شعار قسم ميدان

أبعد من مجرد غوَّاصات.. تفاصيل تحالف "أوكوس" لمواجهة الصين وسر استبعاد فرنسا

DARWIN, AUSTRALIA - SEPTEMBER 05: In this handout image provided by the Australian Defence Force, Royal Australian Navy submarine HMAS Rankin is seen during AUSINDEX 21, a biennial maritime exercise between the Royal Australian Navy and the Indian Navy on September 5, 2021 in Darwin, Australia. Australia, the United States and the United Kingdom have announced a new strategic defence partnership - known as AUKUS - to build a class of nuclear-propelled submarines and work together in the Indo-Pacific region. The new submarines will replace the Royal Australian Navy's existing Collins submarine fleet. (Photo by POIS Yuri Ramsey/Australian Defence Force via Getty Images)

ملخص الترجمة:

هزَّت بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا العالم بخبر تأسيس تحالف "أوكوس" وصفقة الغوَّاصات النووية، بيد أن التحالف أكبر وأبعد كثيرا من محض صفقة نووية، وسيُعيد تشكيل الملامح التكنولوجية والعسكرية والإستراتيجية للصراع مع الصين في المحيط الهادئ، فكيف سيحدث ذلك؟ هذا ما يُحدِّثنا عنه أرزان تارابور في مقاله المنشور بمنتدى شرق آسيا.

 

نص الترجمة:

جذبت صفقة الغواصات النووية الممنوحة لأستراليا أنظار العالم أكثر من غيرها من تفاصيل إعلان "أوكوس" (AUKUS)، التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، إذ إن الغواصات الثمانية ستُطيل من مدى أسطول الغواصات الأسترالي، وتزيد من قوته التدميرية وقدرته على المواجهة زيادة ملحوظة، كما أنها تكسر حاجز العزوف عن امتلاك القوة النووية في أستراليا، وتُظهِر التزام الولايات المتحدة وبريطانيا بخوض المنافسة الإستراتيجية الجارية في المحيطين الهادئ والهندي.

 

ولكن رُغم الجدية التي يُبديها "أوكوس" فيما يتعلَّق بالقوة البحرية، فإنه يُظهِر جدية أكبر فيما يتعلَّق بمسألة التحالفات، إذ تسعى المبادرة الثلاثية إلى توسيع بنية التحالف القائم، المعروف بتحالف العيون الخَمس الاستخباراتي (بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا)؛ بحيث يشمل مجالات الصناعة والتكنولوجيا العسكرية الأحدث عالميا. وقد تعهَّدت إدارة بايدن الأميركية بمنح الأولوية للتنافس الإستراتيجي مع الصين وإحياء تحالفات واشنطن التقليدية، وحقَّقت تقدُّما في هذا الصدد ولو تدريجيا. فإلى جانب زيارات الوفود رفيعة المستوى، أتت مبادرة بايدن الأبرز حين أعلن ترقية "الرُّباعية" (QUAD) (التي تضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة) لكي تُعقد على مستوى القمم الرئاسية من الآن فصاعدا.

Quadrilateral Security Dialogue (Quad) ministerial meeting in Japan- - TOKYO, JAPAN - OCTOBER 6 : Japan's Minister of Foreign Affairs, Toshimitsu Motegi (2nd R) speaks during the Quadrilateral Security Dialogue (Quad) ministerial meeting with U.S. Secretary of State, Mike Pompeo (2nd L), Australian Minister for Foreign Affairs and Trade, Marise Payne (L) and Indian Minister of External Affairs Subrahmanyam Jaishankar (R) on October 06, 2020 in Tokyo, Japan. (Kiyoshi Ota, Bloomberg, Pool)

 

أهداف طويلة الأمد

بيد أن "أوكوس" يُعَدُّ نقلة نوعية مختلفة، إذ إن صفقة الغواصات وحدها توطِّد وجود الولايات المتحدة وبريطانيا في المنطقة لعقود قادمة، بل والأكثر طموحا هو أن "أوكوس" يسعى لأن يفوز بسباق التكنولوجيا الجاري مع الصين عبر شحذ الموارد ودمج خطوط الإمداد المتعلِّقة بالصناعات والعلوم ذات الارتباطات العسكرية، ومن ثمَّ تصبح أهداف "أوكوس" طويلة الأمد ومتعددة الجوانب، فهو مشروع عابر قوميا يخوض سباقا لكي يظفر بالريادة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والتكنولوجيا السيبرانية.

