شعار قسم ميدان

مقابلة مع مؤسس المجلس الوطني الإيراني الأميركي.. هل تشن الولايات المتحدة حربا ضد طهران؟

ميدان - تريتا بارسي

مع شروق شمس أول يوم له في المكتب البيضاوي، اتخذ ترامب من "معاداة" إيران ديدنا وركيزة تنطلق منها سياساته الخارجية، منقلبا بذلك انقلابا كليا على نهج إدارة أوباما الدبلوماسي التشاركي. وحتى إبان حملة ترشحه للانتخابات الرئاسية، لم يتوقف ترامب عن توجيه أشد النقد لأهم إنجازات أوباما في السياسة الخارجية، وعلى رأسها الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، واصفا إياه بأنه "أسوأ اتفاق على الإطلاق".

   

في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018، قرر ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي سريعا، وفرض العقوبات، من جانب واحد، على طهران؛ بهدف معلن، تمثّل في خنق الاقتصاد الإيراني إلى درجة تدفع المواطنين اليائسين إلى الثورة والإطاحة بالنظام. الأمر الذي صدم العديد من حلفاء الولايات المتحدة. وفي تحدٍّ لإدارة ترامب، ظل بقية أطراف الاتفاق ملتزمين به، وباعتراف وكالات الاستخبارات التابعة للرئيس، لا تزال إيران نفسها ممتثلة لشروط الاتفاق. ومع بعض المساعدة من بقية الدول الموقعة، قد تتمكن إيران من تجاوز عاصفة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، دون الإذعان للمطالب الأميركية.

    

نظّمت الولايات المتحدة مؤتمرا دوليا مهما في وارسو ببولندا، ركّز على مواجهة التهديد الذي تُشكّله إيران على الشرق الأوسط والعالم. وعلى الرغم من استياء معظم الدول الأوروبية من الموقف الأميركي الجديد من القضية، فإنها بعثت بممثلين لها على مستوى منخفض؛ لحضور المؤتمر فحسب. في حين انتهزت الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج فرصة انعقاد المؤتمر، لتسليط الأضواء الدولية على عدوهم المشترك.

  

سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الدعوة مباشرة لشن "حرب ضد إيران"، قبل أن يتراجع عن هذا التصريح لاحقا. لكنه لم يكن الأول، فقد سبقه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى إطلاق التهديدات، حين أخبر الحكومة الإيرانية في الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية أنها "لن تستمتع بالكثير من الذكريات السنوية اللاحقة". مع تصاعد التوترات، أجرى موقع "The Globe Post" مقابلة مع تريتا پارسي، الباحث البارز في الشؤون الإيرانية الأميركية، حول تطور الموقف وإمكانية اندلاع حرب كبرى جديدة في الشرق الأوسط.

       

"تريتا پارسي" الباحث البارز في الشؤون الإيرانية الأميركية (مواقع التواصل)

   

س: أود أن أبدأ بمعرفة رأيك إزاء ما حدث في بولندا الأسبوع الماضي. فقد نظمت إدارة ترامب ما اعتبرته مؤتمرا عالميا مهما في وارسو حول أمن الشرق الأوسط، ركز بالطبع على إيران. ولعل إسرائيل وبعض دول الخليج تعتبره أيضا مؤتمرا مهما. ولكن من الواضح أن غالبية الدول الأوروبية لم تعتبره كذلك، فقد شاركت بتمثيل منخفض المستوى فحسب. ومن ثم، بالنسبة لك، ما أهم النقاط الرئيسية التي استخلصتها مما حدث الأسبوع الماضي في وارسو؟

پارسي: حسنا، علينا أولا تذكير أنفسنا بأن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الولايات المتحدة إنشاء تحالف موحد ضد إيران، فقد حاولت ذلك في مناسبات عدة. ربما كانت أول محاولة مهمة بهذا الصدد هي مؤتمر مدريد الذي عُقد عام 1991. المثير هنا أن النجاح في تكوين التحالف أيًّا كان نوعه لازمه دائما إخفاق في تحقيق الهدف المراد، وهو احتواء إيران. لأن إيران تتسم بقوة كبيرة، تجعل من الصعب إقصاءها تماما من المنطقة، حتى في أشد مراحلها ضعفا، امتلكت ما يكفي من القدرة التنافسية التي مكنتها بالفعل من تقويض السياسة الأميركية في المنطقة.

