شعار قسم ميدان

أردوغان والمنظومة الصاروخية.. استعداد للحرب أم للسيطرة على المنطقة؟

ميدان - أردوغان والناتو
مقدمة المترجم

منذ قدوم أردوغان تغيرت سياسة تركيا الداخلية والخارجية، وبدأت الحكومة بالتخطيط لإعادة إحياء أمجاد الدولة العثمانية مرة أخرى، فأصبحت من أقوى اقتصادات العالم وباتت منارة الشرق الأوسط. مما أدى إلى دخولها حلف الناتو مع عدة دول أخرى مؤثرة في العالم بعد تطور قدراتها العسكرية برًا، وبحرًا، وجوًا. إلا أن طموح تركيا في فرض نفوذها داخل المنطقة، تصادم مع سياسة حلفاء الناتو الذين لطالما كانوا ضد سياسة أردوغان الخارجية. فزادت حدة الصراع بين هذين الطرفين، خاصة بعد أن عقدت أنقرة صفقة عسكرية مع روسيا لشراء صواريخ إس-400 الدفاعية، التي لا تتناسب مع أنظمة الناتو العسكرية.

وكمحاولة من حلف الناتو لإبقاء تركيا تحت ظلال سيطرته، بدأ الأول بفرض ضغوط عدة لمنع هذه الصفقة من أن تتم. لكن هل الشراكة الجديدة بين تركيا وروسيا ستشكل خطرًا على النفوذ الأوروبي والأميركي في الشرق الأوسط؟ وما هو دور تركيا المستقبلي فيها؟ وهل ستنجح تركيا في بسط سيطرتها على المنطقة من خلال صفقة صواريخ إس-400 التي عقدتها مع روسيا؟ أسئلة نجد أجوبتها داخل هذا التقرير.

 

نص التقرير

في الثاني عشر من سبتمبر2017، وقعت تركيا اتفاقية شراء نظام الصواريخ المضاد للطيران (إس-400) من روسيا بثمن قدره مليارين ونصف. وستنقل روسيا تقنية بناء البطاريات الخاصة لهذه الصواريخ إلى تركيا بعد أن تسلمها اثنتين منهما. في المقابل، ستتكفل تركيا ببرمجة برنامج تحديد الأهداف الخاص للصواريخ المضادة للطائرات. لكن هذه الصواريخ لا تتناسب مع نظام الدفاع الجوي للناتو حسبما قال بعض مسؤوليه، مما جعل عددا من الخبراء يتوقعون مصير العلاقة التركية مع حلفائها في الناتو.

  
تركيا لا تحتاج صواريخ إس-400، لأن تأثيرها يفوق قوة هجوم المجموعات المعادية لها، مثل: تنظيم الدولة، والأكراد. ومع أن شراء هذه الصواريخ كان لغرض تطوير نظام الدفاع الأمني لتركيا، إلا أن البعض يرى أن هذه الخطوة تبدو مؤشرا على التصادم الحادث بين تركيا والناتو.

 

 
الاتفاقية التركية-الروسية أتت لتحمي تركيا من المخاطر الخارجية المجاورة لها بعد أن حاولت لعدة سنين من اندلاع الحرب السورية اقتراح المادة الرابعة لمعاهدة الشمال الأطلسي، التي تنص على التالي: "يجب على دول الناتو الاتحاد، إذا ما واجهت أحد الدول المتعاقدة فيه خطرًا في أمن أراضيها، أو استقلالها السياسي." ومع انطلاق شرارة الثورة السورية، أبدت تركيا اهتمامها بإنشاء منطقة حظر جوي إلا أن أميركا رفضت ذلك.

