شعار قسم ميدان

بين الحلم والشكوى.. كيف يرى العرب حظوظهم في مونديال قطر؟

ليس أمام العرب سوى غزل خيوط الأمل تلك بحثا عن إنجاز يخلّده التاريخ، حيث يقف الجميع على أهبة الاستعداد لبداية مونديال تستضيفه قطر، من دوحة العرب لكل العالم، وليس أمامنا سوى أن نفكر بنظرية رضوى عاشور التي تؤكد لنا أن "هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا!"

حزن يخيم على مصر والجزائر، وترقب في السعودية وقطر وتونس والمغرب، وحولهم الجميع في 22 دولة عربية بحلم واحد، الجميع خلف مَن يمثل العرب من أجل تقديم نسخة استثنائية تحاكي أو تفوق ما قدمته السعودية في 1986، والمغرب في نسخة 1998، والجزائر في مونديال 2014، حيث قدم الثلاثي أبرز إنجازات العرب في كأس العالم بتجاوز الدور الأول والتأهل إلى دور الـ16(1).

تزامنا مع بداية رحلة كأس العالم في قطر، قررنا في ميدان خوض رحلة مع عدد من الصحفيين وصانعي المحتوى والمشجعين العرب من أجل الوقوف على الأجواء والطموحات، وكذلك البحث في نقاط قوة المنتخبات الأربعة التي ستمثل العرب في مونديال 2022، على أمل أن يقودنا أحد المنتخبات العربية إلى إنجاز مونديالي غير مسبوق.

قطر.. كيف تُعد جيلا من الطفولة إلى حلم المونديال؟

(رويترز)

الجميع يعلم كيف بدأت قطر في إعداد نفسها لاحتضان كأس العالم منذ الفوز بحقوق تنظيمه قبل أكثر من 12 عاما، وكما تهيأت البلاد من الألف إلى الياء، كان هناك مشروع ينضج بمرور السنوات، ويتشكل ويبدو أوضح كلما مر عليه الوقت، بقيادة جيل من أبناء أكاديمية أسباير، واحدة من الأكاديميات الأشهر في العالم حاليا، رفقة أكاديمية لاماسيا في برشلونة، ومدرب إسباني جاء من لاماسيا نفسها.

بخصوص العنابي، يرى الصحفي بموقع sports 360 والمهتم بشؤون الكرة العربية "عمر عبد الناصر" أن قوة الجيل الحالي لمنتخب قطر تتمثل في المشروع طويل الأمد، حيث يتميزون بترابط شديد نظرا لكونهم أبناء أكاديمية أسباير منذ صغرهم، ومدربهم فيليكس سانشيز يعمل معهم منذ أن كانوا أبناء للأكاديمية. فيليكس الذي كانت له تجربة في برشلونة عبر لاماسيا، قبل أن يسافر إلى قطر ويستقر في أسباير، ويبدأ مشروع إعداد العنابي لكأس العالم 2022(2).

تلعب قطر في مجموعة تضم الإكوادور وهولندا والسنغال، كل منهم يمثل شكلا من أشكال الكرة، لذلك كان من المهم خوض العديد من التجارب مع مدارس كروية مختلفة، وهو ما يقوّي حظوظ المنتخب القطري وفقا لعبد الناصر، الذي يرى أن تجربة اللعب في كوبا أميركا وتصفيات أوروبا لكأس العالم وبطولة الكأس الذهبية منحت العنابي خبرات وتمرّس لخوض مبارياتهم أمام المنتخبات الثلاثة في مجموعتهم(3).

إضافة إلى ذلك، قال عمر إن البطولة العربية وكأس أمم آسيا 2019 كانتا مسرحين لأداء قطري مبشر، وإنه مما يُحسب للقائمين على كرة القدم في قطر وضع منتخبات الصف الأول نُصب أعينهم دائما كلما أرادوا خوض مباراة ودية، فضلا عن المواجهات القوية التي خاضوها في البطولات الثلاث سالفة الذكر(4).

بناء على ذلك، يرشح عمر عبد الناصر المنتخب القطري للعبور من مجموعته رغم صعوبتها، استغلالا لعوامل الأرض والجمهور وحماس الدولة المستضيفة لتقديم نسخة استثنائية، متسلحين بطريقة الـ3/5/2 التي يفضلها سانشيز، وبأسماء على رأسها عبد الكريم حسن، أفضل لاعب في آسيا، والقائد حسن الهيدوس، وخوخي بو علام الذي كان مهاجما قبل أن يغيّر فيليكس سانشيز ملامح مسيرته تماما بتحويله إلى مدافع، إضافة لثنائية المعز علي وأكرم عفيف في خط الهجوم.

