شعار قسم ميدان

قصة "الدرونز القسّامية".. لعبت دورا تاريخيا في طوفان الأقصى

Members of the Al-Qassam Brigades, the military wing of the Islamist movement Hamas, stand next to a drone during a rally in Khan Yunis in the southern Gaza Strip, on July 26, 2022.
استخدمت "كتائب القسام" الدرونز وتمكنت بفضل صغر حجمها وقدرتها العالية على المناورة من مغالطة أنظمة الدفاع الإسرائيلية خلال عملية "طوفان الأقصى". (الصورة: شترستوك)

في يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، نشرت الصحف (1) الإسرائيلية عشرات القصص التي أعادت للأذهان ذكرى الهزيمة الإسرائيلية والانتصار المصري في حرب عام 1973، وركزت العديد من هذه القصص على فشل الاستخبارات الإسرائيلية في توقع الهجوم المصري، مؤكدة أن ما حدث منذ 50 عاما لا ينبغي أن يتكرر مجددا أبدا.

 

ولكن ما إن مضت الليلة حتى استيقظ الجميع في دولة الاحتلال -وسائر العالم- صباح يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول على هجوم مفاجئ اخترق خلاله المقاومون الحاجز الأمني الذي يفصل غزة عن بقية الأرض المحتلة وأمطروا الاحتلال بوابل من الصواريخ، مؤكدين الفشل التاريخي للاستخبارات الإسرائيلية، الأمر الذي عدّه محللون أشد وطأة مما حدث في حرب العبور قبل خمسة عقود.

 

هذا "الطوفان" الذي أطلقته حماس ردا على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى صاحبه تطور حاسم ساهم في نجاح هذه العملية المعقدة؛ ألا وهو استخدام "كتائب القسام" الطائرات المسيرة (2) التي تُعرف بـ"الدرونز"، إذ تمكنت بفضل صغر حجمها وقدرتها العالية على المناورة من مغالطة أنظمة الدفاع الإسرائيلية، التي غرقت في سيل من القذائف والصواريخ والطائرات المسيرة، لتصبح هذه العملية الإعلان الأبرز على دخول حركات المقاومة عصر المسيرات، رغم استخدام حماس لها من قبل بشكل محدود.

 

حماس وتكتيكات الحرب الأوكرانية

قبل سنوات قليلة، تحديدا قبل الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، اعتاد القادة في دولة الاحتلال الإسرائيلي وصف هجمات القسام الصاروخية بأنها مجرد "نيران مزعجة"، يجري إطلاقها عشوائيا، وعلى الأغلب لا تتسبب في وقوع إصابات (3)، وللتخلص من هذا "الإزعاج" أنشأت إسرائيل نظام دفاع صاروخي متطور ثلاثي الطبقات يشمل أنظمة القبة الحديدية ومقلاع داود وحيتس "سهم"، بهدف التصدي للمقذوفات والصواريخ التي تُطلقها المقاومة الفلسطينية على اختلاف مداها.

 

تُعَدُّ القبة الحديدية تحديدا خط الدفاع الإسرائيلي الأول، وهي تستخدم أجهزة الرادار ومنظومات الاعتراض المتطورة لرصد معلومات الصواريخ القادمة فور إطلاقها، بما في ذلك سرعة الصاروخ ومساره، ومن ثم إطلاق الصواريخ الدفاعية المناسبة لاعتراضها وإسقاطها بشكل تلقائي قبل أن تصل إلى وجهتها.

 

بجانب منظومة الدفاع الصاروخي، شيَّدت دولة الاحتلال ما يُعرف بـ"السياج الذكي"، وهو سياج أمني عازل يقع على طول الحدود بين المستوطنات الإسرائيلية وقطاع غزة، وقد جُهِّز بتقنيات أمنية وتكنولوجية متطورة مزودة بمجسات استشعار عن بُعد وأجهزة رصد ورادارات موزعة ما بين أبراج المراقبة وأبراج الحراسة والأبراج الأمنية وأبراج الاتصالات، هذا بخلاف الكاميرات ونقاط إطلاق النار عن بُعد، الأمر الذي يجعل اختراق هذا "السياج الذكي" المصمم بالأساس لتحييد الأنفاق التي تستخدمها المقاومة ومنع تسلل البشر أمرا مستحيلا.

