شعار قسم ميدان

"النفط الجديد".. كيف يجني ناديك المفضل المال من تاريخ ميلادك؟

قواعد بيانات الأندية تحمل معلومات أكثر من أي شركة أخرى، يلتقط النادي المشجع في أقصى لحظات انفعاله، ومن ثم يسمح جمع هذه البيانات وتحليلها بتخصيص العروض لكل مشجع على حدة. (غيتي)

بعد محاولات عديدة وجهود مضنية، استطعت الحصول على منحة دراسية في إنجلترا. تهانينا، ستكون إقامتك هناك تجربة ثرية، قد تستفيد منها بقدر استفادتك من المنحة ذاتها، ولا تنسَ أن تسأل زملاءك الإنجليز عن تأثرهم بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، قد تكتب مقالا مميزا عن الأمر لو أحببت.

المهم، لا تُخرِجنا عما جئنا من أجله من فضلك، وهو حلمك القديم بأن تحضر مباراة لأرسنال من الملعب. يراودك هذا الحلم منذ أكثر من 10 أعوام، لم يكن أرسنال حينها في أفضل حالاته، لكنك أحببت أن تعيش تلك الأجواء من الملعب، وزادك موسم أرتيتا الناجح حماسا، فمشاهدة التناغم الهجومي الذي يقدمه الفريق من أرض الملعب سيكون له طابع خاص.

الفرصة قد أتت، وبعد أسبوعين من الوصول واستقرار أوضاعك المعيشية، قررت أنه حان الوقت ليتحقق الحلم، وفي ليلة باردة، وبينما تجلس مع أحد أصدقائك الجدد، أخبرته بنيتك، فقرر مرافقتك، وعلى الفور بدأتم البحث.

في الطريق إلى أرتيتا

مشجعون في مكتب تذاكر أرسنال قبل مباراة الدوري الإنجليزي الممتاز بين أرسنال ومانشستر سيتي في استاد الإمارات (غيتي- أرشيف)

قبل العثور على تذكرة، كان عليك أن تحسب ميزانية الرحلة، وطبعا قبلها الميزانية التي تكفيك لباقي الشهر، فمهما بلغ بك حب أرسنال، فهو لا يصنع الفطائر كما تعلم. لذلك قررت الولوج لموقع أمازون، واشتريت ما يحتاج إليه شاب أعزب من الطعام، وأنت في الموقع مررت ببعض منتجات العناية الشخصية، لكنك قررت تأجيلها، وضعتها في قائمة التمني وأكملت الشراء، أدخلت بطاقتك وأتممت العملية. بعدها بدأت في البحث عن التذكرة، وقد فاجأتك أسعارها، لكن قررت أن تكمل على أي حال، واستطعت أن تعثر على تذكرتين بالفعل، الأولى لك، والثانية لصديقك.

في الوقت الذي أمضيته في شراء التذكرة، كان صديقك يبحث عن وسيلة المواصلات الأسهل والأقل تكلفة، وقد أرشده الكثيرون إلى القطار، وتكفل بحجز تذكرتين أيضا عبر بطاقته المصرفية. رحلة الوصول إلى ملعب الإمارات كانت طويلة، احتجت فيها لاستخدام تطبيق خرائط جوجل في العديد من المرات، لكن في النهاية، ها أنت هناك، في المكان الذي تابعت أرسنال يخسر فيه كثيرا لأعوام، وشاهدته يعود لينافس على الدوري الإنجليزي في العام الماضي.

دخلت الملعب، وحمّلت تطبيق النادي لتفهم طبيعة المدرجات وأماكن المطاعم والاستراحات، وكذلك لتستمتع بالخدمات والإشعارات التي يقدمها النادي لمشجعيه. لم تفوت بالطبع الفرصة لشراء بعض التذكارات، وقد كلف الأمر الكثير من المال، والذي يضاف لسعر التذكرة الباهظ، لكن نحن هنا لنخبرك بمعلومة صادمة: لم يكن سعر التذكرة وسعر الهدايا هو أهم ما استفاده أرسنال منك، بل استفاد ما هو أثمن.

نفط العصر الحديث

تبدأ الحكاية في عام 2016، حين وقف رجل بريطاني يُدعى ألكسندر نيكس، على منصة قمة كونكورديا السنوية بنيويورك، ليؤكد أن كل رسالة أو منشور أو مقطع مصور نُشر خلال حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو الرئاسة في 2016 كان مبنيا على بيانات المستخدمين التي حصلت عليها شركته وعملت على تحليلها بدقة(1).

