شعار قسم ميدان

ريال مدريد وبرشلونة.. مصيدة زيدان و10 دقائق من العزلة

ميدان - الكلاسيكو ريال مدريد أسينسيو مودريتش
كعادةِ هذه المباريات، يكون السؤال الأول عن كون السبب: تعملق الريال أم سوء برشلونة. وكالعادةِ أيضًا، غالبًا ما تكون الإجابة هي الاثنين معًا؛ فلم يحدث في التاريخ القريب أن ظهر البلانكوس بهذه الروعة، في الوقت نفسه الذي تضاءل فيه الكتلان لهذا الحجم.

 

وكما هو متوقع، فإن المباراة امتلأت عن آخرها بالمفارقات الساخرة، وكأنها حالة تقمصٍ كاملةٍ بين الفريقين، ظهر فيها ريال زيزو وكأنه برشلونة، والعكس بالعكس، وهو أمر يكاد يصير مُعتادًا في الفترة الأخيرة، حتى لو لم يُواجِه الاثنان بعضهما البعض. لكن حتى في هذه الفترات، لم يحدث أبدًا أن أَعلنتِ الفوارقُ الفنية والبدنية عن نفسها بهذا الوضوح، لدرجة أن المباراة لو أُعيدت ألفَ مرةٍ، لفاز بها الميرينغي في كل مرة.

 

البداية

بدأ فالفيردي مباراته الرسمية الثانية مع الكتلان باستجابة سريعة للمشاكل التي ظهرت في الأولى، وبخط دفاع ثلاثي حَرم الميرينغي من مواجهة بيكيه في المساحات، آمِلًا في انتزاع السيطرة على وسط الملعب بخمسة لاعبين دفعة واحدة، وبداية الباسكي كانت الأهم؛ ببساطة لأنه الطرف المُطالب بِرد الفعل، ولأن خصمه لا يحتاج لأي تعديل على الشكل الذي أَنهى به المباراة الماضية، ولأن المنطق يُقر بوضوح أن التسعين دقيقة المتبقية ستكون إعادة لآخر نصف ساعة في مباراة الكامب نو، أي مزيدًا من التحفظ ومزيدًا من المرتدات القاتلة.

 

تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)

 

خطةٌ بَدت صلبة على الورق، أو على الأقل أفضل من سابِقتها. وبالفعل، نجح فالفيردي في تجنيب مدافعه المواقف الصعبة التي أمطرته بها المباراة الأولى، ولكنه كان الشيء الوحيد الذي نجح فيه تقريبًا، لأن زيدان كان قد أعدَّ مفاجأة جديدة فشِل المنطق وحسابات الورق في توقعها، وهي ضغط هجومي كاسح بإيقاع بدني هيستيري لم يتوقف إلا لالتقاط الأنفاس، مُستندًا على معدل أعمار أفضل وحيوية أكبر وبدنيات أشرس ودكة بدلاء لا تنضب، أو هكذا صارت بفضله.

 

كان ذلك قبل أن يسحق أسينسيو كبرياء الكتلان تمامًا بتسديدة بعيدة مُتقنة تعامل معها شتيغن بسلبية غير مفهومة، ولكنها أثبتت أن القائمة الطويلة السابقة تضم الفنيات الأرقى كذلك، ليعلن أن الفريق الذي فشل في التسجيل إلا من ركلة جزاء في 90 دقيقة على ملعبه، أصبح بحاجة لتسجيل ثلاثة أهداف على الأقل ليؤجل الهزيمة الحتمية للأشواط الإضافية.

 

على العكس من فالفيردي الذي أعاد راكيتيتش لمركزه الأصلي مع إشبيلية كصانع لعب أمام رباعي الوسط، وروبرتو لمأساتِه الأبدية على الخط كظهير أيمن، دافعًا ميسي كمهاجم ثانٍ إلى جانب سواريز؛ فإن زيدان لم يكن بحاجة لاختراعات جديدة لينسف كل ما سبق، بل إن سياسة وفلسفة زيزو في الريال ترتكز على النقيض في الواقع، فيلعب فاسكيز في مركزه الطبيعي الذي يُفضله وكذلك أسينسيو، والتغيير الوحيد غالبًا ما يكون بعودة كوفاسيتش للارتكاز في ظروف غياب كازيميرو للإيقاف أو الإجهاد.

 

لذا كان من الطبيعي أن يظهر ريال زيزو بهذه الحرية والتدفق والإبداع مقابل التصلب والقيود التي فرضتها ظروف المباراة الأولى على البلاوغرانا، لتضيف قائمة جديدة من الصعوبات لتشكيلة تعاني كما لم تعاني من قبل، وفي كل الخطوط بلا استثناء، ربما للمرة الأولى في العقد الأخير.