السعودية.. رهان على الخبرة والتجربة

ستكون رحلة الأخضر السعودي صعبة في مجموعة تضم الأرجنتين والمكسيك وبولندا، ولكن رغم ذلك فإن الصحفي برابطة الدوري السعودي للمحترفين حمزة الغامدي يراهن على خبرة وتمرّس منتخب بلاده في المونديال، حيث إنه شارك في 5 نسخ ماضية لكأس العالم، فالمنتخب السعودي هو المنتخب العربي الأكثر مشاركة في مباريات كأس العالم، ولاعبوه هم الأكثر تسجيلا في مبارياته عربيا (5).

من وجهة نظر الغامدي، سيراهن الأخضر على تمرّس لاعبيه بين منتخبات الفئات العمرية المختلفة، بقيادة مدرب يستطيع إخراج أفضل ما لدى أي منتخب مثل هيرفي رينارد. ففي هذه النسخة من المونديال، يمتلك المنتخب السعودي الكثير من اللاعبين الذين شاركوا في كؤوس العالم للفئة العمرية تحت 23 عاما، حيث يشكل الذين خاضوا مونديالات سابقة في مختلف الفئات العمرية ما نسبته 89٪ من التشكيلة (6)، (7).

تونس.. الجانب المظلم

لن يكون الأمل بالنسبة إلى مشجعي النسور الخضر مشابها لبقية العرب، حيث يمر الشارع التونسي بحالة غضب قبل المونديال للعديد من الأسباب التي سيؤدي مجموعها إلى خفوت في درجة الطموح لدى الغالبية من الشعب التونسي، في مجموعة صعبة تضم أبطال العالم فرنسا، رفقة الدنمارك وأستراليا(8).

وبحسب صانع المحتوى التونسي بهاء الدين كمون، فإن النسور سيبدؤون كأس العالم في أسوأ مناخ ممكن، والسبب هو قائمة الفريق. والحديث هنا لا يتمحور حول قناعات مدرب أو بعض الأسماء المشكوك في كفاءتها، بل عن الكواليس التي تُحاك وردّ فعل الشارع بعد تسرّبها، على رأسها الأزمة الواقعة بين رئيس اتحاد الكرة والحكومة، وبعض ملفات الفساد التي بدأ تسريبها مؤخرا، إضافة إلى تحذيرات الفيفا المتتالية وتهديداتها في حال تدخّل السياسة في الرياضة(9).

وكشف كمّون أن البداية كانت في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد تسريب قائمة المنتخب التونسي لكأس العالم. والأزمة في رأيه تكمن في نقطتين، أولهما التسريب، والثاني هو القائمة في حد ذاتها؛ حيث شهدت تواجد 4 حراس مرمى، واستبعاد عناصر أساسية وتعويضهم بأسماء غريبة لا تفسير لوجودها حسب وجهة نظره.

ووفقا لبهاء الدين، فإن انتفاضة الشارع بلغت ذروتها، وتجاوز الأمر ذلك ليصل إلى الاعتراض العلني من قبل بعض الأندية، وأولها الترجي الرياضي. تمرّ بعد ذلك الأيام والشارع يترقّب القائمة النهائية، إلى حين الثالث عشر من الشهر نفسه، تسريبٌ ثانٍ يحدث القائمة النهائية قبل 24 ساعة من صدورها؛ ما يضع شكوكا عديدة حسب رأيه في احتمالية أنه مقصود بهدف جسّ نبض الشارع. وكما في التسريب الأول، الشارع لم يكن راضيا. الجديد هنا هو استدعاء ديلان برون بعدما تقرر استبعاده، لكن على حساب من؟ على حساب حارس من الأربعة؟ لا، على حساب المدافع الرابع؟ كلا، بل أتى على حساب بلال العيفة، أحد أهم العناصر في السنة الأخيرة(10).

وبسؤاله عن الكواليس، استند كمون إلى رواية أحد أكبر الصحفيين التونسيين "وليد قرفالة"، والذي كشف أنه في البداية كان مُقررا استبعاد ديلان برون من أجل استدعاء حارسين ومدافع معين بوساطة رئيس الاتحاد، وبهدف تمكين نواديهم من منحة كأس العالم. الحارسان المدعوّان كانا على حساب حارس آخر أظهر ناديه كل الدعم له، ولإرضاء هذا النادي استُدعي مدافع ينتمي إليه. هنا مَن الضحية؟ ديلان برون. حينها ظهر اثنان من أهم لاعبي المنتخب ليشترطا وجوده في القائمة، ويخضع لهما المدرب، وتبدأ رحلة البحث عن ضحية مختلفة، فتقرر قبل يوم واحد من الإعلان عن القائمة أن يكون بلال العيفة، وللمرة الثانية لقي هذا اعتراضا كبيرا من الشارع الرياضي كله، وللمرة الثانية خضع المدرب وقرر اختيار ضحية أخرى، ليقع الاختيار على سعد بقير الذي كان قد تلقّى الدعوة من قبل(11).

