شعار قسم ميدان

أطفال في سن الثلاثين.. ماذا تعرف عن متلازمة بيتر بان؟

بيتر بان

– هل سترسلينني إلى المدرسة؟ سأل بيتر بان بمكر.

* أجل.

– ثم إلى المكتب؟

* أظن ذلك.

– وهل سأصبح رجلا في وقت قريب؟

* قريبا جدا.

– فقال لها بانفعال: "لا أريد الذهاب إلى المدرسة وتعلم أشياء جدية، ولا أريد أن أكون رجلا يا أم ويندي، الويل لي إن استيقظت لأجد لحية قد نبتت لي".

* قالت ويندي تُهدّئه: "بيتر، سأحبك باللحية"، ومدّت السيدة دارلينغ (أم ويندي) يدها إليه، لكنه رفضها.

– ولكن، أين ستعيش؟

* مع تينكر بيل في البيت الذي بنيناه لوندي، سترفعه الجنيات عاليا على أغصان الشجر العالية حيث ينمن ليلا(1).

في 27 ديسمبر 1904، قدّم الكاتب الإسكتلندي "جيمس ماثيو باري" لأول مرة في لندن روايته "بيتر بان وويندي"، شخصية بيتر بان، ذلك الطفل الذي لا يرغب في أن يكبر أبدا، يطير من نافذة منزله عندما يسمع والديه يتحدثان عما سيتعَيَّن عليه القيام به حين يصبح بالغا، فيهرب من هذه المسؤوليات ومن عالم الكبار ليعيش في جزيرة "نيفرلاند" مع الجنّية "تينكر بيل". عُرفت القصة الكلاسيكية بشكل واسع بعد أن قدمت "ديزني" نسخة كرتونية منها عام 1953، لتصبح الشخصية الشهيرة جزءا من أوهام ملايين الأطفال حول العالم، لكن يبدو أنها لم تراود أحلام الأطفال فقط(2).

 

بيتر بان يعيش بيننا

رجل حزين

في عام 1983، وبينما كان عالم النفس "دان كيلي"، ذو الواحد والأربعين عاما، يعمل على إعادة تأهيل الشباب الذين يواجهون بعض المشكلات، لاحظ كيف يرفض عدد كبير منهم قبول مسؤولياتهم، فكتب حول هذه الظاهرة، ولم يجد أنسب من شخصية "بيتر بان" لتعبر عنها، فصاغ مصطلح "متلازمة بيتر بان"، ليشير إلى الأشخاص الذين يتهربون من تحمل مسؤولياتهم.

 

قدم دان كيلي كتابه بعنوان "متلازمة بيتر بان: الرجال الذين لم يكبروا أبدا"، الذي أصبح من بين أكثر الكتب مبيعا على مستوى العالم، حيث وُزعت أكثر من 20 مليون نسخة منه في مختلف البلدان، وتُرجم إلى أكثر من 20 لغة. يقدم الكتاب صورة نفسية شائعة بشكل متزايد عن ذلك الرجل الذي يرفض تحمل مسؤولياتٍ تفرضها سنوات عمره(3).

 

غالبا ما تبدأ مرحلة بناء هوياتنا قبل سن البلوغ وتستمر خلال فترة المراهقة عبر سلسلة من التجارب تُسهم كل منها في تعزيز نموّنا النفسي والعاطفي، وشيئا فشيئا نصل إلى مستوى من النضج النفسي يؤهلنا لتحمل المسؤوليات التي نواجهها، لكن البعض لا يخوضون مراحل النضج هذه، ويعزلون أنفسهم عن الواقع ويعيش كل منهم في فقاعة فيظل طفلا، بحيث يبدو في عالمِ اليومِ أن كثيرا من الرجال ممن صاروا على مشارف الأربعين لا يزالون يعيشون كما وصف الكاتب الإسكتلندي "على أغصان الشجر العالية بين الجنيات"(4).

 

لا تعتبر متلازمة بيتر بان اضطرابا أو مرضا عقليا، كما لم يذكر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية أي إشارة إليها، لكن المصطلح أصبح شائعا اليوم، ليفسر سمات شخصية بعينها، ويستخدمه العديد من علماء النفس للإشارة إلى البالغين الذين يُظهرون هذا الخوف والقلق من تحمل المسؤوليات، فيبدو وكأنهم عالقون بإرادتهم في مرحلة المراهقة(5).

 

كيف يبدو بيتر بان؟

 

تظهر السمات واضحة لدى الشخصية الخيالية التي رسمها جيمس ماثيو باري، فأبدع في وصف سلوكياتها. يُبدي أشباه بيتر بان تعبيرا مبالغا فيه عن مشاعرهم، فالفرح يكون كبيرا بحيث لا يمكن السيطرة عليه، والغضب يكون عارما بأكثر مما تستحق الأمور، ينتابهم القلق حين يكونون بمفردهم، ويواجهون صعوبات في الوقت نفسه في تكوين علاقات متوازنة، وهو أمر يبدو طبيعيا، فعدم التوافق بين العمر ومستوى النضج العاطفي يُلقي بظلاله على علاقاتهم.