 

ومع ذلك، فإن الفارق بين مدريد ووارسو واضح جلي. فمؤتمر مدريد انعقد في وقت تمتعت فيه الولايات المتحدة بالمكانة والغلبة في عصر هيمنة القطب الواحد، أي كانت أقوى دولة في العالم، بل وأقوى من أي دولة في التاريخ على الإطلاق. بيد أن تلك الظروف المواتية لم تحقق لها النجاح في محاولتها التي باءت بالفشل.

 

أما في وارسو، بدا واضحا للعيان أن الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن القوة والشعبية اللتين تمتعت بهما من قبل. كما قاطعت معظم الدول الأوروبية المؤتمر، وحتى الدول التي بعثت بممثلين لها كان تمثيلها منخفض المستوى، في إشارة إلى معارضتها للمبدأ الذي قام عليه المؤتمر من الأساس. وانتهى بهم الأمر إلى خوض سجال مع المسؤولين الأميركيين، ليس في وارسو فقط ولكن أيضا في وقت لاحق في ميونخ. فإذا لم تستطع الولايات المتحدة أن تنجح في مسعاها هذا، وهي في أوج قوتها وفي لحظة ضعف إيران، فكيف نتوقع أن تنجح الآن، وهي أضعف بكثير وموقف إيران الإقليمي أكثر قوة عما كان عليه من قبل في تسعينيات القرن الماضي.

   

  

ورغم هذا الإخفاق الواضح لإدارة ترامب -إذا ما قرن بهدفها العام، وهو إنشاء تحالف ضد إيران أو عزلها- فإن المؤتمر لم يذهب هباء. فمن المؤكد أنه حقق نفعا هائلا، لا سيما لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي استغل المؤتمر على نحو جيد. ويمكننا أن نتطرق إلى هذا الأمر باستفاضة.

  

س: أود أن أركز على ما ذكرتهُ عن العزلة التي تشهدها الولايات المتحدة وإسرائيل، واستياء العديد من الدول الأوروبية. من الواضح أن الولايات المتحدة انسحبت بسرعة كبيرة من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) في بداية إدارة ترامب. في حين ظلت جميع الدول الموقعة الأخرى ملتزمة بالاتفاق. وفي نوفمبر/تشرين الثاني أعادت إدارة ترامب فرض عقوبات من جانب واحد على إيران. والآن، يدور حديث عن تعاون الدول الأوروبية لتشكيل "كيان ذي غرض خاص"، كإحدى آليات التغلب على هذه العقوبات الأميركية والاستمرار في القيام بالأعمال التجارية مع إيران. إلى أي مدى تعتقد أن تلك الجهود ستؤدي الغرض منها وتُقدم ما يُمكن اعتباره طوق نجاة لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، بعد أن سقطت البلاد مرة أخرى في قبضة العقوبات الأميركية الصارمة؟ 

 

پارسي: حسنا، مما لا شك فيه أن ذلك يُعد تطورا سياسيا مهما. ومع ذلك، لا يبدو جانبه الاقتصادي على القدر نفسه من الأهمية. لكن ثمة دلالة غاية في الأهمية في استعداد الأوروبيين لبذل كل تلك الجهود المضنية لمعارضة الولايات المتحدة، وإنشاء نظام مصرفي بديل للمعاملات التجارية؛ كي يتمكنوا من الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة، والحد من اعتمادهم على الولايات المتحدة.

 

ما زالت فعالية تلك الآلية في توفير طريقة بديلة للتجارة مع إيران رهنا للاختبار، خاصة أن معظم الأشخاص الذين تحدثت إليهم يعتقدون أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا للغاية للوصول إلى حجم التجارة الذي يطلبه الإيرانيون. ويمكنك أن ترى خيبة الأمل الكبيرة لدى الإيرانيين تجاه ما تحقق حتى الآن بهذا الشأن. لكن الإشارة السياسية مهمة للغاية.