لكن كتائب المقاومة قليلة التمويل صنعت المستحيل وتمكنت من اجتياز دروع الاحتلال البرية منها والسماوية ومجابهة جيش يدّعي أنه الأقوى في الشرق الأوسط. بدأ القتال في السادسة والنصف من صباح يوم السابع من أكتوبر عبر "رشفات" صاروخية كثيفة، وفي الوقت ذاته قامت مجموعة صغيرة من مقاتلي المقاومة بإحداث ثقوب عديدة على طول السياج الأمني الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة، وتسللوا منها عبر الحدود وانتشروا في جنوب الأراضي المحتلة على حدود القطاع، وسرعان ما تغلبوا على حرس الحدود وقوات الشرطة المحلية.

 

بيد أن الانتصار الأهم للمقاومة في ذلك اليوم تمثل في قدرتها على التحليق فوق سماء الأراضي المحتلة واختراق درع إسرائيل الواقي، وسر هذا النجاح يكمن في اثنين من التكتيكات الحربية الجديدة التي تبنَّتها المقاومة (4)، وكانت شبيهة بتلك التي استخدمتها أوكرانيا ضد الأهداف العسكرية الروسية في الحرب الأخيرة.

 

الأول (5) كان استخدام الطائرات بدون طيار لاختراق الأهداف الإستراتيجية وضربها، وهو ما يُمثِّل تحديا لنظام "القبة الحديدية" الدفاعي الذي لم يتطور بشكل كافٍ لمواجهة الطائرات المسيرة، وذلك لأن هذه الطائرات بإمكانها الطيران على ارتفاعات منخفضة بالقرب من الأرض، مما يجعل رصدها من خلال الرادارات أمرا صعبا. أما التكتيك الثاني، فهو توجيه الضربات الصاروخية للتمويه على الهجمات البرية التي استهدفت اقتحام السياج الأمني، الأمر الذي أربك جيش الاحتلال الإسرائيلي وجعله غائبا تماما عن المشهد خلال الساعات الأولى.

 

"المسيرات القسامية".. رهان المقاومة الرابح

(كتائب القسّام تكشف عن منظومة دفاع جوي محلية الصنع)

 

لطالما كانت المواجهات العسكرية بين حركات المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي غير متكافئة؛ نظرًا للتفاوت الكبير في القوة العسكرية بين كلا الطرفين، وظهر هذا الفارق كأوضح ما يكون في القوة الجوية، وهو ما دفع فصائل المقاومة للتركيز على تطوير تقنيات القذائف كحل غير مكلف نسبيا لجسر الفجوة الجوية. وخلال العقدين الأخيرين، تطورت أسلحة المقاومة من العبوات الناسفة وقذائف الهاون مرورا بالصواريخ قصيرة المدى مثل "القسام 1″(6) الذي يصل مداه إلى 5 كيلومترات فقط، وصولا إلى الصواريخ طويلة المدى مثل "عياش 250" الذي يصل مداه إلى 250 كيلومترًا.

(إطلاق صاروخ عياش 250 يستهدف قيادة المنطقة الشمالية في صفد)

 

بالتزامن مع ذلك، أطلقت المقاومة مشروعها الخاص لتصنيع الطائرات المسيرة محليا. وترجع بدايات هذا المشروع إلى العام 2006؛ عندما شرعت كتائب القسام في تنفيذ النموذج الأول لمسيرة من دون طيار عرفت باسم "الطائرة العراقية"(7)؛ وكانت مشروع تخرج لضابط سابق في الجيش العراقي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد. وقد قدم الضابط خبرته هذه لفريق عمل الوحدة الخاصة للطائرات بدون طيار داخل القسام؛ والتي كانت في ذلك الوقت وحدة ناشئة يشرف عليها المهندس التونسي محمد الزواري.