 

نظام الدفاع إس-400 سيدعم الأجندة التركية العدوانية وسيمنح أنقرة حرية أكبر لتمثيل نفسها خارج أراضيها. فبالإضافة إلى تدخلها في سوريا، أبدت تركيا اهتمامها بتحقيق الوساطة في أفغانستان، ودعم مسلمي الروهينغا في ميانمار، وحل النزاع الخليجي مع قطر، وإنهاء التطرف الإرهابي في الصومال. ومن خلال تطوير نظامها الدفاعي، سوف تستطيع تركيا مواجهة المخاطر المحيطة بها من خلال بيئتها الأمنية سريعة التطور.

 

في الوقت الحالي، هناك انعدام ثقة بين الأتراك ومنظمة الناتو. وعلى جميع أعضاء المنظمة المشككين بمصداقية المؤسسات الديموقراطية في تركيا محاولة بناء علاقتهم مع أنقرة من جديد. وإذا أراد الأعضاء استرجاع تأثيرهم في المنطقة من روسيا، يجب عليهم التعاون مع تركيا دبلوماسيا والوثوق بها من جديد.

 

مع حلفاء من قبيل هؤلاء

العديد من أعضاء الناتو كانوا ضد التغير السيادي الذي أحدثه أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وهذا كان سببًا رئيسا وراء تدهور علاقتهم مع تركيا. فإزاحة أردوغان لما يقارب 100 ألف موظف عمومي وعسكري، اعتقاله لمئتي صحفي، وإيقاف تدريس نظرية التطور في المدارس أحدثت ردود أفعال سلبية من قبل أعضاء الناتو. 

 

 
منذ ذلك الحين، أصبح الصراع بين أعضاء الناتو وتركيا جليًا أمام العامة. فاستفتاء أردوغان للأتراك المتواجدين في أوروبا جعل كل من هولندا، ألمانيا، وفرنسا يرفضون دخول اثنين من وزرائه إلى بلادهم. وفي سبتمبر، دعت أنجلينا مركل، رئيسة وزراء ألمانيا، إلى إيقاف المحادثات الأوروبية مع تركيا بعد اتهامها حكومة أنقرة بانتهاك حقوق الإنسان عندما سجنت عددا من الصحافيين والمعارضين الأتراك. حينها وصف أردوغان تصرف مركل بالنازية.

 

أما عن الحقد الحاصل بين تركيا وأميركا، فقد زاد في الفترة الأخيرة. فالولايات المتحدة الأميركية أيضًا تتهم تركيا بخرقها لحقوق الإنسان، وتركيا نقمت على واشنطن بعد أن رفضت تسليمها فتح الله جولين، الداعية التركي الذي حسب زعم أردوغان كان المدبر الرئيس للانقلاب الفاشل. ودعم أميركا للأكراد في سوريا، المقربين من الأكراد الانفصاليين في تركيا، كان سببا آخر في تدهور العلاقات التركية-الأميركية. وكنتيجة لذلك، أوقف الطرفان معاملات الفيزا بينهما بعد أن احتجزت تركيا أحد الموظفين في القنصلية الأميركية لمشاركته في عملية الانقلاب الفاشلة.

 

هذه المواجهات المتبادلة بدأت تؤثر على علاقات تركيا مع الناتو. ففي هذه السنة قامت كل من الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا بتقييد مبيعات الأسلحة إلى تركيا. إلا أن واشنطن قيدت مبيعاتها فقط مع حراس أمن أردوغان لأنهم أساؤوا لبعض المتظاهرين في الأراضي الأميركية. وفي 25 سبتمبر، اتهمت تركيا شركات دفاع ألمانية وأميركية خاصة بفرضها حظرا غير مباشر عليها، بعد أن أوقفوا وأعاقوا عدة صفقات عسكرية. هذه المشاحنات عكرت صفو الاتفاقيات العسكرية بين الطرفين، خاصة أن صفقات أسلحة مثل هذه تمثل عاملا مهما داخل تحالفهم العسكري.