بيانات تفصيلية عن الناخبين: أصولهم العرقية، وانتماءاتهم ومواقفهم السياسية، واحتياجاتهم الشخصية، وظروفهم الحياتية ورغباتهم، ومن ثم كان سهلا عليهم بعدها أن يستهدفوا كل شخص على حدة بما يناسبه، فالرسالة الانتخابية والوعود التي قدمتها الحملة لجمهوري متعصب لم تكن نفسها التي قدمتها لمهاجر أسود فقير.

"توقفتُ عن النظر إلى الناس على أنهم مجموعات، وإنما قلت دعونا ننظر إلى الناس فُرادى، كيف يتفاعل كل واحد منهم، لأنه قد يرى شخصان الحدث نفسه، لكن تختلف وجهة نظرهم عنه، وبينما صنع فريق هيلاري كلينتون 66 ألف إعلان مرئي، صنعنا 5.9 مليون إعلان كان موجها لكل شخص بالطريقة التي يحب أن يراها"

(براد بارسكال – المستشار الرقمي لحملة ترامب(2))

اعتمد الفريق على بيانات المستخدمين المتاحة على فيسبوك، وكذلك تويتر الذي كان الرئيس الأميركي السابق فاعلا عليه، وهو ما جلب ملايين التفاعلات اليومية على تغريداته، والتي تعني ملايين المعلومات لفريقه، يفهمون منها توجهات الناخبين، وكيف يفكرون، ومن ثم يمكن استهدافهم بما يناسبهم.

كانت هذه باختصار فضيحة كبرى مشهورة تُعرَف باسم فضيحة كامبريدج أناليتيكا، وهي واحدة من أشهر الشركات التي استغلت بيانات المستخدمين في خدمة عملائها، وغيّرت بذلك العالم ورسمت شكله الجديد، فلم تقتصر الشركة على حملة ترامب فقط، بل كانت عنصرا مهما في عمليات الترويج قبل الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، لا تنسَ أن تسأل صديقك إن كان يعرفها(3).

في الحقيقة، لم تكن البداية في 2016، فقبل 10 أعوام من ذلك التاريخ كان عالم الرياضيات البريطاني "كلايف هامبي" يشرح للجميع ما هم مقبلون عليه ويُبشّر بعصر سيطرة البيانات، وبعد عصور شكّلها اكتشاف الزراعة أو اكتشاف المحرك البخاري، جاءت البيانات، نفط العصر الحديث كما سماها هامبي(4).

هامبي لم يكن الذكي الوحيد الذي تنبه لهذا، فعشرات الشركات كانت تبني أنظمتها في الفضاء الرقمي خلال ذلك الوقت وتعززها، لتكون قادرة على التنقيب عن هذا النفط واستخراجه، وربما إنتاجه لو تمكنوا من ذلك، وعبر السنوات توسع الفضاء الرقمي بشكل ربما لم يكن ليتخيله أحد، وعبر آلاف المواقع والتطبيقات ومنصات التواصل، تحوّل الفضاء الرقمي لبئر هائلة من النفط، وعندها بات الصراع حول استخراجه والاستفادة منه هو مهنة مستقلة يعمل فيها عشرات الآلاف حول العالم، وتبذل فيها المؤسسات مئات الملايين كل عام.

ما البيانات؟

لا نعلم إن كنت تريد أن تطرح علينا هذا السؤال أم لا، لكن دعنا نجيب عنه قبل أن نواصل. لفظ "البيانات" في العالم الرقمي يُطلَق على كل تصرفاتك التي تُخلف آثارا رقمية، مثل اسمك، وعمرك، وأغانيك المفضلة، ومسلسلك الذي تشاهده قبل النوم، وأي عملية شراء تقوم بها من خلال بطاقتك المصرفية، وكل المنتجات التي تضعها في قائمة التمني (Wishlist) على مواقع التسوق، وأي عملية بحث تقوم بها عبر محركات البحث، وكل رحلة تقوم بها بينما هاتفك في جيبك، وأي إعجاب تضعه على مواقع التواصل الاجتماعي.

كلما زاد تعقيد البيانات وعمقها وتعبيرها عن الواقع زادت أهميتها وبذلت فيها الشركات المهتمة أموالا أكثر، وهو ما جعل السباق على جمع هذه البيانات محتدما بين الجميع. (شترستوك)

تجتمع هذه البيانات لتكون صورة كاملة عنك، صورة تعبّر عنك في الماضي وعن تاريخ حياتك، وتعبر عنك في المستقبل وعن رغباتك وأمنياتك، وبترتيب تلك البيانات وتحليلها عبر الخوارزميات، يمكن معرفة الكثير عنك، معرفة تجعل من السهل تخمين ما تنوي فعله، وربما التحكم به مع بعض التقنيات.