 

كان الزواري قد انضم إلى كتائب القسام سرا في الوقت نفسه تقريبا، وشغل فيما بعد منصب رئيس وحدة الطائرات بدون طيار؛ وإليه يرجع الفضل في تطوير الطائرات المسيرة "القسّامية" منذ كان المشروع فكرة في المهد. وبحلول عام 2014 جاء الإعلان عن أول(8) طائرة مسيرة "قسّام" أصلية في حرب "العصف المأكول"، إذ حلقت المسيرة التي أشرف على تصنيعها الزواري فوق وزارة الحرب في تل أبيب واستطاعت التقاط العديد من الصور؛ نشرت حركة المقاومة بعضا منها في ذلك الحين. وكانت تلك الطائرة تحمل اسم "أبابيل 1″، وأنتجت منها الكتائب ثلاثة نماذج: "طائرة A1A وهي ذات مهام استطلاعية، وطائرة A1B وهي ذات مهام هجومية (إلقاء قنابل)، وطائرة A1C وهي ذات مهام هجومية (انتحارية)".

 

بعد الأبابيل؛ كادت مسيّرات الزواري وغواصاته آلية القيادة لتتوالى تباعا لولا أن الاحتلال باغته بيد الغدر كما اعتاد أن يفعل مع العلماء العرب النابهين في المجالات العسكرية. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016، أُردي الزواري بعشرين رصاصة استقرت ثمانية منها في جسده، وذلك أمام منزله في مدينة صفاقس التونسية؛ وقد نعته كتائب القسّام في بيان خاص واتهمت جهاز الموساد الإسرائيلي بالضلوع في اغتياله.

لم تمت صناعة المسيرات القسامية بموت الزواري؛ ففي أثناء معركة "سيف القدس" عام 2021، أطلقت كتائب القسام (9) طائرات مسيّرة من طراز "شهاب" محلية الصنع استهدفت عدة مواقع إسرائيلية؛ وهي طائرة محملة بالمتفجرات ذات مهام هجومية انتحارية؛ أكثر ما يميزها هو صغر حجمها، مما يجعل من الصعب اكتشافها بواسطة رادارات أنظمة الدفاع.

 

أما مفاجأة "طوفان الأقصى" الحقيقة فقد تمثلت في إطلاق حماس 35 طائرة من طراز (الزواري) في وقت واحد باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية، استهلت بها معارك السبت الميمون، وهي طائرة مسيّرة جديدة سميت بهذا الاسم تكريما للمهندس محمد الزواري وتخليدا لذكراه. و"الزواري" هي مسيرة ثابتة الجناحين، وعلى الرغم من أنها كانت في السابق خاصة بالمهام الاستطلاعية، لكن جرى تطويرها لتصبح ذات مهام هجومية انتحارية؛ وهي بذلك تعد أحدث أسلحة كتائب القسام؛ لكن حتى الآن لم يستطع الخبراء معرفة الخصائص التقنية الخاصة بها؛ مثلا ما إذا كان بالإمكان التحكم بها عن بعد أم لا، وكيف يعمل نظام التوجيه الخاص بها؛ إلا أن هناك بعض التكهنات تشير إلى أن نظام التوجيه جرت برمجته مسبقا بالمواقع الخاصة بالأهداف من خلال إحداثيات نظام التموضع العالمي (GPS) (10).

مسيّرة من طراز "شهاب" محلية الصنع. (الصورة: شترستوك)

 

"الدرونز القسامية".. قدرات متزايدة

ظهرت الطائرات "القسامية" المسيرة في مقاطع الفيديو التي بثتها حماس وهي تُسقط المتفجرات على أبراج المراقبة الإسرائيلية والمراكز الحدودية وأبراج الاتصالات، وهو ما يشير إلى عملية منسقة حددت فيها حركة المقاومة الفلسطينية بدقة مواقع تلك الأهداف، ونشرت أسلحتها بعناية لإصابة منظومة الدفاع الإسرائيلي بالعمى، وهو ما سهل تنفيذ الشطر الثاني من الخطة، وهو السماح للقوات البرية باختراق الحواجز الحدودية دون مراقبة ودون أن تنتبه إسرائيل إلى حجم التوغل في الأراضي المحتلة.