    

  

س: أعْتقد أنّه عندما نتحدث عن العُقوبات، وخاصة عندما تُنَاقَش العُقوبات في العديد من المؤسسات البحثية هُنا في العاصمة [واشنطن]، غالبا ما تدور المُناقشات بعبارات مُجرّدة للغاية. ويمكن أن نُلاحظ هذا الآن مرة أُخرى في ظلِّ الوضع الراهن في فنزويلا. لذا، لنُلقي نظرة أوسع على هذا، هل يمكنك التحدث قليلا عن حجْم المُعاناة البشريّة الحادة التي تُسببها العقوبات على الناس العاديين في إيران؟

پارسي: تُدمّر العقوبات الاقتصاد والناس العاديين تماما، خاصة مَنْ لا يمتلكون القُدْرة نفسها على إيجاد حلول مؤقّتة وتدارُك تلك العقوبات، لأنهم أشخاص عاديّون وليست لديهم تلك الصلات الحكومية. رأينا كيف خلقت العقوبات في الماضي في عهد أوباما نقصا في المُؤن الطبية. وكيف دمرت العقوبات -في حالة إيران- الاقتصاد تماما.

  

خلُص تقرير وزارة الخارجية بعد حرب العراق إلى أنّ أحد أسباب صعوبة السيطرة على الأوضاع في العراق بعد الغزو هو تدمير العقوبات لفئات كثيرة جدا من هذا المجتمع. فقد تقلّص اقتصاد العراق لما يقرُب من 16 مليار دولار، ومن توابع ذلك عدم إرسال العراقيين العاديين بناتهم إلى المدارس، لأنّه لا فائدة من التعليم دون توافر أيّ وظائف، في اقتصاد صار مُقيّدا للغاية. حسنا، يُمكنك أن تتخيّل الوضع بنفسك، إذا كانت العقوبات تؤدي إلى مُعدل تعليم أقل بين النساء، فكيف سيؤدي ذلك إلى دفع البلاد نحو الديمقراطية؟ إنّ سجل التجارب السابقة واضح للغاية. تُقوِّض العقوبات -خاصة حالات الحصار الشامل- قُدرة أي بلد على التقدّم نحو الديمقراطية.

  

أعتقد أيضا أنّه من المهم إدراك أنّ هذه ليست بالضرورة أعراضا جانبيّة للعقوبات. عندما تستمع إلى وزير الخارجية مايك بومبيو نفسه، يغدو الأمر واضحا جدا. يقول إنهم يريدون أنْ تُقوِّض هذه العقوبات حياة المواطن الإيرانيّ العاديّ لدرجة يجد نفسه معها مضطرا لحمْل السلاح أو للنزول إلى الشارع والإطاحة بحكومته. فهُم يُحاولون في المقام الأوّل تغيير النِّظام عن طريق جعل الشعب بائسا للغاية، لدرجة لا يجد معها بُدّا من النزول للشارع، ومحاولة القيام بثورة أُخرى.

      

  

س: يوجد تقرير مدفون في أعماق دائرة البحوث التابعة للكونغرس عن تبِعات الجوْلة الأخيرة من العقوبات، والذي يُفيد أنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة على العناصر المُعتدلة سياسيا في إيران. بالطبع كان هؤلاء هُمْ مَنْ دافعوا عن الاتفاق النوويّ في المقام الأول، لكن في الوقت الحاليّ، أدارت لهم أميركا ظهرها وخانتهم بصورة ما. أعرف أنّنا تطرّقنا إلى هذا في حديثنا الأخير، لكن هل يُمكن أنْ تتحدث عن هذا بعض الشيء لمَن لا يعلمون شيئا عن هذه الديناميكية؟

پارسي: ليس هناك خلاف كبير على هذه النقطة. فالإيرانيون المُعتدلون ومَنْ فضّلوا خُطة العمل الشاملة المُشتركة (JCPOA) في موقف دفاعيّ الآن. فقد انقلب قطاع كبير من مناصريهم على الخطة. لكن لا تزال الأغلبيّة تؤيدها، إلا أنه لم يعد لديهم ذلك التفاؤل بأنّ الصفقة ستُحقق المزايا الموعودة.

