسيلا من الأخطاء الفردية المستفزة.

برشلونة فريق منظم لدرجة الملل مع تشافي؛ هيكله الهجومي معروف بأفراده وأدوارهم، وهو ما يجعله متوقعا بدرجة غير مسبوقة، فمع الوقت، تحوَّل كلٌّ من رافينيا ودمبيليه إلى ميسي جديد على كل جبهة. الفارق هنا أن إمكانياتهما في المراوغة والتحضير وصناعة الفوضى لا تُقارن بالساحر الأرجنتيني.

في وجود جناحين خلاقين مثل البرازيلي والفرنسي، يُفضِّلان اللعب خلف الكرة قبل الاختراق والتوغل، تكتسب حركات التدوير على الأطراف (Wing Rotations) أهمية قصوى، فمع قدرة الثنائي على اجتذاب واحد من لاعبي الوسط أو الدفاع لأنصاف الفراغات، والهبوط به للسماح للأظهرة بالتقدم، تظهر أهمية التبادل السريع للتمريرات وتحريك لاعبي الخصم لخلق التفوق النوعي، وإيصال الكرة إلى اللاعب الذي يهاجم المساحة خلف خطوط الخصم، وهو ما لا يحدث عادة في مباريات برشلونة، وبالتالي يسهل المأمورية على خصومه لدرجة لا تُصدَّق.

بِيَدي!

في التسلسل التالي مثلا، يتمكن الكتلان من إمالة الملعب إلى جهتهم اليمنى واجتذاب عدد كافٍ من لاعبي ريال مدريد لتحرير بالدي ودمبيليه على الجهة العكسية، ولكن بمجرد وصول الكرة إلى الأخير، توحي لغة جسده بأنه غير مستعد للدوران ومنح الإشارة لبالدي للتحرك في المساحة الضخمة خلف فالفيردي، ببساطة لأنه يفكر في الحل الفردي أولا وأخيرا، وما دامت الوضعية لا تسمح به، فلن يفكر في غيره!

برشلونة يتمكن من إمالة الملعب جهة اليمين وتفريغ الجهة العكسية تمهيدا لمهاجمة المساحة (1). (مواقع التواصل الاجتماعي)
(2)

يمكن استنتاج الكثير من هذه اللقطة تحديدا؛ دفاع ريال مدريد مفكك والفراغات العرضية تسمح بالاختراق، ولكن لسبب ما لم يفكر بيدري في التمرير البيني لدمبيليه خلف كارباخال، ولا حتى بالدي بمجرد استلامه الكرة. السبب بالطبع هو أن دمبيليه لا يفكر في مهاجمة هذه المساحة أصلا، لأن الحرية التي منحها له تشافي، مع رافينيا، حوَّلته إلى مرجعية تكتيكية، وكأن كلًّا منهما أصبح المربع صفر، الذي تذهب عنده الكرة لتبدأ الهجمة من جديد، دون التفكير في مجرد احتمالية البناء على ما سبق.

المساحة كانت سانحة للاختراق ولكن لم يفكر أيٌّ من بيدري أو بالدي أو دمبيليه في مهاجمتها. (مواقع التواصل الاجتماعي)

بدلا من ذلك، مرت الكرة عبر بالدي إلى دمبيليه الذي عاد للداخل تاركا الخط لبالدي، ومرة أخرى، دون أن يحاول استكشاف الحل البسيط السهل الذي يقضي بانطلاق بالدي للمساحة واستلام الكرة في الفراغ المتاح خلف فالفيردي وكارباخال. 3 فرص محققة لاختراق المساحة لم يفكر برشلونة في استغلالها رغم أن الكرة مرت على ثلاثة لاعبين. هذا ما يدفعك للاعتقاد بأنها مشكلة مدرب!