وبشكل مبسط، فإن معرفة أنك طالب وافد لإنجلترا قد تجعل لإعلانات السكن أو الأثاث المستعمل قيمة أعلى عندك، معرفة أن أخاك مقبل على الزواج قد تجعل إعلان قاعات الأعراس لها فرصة أعلى عنده، ومعرفة قيمة مدخراتك قد تكون محفزا مثاليا لاستهدافك من شركات الاستثمار والمضاربة، الوهمية منها والحقيقية.

طبعا لا تقف البيانات عند حد معين، بل تشمل كل شيء تقريبا، بداية من البسيط منها، مثل اسمك وسنك وحالتك الاجتماعية، إلى بيانات تنقُّلك أو تاريخك المَرَضي أو قائمة أمنياتك، وقطعا كلما زاد تعقيد البيانات وعمقها وتعبيرها عن الواقع زادت أهميتها وبذلت فيها الشركات المهتمة أموالا أكثر، وهو ما جعل السباق على جمع هذه البيانات محتدما بين الجميع، والجميع هنا بمعنى الجميع، كل من تقابله على الفضاء الرقمي هدفه الأساسي الحصول على بياناتك، أخفى ذلك أم أبداه.

الشركات الأهم في توليد البيانات هي شركات غير متخصصة، بل شركات خدمية في الأساس، مثل غوغل وفيسبوك وآبل، وهم من يستحوذون على النصيب الأكبر (شترستوك)

لكن رغم ذلك تبقى الشركات الأهم في توليد البيانات هي شركات غير متخصصة، بل شركات خدمية في الأساس، وهنا نقصد شركات مثل غوغل وفيسبوك وآبل، وهم من يستحوذون على النصيب الأكبر في هذا المجال، وعبر ملايين المستخدمين الذين يثقون في هذه المنصات وتدور حياتهم حول خدماتها، يستطيعون توليد كمية هائلة من البيانات في كل لحظة.

فكر فيما تعرفه غوغل عنك، تعرف تحركاتك عبر تطبيق الخرائط الذي استعملته في طريقك نحو ملعب الإمارات، تعرف اهتماماتك المعرفية عبر جوجل بودكاست الذي استمعت إليه في الطريق، تعرف طريقتك في الدفع عبر جوجل باي، وتعرف كل ما يشغل بالك وبعض خططك المستقبلية عبر محرك بحثها.

ولا يتوقف الأمر على ما تبادر أنت بتقديمه حين تستخدم الخدمات، فبعض التطبيقات تطلب الإذن لتصل للبيانات المسجلة على هاتفك، وأنت توافق دون تفكير، فلا أحد سيمتنع -أثناء استخدامه فيسبوك- عن شتم لاعب فريقه رفقة أصدقائه الغاضبين فقط لأن فيسبوك اشترط أن يصل إلى ميكروفون هاتفه أو سجل رسائله.

هذا هو ما ندفعه نظير استخدامنا لهذه الخدمات، وهو التطبيق الحقيقي للجملة الكليشيه التي تراها في منشورات فيسبوك القائلة بأنك "إن لم تدفع ثمن السلعة، فأنت نفسك السلعة".

في ملعب الإمارات

بيانات تتبُّع المشجعين داخل الملاعب مكّنت المختصين من تحسين تجربة المشجعين وتنظيم الحركة وتقليل أوقات الانتظار، وتعمل الكثير من الملاعب في الوقت الحالي بشكل ذكي. (غيتي)

 

نعتذر عن تلك الرحلة الطويلة التي كان بإمكانك وأدها من بدايتها لو فضّلت الجلوس للدراسة بدلا من مشاهدة أرسنال، لكن على أي حال فقد وصلنا إلى هنا، إلى النقطة التي يعرف فيها الجميع أن العالم بأكمله بات يدور اليوم حول جمع البيانات وتحليلها والاستفادة منها، وما يخصنا بشكل أكبر أن أندية كرة القدم باتت لاعبا مهما في ذلك الصراع المحتدم.

حين دخلت الأندية ساحة المعركة، وجدت نفسها متسلحة بملايين المتابعين عبر المنصات، ومثلهم خارجها، وهم متابعون متحمسون يدينون بولاء وانتماء للنادي لا يمنحوه للشركات الخدمية أو التجارية.