 

التوجه إلى الشرق
صواريخ إس-400 معترف بها دوليا على أنها واحدة من أجود أنظمة الدفاع الجوية. حتى إن روسيا تدعي أن هذه الصواريخ بإمكانها استهداف الطائرات، وصواريخ كروز، وصواريخ متوسطة المدى، وطائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة جوية (رويترز)
صواريخ إس-400 معترف بها دوليا على أنها واحدة من أجود أنظمة الدفاع الجوية. حتى إن روسيا تدعي أن هذه الصواريخ بإمكانها استهداف الطائرات، وصواريخ كروز، وصواريخ متوسطة المدى، وطائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة جوية (رويترز)


لطالما أرادت أنقرة أن تحسن تقنيات الدفاع الجوي الخاصة بها؛ من أجل أهداف سياسية خارجية. كانت دائمًا تعقد صفقات عسكرية مع حلفائها في الناتو للحصول على نظم تكنولوجية جديدة التي حاولت أن تطور البنية الدفاعية المحلية من خلالها. إلا أن دول حلف الناتو لم تعقد صفقاتها مع تركيا بالسعر المناسب، حتى بعد عدة محادثات جرت بين تركيا وثلاثة أعضاء من حلف الناتو (إيطاليا، فرنسا، وأميركا). وكنتيجة لذلك، بدأت تركيا جلب أسلحة من دول خارج نطاق حلف الناتو، مثل: الصين وروسيا، إلا أنها الناتو حاول عرقلتها من خلال وضع عدة ضغوط على تركيا.

 

إن صواريخ إس-400 معترف بها دوليا على أنها واحدة من أجود أنظمة الدفاع الجوية. حتى إن روسيا تدعي أن هذه الصواريخ بإمكانها استهداف الطائرات، وصواريخ كروز، وصواريخ متوسطة المدى، وطائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة جوية، بالرغم من أنه إلى الآن لم يتم تجربتها كليا داخل المعارك. وبالإمكان اختبار قيمتها الإستراتيجية من خلال قياس مدى نجاح نظام (مكافحة الوصول/ أي-2، أي دي) الخاص بها، الذي من خلاله تستطيع تركيا أن تقيم منطقة حظر جوى في أي مكان تريده. وأما عن نظام إس-400 الروسي الموجود في سوريا فقد تمت برمجته لعدم استهداف الطائرات العسكرية الأميركية، لمنع التصادم الأميركي-الروسي بين الدولتين.

 

حسب ما صرح كان كاسابوجلو، محلل عسكري في مركز إسطنبول للدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية، فإن تركيا تسعى إلى تحقيق خطة دفاعية دون إغضاب الطرف الآخر (الناتو) عن طريق جمعها بين بناء رادار إكس-باند الذي أنشأته دول حلف الناتو لرصد صواريخ إيران، وبناء نظام الصواريخ إس-400 لتطوير قدراتها الدفاعية.

 

أنقرة في الخارج

شراء تركيا لصواريخ إس-400 هو موقف جيوسياسي لا أكثر. فمنذ أن بدأ أردوغان باتخاذ سياسة عدوانية خارج بلاده، أصبحت أنقرة تحاول أن تتخلص من ظلال حلف الناتو. فحسب ما قال مراسل الجزيرة، سينيم كوسيوجلو، إن، ميرفي سيرين، أحد الباحثين في مؤسسة سيتا، صرحت أن "تغير وجهة نظر الناتو حول أولوية التهديدات القصوى" يمثل خطرًا على تركيا. مع ذلك، فإن بناء نظام دفاع مغيار لسياسة الناتو المعادية لإيران سيتيح فرصا لتركيا لاتخاذ مبادرات خارجية دون الخوف من أي ردة فعل.