 

في صور الهجوم، نرى العديد من المركبات العسكرية الإسرائيلية وقد تدمرت أو تضررت بشكل بالغ، بما في ذلك دبابات القتال الرئيسية من طراز "ميركافا إم كي 4" (Merkava Mk4)، وهي دبابة إسرائيلية من أسلحة الجيل الجديد صُمِّمت بتكنولوجيا أمان متقدمة تُمكِّنها من تفادي مختلف أنواع الأسلحة التي تستخدمها قوات المقاومة تقليديا مثل قذائف الآر بي جي والصواريخ المحمولة على الكتف، لكن المقاطع المصورة تُظهِر طائرة مسيرة متعددة المروحيات وهي تُسقِط المتفجرات على دبابات الميركافا.

بعض هذه المسيرات كانت من نوع "كوادكوبتر"، وهي طائرات رباعية المروحيات يمكن التحكم بها عن بُعد، تشبه إلى حدٍ كبير طائرات الأطفال التي تُباع في المتاجر التجارية، لكن طُوِّرت بعض أنواعها بهدف القيام بالمهام الاستطلاعية وإسقاط المتفجرات على أهداف صغيرة. كما عرضت "كتيبة الناصر صلاح الدين" التابعة لحماس أيضا طائرة هجومية مسيّرة كبيرة سداسية المروحيات، تشبه تلك التي استُخدمت في حرب أوكرانيا مؤخرا.

 

هذا النجاح المذهل الذي حققته حماس أثار العديد من التساؤلات حول مصدر طائرات "القسام" المسيّرة التي ظهرت خلال الهجوم، وقد ذهب بعض الخبراء إلى أنها تشبه إلى حد كبير المسيرات الإيرانية البدائية وأن المقاومة حصلت عليها من إيران (11). لكن هذه المزاعم تتناقض بشدة مع حقيقة الحصار الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة، والذي يمنع دخول المواد الغذائية والطبية، فمن البديهي أنه لن يسمح بدخول الأسلحة. يبقى السيناريو المرجح إذن أن حماس ربما استفادت ببعض التقنيات من إيران أو دول أخرى، فضلا عن نجاحها في الحصول على بعض المواد الخام ذات الاستخدام المزدوج، لكن يبقى من المؤكد أن مراحل التصنيع النهائية تمت داخل القطاع، وصاحبتها جهود واسعة لحجبها عن أعين الاستخبارات الإسرائيلية (12).

 

أما الحقيقة المؤكدة فهي أن حماس تمكنت بواسطة تقنيات بسيطة ورخيصة التكلفة من تعجيز نظام دفاعي متقدم مثل "القبة الحديدية". هذا الانتصار الخاطف والاستثنائي للمقاومة ردت عليه إسرائيل بالطريقة الوحيدة التي تُجيدها: حصار كامل على قطاع غزة يحجب إمدادات الطعام والمياه والكهرباء، وقصف جوي موسع تسبب في سقوط أكثر من 2300 شهيد و9 آلاف مصاب، وقرابة نصف مليون نازح حتى الآن بحسب تقديرات الأمم المتحدة (13).

——————————————————————————————————————-

المصادر:

  1. How Hamas flooded Israel, killed hundreds and took another 100 hostage: A revolution in drone warfare dating back to Ukraine
  2. The Drones of Hamas
  3. How Hamas Leveraged Cheap Rockets And Small Drones To Ambush Israel
  4. How Hamas likely used rudimentary drones to ‘blind and deafen’ Israel’s border and pave the way for its onslaught
  5. Hamas Drone Assault Surprised Israel, Using Russia-Ukraine War Tactics
  6. "البيـان الأول حول أول قصف بصواريخ القسام"
  7. كتائب القسام ومعركة سيف القدس: ممكنات الردع النسبي في حرب غير متناظرة
  8. كتائب القسام تكشف عن طائرات بدون طيار محلية الصنع من طراز "أبابيل1"
  9. بالفيديو: كتائب القسام تكشف عن طائرات “شهاب” الانتحارية محلية الصنع
  10. Mohamed Zouari: The Tunisian engineer behind Hamas drones
  11. Hamas’ Advanced Weaponry: Rockets, Artillery, Drones, Cyber
  12. Hamas Reveals ‘Zouari’ Kamikaze Drone That Can Potentially RAIN HELL On Israel During Gaza Ops
  13. More than 260,000 people displaced in Gaza: UN
المصدر : الجزيرة