 

وختاما، أكد صانع المحتوى الشاب أن ما ذُكر كان نقطة واحدة في بحر الأزمات الداخلية، مفضلا مواجهة نفسه بالحقيقة بدلا من محاولة تجميل الصورة، ولكن رغم كل هذا، بوصفه مشجعا ومواطنا تونسيا قبل أي شيء آخر، لم يُخفِ أنه لن يتخلى عن فسحة الأمل، تلك التي تجعله يُمنّي نفسه بأن ينتهي الدور الأول بإنجاز لنسور قرطاج بالتأهل إلى دور الـ16 لأول مرة في تاريخ البلاد.

"كل آمال العرب معلقة على المنتخب المغربي"

هذه الكلمة التي اختصر بها الإعلامي بالتلفزيون المصري عمر عماد رحلته مع أسود الأطلس، وآمال العرب المعقودة عليهم. عمر يمتلك قصة فريدة من نوعها، فعلى الرغم من كونه مصري الجنسية، فإنه مشجع حقيقي لمنتخب المغرب، حتى إنه حين أقيمت كأس الأمم الأفريقية في مصر عام 2019، اشترى تذاكر كل مباريات أسود الأطلس، وحضرها مؤازرا بجوار المشجعين المغاربة كتفا بكتف (12).

وفي بداية حديثه، رفع عمر سقف الطموحات، مؤكدا أنه يجب على المنتخب المغربي تحقيق نتائج إيجابية، لما يمتلكه من أسماء حالية، مضيفا أن لاعبي المنتخب المغربي أفضل بكثير من لاعبي كرواتيا وكندا كأسماء في الوقت الحالي، لذلك تبقى فرصتهم للصعود إلى الدور الثاني كبيرة للغاية أكثر من أي منتخب عربي آخر.

 

ويضيف عماد أن المنتخب المغربي يوجد لديه 20 لاعبا محترفا بالدوريات الأوروبية، وهو العدد الأكبر بين المنتخبات العربية المشاركة في المونديال، ونظرا لالتحامهم القوي بالدوريات الأوروبية القوية، نجحوا في امتلاك الخبرة الكافية لبداية المشوار، وتساءل: "كيف تكون خائفا ولديك واحد من أفضل 10 حراس في العالم وهو ياسين بونو؟! وكيف تشعر بالقلق ولديك أفضل لاعبي الدوري الهولندي سابقا حكيم زياش؟! وكيف لا تشعر بالأمل وأنت تمتلك الظهير الأيمن الأفضل في العالم حاليا أشرف حكيمي؟!".

وراهن الصحفي المصري العاشق لأسود الأطلس على المدير الفني "وليد الركراكي"، المدرب الحاصل على دوري أبطال أفريقيا مؤخرا، والذي يملك العديد من الإنجازات والبطولات المحلية والقارية، ويبدأ رحلة جديدة في قيادة المنتخب الذي يحتل حاليا المرتبة رقم 22 عالميا، ويسعى للتقدم أكثر فأكثر في الترتيب من خلال تحقيق نتائج جيدة يسعد بها الشارع المغربي، بل والشعب العربي كله(13).

أخيرا، إذا نظرت لأعين المارّة في الشارع المغربي وحماسهم، لن ترى شيئا سوى الأمل في تحقيق إنجاز كبير يليق بأسود الأطلس وسمعتهم. في مونديال يقام على أرض عربية لأول مرة في التاريخ، أي حدث استثنائي ذلك الذي سيسعد الجميع، ويعوّض "عمر" عن غياب منتخب بلاده عن العرس العالمي مثل ذلك؟

حان الآن وقت الانطلاق، وليس أمام العرب سوى غزل خيوط الأمل هذه بحثا عن إنجاز يخلّده التاريخ، حيث يقف الجميع على أهبة الاستعداد لبداية مونديال تستضيفه قطر، من دوحة العرب لكل العالم، وليس أمامنا سوى أن نفكر بنظرية رضوى عاشور التي تؤكد لنا أن "هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا!"(14).

___________________________________________________

المصادر:

المصدر : الجزيرة