شعار قسم ميدان

البحث عن الفردوس المفقود.. لماذا لم نجد بديلا لتويتر حتى الآن؟

البحث عن الفردوس المفقود.. لماذا لم نجد بديلا لتويتر حتى الآن؟
(شترستوك)

نعم، هذه مقالة أخرى عن تويتر. نعلم أنك ربما سئمت من الأخبار والمقالات التي تتباكى على ما كان يوما ما حصنا للأخبار العاجلة وشائعات المشاهير وتأملاتك الشخصية التي ترسلها لأصدقائك، لكن على ما يبدو أنه يجب علينا الآن قبول حقيقة جديدة؛ وهي أن تويتر، مثل النجم الباهت، أصبح ذكرى لما كان عليه في السابق.

 

في الأشهر الماضية، منذ أن تولى إيلون ماسك زمام الأمور، انخرطت المنصة في متوالية أخطاء كبيرة. مَن يستطيع أن ينسى الكارثة الأخيرة عندما كان المستخدمون حول العالم غير قادرين على نشر تغريدات أو متابعة حسابات جديدة لساعات متتالية؟ رغم أن موقع تويتر يعاني دائما من انقطاعات دورية، فإن هذه الحوادث زادت بشكل ملحوظ مؤخرا. الأهم أن قرارات ماسك غير المنتظمة أدت إلى إضعاف نزاهة المنصة ودفع المستخدمين بعيدا بأعداد كبيرة. (1)

 

داعما لروح حرية التعبير كما أعلن، تولى إيلون ماسك زمام إدارة تويتر زاعما السماح للمستخدمين بالتعبير عن أنفسهم بالطريقة التي تحلو لهم، ولكن ما تلا لم يكن زيادة في حرية التعبير، بل كان تصاعدا في خطاب الكراهية على المنصة، مع زيادة مذهلة بنسبة 200% في المنشورات المعادية للسود منذ أن تولى ماسك زمام الأمور حتى ديسمبر/كانون الأول 2022. (2)

"تويتر بلو" (Twitter Blue)، وهو إصدار مدفوع من التطبيق يسمح لأي شخص بشراء شارة تحقق (العلامة الزرقاء)
"تويتر بلو" (Twitter Blue) هو إصدار مدفوع من التطبيق يسمح لأي شخص بشراء شارة تحقق (العلامة الزرقاء). (شترستوك)

وحتى بعيدا عن مشكلات الكراهية، واجه العديد من المستخدمين مضايقات على المنصة، خاصة بعدما أطلق ماسك خاصة "تويتر بلو" (Twitter Blue)، وهو إصدار مدفوع من التطبيق يسمح لأي شخص بشراء شارة تحقق (العلامة الزرقاء)، في خطوة هدفت إلى "تسوية الملعب" عن طريق سحب الامتيازات من تحت مَن يسمون بـ"النخبة" مثل الصحفيين، ومع ذلك فإن التغييرات التي نُفِّذت بشكل سيئ في سياسة التحقق أغرقت المنصة بالعشوائية وأدت إلى انتحال حسابات مزيفة لهوية شخصيات عامة، بمَن في ذلك ماسك نفسه. (3)

 

وبينما يدعي ماسك أن قاعدة مستخدمي تويتر باتت أكبر من أي وقت مضى، تُظهر البيانات أن المنصة كانت لديها حركة (Traffic) أعلى قبل توليه المسؤولية. كما أخفق تويتر ما بعد ماسك في الالتزام بمعايير حرية التعبير التي ينادي هو نفسه بها (4)، حيث حظر المستخدمين من الإشارة أو الإحالة إلى حساباتهم على التطبيقات المنافسة مثل "ماستودون" (Mastodon)، أو حتى فيسبوك وإنستغرام.