 

إن هذا النمط من الاندماج التكنولوجي فكرة راديكالية، فقد جرت العادة أن تشارك الدول التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها، رُغم أن بعض التقنيات تكون أقيَم من غيرها. على سبيل المثال، التكنولوجيا النووية لها منزلة خاصة، فلم تشارك الولايات المتحدة تكنولوجيا الغواصات النووية الخاصة بها إلا مع بريطانيا في ذروة الحرب الباردة، بيد أن التنافس مع الصين يُحرِّك واشنطن بشدة الآن، ومن ثمَّ يدفعها نحو مشاركة تلك التكنولوجيا مع دولة واحدة أخرى للمرة الأولى منذ عقود: أستراليا.

 

تتربَّع التكنولوجيا التي تُشكِّل لُب اتفاق "أوكوس" على قمة البحث العلمي في العالم، وبوسعها أن تمنح أوجه تفوُّق غير مسبوقة على مستوى القوة العسكرية، وعلى الأرجح فإن مشروع الغواصات سيلعب دور المحفِّز لهذا التعاون الجديد. وليس واضحا مقدار تكنولوجيا الدفع النووي للغواصات التي ستشاركها الولايات المتحدة مع أستراليا، لكن المجتمع العسكري الأسترالي سيتحصَّل على خاصيات تكنولوجية فائقة التقدُّم لتلك الغواصات، بما في ذلك المُستَشعِرات، وآليات تعقُّب وتفادي القوى المُعادية، وأنظمة تحليل البيانات المُخصَّصة لمراقبة النطاقات البحرية.

DARWIN, AUSTRALIA - SEPTEMBER 05: In this handout image provided by the Australian Defence Force, Royal Australian Navy submarine HMAS Rankin is seen alongside Indian Navy ships Shivalik and Kadmaat and Royal Australian Navy frigate HMAS Warramunga during AUSINDEX 21, a biennial maritime exercise between the Royal Australian Navy and the Indian Navy on September 5, 2021 in Darwin, Australia. Australia, the United States and the United Kingdom have announced a new strategic defence partnership - known as AUKUS - to build a class of nuclear-propelled submarines and work together in the Indo-Pacific region. The new submarines will replace the Royal Australian Navy's existing Collins submarine fleet. (Photo by POIS Yuri Ramsey/Australian Defence Force via Getty Images)

ما الذي يجعل بريطانيا وأستراليا الشريكَيْن التكنولوجيَّيْن الأوثق بالنسبة لواشنطن؟ أولا، كلاهما عضو في تحالف العيون الخمس الاستخباراتي، الذي طوَّر على مدار عقود طويلة أنظمة ومنظَّمات وعمليات مشتركة لمشاركة البيانات الاستخباراتية ومسؤوليات جمعها. ثانيا، وبصورة لا تقل أهمية وإن لم تكن ملموسة بالقدر نفسه، زرع التحالف ثقة مشتركة وتقاليد للتعاون، بما فيها مكافحة الإرهاب وخوض حربَيْ العراق وأفغانستان على مدار العقدين الماضيين، وبالمقارنة مع عضوَيْ العيون الخمس الآخرَيْن، كندا ونيوزيلندا، فإن بريطانيا وأستراليا هما الأكثر التزاما بالحفاظ على رؤية إستراتيجية لكي تكون منطقة الهادئ-الهندي حرَّة ومفتوحة.