كذلك فإن قواعد بيانات الأندية تحمل معلومات أكثر من أي شركة أخرى، يلتقط النادي المشجع في أقصى لحظات انفعاله، ويمكنه تحديد اللحظة التي سيكون فيها هذا المشجع سعيدا أو ساخطا، متى يشعر بالملل ومتى يكون متوترا منتظرا مباراة مهمة، ومن ثم يسمح جمع هذه البيانات وتحليلها بتخصيص العروض لكل مشجع على حدة.

تخيل الفارق في رد فعلك حين ترى إعلانا لخدمة البث عقب فوز فريقك، ورد فعلك لو رأيته عقب الخسارة، أو إعلانا عن رحلة ترفيهية أو شراء قميص الفريق، هذه قرارات يمكن لحالتك النفسية أن تتحكم فيها بسهولة.

كذلك لم تبذل الأندية مجهودا كبيرا لتجد طريقة للوصول لمعلومات المستخدمين، فطبقا لـ"فرانشيسكو كالفو"، كبير مسؤولي الإيرادات السابق في نادي يوفنتوس، لم يجد النادي الإيطالي أي صعوبة حين طلب من المشجعين تسجيل بياناتهم، بل وجد المشجعين سعداء بذلك(5).

يرتبط المشجعون بعلاقة عاطفية مع النادي تجعلهم يثقون به، ولا يترددون في أي خطوة قد تقربهم منه وتشعرهم بانتمائهم إليه، ولذلك حين يطلب النادي أي بيانات منهم، فهم يقدمونها طواعية دون قلق، ولعلك تخيلت للحظة أن أرسنال حين هنّأك بعيد ميلادك كان مهتما بذلك فعلا! نعتذر لتلك الصدمة العاطفية، لكنه كان يغافلك لتطمئن وأنت تقدم له كل بياناتك، فهو لا يأخذها إلا ليتفاعل معك، هكذا يحب النادي أن يخبرك، وتحب أنت أن تصدقه.

طبقا للمختصة بالتسويق "أرييلا تورف"، لا تكتفي الأندية بطريقة واحدة لجمع البيانات، حيث تستخدم طرقا مختلفة، فبعض الأندية تلجأ لإنشاء تطبيق خاص بالفريق، تحصل منه -بوصفك مشجعا- على أخبار الفريق وبعض اللقاءات الحصرية وبث بعض المباريات أحيانا، لكن التسجيل في هذه التطبيقات يتطلب منك بعض البيانات بشكل صريح، وبعض الأذونات التي تولد البيانات باستمرار بعد ذلك(6).

"لغيليم غرايل"، مدير التسويق السابق في نادي برشلونة، يخبرك كذلك أن النادي أنشأ منصة "Barca TV+" التي تملك محتوى حصريا، لتلعب دورا مهما في بناء قاعدة بيانات المشجعين التي يحرص عليها النادي(7).

هنا لا تخدع الأندية المشجع أو تسرق منه البيانات عنوة، وبالنسبة إليهم الأمر لا يتعدى المنفعة المشتركة، حيث يحصل المشجع على محتوى ترفيهي حصري للنادي الذي يشجعه ولاعبيه المفضلين، ويحصل النادي على بيانات تجلب له المال.

الأموال

بيانات تتبُّع المشجعين داخل الملاعب مكّنت المختصين من تحسين تجربة المشجعين وتنظيم الحركة وتقليل أوقات الانتظار، وتعمل الكثير من الملاعب في الوقت الحالي بشكل ذكي. (غيتي)

وصلنا هنا للإجابة عن السؤال الذي استغربته في البداية حين أخبرناك عن قيمة بياناتك التي تفوق سعر التذكرة، ولم يكن هناك مبالغة، فقواعد البيانات التي تبنيها الأندية، سواء من جمهورها في الملاعب أو عبر المنصات، بإمكانها أن تساعد النادي في الحصول على المزيد من الأموال بعدة طرق.

أولها بالطبع أنها تمثل أهمية للنادي نفسه في فهم طبيعة جمهوره ورغباته، ومن ثم تحسين قدرته على تقديم الخدمات والمحتوى بما يناسبهم، فعلى سبيل المثال، معرفته بوجودك بصفتك طالبا في إنجلترا، وأنك تشجع أرسنال، سيشجع النادي على استهدافك في وقت لاحق بعروض ترويجية على مباريات مشابهة للتي حضرتها، أو تقديم عرض على التذكرة الموسمية لصديقك لو أظهرت بياناته حضورا متكررا أو إنفاقا عاليا، وهكذا.

