شعار قسم ميدان

ديفيد بتريوس: الأوكرانيون يواجهون الروس مثلما واجَهنا مقاتلو العراق

epa02704630 (FILE) A file photograph dated 01 July 2010 shows US General David H. Petraeus, former ISAF (International Security Assistance Force) Commander, talking during a press conference after his visit to the NATO headquarters in Brussels, Belgium, 01 July 2010. According to news reports on 27 April 2011, US President Barack Obama will name David H. Petraeus as the new director of the Central Intelligence Agency (CIA). EPA/ERIC VIDAL BELGIUM OUT *** Local Caption *** 00000402231700

مقدمة الترجمة:

ماذا لو استمر الغزو الروسي لأوكرانيا حتى استطاع السيطرة على أجزاء من البلاد؟ مَن سيواجههم؟ وكيف ستستعد هذه القوات؟ لم يجد بَرْشانت راو، المحرر الأول في مجلة "الأتلانتيك" الأميركية، أفضل من ديفيد بتريوس، الجنرال الأميركي والمدير السابق لوكالة "سي آي إيه"، للإجابة عن مثل هذه التساؤلات، لا سيما أن بتريوس كان قائدا للقوات الأميركية أثناء غزو العراق، الذي تشكَّلت على إثره جماعات المقاومة العراقية ضد الأميركيين.

 

نص الترجمة:

يعرف ديفيد بتريوس، أكثر من معظم الأميركيين، معنى أن تحتل بلدا ثم تواجه مقاومة مسلحة صامدة. وقد أعدَّ بتريوس، الجنرال السابق صاحب النجوم الأربع والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، رسالته لنيل درجة الدكتوراه حول حرب فيتنام، وساعد في الإشراف على كتابة دليل الجيش الأميركي الميداني لمكافحة التمرُّد، وقاد القوات الأميركية في العراق خلال الغزو، ثم أصبح رئيسا للقيادة المركزية الأميركية، التي كانت مسؤولة عن كلٍّ من حربَيْ العراق وأفغانستان، وأنهى حياته العسكرية وهو كبير الضباط الأميركيين في أفغانستان.

 

بحسب تقدير بتريوس، فمهما بلغ عزم فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا، فإنه يفتقر إلى القوات والدعم الشعبي المطلوب للنجاح في الاستيلاء على ذلك البلد لفترة زمنية طويلة. ومهما بلغت صعوبة حرب العراق بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأزمة الأوكرانية ستكون أصعب بمراحل بالنسبة لروسيا. وقد تواصَلتُ مع بتريوس لسؤاله عما يمكن أن تفعله القوات المسلحة الأوكرانية، وبمَ قد تخبرنا خبرته في العراق حول مستقبل الأحداث في أوكرانيا.

Ukrainian service members walk on the street, amid Russia's invasion of Ukraine, near the village of Kozarovychi, in Kyiv region, Ukraine April 2, 2022. REUTERS/Gleb Garanich

بْرَشانت راو: ماذا كنت ستفعل لو كنت قائدا في الجيش الأوكراني حاليا؟

ديفيد بتريوس: لو كنت في أي مستوى قيادي، كنت سأعمل مع موظفي الاستخبارات لفهم موقع عناصر القوات الروسية، لا سيما ذات الصلة بوحدتي ومهمتها، وذلك لتبيان الخيارات الروسية استنادا إلى فهمنا لتمركز تلك القوات، والتعرُّف على مسارات العمل الروسية الأخطر والأكثر ترجيحا. وبالاستناد إلى ذلك، كنت سأفعل ما بوسعي -وفق المحددات التي فرضها الرئيس وكبار صُنَّاع السياسة- لتجهيز قواتي ومنطقة العمليات الخاصة بي للقيام بالمهمات المسندة إليّ من القيادة العامة.

 

بالطبع يكمن التحدي في محاولات كبار صُنَّاع السياسة الأوكرانيين تحقيق غرضين مستقلين بذاتهما بطريقة ما. أولهما محاولة تجنُّب الإفراط في تخويف شعبهم وأيضا استفزاز الروسيين بلا داعٍ، وثانيهما السماح لقواتهم بالتجهيز للدفاع عن بلادهم. بيد أن تحقيق الهدف الأول يحول دون إقدام قادة الجيش على إجراءات لتحقيق الهدف الثاني، على سبيل المثال، وضع عراقيل كبيرة على الطرق السريعة الرئيسة لإجبار المهاجمين الروس على الدخول إلى مناطق تكون فيها الكمائن ووسائل الدفاع أكثر فعالية، وتعزيز بعض من هذه الدفاعات بألغام وخنادق مضادة للدبابات وحواجز من الأسلاك الشائكة. بالإضافة إلى تجهيز المناطق المأهولة مثل القرى والمدن لحمايتها وتحصينها عن طريق إنشاء مواقع للقنص، ومرة أخرى وضع عراقيل متنوعة. لعل إعلان الرئيس الأوكراني حالة الطوارئ واستدعاء قوات الاحتياط قد قلَّل من القيود المفروضة على وضع العراقيل لأغراض الدفاع والتحصين وغير ذلك، لكن ما زالت بعض القيود موجودة.

