شعار قسم ميدان

الهدنة الإجبارية.. لماذا فشلت إسرائيل والغرب في توقع قدرات حماس؟

لم تكن منظومة الغرب، ومعها إسرائيل، تتصور أن كل تلك السنوات من الحصار والعروض "المغرية" غير قادرة على ثني المقاتل العقائدي من أن يراكم القوة وفق كل وسيلة متاحة (الأناضول)

في غير مرة، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معلنا أهداف حربه الرئيسية على فصائل المقاومة في قطاع غزة، أهمها القضاء على القدرات العسكرية لحركة حماس وإنهاء حكمها السياسيّ، بالإضافة للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين من القطاع المحاصر، وهي أهداف بدا معها المطالبة فقط بوقف إطلاق النار ضربا من الاصطفاف التام مع خطاب فصائل المقاومة الفلسطينية. لكن الأيام مرّت، ولم يتحقق على الأرض من منجزات لجيش الاحتلال الإسرائيلي سوى الآلاف من الضحايا المدنيين وقصف للمستشفيات والبنية التحتية المدنية. ما حدث فعلا، هو قبول جيش الاحتلال بهدنة مؤقتة للإفراج عن محتجزيه الذين لم تنجح قوته العسكرية في تحريرهم فيما قرأه محللون أنه كسر لأهداف نتنياهو الأولى، وإجبارا له على القبول بوقف إطلاق النار لتحقيق ما يريد. أما الأكثر غرابة، كان مشهد تسليم فصائل المقاومة الفلسطينية لمجموعة من الأسرى الإسرائيليين في شمال القطاع، وهي المنطقة التي شهدت كثافة نارية وقصفا عنيفا طيلة أيام الحرب، ليثار معها مجموعة من التساؤلات عن منظومة الفشل المستمرة في القدرة على الفهم والوعي بتكوين وتشكيل بنية الفرد المقاوم.

 

السابع من أكتوبر.. بداية الصدمة

في وقت باكر من صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان مقاتلو القسام "يدوسون" رؤوس جنود الاحتلال بعد عبورهم السياج الأمني الفاصل بين قطاع غزّة المحاصر وأراضي فلسطين المحتلة. لم يفهم أحد ما يجري بادئ الأمر، لا من حيث الحجم، ولا التداعيات. مجرّد مشاهد متناثرة لمقاتلين يقتحمون المستوطنات الإسرائيلية بأساليب مختلفة، حتى جاء إعلان محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، عن إطلاق عملية "طوفان الأقصى". ساعات معدودة تلت الشرارة الأولى، بدأت بعدها أعداد القتلى والأسرى الإسرائيليين بالظهور بأرقام غير معهودة، وظهرت معها مقاطع مرئية تشبه ما نراه عادة في ألعاب الفيديو، الأمر الذي شكَّل صدمة حقيقية للداخل الإسرائيلي، وللغرب الداعم للاحتلال. صدمة دفعت كاتبا (1) في صحيفة هآرتس الإسرائيلية لوصف عملية "السيوف الحديدية" بـ"عملية سقوط السراويل" باعتبارها التسمية الأمثل للعملية التي أطلقها جيش الاحتلال ردًّا على طوفان الأقصى.

ما جرى كان فشلا استخباريا وأمنيا وعسكريا إسرائيليا بالإجماع، وهو الإجماع الغربيّ الوحيد الذي صاحب الإجماع على أن حماس "تنظيم إرهابي" ينبغي القضاء عليه وأنه يتحمل "مسؤولية" اندلاع الحرب. حملت الحادثة مجموعة من المفارقات، لا التشابهات، التي لا يجدر بأحد إغفالها، فقد جاءت بعد 50 عاما بالتمام من فشل استخباري آخر للاحتلال في حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، أما المفارقة الأكثر إثارة للسخرية فهي أن هذه الضربة التي تُقارن بحرب "العبور"؛ جاءت من السجن الكبير الذي تراقبه إسرائيل جوا وبحرا وبرا منذ 16 عاما، راصدة له أسلحة ثقيلة، وتقنيات تجسس ومراقبة كانت تُسوَّق على أنها من الأفضل في العالم، أو ربما الأفضل على الإطلاق.