 

1+1

بالطبع ستصيبك الحيرة قبل أن تحدّد النقطة التي يمكن الانطلاق منها لتلخيص ما حدث، وسيتكرر السؤال نفسه في كل مرة، فهل فاز الريال بالاستحواذ للمرة الأولى منذ 10 سنوات لأن بوسكيتس كان أكثر مَن فقَد الكرة في الملعب، أم لأن خط وسط الريال مجتمعًا لم يفقدها بنفس القدر؟ وهل خسِر البرسا لأن سواريز فشِل في التسجيل من 5 تسديدات، أم لأن بنزيما سجل من 4؟ لأن أقل تقييم حصل عليه البلانكوس كان أعلى من أعلى تقييم حصل عليه الكتلان أم العكس؟

 

بوسكيتس فقد الكرة 6 مرات مقابل 4 فقط لمودريتش وكروس وكوفاسيتش مجتمعين (هوسكورد)
بوسكيتس فقد الكرة 6 مرات مقابل 4 فقط لمودريتش وكروس وكوفاسيتش مجتمعين (هوسكورد)

 

كلها نقاط صغيرة تجمَّعتْ في الجدول لتصنع السيل، ولتُقر واقعًا جديدًا في التاريخ الحديث لمواجهات الفريقين، مفاده أن ريال زيزو أصبح أقوى من أن يتأثر بغياب رونالدو حتى لو كان ذلك في الكلاسيكو، وأن البرسا صار أضعف من أن يستفيد من حضور ميسي بالعكس، في مفارقة أخرى انفرد بيها زيدان لنفسه وكأنه يعيد إثبات البديهي مجددًا، وهو أنها ما زالت لعبة جماعية رغم كل شيء، وحتى في وجود أشرس ثنائية فردية في التاريخ.

 

تفوقُ الميرينغي على برشلونة في عدد التمريرات القصيرة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة يوضح حجم الطفرة التي شهدها تحت قيادة زيزو (هوسكورد)
تفوقُ الميرينغي على برشلونة في عدد التمريرات القصيرة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة يوضح حجم الطفرة التي شهدها تحت قيادة زيزو (هوسكورد)

 

للدهشة؛ فهي النظرية نفسها التي بَنى عليها الكتلان نجاحهم في العقد الماضي، وحان الآن دور خصومهم لتطبيقها بدورهم، وباستخدام العناصر نفسها تقريبًا، حتى وإن اختلفت التفاصيل، فللاستثنائية عدة أوجه لا يشترط أن تَتطابق، ولأن زيدان تعامل مع ما يملك بلا عُقد وببساطة مبهرة، جعلته يحصل على أقصى ما يمكن الحصول عليه في كل موقع من الملعب. وعلى العكس، ما زالت كتالونيا تبكي على أطلال تشافي وإنييستا والتيكي تاكا التي فقدت أغلب مقوماتها، في بحث محموم عن البدائل المشابهة والأسماء اللامعة التي غالبًا ما تعني مزيدًا من الترقيع ومزيدًا من الاختراعات، متناسين أن العناصر المتاحة تأتي أولًا، وهي ما يمنح أي فريق شخصيته وأسلوبه وطريقة لعبه، وكرة البلاوغرانا الشهيرة لم تكن يومًا من استثناءات تلك القاعدة.

 

10 دقائق من العُزلة

المعادلة بسيطة، إذا كنت من أنصار الكتلان فستتمكن من إحصاء خمسة أو ستة أسماء على الأقل يمكنها صناعة الفارق للميرينغي، بينما كانت قائمة زيزو لبرشلونة قصيرة نوعًا، في الواقع هي لم تكن قائمة بل ورقة صغيرة تتضمن اسمين فقط لا غير؛ بوسكيتس وميسي.

 

من هنا أتت خطة زيدان المحكمة، فكما استغل قدرات فريقه الفنية في الاستحواذ والضغط المستمر على دفاع الكتلان وتدوير الكرة، كذلك انقسمت خطته لمرحلتين رئيسيتين حال فقدانها؛ الأولى هي مهاجمة بوسكيتس باعتباره العنصر الوحيد المتبقي القادر على التعامل مع الضغط وإخراج الكرة من الخلف للأمام بعد رحيل ألفيش وغياب إنييستا، وبالطبع ساهمت في ذلك سطحية تحركات ثنائي الوسط المرافق غوميش وراكيتيتش، فالأول ما زال يؤكد على ضرورة استقالة مجلس بارتوميو كاملًا فقط لأنه أتى به من فالنسيا، لأن صانع الألعاب البرتغالي كان أقل من لمس الكرة من الفريقين (31 لمسة)، وهو رقم يصعب إدراك فداحته إلا إذا وُضع جنبًا إلى جنب مع عدد لمسات شتيغن (30 لمسة).