Ukrainian soldiers are pictured on their military vehicle, amid Russia's invasion on Ukraine in Bucha, in Kyiv region, Ukraine April 2, 2022. REUTERS/Zohra Bensemra

راو: بلغ تعداد القوات التي حشدتها روسيا بالقرب من أوكرانيا قبل بداية الغزو 190 ألف جندي تقريبا. ولا يتفوق هذا العدد كثيرا على قوات التحالف خلال غزو العراق، بيد أن أوكرانيا أكبر من حيث المساحة وأكثر اكتظاظا بالسكان. هل تستطيع روسيا فعلا السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية؟

بتريوس: هذا صحيح. لا تُعَدُّ أوكرانيا أكبر فحسب، بل يفوق تعداد سكانها نظيره العراقي، وقد تضمَّن الشعب العراقي عدة ملايين -من الأكراد، والمسيحيين، واليزيديين، والشبك، والكثير من الشيعة- دعموا عموما قوات التحالف خلال وجودنا هناك، في حين انضمَّت أو دعمت نسبة من الشعب العراقي الجماعات السنية والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران. ومع ذلك فقد أثبتوا أنهم بالفعل عدونا اللدود.

 

هل تستطيع روسيا فعلا السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية؟ يُعَدُّ هذا السؤال واحدا من تلك الأسئلة المُقلِقة في باطن عقل الرئيس بوتين وعقول كبار قادته. لقد كنت محظوظا بالخدمة قائدا للفرقة 101 المحمولة جوا خلال غزو العراق وطوال السنوات الثلاث الأولى هناك. بصراحة، كان القتال للوصول إلى بغداد -رغم كونه أصعب مما رجَّحه كثيرون- قتالا واضحا مباشرا، ولكن حالما انهار النظام، لم تكن لدينا القوات الكافية لمنع عمليات النهب الرهيبة التي حدثت في البداية، ولاحقا لم تكن لدينا القوات الكافية للتعامل مع المسلحين والعناصر المتشددة حينما صعَّدوا من أعمال العنف بشدة عام 2006، حتى تسلَّمنا القوات الإضافية على مدار 18 شهرا، وما صاحب ذلك من تغيير في الإستراتيجية وتطوير أعداد متزايدة من ذوي الكفاءات المعقولة في القوات العراقية.

 

ودعنا لا ننسى أن معظم العراقيين رحَّبوا بـ"تحريرنا" البلاد من نظام صدام حسين الوحشي والفاسد (على الأقل في البداية)*، في حين لا يمكن للروس أن يتوقعوا الإشادة والثناء من الأوكرانيين وهم يغزون بلادهم (باستثناء الأقلية الروسية)*.

Ukrainian women and children who fled Russia's invasion of Ukraine carry dummy babies symbolizing children who were killed in the conflict and a poster that reads "Putin, you will never get Ukraine" during a Mothers March in Budapest, Hungary, April 2, 2022. REUTERS/Bernadett Szabo

راو: لقد درست وطبقت مكافحة التمرُّد معظم سنوات حياتك المهنية. هل تعتقد أنه قد تظهر حركة تمرُّد بشكل ما ردًّا على أي محاولات روسية واسعة للسيطرة على أوكرانيا بالكامل؟

بتريوس: نعم، أعتقد ذلك، رغم أن من الصعب تحديد مدى حجم هذه الحركة أو مدى التزامها. وتوجد عوامل هائلة مهمة في مثل هذه الحالة، وأهمها على الإطلاق هو ما إذا كانت الحكومة والقوات الأوكرانية ستستطيع الإبقاء على جزء كبير من البلاد تحت سيطرتها في خضم غزو واسع النطاق. لقد أكَّد لنا أحد أعضاء الوفد البرلماني الأوكراني الذي قابلته مؤخرا خلال مؤتمر ميونخ للأمن أن الأوكرانيين سيستمرون في القتال، وذكَّرنا البرلمانيون أنه علاوة على بضع عشرات الألوية المقاتلة، توجد أيضا في أوكرانيا وحدات القوات الخاصة، وبضع عشرات من الألوية الحزبية (مكونة من مدنيين يتلقون تدريبات متواضعة في الإجازات الأسبوعية). وكان الوفد متأكدا من أن هذه العناصر، مجتمعة، ستُصعِّب الأمور بشدة على القوات الروسية المحتلة. في الحقيقة، قالوا إن الأوكرانيين سيسعون جاهدين للحيلولة دون تحوُّل بلادهم إلى لقمة سائغة في فم روسيا.