أما الفارق الرئيسي بين الحربين فهو أن الأولى كانت حربا مدروسة قادت في النهاية لإقامة "سلام" مع إسرائيل من قِبَل جيش نظاميّ مدعوم بموازنة دولة، بينما الحرب التي تجري اليوم تأتي من مجموعات مقاومة لا يراها الإعلام الغربي أكثر من ميليشيا منظّمة، وتسعى لإنهاء الاحتلال القائم، أو إضعافه لأقصى قدرٍ ممكن عبر تحقيق مكتسبات نوعية وإستراتيجية تغير من معادلة الصراع المفروضة لعقود طويلة.

قادت هذه الحادثة عددا من الصحف والمجلات الغربية ومراكز الدراسات للبحث في السبب الذي يقف وراء الفشل الاستخباريّ الإسرائيلي، حيث وصف السفير السابق لإسرائيل في الولايات المتحدة عبر حوار (2) أجراه مع مجلة فورين أفيرز أن ما جرى هو فشل في كامل المنظومة الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية. جرى كل ذلك في ظل قناعة بدت راسخة في تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية بعدم إقدام حماس على خطوة شبيهة، خاصة أن مصلحتها "المُفترضة" تكمن في اتفاق تهدئة طويل الأمد، وأن الحركة لن تُقْدِم على بدء القتال بمستوى واسع كما جرى، لأنها تعلم حتما الثمن الذي ستدفعه.

لكن غالبية التحليلات لم تشر إلى بُعد رئيسي وجّه ضمنا الحلول الغربية المقترحة لما يحب الغرب تسميته بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهي تحليلات كانت تُجانب دائما جوهر المشكلة، معبِّرة عن خلل منهجي سنحاول استعراضه وكشف ملامحه في السطور القادمة.

كل شيء قابل للتفاوض.. والشراء

"يموت الكبار وينسى الصغار"

(غولدا مائير)

قبل 4 أعوام تقريبا، وفي مشهد يليق بإحدى ورشات العمل في وادي السيليكون الأميركي لحفنة من رجال الأعمال المتعطشين لتحقيق الثراء، وقف جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قلب العاصمة البحرينية المنامة، ليُحاضر أمام مجموعة من المسؤولين ورجال الأعمال العرب لتسويق صفقة القرن التي وصفها كوشنر بـ"فرصة القرن".

كل شيء كان محبوكا بامتياز وفق قواعد التسويق والعلاقات العامة. فمَن سيفوت حضور هذا العنوان البرّاق: فرصة القرن؟ كان الهدف المعلن هو حل "النزاع" الفلسطيني – الإسرائيلي، ومَن ذا الذي لا يريد حل هذا "النزاع"؟ أما عن الكيفية، فمن بوابة الاقتصاد. وهنا تحديدا يستل كوشنر ما في جعبته من أدوات تسويقية لإبهار الحضور قائلا: "تخيلوا مركزا نابضا بالاقتصاد في الضفة يحقق الازدهار لشعوب المنطقة" عبر تقديم مناخ يجذب المستثمرين لمنطقة الشرق الأوسط، وأعلن حينها عن سعيه لجمع 50 مليار دولار على مدى 10 أعوام لتحقيق حلمه المنشود. كانت هذه هي الخطوط العريضة لـ"الفرصة" التي لم تلتقط أنفاسها لأكثر من مدة العرض الذي سُوِّقت خلاله، وانتهت بنهاية الورشة.

4 أعوام مرّت تقريبا دون انعكاس لهذه الصفقة/الفرصة على الأرض، خاصّة أن الفلسطينيين، أصحاب القضية، رفضوها بأطيافهم كافة، ولم يكونوا جزءا من تلك الورشة. وبغض النظر عن التفاصيل، كان الأمر اللافت هي الفلسفة التي قامت عليها الفكرة: المال مقابل السلاح والأرض التي سُلبت، والتنمية الاقتصادية مقابل التسليم بإسرائيل أمرا واقعا مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، لكنها تحوي أبراجا وفرصا استثمارية.