 

يُظهر من يعانون من هذه المتلازمة أيضا شعورا بالخوف من عدم قبول الآخرين لهم، فيختارون البقاء في مرحلة الطفولة ليستمروا في "اللعب" لبقية حياتهم، يحاولون "إيقاف الوقت" كآلية دفاع غير واعية تُجنبهم مواجهة المشكلات وتحمل المسؤوليات وأي التزام قد يقيد حريتهم، وتلقائيا يلقون باللوم على الآخرين إذا ما حدثت أي مشكلة(6). يفتقر الذين يعانون من المتلازمة أيضا إلى القدرة على التعاطف مع الآخرين، وهم يعيشون في حالة من انعدام الأمن الداخلي حتى مع الكثير من القلق الذي يمكن أن يؤدي على المدى الطويل إلى أعراض الاكتئاب(7)(8).

كتاب

 

حسنا، هل يتعلق الأمر إذن بالرجال فقط؟ حاولت دراسة لباحثين من جامعة غرناطة عام 2007 الجواب عن هذا السؤال، لتكتشف أن المتلازمة يمكن أن تصيب كلا الجنسين، لكنها تظهر أكثر بين الرجال، مع أعراض واضحة أبرزها عدم التسامح تجاه أي انتقاد، ووجود مشكلات كبيرة في التكيف في العمل. كما أوضحت الدراسة أن إحدى السمات البارزة للمصابين أنهم يغيرون شركاءهم باستمرار ويبحثون عن شريكات أصغر سنا، وفسروا ذلك بخوفهم الدائم من تطور العلاقات واتخاذها أشكالا أكثر جدية تتطلب مستوى عاليا من الالتزام والمسؤولية؛ ما يدفعهم للمسارعة إلى إنهائها والبحث عن نساء أصغر سنا ليعيشوا دون أي قلق.

 

المفارقة أن لدى المصابين بهذه المتلازمة خوفا شديدا من الشعور بالوحدة، وهم يحرصون على أن يحيطوا أنفسهم بأشخاص يمكنهم تلبية احتياجاتهم، وهنا يأتي دور الشخصية الأبرز في حياتهم، التي تمثلها ويندي في رواية ماثيو باري الشهيرة(9).

 

الحاجة إلى ويندي

تحكي الرواية كيف يقابل بيتر بان الفتاة "ويندي دارلينغ"، فترافقه إلى نيفرلاند مع أشقائها، ويخوضون معا مغامرات واكتشافات، وخلال الرواية تتصرف ويندي كأمّ لأشقائها ولبيتر بان وكل الصغار في نيفرلاند. هنا تلتقي القصة مع ما يحدث في الحقيقة مرة أخرى، خلف بيتر بان هناك دائما "ويندي" تتخذ له القرارات التي لا يتخذها هو، وتتحمل عنه المسؤوليات التي لا يقوى على تحملها، قد تمثل ويندي شخصيات مختلفة في حياته، فتكون شريكته أحيانا، وقد تقوم الأم بهذا الدور، أو حتى الأسرة بأكملها ككيان في بعض الأحيان.

peter pan and wendy

على أن متلازمة ويندي وبيتر بان شائعة في العلاقات الزوجية بشكل خاص، حيث يؤدي الرجل دور بيتر بان وتؤدي المرأة دور ويندي، وقد يحدث العكس، لكنهما متلازمان، فالأشخاص الذين يرفضون النمو والأشخاص الذين ينمون بسرعة أكثر من اللازم ينجذبون إلى بعضهم بعضا، ويرتبطون بحيث يتغذى كل طرف على الآخر.

 

من الطبيعي في العلاقات الزوجية أن يضطلع كل فرد بدور معين، لكن المشكلة تظهر عندما يتصرف أحد الطرفين بشكل دائم مثل بيتر بان بينما يتولى الآخر دور ويندي؛ ما ينذر باختلال توازن العلاقة وفقدان السيطرة، من يقومون بدور ويندي في العلاقة يخفون شعورا قويا بعدم الأمان، إنهم يخشون من فقدان "بيتر بان" الذي يقومون بحمايته، هكذا تظل ويندي أيضا في حاجة إلى بيتر بان، والعكس أيضا(10).

 

لماذا تحدث هذه المتلازمة؟

يُعتقد أن جذور هذه المتلازمة تبدأ في مرحلة الطفولة، ثم تظهر خصائصها واضحة من سن 12 عاما، وغالبا ما تتسبب فيها الظروف الأسرية التي تصيب الطفل بالقلق، ويشير البعض إلى حدوثها لدى الأطفال ممن أُجبروا على العمل أو تحمل المسؤولية في سن مبكرة، فيحاولون أن يعيشوا مرحلة الطفولة في سن أكبر لم يعودوا فيه أطفالا في الحقيقة.