 

استبعاد فرنسا

لم يكن الاندماج الجذري الذي يسعى له "أوكوس" ممكنا إلا بين شركاء العيون الخمس؛ لأن "أوكوس" سيعمل على تقنيات شديدة الحساسية مرتبطة بالاستخبارات لا يمكن لواشنطن أن تأتمن عليها إلا أقرب حلفائها الاستخباراتيين. إن الأولويات التكنولوجية المُعلنة لـ"أوكوس"، وهي الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والأمن السيبراني، تُعَدُّ المجالات التكنولوجية التي تُشكِّل دون سواها الإمكانيات الاستخباراتية الصاعدة عالميا.

 

على الأرجح هذا أيضا هو سبب إقصاء فرنسا من المجموعة، ما أدَّى إلى اندلاع أزمة دبلوماسية مزعجة، فرُغم مصالحها المتوافقة مع واشنطن ولندن في المنطقة، ورُغم قوتها ونشاطها العسكريَّيْن، لا تشارك فرنسا المنظومات والعلاقات نفسها التي تُشكِّل تحالف العيون الخمس. في غضون السنوات القادمة، سينال "أوكوس" قبولا وفعالية إقليمية متزايدة إذا ما نجح في الوصول إلى آلية لمشاركة أهم بياناته وتقنياته العسكرية مع شركائه، ومنهم فرنسا وغيرها من دول الإقليم.

قد يُمثِّل "أوكوس" أوثق اندماج بين حلفاء رأيناه من قبل، بيد أنه لن يستطيع أن يُحقِّق كل شيء، ولن يحلَّ محلَّ التشكيلات الإقليمية والدولية الأخرى، فالمنطقة بحاجة إلى بنية أمنية جديدة، لكن على عكس مظلات التحالف التي عرفتها الحرب الباردة مثل حلف الناتو، فإن تلك البنية الجديدة ستتكوَّن من تشكيلات عديدة ومتداخلة، لكلٍّ منها نقاط قوة ومهام مختلفة. ومن ثمَّ فإن مهمة التشارك التكنولوجي لـ"أوكوس" تظل محدودة على أهميتها.

 

ثمة تشكيلات عدة ستعمل إذن على تحقيق أهداف مختلفة، فالرُّباعية ستظل مهمة للتنسيق بشأن السياسات الإستراتيجية الخاصة بمنافسي الصين الأبرز إقليميا (الهند واليابان وأستراليا)، ولتقديم رؤية مشتركة بشأن النظام الإقليمي كما تطمح له تلك القوى المنافسة للصين. فكما أعلنت الحكومة الهندية مؤخرا، لا يُعَدُّ "أوكوس" منافسا للرُّباعية أو معرقلا لها، ورُغم أن فرنسا والهند لن يسعهما حيازة العضوية الكاملة في "أوكوس"، فإن أدوارهما تبقى مهمة بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بصورة لن تتمكَّن "أوكوس" وحدها من القيام بها، لا سيما ولكلٍّ منهما قوة عسكرية مُعتَبَرة وشبكة نفوذ ثقيلة ومزايا جغرافية قيِّمة (إذ تمتلك فرنسا جزرا في المحيطين الهندي والهادئ)، وهُما ضالعتين في شراكات وطيدة مع أستراليا بالفعل.

 

سيحتاج أعضاء "أوكوس" إلى بذل جهد كبير لإصلاح العلاقات مع فرنسا للاستفادة من الشراكة الواسعة معها في خضم المنافسة مع الصين، بيد أن التحديات الإقليمية ليست جميعها بحاجة إلى تلك الشراكات الواسعة التي تشمل الجميع. إن أهداف "أوكوس" جذرية، ولم نرها من قبل في أشد التحالفات الأميركية صلابة، وبالطبع لم نرها من قبل في تلك المنطقة من العالم، وقد أصبح تحالف كهذا ممكنا فقط لأن المبادرة أتت على نطاق ضيق وحصري بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا دون غيرهم.

———————————————————————–

هذا المقال مترجم عن East Asia Forum ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: نور خيري.

المصدر : مواقع إلكترونية