بائعة القيمر العراقي مهنة قديمة آخذة بالاندثار.. تعرف على الأسباب

ديالى على الرغم من أنها بلا صوت، فإن موعدها في الخامسة فجرا من كل صباح، المرأة الستينية أم حامد تضع عصابة وتحمل صينية القيمر (قشطة الحليب العراقية) الكبيرة على رأسها، ترافقها حفيدتها تحمل بيديها عدة أوان مملوءة بالدهن الحر (السمن البلدي) والحليب والجبن أيضا.

والقيمر قشطة الحليب المخثرة وهي من الأكلات المشهورة في العراق ويؤكل عادة على الفطور، ويتم تناوله مع الخبز أو الصمون العراقي، وقد يؤكل مع المربى أو العسل أو الكاهي (نوع من الفطائر).

مهن تنقرض

أم حامد تعمل في بيع القيمر لأهالي بهرز (في محافظة ديالى شرقي العراق)، إلا أنها فقدت فجأة مصدر رزقها الوحيد ورزق عائلتها المكونة من 9 أحفاد وأمهم بعد أن توفي ولدها الوحيد في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

تقول أم حامد للجزيرة نت "تهجرت الكثير من المناطق التي أزورها وقلت القدرة المعيشية للبعض الآخر، لم أستطع البقاء في هذه المهنة خاصة بعد أن رفع أصحاب الجواميس أسعار الحليب، وصارت الكلفة أكثر من المكسب، لذا وجب عليّ أن أترك بيع القيمر وأقبل بعمل أحفادي الذكور كحمالين في الأسواق".

سوق الصدرية، أشهر أسواق بغداد، الجزيرة نت
سيدتان عراقيتان تعرضان القيمر على المارة بسوق الصدرية في بغداد (الجزيرة)

الجفاف

وفيما تواجه أم حامد وأحفادها مهمة البحث عن لقمة العيش، اتجهت أم سوسن من أطراف بعقوبة (في محافظة ديالى) إلى بيع 3 من الجواميس التي تملكها فيما نفقت الرابعة.

أم سوسن تحاول التمسك برباطة جأشها وهي تتحدث للجزيرة نت عن أبرز ذكرياتها السعيدة -حسب وصفها- والخاصة بعملها "كنت أستيقظ في الرابعة فجرا، أتفحص ما صنعته من قيمر وأُجهّز ما يجب بيعه في اليوم التالي، وهذا كله من حليب جواميسي الأربع، وتعمد ابنتي إلى صنع الخبز بموقد مصنوع من الطين، بعدها أتجه إلى المناطق القريبة من مركز ديالى لأبيع المنتجات هذه وأشتري بما أجنيه متطلبات العائلة".

وتستطرد أم سوسن أن زوجها من ذوي الاحتياجات الخاصة ولها 5 من الأولاد، 3 ذكور وابنتان، كانوا يعيشون معتمدين على بيع القيمر، حيث كان يدر عليهم مردودا ماليا لا بأس به، إلا أن ذلك انتهى بجفاف المياه وغلاء الأسعار مع زيادة كلفة الأعلاف، وهو ما اضطرها لبيع 3 من الجواميس ثم ماتت الرابعة والتي كانت تسميها الشقرة.

صناعة القيمر

وعلى الرغم من أن أغلب العراقيين يرون أن القيمر أكلة دسمة جدا يتم تناولها صباحا، فإنها تكاد تكون وسيلة الترحيب الرسمية بالضيوف والأعزاء. كما أن القيمر وسيلة ترحاب بالعروس، ولا يكاد يتزوج اثنان إلا وكان القيمر فطورهما الأول.

ويصنع القيمر الذي يصفه البعض بـ"قيمر العرب"، يدويا وبشكل يومي، كما تقول أم سوسن، ولأنها تمتلك من الجاموس 4 فهي تعمد إلى وضع الحليب على نار قوية لمدة 10 دقائق، ويترك الحليب على حرارة القدر بعد إطفاء النار، بعدها يغطى بقطع من القماش ويترك حتى الصباح الباكر، حيث تتحول الطبقة الموجودة على السطح إلى قيمر بحلول الصباح.

خبير الاقتصادي نبيل جبار عزا  تراجع القيمر الشعبي إلى أن تسويقه عبر المتاجر أسهل وأربح للباعة (الجزيرة نت)
جبار عزا تراجع بيع القيمر بالطريقة التقليدية إلى أن تسويقه عبر المتاجر أسهل وأكثر ربحا (الجزيرة)

اقتصاديا؟

تأثير الأزمات الاقتصادية على هذه المهن قد يكون هو السبب الرئيس وراء تراجعها خاصة مع ارتفاع تكلفة النقل في ظل زيادة أسعار الوقود، إلى جانب ارتفاع سعر الأعلاف.

وإزاء تراجع صناعة القيمر، استبعد الخبير الاقتصادي نبيل جبار أن يكون للأزمة الاقتصادية الحالية أثر بصورة مباشرة على تلك المهن، ومنها المهن التراثية المرتبطة (بباعة القيمر العراقي)، أي قد تكون تأثيراتها آنية ووقتية، بسبب ضعف كميات المياه الخاصة لتربية الجاموس أو الأبقار، وقلة الأعلاف بسبب موسم الجفاف، إلا أنها قد لا تكون أسبابا مباشرة في انحسار انتشار مثل هذه المهن".

وعزا الخبير الاقتصادي للجزيرة نت تراجع القيمر الشعبي وتسويقه عن طريق العاملين به إلى أن التسويق عبر المتاجر الرئيسية، أسهل وأكثر نفعا للباعة بدل استمرار تجوالهم اليومي على المنازل، فندرة المنتج اليوم للعوامل التي ذكرناها قد تسهم برفع قيمة السلعة وقد ينتفع منها المنتجون أكثر.

المصدر : الجزيرة