 

على جانب آخر، يفترض جمع من الباحثين أن المتلازمة قد تحدث نتيجة لطفولة إيجابية يرغب الشخص في الاحتفاظ بها لفترة أطول، مع أطفال لم يعرفوا الإحباط الذي تسببه كلمة "لا"، ولم يضطروا لبذل أي جهد في تحقيق ما يتطلعون إليه، فكانت رغباتهم مشبعة حتى قبل أن يطلبوا ذلك، لقد عاشوا في منازل أسرهم مثل الملوك، كانوا ينمون جسديا فقط، بينما كانوا على المستوى النفسي ضعفاء وغير ناضجين(11)(12).

متلازمة

في الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة غرناطة عام 2007 حول العلاقة بين الإفراط في الحماية وإصابة الأطفال بمتلازمة بيتر بان، أوضحت النتائج أن عددا متزايدا من البالغين يُظهرون سلوكيات غير ناضجة عاطفيا في المجتمع الغربي، يبدو ذلك في عدم قدرتهم على تحمل مسؤوليات الكبار، وحتى في ملابسهم، فيبدون مثل مراهقين وإن تجاوزت أعمارهم الثلاثين، وهذا بسبب الدعم المبالغ فيه من الأسرة وتقديمها حمايةً مفرطة للطفل.

 

في هذا الصدد، يقول "هومبلينا روبلز أورتيجا"، أستاذ العلاج النفسي بجامعة غرناطة وخبير الاضطرابات العاطفية، إن الحماية المفرطة للطفل يمكن أن تؤدي إلى إصابته بالمتلازمة، لأنها لا تترك له مساحة ليكتسب المهارات اللازمة لمواجهة الحياة، كما أن وجود علاقة مختلة في الأسرة وضعف التواصل بين أفرادها يفسح المجال لظهور المتلازمة أيضا(13).

 

وعن انتشارها يقول "ريكاردو تروخيو كوريا"، الأكاديمي بكلية علم النفس بالجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، إن النظر إلى الظاهرة من زوايا مختلفة سيكشف لنا أنها ليست مشكلة فردية فقط، فطول الفترة التي يقضيها البعض في الانتقال من الطفولة إلى مرحلة البلوغ يعود في الحقيقة لانعدام التنمية وغياب العدالة الاجتماعية، لهذا تستمر اليوم فترة المراهقة من 18 عاما إلى ما بعد 30 عاما في المجتمع الغربي.

 

الظروف الاقتصادية أيضا جعلت من الصعوبة بمكان الحصول على عمل جيد يمكّن الشباب من الاستقلال عن الأسرة، فضلا عن انتشار قيم تدعو للاستمتاع الدائم والبقاء نشيطا شابا دون أن تلاحقك الشيخوخة، إنه المجتمع نفسه الذي يخبرك بأن الشباب لا يتعلق بالسن، وإنما بالسلوك، ويعمل بعناد ضد مرور الوقت.

 

يرجع السبب في كل ذلك في رأي تروخيو إلى سمات شخصيات مجتمعِ ما بعد الحداثة التي تتوق إلى المعلومات وتسعى إلى المعرفة وتتهرب في الوقت ذاته من تبعاتها. يبدو أن المجتمع يمر بأحداث دون أن يعيشها، وكأنها محاكاة وليست حقيقة، وعلى حد تعبيره فإن المجتمع هو المصاب بالمتلازمة اليوم وليس الشاب(14).

 

عادةً ما يكون العلاج السلوكي المعرفي هو الأمثل لهذه المتلازمة بحيث يبرز الحاجة إلى تحمل مسؤولية القرارات التي تؤثر في حياة الشخص، مع تقديم توصيات للعائلة لوضع حدود واضحة واختيار آلية إيجابية للحد من سلوكيات الحماية المفرطة التي تُنتج عدم النضج. ولأن المتلازمة نتاج واضح لتنشئة لا تؤدي دورها في تعزيز الاستقلال لدى الفرد، فإن العلاج يتطلب تخلي الزوجين معا عن هذه "اللعبة"، أن يسعى بيتر بان لكي ينضج، وأن تدعه ويندي ينمو، وهذا يعني علاجا نفسيا للشخص الذي يعاني من الاضطراب -بيتر بان- ولشريكه أو أسرته أيضا(15).

—————————————————————————

المصادر

  1. Peter Pan
  2. Síndrome de Peter Pan: El miedo a crecer
  3. El Síndrome de Peter Pan
  4. Síndrome de Peter Pan: El miedo a crecer
  5. El Síndrome de Peter Pan
  6. المصدر السابق
  7. Peter Pan Syndrome “Men Who Don’t Grow”: Developing a Scale
  8. El Síndrome de Peter Pan
  9. Overprotecting parents can lead children to develop ‘Peter Pan Syndrome’
  10. Síndrome de Peter Pan: El miedo a crecer
  11. المصدر السابق
  12. El Síndrome de Peter Pan
  13. Overprotecting parents can lead children to develop ‘Peter Pan Syndrome’
  14. EL SÍNDROME DE PETER PAN NO ES UNA PSICOPATOLOGÍA NI TIENE RELEVANCIA CIENTÍFICA
  15. Síndrome de Peter Pan: El miedo a crecer
المصدر : الجزيرة