 

سرعان إذن ما تحوَّل التفاؤل بسيطرة إيلون ماسك على المنصة إلى خيبة أمل كبيرة، ليس فقط للمستثمرين ولكن للمستخدمين أيضا، وبدأ آلاف النشطاء والمستخدمين الذين طالما اعتمدوا على المنصة في التفكير في الهجرة منها، فهل آن حقا أوان استبدال تويتر إلى الأبد؟

 

الطيور المهاجرة

تويتر هو المكان المثالي للصحفيين، بمَن فيهم المواطنون الذين يغطون الأخبار في محيطهم فيما يُعرف بـ"صحافة المواطن"، لكن كل ما ذُكر أضحى اليوم في "خبر كان". 
كان تويتر هو المكان المثالي للصحفيين، بمَن فيهم المواطنون الذين يغطون الأخبار في محيطهم فيما يُعرف بـ"صحافة المواطن"، لكن كل ذلك أضحى اليوم في "خبر كان".  (شترستوك)

بالنسبة للعديدين منا، كانت القيمة التي يضفيها تويتر لا تقدر بثمن. يتابع الكثير منا بإخلاص آلاف الصحفيين والمصادر على هذه المنصة، وتزودك صفحتها الرئيسية بتدفق لا مثيل له من الأخبار العاجلة، متفوقة على أي قناة معلومات أخرى متاحة. وفي عالمنا العربي تحديدا، كان لتويتر لونه الخاص، حتى وإن اصطبغ بالحزن غالبية الوقت. لقد عاصرنا ثورات الربيع العربي وشاهدنا انطلاقها من عوالم مواقع التواصل وأولها تويتر إلى خارجها، كما أننا دائما ما نتذكر تويتر بالسعودية تحديدا، قائلين: "السعوديون يحبون تويتر"، ولا عجب، حيث يوجد 38% من السعوديين على تويتر، فيما تحل المملكة في المركز الخامس من حيث أعداد المستخدمين بعد الولايات المتحدة واليابان وروسيا والمملكة المتحدة. (5)

 

خلقت أدوات تويتر للتغريد والتعليق والمتابعة والنشر، باستخدام النصوص والصور ومقاطع الفيديو، مساحة واسعة لحرية التعبير، لذلك ما من فئة بالناس ترتبط وتعتز بعلاقاتها مع هذه المنصة مثل الصحفيين. حسنا، تأثير تويتر على الصحافة لا يُضام؛ فالمؤسسات الصحفية عند تغطيتها للأنباء العاجلة تغرد على حساباتها على تويتر، ثم تنشر على مواقعها الإلكترونية ثم تطبع منشوراتها.

 

اكتسب تويتر شعبيته بين الصحفيين في المقام الأول بسبب تحديثاته اللحظية، حيث يمكن للصحفيين استخدامه لمشاركة تحديثات الأخبار العاجلة والحسابات المباشرة وغيرها من المعلومات الحساسة للوقت مع جمهورهم بسرعة، كما أنّه يتيح لهم التواصل مع محترفين آخرين في مجال عملهم، بما في ذلك المصادر والزملاء والمحررون. إنه المكان المثالي للصحفيين، بمَن فيهم المواطنون الذين يغطون الأخبار في محيطهم فيما يُعرف بـ"صحافة المواطن"، لكن كل ما ذُكر أضحى اليوم في "خبر كان".

 

هذا هو ما يحدث عندما تهيمن أصوات الكراهية والمعلومات المضللة على النظام الأساسي الذي نعتمد عليه للتواصل مع الجمهور. تويتر، الذي كان يوصف يوما بأنه مرتع لليبراليين ولـ"الحرية المبالغ فيها"، أصبح اليوم أرضا خصبة لليمين المتطرف. فشلت الخوارزميات والسياسات الخاصة بالمنصة في مواكبة ظهور خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، ما ترك الصحفيين وغيرهم من الباحثين عن الحقيقة يكافحون من أجل أن يُسمع صوتهم من بين الضوضاء. وهكذا، نجد أنفسنا نبحث عن منصة جديدة، عن مكان يمكننا من خلاله التواصل مع جمهورنا دون إغراق بأصوات الكراهية. لكن إلى أين نذهب؟ ما المنصة التي يمكن أن تقدم مدى الوصول والفورية نفسه مثل تويتر بدون تلك البيئة المؤذية؟

 

البحث عن بديل

"ماستودون" (Mastodon)
تطبيق "ماستودون" (Mastodon). (شترستوك)

المرشح الأول منذ بدأ إيلون ماسك فوضاه غير الخلاقة في تويتر هو "ماستودون" (Mastodon)، وهو تطبيق تواصل اجتماعي لا مركزي، ويقصد بـ"لا مركزي" أنه يخزن بيانات المستخدم والمحتوى على شبكة "بلوكتشين" وخوادم مستقلة بدلا من الخوادم المركزية التي تتحكم فيها شركة واحدة، أي إن من غير المحتمل أن يقوم أحد ما في المستقبل بما فعله ماسك بتويتر على هذه المنصة.