كانت هذه العقلية المحرّكة للصفقة شبيهة بتلك العقلية الدولية التي سمحت لحماس عام 2006 بدخول الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مع توقع بأن الحركة لن تحقق انتصارا ساحقا، وأن ما سيجري للحركة الفتيّة هو تماما ما حدث لحركة فتح إثر اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عبر تدجينها بأعباء السياسة، مع حيازتها لعدد من المكتسبات التي ستسعى للحفاظ عليها. فازت حماس باكتساح يؤهلها لتشكيل الحكومة، بينما لم تعترف المنظومة الدولية بالنتائج، وأدت سيطرة حماس على غزة عام 2007 إلى إعلان الاحتلال الإسرائيلي تطبيق الحصار الكامل على القطاع. بعدها بعام، بدأت أولى الحروب الكبرى على غزة، ومنذ ذلك الحين، تشكّل تصور ضمني أن فرض الحصار بالتوازي مع الحروب المتتالية سيجعل الشعب يلفظ حماس و"يكفُر" بها، وسيجعل المقاومة المسلحة غير قادرة على تطوير قدراتها مما سيُفشل مشروعها العسكري والسياسي في آنٍ واحد.

ورغم النقاشات التي دارت في الأوساط السياسية الفلسطينية حول جدوى إمساك حماس بزمام السلطة ومدى تأثير ذلك على المقاومة المسلحة، فإن تلك النقاشات لم تكن تسير وفق منهج متطابق مع التصور الغربي الذي كان يؤمن أن سلاح المقاومة قابل للتطويع والتدجين، وأن الحصار سيُجبر سكان القطاع، ومن خلفه حركة حماس وبقية الفصائل المسلحة، على التسليم بالأمر الواقع، ومن ثم القبول باقتراحات تشابه ما طرحه كوشنر في المنامة.

وكما أخطأت كل تلك التقديرات، كانت ضربة "الطوفان" هي الأثقل ربما حتى الآن في أخطاء الاحتلال الإستراتيجية، ومن ورائه منظومة الدول الغربية ودول التطبيع العربيّ، في فهمهم لطبيعة الصراع، وطبيعة مَن يقاتلون في هذه المعركة الممتدة، التي لم ينسَ فيها "الصغار" ما حصل للكبار بعد موتهم.

المقاتل العقائدي: الكابوس الذي لم تفسره أحلام المدرسة الغربية

المقاتل العقائدي لا يرى غضاضة في موته تجاه القضية التي يؤمن بها، إذ يحضر البُعد الأخروي بوصفه عاملا حاسما في تكوينه الذي يجعل من هذه الدنيا مجرد جسر عبور لحياة أخروية يُوعد معها بالجنة والنعيم. (غيتي

ربما لم يكن بمقدور منظومة الفكر الغربي تقدير ما يعنيه المقاتل العقائدي المشكِّل لجانب كبير من التنظيمات المقاومة في غزة وغيرها في الساحة الفلسطينية، وعن دور الدين في تشكيل ثقافة المقاومة. فعلى مدار عقود، كان البُعد الديني المنظّم حاضرا في فسيفساء الفعل المقاوم الفلسطيني، بدءا من مقاومة الاستعمار البريطاني في الثورة الكبرى، مرورا بتشكيل حركة فتح في بداياتها، وصولا إلى التشكيلات المسلحة التي تُمثِّل شريحة واسعة من الطيف المقاوم في غزة. فبالاستناد إلى عصبية (3) ابن خلدون التي تتشكل على أساسها الجماعات القوية، يحضر مقاتلو غزة بمجموعة مرتكزات تُشكِّل عصبيتهم، مثل الدين، والأرض، والدم، والمصير المشترك، ويتكتلون كمجموعات ضمن أُطر أيديولوجية/عقدية داخل تنظيمات مُحكمة ومنضبطة وهيكلية واضحة المعالم.