 

نافاس لمس الكرة 41 مرة مقابل 31 فقط لغوميش، وهو ثلث عدد لمسات مودريتش تقريبًا وأقل من نصف عدد لمسات كل من كروس وكوفاسيتش (هوسكورد)
نافاس لمس الكرة 41 مرة مقابل 31 فقط لغوميش، وهو ثلث عدد لمسات مودريتش تقريبًا وأقل من نصف عدد لمسات كل من كروس وكوفاسيتش (هوسكورد)

 

انتهت المرحلة الأولى بنجاح منقطع النظير نسف كل ما بناه فالفيردي على الورق قبيل المباراة، فبينما كان الباسكي يَظن أن البرسا ما زال يمتلك بقايا منظومة اللعب التموضعي والخروج بالكرة التي بناها بيب، كان زيدان يعلم يقينًا أنَّ أيَّ منظومة لها عِدة شروط لتنجح، أولها أن تكون منظومة من الأساس، وألا تقتصر على لاعب واحد فقط لا غير.

 

النتيجة أن المتوقع قد حدث، وميسي الذي دفع به فالفيردي كمهاجم ثانٍ لم يلمس الكرة مطلقًا في الدقائق العشر الأولى بسبب انعدام التمويل، وهذا لم يكن ليعني إلا المزيد من الحرية لدفاع الميرينغي. والأهم، أنه عَنَى أن وقت تنفيذ المرحلة الثانية قد حان، فبعد 10 دقائق من العزلة، كان ميسي يشق طريقه للوسط بحثًا عن الكرة، ليخطو مجددًا إلى المصيدة نفسها التي أعدها له زيزو في مباراة الذهاب، تاركًا سواريز فريسة سهلة بين قلبي دفاع يحظيان بتغطية إضافية استثنائية من أفضل ظهيري طرف في العالم.

 

بعد عشر دقائق من العزلة اضطر ميسي للهبوط لعمق الوسط ومن حينها أتت أغلب لمساته في مناطق بعيدة عن مرمى نافاس (هوسكورد)
بعد عشر دقائق من العزلة اضطر ميسي للهبوط لعمق الوسط ومن حينها أتت أغلب لمساته في مناطق بعيدة عن مرمى نافاس (هوسكورد)

 

عاد فالفيردي للمربع رقم صفر، ووجد نفسه في إعادة ثقيلة للمباراة الأولى، ولكن بلا أي مردود هجومي على الأطراف هذه المرة، بل وأمام خصم أكثر شراسة وإيجابية واندفاعا، فما كان منه إلا أن أقحم ديلوفو وسيميدو في التشكيل ليعود إلى قواعد 433 سالمًا، معلنًا الاستسلام لمصيدة زيزو الذي حرمه حتى من حق تغيير الخطة.

 

المثير أن هذا كله لم يمنع الكتلان من تهديد مرمى نافاس، بل ربما تساووا في عدد الفرص المحققة مع الريال، قبل أن يتكفل بها مزيج من الرعونة وسوء الطالع، كان الأوروغواياني بطله الأبرز كعادته مؤخرًا، بل ولم ينجح في فكه ميسي نفسه، لأنها لعبة احتمالات في النهاية، وأي خطة محكمة يمكنها أن تقلل هذه الاحتمالات أو تزيد من صعوبتها، ولكن لا يوجد خطة واحدة في العالم قادرة على إلغاء الخصم تمامًا مهما بلغت الفوارق، وما رجح كفة الميرينغي أن أهم هذه الفوارق كان واقعًا على الخط؛ في رأس مدربه ودكة بدلائه.

 

كوفازيميرو وراكيتينو

يسهل على المتفرّج العادي أن يتخيل أن كوفاسيتش لعب في موقع الارتكاز منذ نعومة أظفاره، وبالعكس سيوحي له أداء راكيتيتش المزري أنه قضى حياته في دور مدمر الهجمات الذي حصره فيه إنريكي بمجرد وصوله في 2014.

 

الحقيقة أن الثنائي بدأ مسيرته في مركز صانع اللعب المتأخر (CM)، بل إن راكيتيتش سطع في الأصل كصانع لعب صريح أمام ثنائي الارتكاز في إشبيلية، أي المركز نفسه الذي أقحمه فيه فالفيردي في مباراة البرنابيو، وحقيقة أن الكرواتي قدم أسوأ عروضه على الإطلاق منذ انضمامه والعكس مع مواطنه تقودنا إلى قيمة مهمة لا تعرف عنها كتالونيا الكثير؛ التوظيف.