 

"ما أثار انتباهي حيال ماستودون هو التقنيات التي تعمل في خلفيته، وكونه مفتوح المصدر"، هذا هو ما قاله مصطفى محمد، الذي يعمل مهندس بيانات مستقلا في حديث لـ"ميدان" عندما سألناه عن رأيه في "ماستودون" بصفته مستخدما، وتابع: "واجهتني صعوبة في التسجيل والدخول لماستودون، واجهة المستخدم ليست سهلة الاستخدام، كما أنك لا يمكنك العثور على حالات "Instances" لمتابعة اهتماماتك، للوهلة الأولى لا يبدو أنه يدعم التواصل الاجتماعي مثل باقي المنصات".

 

يختلف "ماستودون" عن تويتر كذلك في حقيقة أنه لا يمتلك "دعما خوارزميا" من أي نوع، ولا يوجد تلاعب في موجز الأخبار الطبيعي الخاص بك عليه، ويميل التطبيق إلى أن يحتوي على عدد أقل بكثير من الحجج والمنشورات العدائية، ونظريات المؤامرة، والحديث المستمر عن المشاهير، كما أن الذين يُفضِّلون "ماستودون" يُبشرون بفضيلة مهمة، ألا وهي خلو التطبيق من الإعلانات، الأمر أشبه بتجربة مشاهدة مسلسل تلفزيوني بلا إعلانات لأول مرة بالنسبة لهم. (6)

 

ربما يُعَدُّ "ماستودون" خيارا جيدا من الناحية التقنية وعلى مستوى التجربة "النفسية" للمستخدمين، لكنه ليس كذلك من الناحية الوظيفية، على الأقل حتى الآن، حيث يفتقر التطبيق إلى أهم مزايا تويتر وهي اللحظية، وهو يقدم تجربة أقرب إلى مجموعات فيسبوك، حيث تأخذ بعض التحديثات بضعة أيام كي تصل إلى المستخدمين، وهذا ليس جيدا بالطبع بالنسبة إلى الصحفيين أو أولئك الذين يريدون صناعة زخم حول الأخبار الآنية.

 

اللا مركزية ليست الحل

أطلق جاك دارسي، أحد مؤسسي تويتر والرئيس التنفيذي السابق له، بدوره، منصة لا مركزية تُدعى "بلوسكاي" (Blue sky) حلا لأزمة حرية التعبير عن الرأي
أطلق جاك دارسي، أحد مؤسسي تويتر والرئيس التنفيذي السابق له، منصة لا مركزية تُدعى "بلوسكاي" (Blue sky) حلا لأزمة حرية التعبير عن الرأي. (شترستوك)

ومع ذلك، تستمر موجة التبشير بالتطبيقات اللا مركزية مثل "ماستودون"، والحجة الرئيسية في هذا الصدد هي أننا لا نريد إيلون ماسك جديدا. فكرة أن يوجد كيان ضخم تُضخ فيه الاستثمارات ويتحكم في المشهد السياسي لدولة مثل الولايات المتحدة ويكون تحت سيطرة شخص واحد هي فكرة مرعبة بلا شك. (7) (8)

 

كما ذكرنا، الفكرة الرئيسية وراء منصات التواصل اللا مركزية (Decentralized platforms) هي أن تخزين البيانات ومشاركتها يتم عبر خوادم متعددة، بدلا من أن تتحكم فيها شركة أو مؤسسة واحدة، كما تعطي منصات الوسائط الاجتماعية اللا مركزية الأولوية لخصوصية المستخدم وأمانه والتحكم في بياناته الخاصة. عادة ما يُستخدم التشفير لتأمين بيانات المستخدم، وغالبا ما يُمنح المستخدمون مزيدا من التحكم في معلوماتهم مقارنة بالأنظمة المركزية، بالإضافة إلى ميزة أخرى مهمة هي أن هذه الأنظمة قائمة على "كود" مفتوح المصدر، مما يعني أنه متاح للجمهور ويمكن لأي شخص مراجعته وتحسينه.