بعدها بدقائق يتكرر الموقف ذاته؛ بيدري يهبط للاستلام كعادته، وأثناء التمرير لبالدي يقوم دمبيليه بأغرب تحرُّك ممكن، يهبط بدوره قاطعا مسار التمريرة ومصطحبا كارباخال إلى أسفل. للوهلة الأولى تعتقد أن التحرك هدفه تغيير الاتجاه المفاجئ ثم الركض في المساحة التي خلَّفها كارباخال للتو بهبوطه، لذا يحتفظ الظهير الإسباني بمسافة كافية بينه وبين الفرنسي لتدارك الخطأ إن وقع، ثم تكتشف أن رأس دمبيليه خالٍ من أي حلول فعلية.

مرة أخرى تسمح الفراغات بتحوُّل دمبيليه إلى مهاجم يركض بين مدافعي ريال مدريد ولكنه يُفضِّل الهبوط وإعادة اللعبة كلها إلى نقطة الصفر. (1) (مواقع التواصل الاجتماعي)
(2)

حتى عندما يسلمه بالدي الكرة ويهم باختراق المساحة يكون دمبيليه قد قرر الدوران ومواجهة العمق دون أن ينظر له، ودون حتى أن يحاول التمرير لرفيقه في مشهد تكرر طوال المباراة تقريبا!

 

فشل دمبيليه المتكرر في التقاط تحركات زملائه لمهاجمة المساحات خلف خطوط دفاع ريال مدريد. (1) (مواقع التواصل الاجتماعي)
(2)

إعادة اختراع العجلة

هذا الجمود التكتيكي المتكرر، والعجز عن إيجاد الحلول لمواقف مشابهة متتالية، يدفعنا إلى طرح السؤال الذي يدور في رأسك الآن؛ هل كان تشافي الخيار الأنسب لبرشلونة؟

دعنا نطرح عليك السؤال بصيغة أخرى؛ هل كنت تعتقد أن مدربا حظي بتجربة واحدة في الدوري القطري، بفريق يفوق كل الباقين قوة وكفاءة وجودة، مناسب لأي فريق كبير في أوروبا؟

لو كانت الإجابة لا، فسنكون قد فكَّكنا المشكلة. المشكلة أن التعاقد مع تشافي كان قائما على احتمالية واحدة فقط أضعف من أن يقوم عليها أي شيء؛ أن نكتشف لاحقا أنه خليفة غوارديولا، وهو ما لم يحدث طبعا، وكان من المنطقي الافتراض بأنه لن يحدث كذلك.

هذا لا يعني أن تشافي مدرب سيئ أو جيد في المطلق، يعني فقط أن الخبرة تنقصه، وأن الخبرة مهمة، والعمر الذي تقضيه في مواجهة المشكلات التكتيكية ومحاولة حلها والتغلب عليها مهم، لأن تلك الذكريات تصنع الحلول لاحقا، وتُضيف إلى صاحبها المعرفة التي تُهدر كرة القدم حقها في عصر المعرفة.

حتى غوارديولا ذاته، الذي تُقاس عليه تجارب مثل تشافي ولامبارد وبيرلو وسولشاير، أصبح مدربا أفضل من ذاك الذي حقق السداسية في أول مواسمه التدريبية، وبما لا يُقاس، نتيجة لمراكمة الخبرات والتجارب، السيئ منها قبل الجيد.

برشلونة لم ينهزم بفعل تنظيم ريال مدريد الرائع وحسب، ولا لأن مدربه أجاد مقاربة المباراة تكتيكيا فقط، برشلونة لم ينهزم بيدي آل أنشيلوتّي، بل أكمل عملهم بأخطاء لم تقل فداحة عن عبقرية مودريتش وحِدَّة فالفيردي البدنية وجودة لاعبي ريال مدريد عموما.

قصة المقولة الأصلية "بيدي لا بيد عمرو" لصاحبتها نائلة الزباء، تحكي عن قضية ثأر مركب، تمكنت خلالها من الانتقام من قاتل أبيها، وهو ما دفع ابنه، عمرو، للثأر منها بدوره، وعندما حاصرها ابتلعت السم بعد أن أطلقت العبارة الشهيرة التي صمدت لقرون. الطريف أن عمرو عاجلها بضربة من سيفه قتلتها قبل أن يسري السم في جسدها. (4)

_______________________________________________________

المصادر:

المصدر : الجزيرة