وبالمناسبة، فالمقاتل العقائدي ليس وصفا قيَميا، بل توصيف علمي يستند إلى مجموعة عناصر تحدد وتُشكِّل طبيعة هذا المقاتل، أو الذي يسميه عالم الاجتماع الأميركي إيريك هوفر بـ"المؤمن الصادق" (The True Believer) (4). وأهم سِماته، أنه لا يرى غضاضة في موته من أجل القضية التي يؤمن بها. لكن اختلاف المقاتل العقائدي عن الأيديولوجي (كالشيوعي مثلا) هو تجاوزه للتعبئة الدنيوية باعتبارها المحرّك الأساسي لفعله، إذ يحضر البُعد الأخروي بوصفه عاملا حاسما في تكوينه الذي يجعل من هذه الدنيا مجرد جسر عبور لحياة أخروية يؤمن أنها خالدة، ويُوعد معها بالجنة والنعيم.

أما سبب عدم قدرة الفكر الغربي على فهم حقيقة هذا المقاتل، وإن كان قادرا على وصف سلوكه في محاولة لتأطيره والقبض على محركات فعله، تماما كما بدأت علوم الاجتماع والإنسان وفق نظرة استعمارية (5) ترى أن التطور النهائي للبشرية يتجسّد في نموذج الإنسان الغربيّ، فيرجع إلى أن الأبعاد الدينية العَقدية انزاحت تدريجيا من المخيال الغربي ومن بواعث السلوك، فالمنظومة القيَمية التي رسَخت في الوعي الغربي المعاصر ترتكز على مجموعة من المحددات الثقافية أهمها أن القومية الأوروبية استبدلت الإله تماما في وعي الممارسة اليومية، وأصبحت الكنيسة، والدين المسيحي في الغرب تحديدا، تبعا للاقتصاد والدولة، لا متقدما عليهما ولا موازيا لهما، خاصة مع هيمنة الاتجاه البروتستانتي على الفكر المسيحي. وعبر تحليل الخطاب لعدد من محطات الإذاعة الدينية المسيحية في الولايات المتحدة، سيتولد لديك صورةٌ أن الإله بات أشبه بـ"صديق"، وأن الممارسات الدينية تنحصر في حدود الفضفضة يوم الأحد للراهب، ويصاحبها مجموعة من الطقوس الاحتفالية، وأن روادع السلوك الدينيّ باتت محصورة في أن تكون لطيفا مع الناس، وما يتبعها من تجليّات فردانية تُفعل على سبيل التخيير لا الإلزام.

حتى إن صورة المسيح باتت أداة تسويقية أكثر منها تعبيرا عن شعائر والتزامات دينية يومية، ففي مقالة نُشرت على واشنطن بوست تحت عنوان "تسويق المسيح" (6)، أشارت إلى أن صناعة أسلوب الحياة المسيحي أصبحت تجارة تدر أكثر من 4 مليارات دولار سنويا (وقت نشر المقال عام 2004)، وبذلك لا يعدو الدين أكثر من ثقافة. لكن هذه الثقافة لا تفتأ أن توظَّف سياسيا لتشكيل وجهة نظر موحدة تجاه القضايا والأحداث وتعبئة المشاعر لتحقيق المصالح الغربية، تماما كما ظهر السيناتور الأميركي على قناة فوكس الأميركية ليعلن أن هذه حرب دينية. وبحسب مقال فورين أفيرز السابق الإشارة إليه، فإن هناك تيارين واضحين في صفوف المسيحيين اليوم، أحدهما ملتزم تماما بالإنجيل ومنعزل عن الانخراط والتأثير في الواقع العام، وآخر مسيحي يتعامل مع الدين بوصفه ثقافة، وهم مَن يُشكِّلون الفضاء الديني في الغرب.

عودة اليهود إلى فلسطين كما يرى حمدان في كتابه ليست عودة تلمودية أو توراتية أو دينية، وإنما هي عودة بالاغتصاب، وبذلك فهو استعمار بالمعنى العلمي الصارم. (مواقع التواصل)

وعلى اعتبار أن الأوروبيين مختصون بتحويل كل شأن محلي إلى قضية عالمية، فقد شكَّل هذا الوعي ركيزة لنظرة الأوروبي للآخر انطلاقا من مركزية الفكر الأوروبي نفسه، وامتد ذلك بالتبعية تجاه نظرتهم لفلسفة الصراعات، وبناء على ما أشرنا إليه آنفا، فإن التصور القائم على أن إدخال المخالف في منظومة سياسية/اقتصادية يعني تدجينه بالضرورة؛ يصبح كل شيء قابلا للتفاوض، وقابلا لأن يحركه الإعلام باتجاه منظومة مصالح تصب في أحد هذين العنوانين "فوز للجميع" أو "البقاء للأقوى"، وكلا العنوانَين يشير بوضوح إلى أنه لا ثبات في منظومة القيم، مع أن منهجية التعاطي السياسي الغربيّ يغلب عليها قاعدة البقاء للأقوى، لكنها تغلّف ببدلة أنيقة وعناوين رنانة قادرة على منح الطرف الآخر شعورَا زائفا بالفوز في هذه العلاقة.