  

لكن الوضع قد يزداد سوءا خلال العام المُقبل أو نحو ذلك، إِذْ ستستمر العقوبات في إفقار الإيرانيين العاديين. لذا ينبغي أن نحرص على ألا يصل الإيرانيون العاديون إلى استنتاج مفاده أنّ الدبلوماسية مع الغرب لن تُجدي نفعا، ولعل كثيرين منهم قد استنتجوا هذا بالفعل، وأنّ من الأفضل لإيران أنْ تنتهج سياسة المُقاومة العسكريّة ضد الغرْب في المنطقة، وانتهاج سياسة خارجيّة أكثر عُدوانية؛ لعله الشيء الوحيد الذي سيُجدي نفعا.

  
قد يُشكِّل هذا الاستنتاج كارثة هائلة للمصالح الأميركية. لكن أخشى أنه الاحتمال الأرجح، خصوصا مع ملاحظة الفرق الهائل بين تعامُل إدارة ترامب مع إيران وكيفية تعاملها مع كوريا الشمالية -التي تمتلك أسلحة نوويّة بالفعل، مجربة بجانب أنظمة الإطلاق.

 

"كان جون بولتون يدفع من أجل مُواجهة عسكريّة مع إيران مُنذ أكثر من عقدين، وهذه أفضل فُرصه لتحقيق حُلمه طويل الأمد".

       

 
 "جون بولتون" (مواقع التواصل)

  

س: تحدثنا عن انعزال الولايات المتحدة وإسرائيل عن العديد من الدول الأوروبية، لكن إدارة ترامب تجد نفسها مرة أخرى منعزلة إلى حدٍّ ما عن وكالاتها الاستخباراتيّة، التي كانت واضحة للغاية في تقييمها باستمرار بالتزام إيران بخطة العمل الشاملة المشتركة، وأنها لا تتّخذ خطوات لتجديد برنامجها النوويّ. وأصدرت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أيضا تقريرا توصّل إلى النتيجة نفسها تقريبا. لذا، تُخاطر كلٌّ من إدارتي ترامب ونتنياهو في محاولاتهما رسم صورة لإيران على أنها تُمثّل هذا التهديد العظيم، أليس كذلك؟

پارسي: بالقطع بلى، فالسعودية وإسرائيل -وفي هذه الحالة ليست الحكومة الإسرائيلية بأكملها، بل العناصر السياسية المحيطة بنتنياهو- والإمارات العربية المتحدة فقط من تؤيد هذا الصورة. ولكل دولة أسبابها الخاصة في ذلك. إذ تُريد إسرائيل والسعودية عودة الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط عسكريا، لتوفر لهما المظلة الأمنية، وتُهيمن على الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يعارضه الرأي العام الأميركي بوضوح.

  

فهذا -من وجهة نظرهم- ما يوفر لهم الأمن ويضمن لهم بقاء خصومهم الإقليميين محاصرين وساكنين، عن طريق ترجيح كفة السعودية وإسرائيل، من خلال قوة الولايات المتحدة العسكرية الخاصة، وهو أمر لا يستطيع الإسرائيليون والسعوديون تحقيقه بأنفسهم. لذا، يُمكنني تَفهُّم سبب رغبة نتنياهو فعل ذلك، ويُمكنني تَفهُّم سبب تفضيل القيادة السعودية -التي تريد من الآخرين حل مشاكلها طوال الوقت- ذلك. لكني لا أفهم لمَ توافق الإدارة الأميركية على شيء ينتهك بوضوح المصلحة الوطنية الأميركية، في حين قد يُفيد المصالح الوطنية لبعض حلفاء الولايات المتحدة؟!

    

  

س: يبدو أيضا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تصعيدا حادا في لهجة الخطاب. فقد وجه جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، تهديدا مباشرا للغاية بمناسبة الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كان يدعو صراحة إلى شن حرب على إيران، قبل أن يتراجع عن ذلك قليلا ويقول إن هناك خطأ في الترجمة وإن هناك بعض الالتباس في الأمر. لكن إذا كان تغيير النظام مهما كان الثمن هو النهج السياسي الذي تتبعه إدارة ترامب في الواقع، وإذا لم تكن هذه العقوبات التي فُرضت من جديد فعالة في تحقيق ذلك الهدف، أعتقد أن الإجراء الذي يتبع ذلك هو عزم الإدارة الشروع في وضع الأساس اللازم لشكل من أشكال التدخل العسكري. الأمر الذي أثار قلق الناس بوضوح منذ أن تولى ترامب منصبه لأول مرة، في هذه المرحلة، ما وضعنا الآن؟ وفي اعتقادك، إلى أي مدى يجب أن نبدأ في القلق بشأن الحرب كاحتمال فعلي قابل للحدوث في المستقبل القريب؟