 

يكشف كوفاسيتش عن فنيات مبهرة في كل مباراة، وذلك لأنه أتى إلى الريال في عمر العشرين وكان مستعدا للتطور والتعلم من أجل المشاركة (رويترز)
يكشف كوفاسيتش عن فنيات مبهرة في كل مباراة، وذلك لأنه أتى إلى الريال في عمر العشرين وكان مستعدا للتطور والتعلم من أجل المشاركة (رويترز)

 

راكيتيتش أتى في الأساس لتعويض تشافي، قبل أن يتراجع مردود ألفيش البدني في سنواته الأخيرة، ومن ثم قدرته على تأدية مهامه الدفاعية، وهو ما أوحى لإنريكي باستغلال قدرات الكرواتي البدنية في التغطية عليه وإطلاق لجامه على الخط؛ دورٌ برع فيه بشدة في الموسم الأول مكونًا ثلاثية نارية مع البرازيلي والبولغا، ثم بدأ رحلة السقوط من حينها، ومع الوقت تحول إلى المصب الأول للعنات الكتلان كلما شارك، لقد وصل الأمر لدرجة أنه لم يعد قادرًا حتى على الاضطلاع بمهام مركزه الأصلي.

 

المثل تقريبًا حدث مع كوفاسيتش الذي يكشف عن فنيات مبهرة مع كل مباراة، ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل، لأنه أتى إلى الريال في عمر العشرين وهو مستعد للتطور والتعلم من أجل المشاركة، واتسم مدربه بالذكاء في تعامله النفسي مع الأمر، فمنحه الحرية في مباريات أخرى أسهل واستخدمه بديلًا لكازيميرو كلما احتاجه، والأهم أن زاد الميرينغي المتجدد على الدكة سمح لزيزو باعتبار التجربة كلها من قبيل الترف التكتيكي إن جاز التعبير، وبعكس راكيتيتش الذي لم يملك رفاهية الاعتراض في ظل محدودية القائمة وفقر البدلاء، ولا أدلَّ على ذلك من إصرار زيدان على عودة لاعب ارتكاز فطري كماركوس يورنتي بعد فترة إعارة ناجحة مع ألافيش، ليوفر بابًا احتياطيًا للخروج حال فشلها.

 

أما الثاني، فقد أتى بعد أن صنع اسمه في إشبيلية وشالكة من قبله، وبعد سبع سنوات من اللعب في الدرجات الأولى اكتسب خلالها أغلب ما يمكنه اكتسابه من خبرات، ورغم وضوح نتيجة التجربة بعد عام الثلاثية الرائع الذي عقبه موسمان من التراجع الكارثي، إلا أنهم يستعدون الآن لتكرارها بالتفاصيل نفسها مع كوتينيو ذي الخمسة وعشرين عامًا، والذي مرّ بالتجربة نفسها مع رودغرز في ليفربول وانتهت لإعادته لمركزه المفضل كصانع لعب متحرر من المهام الدفاعية، والسبب الوحيد الذي يغري البرسا بالرهان على نجاحها هو نجوميته ولمعان اسمه مقارنة بغيره من البدائل، وعلى حساب حاجات الفريق الحقيقية، بالضبط مثلما كان يفعل الريال قبل زيزو.

 

أرقام مبهرة

 – أعلى تقييم رقمي حصل عليه لاعب لبرشلونة من موقع "هوسكورد" (Whoscored.com) كان 6.7 والمدهش أنه كان من نصيب روبرتو الذي لم يظهر بشكل جيد رغم اجتهاده.

 – أقل تقييم رقمي حصل عليه لاعب لريال مدريد من موقع "هوسكورد" كان 7.1 باسم راموس وكوفاسيتش للدهشة، الأعلى ذهب لبنزيما 8.4 وتلاه كل من أسينسيو وفاران 8.

 – ثنائي المنتخب الإسباني بيكيه وراموس كانا اللاعبين الوحيدين في المباراة اللذان لم يقوما بعمل تدخل دفاعي واحد، ماسكيرانو كان الأكثر بـ7 تدخلات تلاه مارسيلو 6 وفاران 5.

 – أكثر لاعبي المباراة اعتراضًا للكرة كان مناصفة بين كارفاخال وفاران وروبرتو وأومتيتي بثلاث مرات، وانضم لهما كازيميرو بالعدد نفسه رغم مشاركته لنصف ساعة فقط.

 – أكثر اللاعبين لمسًا للكرة كان بوسكيتس(89) تلاه مودريتش(80) وأومتيتي(78).

 – أكثر اللاعبين فقدًا للكرة من برشلونة كانا بوسكيتس(6) وميسي(5) وبنزيما من ريال مدريد(6).

المصدر : الجزيرة