أما عما يربط المسيحية والفكر الغربي بما يحدث في فلسطين، فتحضر هنا حقيقة تاريخية يُغفل عنها عادة، وهي أن دولة الاحتلال استمرار لحركة الاستعمار، وامتداد للفكر الغربي، حتى وإن ظهرت هذه المرة في صيغة "اليهودية" وبلغة عِبرية. إذ ليس من باب المبالغة ولا الاختزال أن نربط الفكر الغربيّ بالفكر الصهيوني المؤسس للدولة اليهودية، الذي يتجلى فيما يُعرف اليوم بالمسيحية الصهيونية (7). ففي كتابه "إستراتيجية الاستعمار والتحرير"، يرى جمال حمدان أن الاستعمار الصهيوني هو "استعمار عميل"، ذلك أنه "كان من المستحيل أن يتحقق إلا بالمساعدة الكاملة من قوى السيادة العالمية، فالاستعمار هو الذي خلق الصهيونية بالسياسة والحرب، وهو الذي يمدّها بكل وسائل الحياة من أسلحة وأموال، وهو الذي يضمن بقاءها ويحميها علنا".

فعودة اليهود إلى فلسطين كما يرى حمدان في كتابه الآخر "اليهود أنثروبولوجيا" "ليست عودة تلمودية أو توراتية أو دينية، وإنما هي عودة إلى فلسطين بالاغتصاب. هو غزو وعدوان غرباء، وبذلك فهو استعمار بالمعنى العلمي الصارم، كما أن الدراسات الأنثروبولوجية تؤكد أن اليهود الموجودين الآن في إسرائيل لا صلة لهم بأي أصول إسرائيلية فلسطينية قديمة. فاليهود اليوم هم أقارب الأوروبيين والأميركيين، بل هم في الأعم الأغلب جزء منهم لحما ودما وإن اختلف الدين".

ووفق تلك المنطلقات والتصورات المختزلة عن طبيعة الدين والتدين، والإيمان بقدرة الإعلام ومغريات الاقتصاد على تطويع الشعائر الدينية في منظومات أكثر "تسامحا"، وفق كل ذلك، لم تكن منظومة الغرب، ومعها إسرائيل، تتصور أن كل تلك السنوات من الحصار والعروض "المغرية" غير قادرة على ثني المقاتل العقائدي عن أن يراكم القوة وفق كل وسيلة متاحة، واعتقدت تلك المنظومة أن الفكر المقاوم، حتى وإن وُجد، فسيظل على حالة من السكون السلبي، في ظل حالة الشتات والضعف التي تحيط بالمشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط. لم تكن تلك المنظومة قادرة على استيعاب أن تنتقل روح المقاومة من رمي الحجارة التي ربما لم تكن تخدش خوذة الجندي المدجج، إلى صناعة صواريخ وطائرات مسيرة ومظلات قادرة على نقل المقاتل العقائديّ من سجنه الكبير إلى مساحة أرحب في هذه الدنيا، أو لمساحات أكثر رحابة وخلودا بعد موته، وهي معطيات ربما لو فهمها كوشنر ونتنياهو لما ظنّوا أن قضية كهذه يمكن أن تُشترى بحفنة أموال، ولو كانت تقدّر بالمليارات!

__________________________________

المصادر:

  1. Whatever Happens in This Round of the Israel-Gaza War, We Already Lost
  2. Why Hamas Attacked—and Why Israel Was Taken by Surprise
  3. نظرية العصبية – ابن خلدون
  4. The True BelieverAnthropology and Colonialism
  5. Marketing the Messiah
  6. Christian Zionism
المصدر : الجزيرة