 

كل المزايا السابقة هي مدعاة للتجريب، وسوف تكون التجربة في النهاية هي الفيصل. عند استخدام محررة "ميدان" لـ"ماستودون"، كونه أكثر المنصات اللا مركزية شيوعا، وجدنا أن أكبر مزاياه هي كذلك أكبر عيوبه، اللا مركزية ستكون هي العائق الأكبر أمام تحقيق النمو السريع الذي تشهده تطبيقات التواصل الاجتماعي عادة، حتى إن فكرة وصف هذه المواقع بأنها تطبيقات "تواصل" ستكون غير دقيقة.

 

لا يقف قطار اللا مركزية عند ماستودون، حيث أطلق جاك دارسي، أحد مؤسسي تويتر والرئيس التنفيذي السابق له، بدوره، منصة لا مركزية تُدعى "بلوسكاي" (Blue sky) حلا لأزمة حرية التعبير عن الرأي، وخصوصا بعد ما تولى ماسك إدارة تويتر ورأى نتائج المركزية. يتفق "ماستودون" و"بلوسكاي" في كونهما لا مركزيين، أما الاختلافات الرئيسية بين النظامين هو نهجهما في الفدرلة (Federation) أو الحوكمة.

 

بُني "ماستودون" فوق بروتوكول "ActivityPub" الذي يسمح للتطبيقات اللا مركزية المختلفة بالتواصل مع بعضها بعضا، مما يؤدي إلى إنشاء شبكة لا مركزية يمكن أن نسميها "شبكة تواصل" فعلية. في المقابل، يستكشف "بلوسكاي" استخدام بروتوكولات مختلفة للفدرلة، مما قد يحد من قدرته على التفاعل مع المنصات اللا مركزية الأخرى. هناك اختلاف آخر في هياكل الحوكمة أو الفدرلة الخاصة بكلٍّ منهما، "ماستودون" هو مشروع مفتوح المصدر يحركه المجتمع إلى حدٍّ كبير، أي إن المستخدمين يمكنهم التغيير فيه مما يشعرهم بالتمكين. في المقابل، يُطوَّر "بلوسكاي" من قِبل فريق داخل تويتر، وينقصه أن نرى مقدار مساهمة المجتمع الأوسع في تطوره واتجاهه. (9) (10)

 

للوهلة الأولى، بدت المنصات اللا مركزية متنفسا للصحافة الحرة بلا قيود، وبالأخص صحافة المواطن، وهو ما يقوم به أغلب سكان الإنترنت حاليا من التحدث والتداول للأخبار المحلية والعالمية وحتى ولو بشكل ساخر، ابتداء من التغريدات أو "Microblogging" وحتى الصوت والفيديو، وهي ممارسات غالبا ما تقدم وجهات نظر بديلة حول الأخبار والأحداث، وتحدي الروايات السائدة، وهيمنة الأفراد والمؤسسات القوية.

 

بالطبع لا تقدم هذه التطبيقات تجربة مثالية حتى الآن، بل إنها لا تحقق حتى أهدافها بوصفها تطبيقات تواصل في المقام الأول، ثم منافذ إخبارية تاليا. من الواضح إذن أن التأثير الجلل الذي أحدثه تويتر غير قابل للاستبدال على وجه السرعة، لكن رحلة البحث عن بدائل قد بدأت بالفعل، ومن المؤكد أنها ستصل إلى وجهتها يوما ما.

———————————————————————————-

المصادر:

1- Musk’s Twitter is getting worse

2- Hate Speech’s Rise on Twitter Is Unprecedented, Researchers Find

3- Elon Musk’s response to fake verified Elon Twitter accounts: a new permanent ban policy for impersonation 

4- يوتوبيا زائفة.. هل اشترى إيلون ماسك تويتر للدفاع عن حرية الرأي والتعبير حقا؟

5- Online and Social Media 

6- The Psychology of Mastodon: The Great Migration From Twitter

7- How Twitter shapes public opinion In Saudi Arabia – By Hashtag’s Abdullah Alliefan

8- How Twitter has changed politics — and political journalism

9- Trying to Understand Mastodon’s Federation 

10- Twitter down the same day Jack Dorsey launches decentralized alternative

المصدر : الجزيرة