على سبيل المثال أيضا، بيانات تتبُّع المشجعين داخل الملاعب مكّنت المختصين من تحسين تجربة المشجعين وتنظيم الحركة وتقليل أوقات الانتظار، وتعمل الكثير من الملاعب في الوقت الحالي بشكل ذكي، وتقترح على المشجع أنشطة ومنتجات بناءً على معرفتها السابقة به، وقد قطعت بعض أندية كرة القدم، مثل أتلتيكو مينيرو البرازيلي، شوطا كبيرا في ذلك الصدد(8)(9).

كما يمتد هذا الأمر لنقطة أبعد، حين يدخل الذكاء الاصطناعي على الخط، فيتمكن من تحليل تلك البيانات فوريا، ودمجها مع صور الكاميرات المثبتة، ليخمن أن أحد الحواجز سيشهد ازدحاما بعد قليل، أو أن أحد المتاجر سيعاني من ازدحام، فيحل المشكلة قبل وقوعها، وهو أمر واقع بالفعل، وقد ظهرت بعض تلك الأنظمة في مونديال قطر، ومن المنتظر أن تشهد الأولمبياد مثلها.

لكن، رغم أهمية هذا الدور، فإن القيمة الكبرى للبيانات تكمن في بيعها للشركات التجارية المهتمة، حيث تحرص الشركات التجارية حول العالم على تحسين استهدافها للجمهور، لضمان أكبر قدر من النجاح لإعلاناتها، وهو ما تضمنه لها بيانات الأندية المفصلة، وتحب أي شركة أن تحصل على ملايين نقاط البيانات حين تذهب لرعاية النادي، أو على الأقل هذا ما تتوقعه.

يعد نادي ساوثهامبتون الإنجليزي مثالا مميزا في هذا الصدد، فرغم شعبية النادي المتوسطة، استطاع الحصول على الكثير من الرعاة مؤخرا، وعقد شراكات تجارية متنوعة، وطبقا لرئيس الشراكات في النادي، دارين هنري، فإن الفضل في ذلك يعود إلى قدرتهم على التعبير بوضوح عن قيمة قاعدتهم الجماهيرية، من خلال بيانات مجمعة يمكن تقديمها للرعاة(10).

أحد أحدث التأكيدات على أهمية leg هذه البيانات كان العقد الموقّع بين برشلونة وسبوتيفاي في 2021، حيث وقعت شركة الصوتيات الشهيرة عقد رعاية مع الفريق الكتالوني يتضمن حصولها على قاعدة بيانات المشجعين الخاصة بالنادي، ويحصل برشلونة بموجب الصفقة على 70 مليون يورو سنويا، وطبقا للصحف الإسبانية فإن القيمة المالية للصفقة كانت مرشحة للزيادة لو كانت قاعدة بيانات النادي المجمعة أكبر، حيث بلغت 3 ملايين مشجع فقط، رغم إمكانية وصول النادي لبيانات 300 مليون مشجع، وهو ما أصاب سبوتيفاي بالإحباط(11).

طبعا ما زالت أندية كرة القدم متأخرة في هذا الصدد، وقد تبدو قواعد بياناتها بدائية مقارنة بشركة كسبوتيفاي، بل إنها بدائية أيضا مقارنة بألعاب أخرى، فقد سبقتها أندية البيسبول وكرة القدم الأميركية، التي تمتلك قواعد بيانات هائلة عن مشجيعها، تماما كما يمتلك كل نادي كرة القدم بيانات لاعبيه بكل تفاصيلها.

رغم ذلك، عرفت أندية كرة القدم أهمية تلك البيانات، وقد تعاقدت الكثير من الأندية -من بينها أرسنال الذي منحته بياناتك- مع شركات مختصة لتساعدهم في الأمر، ومع تزايد الاهتمام، وتعزيز الأندية من قدراتها الرقمية، فإن الأرباح المتوقعة من البيانات قد تمثل مصدرا أساسيا لدخل المؤسسات الرياضية(12).

كانت كرة القدم دائما تجارة ذات ربح منخفض للغاية مقارنة بأي شركة تجارية أخرى، لكن قدرتها على جمع هذه البيانات قد تُغيّر ذلك قريبا، وإذا كانت البيانات هي النفط الجديد، فأندية كرة القدم قد تكون صاحبة أكبر احتياطي عالمي منه، وربما قريبا تصبح أكبر منتج له أيضا.

____________________________________________________

المصادر:

المصدر : الجزيرة