پارسي: أعتقد أن الاستهانة بمخاطر الحرب أشد خطورة من المبالغة في تقديرها. وعلى الرغم من ذلك، فإنني شخصيا ليس لدي انطباع بأن ترامب نفسه يريد الحرب حقا، إلا أنه قد أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين ممن لديهم سجل حافل في شن الحروب. ومع إدراك حقيقة أن ترامب من دعاة الانعزالية، أو على الأقل يقول أشياء تتعارض مع فكرة شن حرب أخرى في المنطقة، فإن طبيعة ترامب هي أمر ثانوي، وتبقى اندفاعاته مكمن الخطر الرئيسي.

   

يجد أمثال بولتون أنفسهم في موضع مثالي للتلاعب باندفاعات ترامب، ونتيجة لذلك، فإن باستطاعتهم بدء هذه الحرب، بل ولديهم فرصة كبيرة لفعل ذلك. الآن، بالطبع، ستكون هناك مقاومة من قِبل الجيش الأميركي بالإضافة إلى المقاومة من قِبل أجهزة الاستخبارات الأميركية. ولذلك فإن الأمر لن يكون بالضرورة سهلا للغاية، ولكنه مع ذلك وضع مثير للقلق، لأن جون بولتون دأب على المناداة بمواجهة عسكرية مع إيران منذ أكثر من عقدين. وهذه هي فرصته الأفضل لتحقيق حلمه طويل الأمد.

   undefined

  

س: نشرت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية مقالا يوم الاثنين، نقلا عن مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة ترامب دون الكشف عن هويتهم، حاولوا إثبات وجود علاقة بين تنظيم القاعدة والنظام الإيراني. وبالطبع، في الفترة التي سبقت الحرب على العراق، قُدمت ادعاءات مماثلة حول نظام صدام تبين زيفها في وقت لاحق. ولكن قبل أن نصل إلى الشكل المحتمل للدوافع القانونية لإثبات مثل هذه العلاقة، أولا وقبل كل شيء، ما رد فعلك على تلك الادعاءات فيما يتعلق بصدقها؟

پارسي: توصلت جميع التقييمات المستقلة حول هذا الأمر إلى الاستنتاج نفسه الذي مفاده أن ذلك ببساطة مجرد ترهات. فقد كانت هناك حرب دائرة بين الإيرانيين وتنظيم القاعدة منذ فترة طويلة، وكانت هناك جهود من جهة تنظيم القاعدة للتوصل إلى اتفاقات تتعلق بالنواحي التكتيكية، لكن هذا لم يحدث.

  

تعرضت إيران لهجوم من قِبل أحد فروع تنظيم القاعدة، في شهر فبراير/شباط الماضي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 27 شخصا في تفجير انتحاري استهدف حافلة. لذا فإن فكرة وجود تعاون بينهما هي فكرة سخيفة تماما. هذه هي الطريقة التي تلقاها بها معظم الناس في مجتمع المغتربين. ولكنها تعكس مرة أخرى رغبة بولتون وبومبيو المستميتة لبدء هذه الحرب، واستخدام أي نوع من الذرائع لإشعالها.

  

س: فيما يتعلق بالذرائع، يخول "الإذن باستخدام القوة العسكرية" الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 2001، بشكل واضح، للرئيس استخدام القوة العسكرية ضد المتسببين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وأي "قوة مرتبطة بهم". وهو ما سعى مقال صحيفة "واشنطن تايمز" -الذي أشرت إليه للتو- لإثبات وجود صلة مباشرة بينهم، والترويج لهذه الصلات المفترضة بين إيران وتنظيم القاعدة من ناحية، والدعم القانوني الذي سيحتاج إليه الرئيس ترامب إذا ما قرر بالفعل القيام بأي شكل من أشكال الهجوم العسكري، من ناحية أخرى. هل يبدو لك ذلك أساسا منطقيا متماسكا لتقديم مثل هذه الادعاءات، التي كما تقول إنها تستند بالفعل إلى أدلة واهية للغاية؟

پارسي: إذا كانت هناك أدلة مقنعة حقا بهذا الشأن، فسيكون للأمر صدى هائل. ورغبة بعض هؤلاء الأفراد في دفع الولايات المتحدة نحو المواجهة العسكرية واضحة للغاية، فقد تطاول عليها الأمد.