 

لعبت تركيا دورًا مهما الأزمة الخليجية بين قطر والدول المحاصرة، التي كانت على رأسهم السعودية
لعبت تركيا دورًا مهما الأزمة الخليجية بين قطر والدول المحاصرة، التي كانت على رأسهم السعودية
 

فأنقرة الآن تحاول أن تثبت وجودها في أفغانستان عن طريق تدخلها كوسيط منفصل عن أميركا وحلف الناتو لحل الأزمة هناك. وضمن اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وافق كل من أردوغان ورئيس الوزراء الباكستاني، شاهد خاقان عباسي، على إحياء الوساطة الأفغانية-الباكستانية-التركية التي أُنشئت عام 2007 من جديد. هذه الوساطة ستتعارض مع التصعيد الأميركي ضد طالبان، خاصة أن تركيا تعتبر بعض أطراف طالبان جزءًا مهما في الحوار السلمي في أفغانستان. 

 

أيضًا لعبت تركيا دورًا مهما في الأزمة الخليجية بين قطر والدول المحاصرة، التي كانت على رأسهم السعودية. ففي يوليو الماضي، قامت أنقرة بإرسال المزيد من المجندين إلى قاعدتها العسكرية في قطر لحماية حدود الدولة من أي خطر قادم من دول الحصار. وبما أن محاولات الكويت والولايات المتحدة الأميركية في فض النزاع الخليجي فشلت، فقد يلجأ حلف الناتو لتركيا من أجل تخفيف حدة الصراع.

 

وفي أغسطس 2017، أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في الصومال لمساعدة الحكومة الصومالية في محاربة حركة الشباب الجهادية. فمنذ سنوات عدة، تصدرت تركيا موقف إحياء دولة الصومال بعد مرورها بمرحلة الفوضى السياسية، مما سيزيد من احتمالية تدخل أنقرة في عدة دول أخرى حول العالم لمحاربة التطرف الإرهابي.

 

ماذا بعد؟
حصول تركيا على نظام إس-400 الدفاعي ما هو إلا نتيجة لما تعتبره أنقرة فشل حلف الناتو في إدراك الدور المهم التي بإمكانها أن تلعبه في أمن المنطقة. (رويترز)
حصول تركيا على نظام إس-400 الدفاعي ما هو إلا نتيجة لما تعتبره أنقرة فشل حلف الناتو في إدراك الدور المهم التي بإمكانها أن تلعبه في أمن المنطقة. (رويترز)


في التاسع من أكتوبر 2017، صرح الأمين العام لحلف الناتو، جينز ستولتنبرغ، بوجود حوار تركي مع فرنسا وإيطاليا لاستيراد أنظمة دفاع جوية منهم والتي كانت على رأسها، صواريخ إس-400. هذا الحوار لم يأت بنتيجة منذ أن بدأ عام 2010؛ لاختلاف الطرفين على الأسعار وطلب تركيا بنقل الأنظمة التكنولوجية إليها. السعي بشدة وراء هذه المحادثات قد يساعد في إعادة الثقة بين تركيا وحلف الناتو، لكنه لن يكون كافيا لحل الأزمة بالكامل. ففي 2015، صرح ثلثي الأتراك الذين قاموا بملء الاستبيان الذي نشرته مؤسسة "صندوق مارشال الألماني" بعدم ثقتهم بالناتو والأمم المتحدة.

 

حصول تركيا على نظام إس-400 الدفاعي ما هو إلا نتيجة لما تعتبره أنقرة فشل حلف الناتو في إدراك الدور المهم التي بإمكانها أن تلعبه في أمن المنطقة. فشراء أنقرة لصواريخ إس-400 لم يكن استعدادا للحرب، بل لضمان أمنها إذا ما تدخل أحد أعضاء حلف الناتو في سياستها الخارجية في المنطقة. ويجب على أعضاء الناتو التعاون مع أردوغان بعد أن أبدى اهتمامه في عدة مبادرات كان هدفها ضمان أمن المنطقة. بذلك، سيستطيعون كسب المزيد من المصالح من خلال تحالفاتهم الأمنية، ومساعدة منتقدي أردوغان التأثير بشكل أكبر على الشارع التركي. 

______________________________________________

مترجم عن: (فورين أفيرز)
المصدر : الجزيرة