 

هل على الجيش الروسي أن يخاف؟ نعم، عليه أن يرتعب، لا سيما إذا استمر الأوكرانيون في القتال كجماعات متمردة مع تلقيهم الدعم من الخارج كما هو مُرجَّح. إن فلاديمير بوتين ومعظم كبار قادته طاعنون في السن بما يكفي ليتذكَّروا كم كان العَقد الذي أمضاه السوفييت في أفغانستان مؤلما، ومن ثمَّ عليهم القلق أيضا من أن احتلال أوكرانيا قد يكون شديد الصعوبة. وبقدر ما يبدو تعداد القوات البالغ 190 ألف جندي كبيرا، فإن عمليات مكافحة التمرد تعتمد على الجندية كثيفة العدد. وبالنظر إلى عدد الجنود على الأرض القادرين فعلا على خوض عمليات خطيرة لمكافحة التمرد على مدار الساعة دون توقُّف، فسيهبط العدد إلى أقل من ذلك بكثير، بالإضافة إلى ضعف انتشار القوات. والسؤال الثاني هو: هل يمكن للروس أن يستبدلوا بقواتهم الآن، البالغ عددها 190 ألفا، قوات أخرى بعد أن يمضي جيشها فترة طويلة على الأرض تتجاوز الأشهر؟ وأخيرا، وبافتراض أن الأوكرانيين سيقاتلون بضراوة وبأعداد كبيرة، ستسري القواعد الخاصة بنسبة قوات مكافحة التمرُّد إلى عدد السكان المحليين، ومن ثمَّ قد لا يكون 190 ألفا رقما كافيا.

Ukrainian service members walk near a Ukrainian flag, amid Russia's invasion of Ukraine, in the village of Kozarovychi, in Kyiv region, Ukraine April 2, 2022. REUTERS/Gleb Garanich

راو: لو كنت أنت مَن يعمل على رفع حالة هذا التمرُّد، فماذا كنت ستفعل الآن؟

بتريوس: أنا متأكد من وجود بعض التخطيط المتواضع الذي يجري حاليا، ومع ذلك، فهؤلاء الذين سينضمون إلى صفوف التمرد غالبا ما يركزون حاليا على تحديد كيف سيدافعون عن بلدهم ضد الغزو، ولا يركزون على كيفية التمرد في حال احتل الغزاة الروس بلدهم كاملا أو جزءا منه.

 

راو: ما توقعاتك لرد فعل الغرب على التمرُّد الأوكراني؟ هل سيدعمونه أم سيسعون للتنصل من مثل هذه الجهود؟ وهل عليهم دعم أيٍّ من هذه الجهود؟

بتريوس: من الصعب تحديد ذلك، إذ توجد العديد من العوامل التي تلعب دورا في الأمر، التي تتضمَّن، مرة أخرى، ما إذا كان هذا التمرد يتم من قِبَل جزء لا بأس به من أوكرانيا التي ما زالت تحت سيطرة الحكومة أم من خارج البلاد، وهو ما سيُمثِّل إشكالية أكبر. أعتقد أنه إلى جانب فرض الولايات المتحدة والدول الحليفة عقوبات صارمة دبلوماسية واقتصادية وقانونية على روسيا، فعلى الأقل ستدعم بعض البلدان الغربية التمرد الأوكراني.

 

نحن على دراية تامة، عموما، بما يحتاج إليه المتمردون، إذ حدَّدنا بوضوح ما كان يتطلبه هؤلاء المتمردون في العراق وأفغانستان، وسعينا لمنعهم من تلبية هذه المتطلبات، سواء كانت مقاتلين أو أموالا أو قادة أو اتصالات أو منظومات أسلحة وذخيرة أو متفجرات أو مخابئ ومنازل/مواقع آمنة أو خبراء مفرقعات أو أيديولوجيات/قضايا قابلة للاستخدام من أجل الدعاية أو غيرها من الإمكانيات. قد يكون المتمرِّدون الأوكرانيون في حاجة إلى كل ما احتاج إليه أولئك المتمردون العراقيون والأفغان، فيما عدا الانتحاريين، الذين لا أعتقد أنه سيُلجأ إلى خدماتهم.

 

*تعليقات المترجم

——————————————————————

هذا الموضوع مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: هدير عبد العظيم.

المصدر : مواقع إلكترونية