   

رغبة نتنياهو في أن تدخل الولايات المتحدة في حرب مع إيران أصبحت أمرا لا جدال فيه، وقد باتت من المسلمات
رغبة نتنياهو في أن تدخل الولايات المتحدة في حرب مع إيران أصبحت أمرا لا جدال فيه، وقد باتت من المسلمات
  

س: قبل أن أنهي هذه المقابلة، أريد أن أعود مجددا لمناقشة أمر قد أشرت إليه سابقا. إنه تصريح نتنياهو الذي ظهر في تغريدة باللغة الإنجليزية -نسخة مترجمة عنه- حيث بدا فيه وكأنه يدعو إلى شن حرب ضد إيران، بيد أنه تراجع عن ذلك بشكل ما. ما تقييمك لهذا الأمر؟

پارسي: حسنا، لنستعرض ما حدث بالفعل. ألقى نتنياهو تصريحا باللغة العبرية في مقابلة مع إحدى الصحف الإسرائيلية. تحمل الكلمة التي استخدمها في البداية معنى "القتال" أو "الحرب". لم تكن الصحيفة التي نشرت القصة لأول مرة صحيفة غير عبرية، بل كانت صحيفة "جيروزاليم بوست"، جريدة يومية إسرائيلية تصدر باللغة الإنجليزية. نشر حساب نتنياهو الخاص على موقع تويتر هذه الترجمة عبر حساب رئيس الوزراء لمدة نحو 10 ساعات، ليقوم بعد ذلك بتغييرها إلى كلمة "قتال". ولكن خلال مقابلة أخرى، أجراها بعد ذلك بدقائق مع وكالة "أسوشيتد برس"، استخدم كلمة أخرى تُشير بلا أدنى شك أن نيته كانت كلمة "الحرب" وليس "القتال".

  

خلاصة القول هي إن رغبة نتنياهو في أن تدخل الولايات المتحدة في حرب مع إيران أصبحت أمرا لا جدال فيه، وقد باتت من المسلمات. بيد أن إعطاءه حق الاستفادة من قرينة الشك التي لا يستحقها، مع إدراك ذلك التاريخ، هو أمر رائع حقا، ولا سيما عند الأخذ في الاعتبار حقيقة أننا لا نتحدث عن إحدى الصحف العربية التي أخطأت في ترجمة تصريحه. نحن نتحدث عن أكبر صحيفة في إسرائيل التي نشرت الترجمة باستخدام كلمة "حرب". وبعد ذلك على حساب رئيس الوزراء الخاص على موقع تويتر نُشرت الترجمة نفسها. لذا أعتقد أنه عنى ذلك حقا، لكن إدراكه للمشاكل غير الضرورية التي قد يخلقها هذا التصريح دفعه للتراجع عن ما قاله. ولكن أعتقد أن الصورة الأكبر التي يرسمها هذا التصريح هي سعي نتنياهو المستمر إلى تجاوز الحدود، لتطبيع فكرة الحرب على إيران.

   

المزيد حول هذا الموضوع

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/آيار من عام 2018، أعادت إدارة دونالد ترامب فرض عقوبات على النظام المصرفي وقطاع النفط الإيراني في الـ 5 من نوفمبر/تشرين الثاني. تمثّل الهدف من جولة العقوبات الجديدة تلك -كما يقول القادة في واشنطن- في إشاعة الخراب في الاقتصاد الإيراني على أمل إجبار القادة الإيرانيين على إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، وفي نهاية المطاف قبول شروط أكثر ملاءمة لصالح الولايات المتحدة. وعلى صعيد آخر، يرى الخبراء أن العقوبات ستُلحق أضرارا وخيمة بعامة الشعب الإيراني، ثمة إجماع واسع على أن الاقتصاد الإيراني سيتمكن على الأرجح من التعامل مع العقوبات بما فيه الكفاية لتجنب الاستسلام إلى مطالب ترامب.

————————————————————–

ترجمة: فريق الترجمة.

هذا المقال مترجم عن The Globe Post ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة