شعار قسم ميدان

ليفاندوفسكي في برشلونة.. القفز في بركة التماسيح

عندما تكون في المقدمة، فإن النجاح يصيبك بالعمى، ويمنحك شعورا زائفا بالأمان، وبمرور الوقت يتلاشى احتياجك لتجديد نفسك إلى أن تُصاب بالكسل. هكذا يرى "سايمون كوبر"، الصحفي والكاتب الرياضي، سبب تدهور برشلونة، بعد أن تربّع النادي على قمة اللعبة خلال العقد الماضي، إلى أن وصل به الحال مَدينا بمليار ونصف يورو، وعاجزا عن تجديد عقد قائده وأفضل لاعب في تاريخه، ليرحل وتبدأ متواليات الانهيار(1).

أصيب برشلونة بلعنة الرقم واحد، إذ كان النجاح الجارف للنادي أكبر أسباب انهياره، لأنه أصاب المؤسسة بالتراخي، لكن الخبر المهم في تلك العاصفة هو أن برشلونة لم يعد على القمة، وكان ذلك تحديدا ما احتاج إليه النادي للصحوة، وتفعيل رافعات الإنعاش، لتسديد ديونه، وبناء فريق رياضي يصعد بالنادي إلى القمة من جديد بعدما كان على حافة الغرق.

يعرف التقنيون في بارسا أنه خلف امتياز الهيكل المؤسسي أو عدمه، وجودة الإدارة الرياضية ومستوى الكوادر الفنية، تظل كرة القدم في النهاية تنتمي للاعبين، إذا أردت المنافسة فيجب عليك إحضار لاعبين بالجودة اللازمة، وهو ما عزم عليه النادي خلال الميركاتو الأخير لانتداب أفضل مجموعة ممكنة، ومن بين جميع الانتدابات كانت الرافعة الرياضية الأهم لتشافي متمثلة في "روبرت ليفاندوفسكي"، النجم الذي جاء لتتويج عمل المشروع كاملا ووضع الكرة في الشباك كلما أمكن(2).

ملء الفراغ

روبرت ليفاندوفسكي (AFP)

بوصول ليفاندوفسكي، امتلأت متاجر النادي بالضجيج بعد نفاد قميص البولندي نتيجة الطلب غير المسبوق، كما عاد سكان كامب نو إلى المدرجات مرة أخرى بعدما انهارت معدلات الحضور الجماهيري في الموسم الماضي. أما رياضيا، فإن التوقيع مع ليفاندوفسكي لم يكن توقيعا مع "مهاجم" جديد للفريق فحسب، بل جلب لاعبا يملك قدرة على التسجيل وإنهاء المباريات بانتظام مثل ليو ميسي.

على الرغم من أن موسم البوندسليغا أقصر بأربع مباريات من الدوري الإسباني والدوري الفرنسي، فقد تفوق ليفاندوفسكي على ميسي تهديفيا "في الدوري" في آخر 3 مواسم؛ حقق البولندي في موسم 2019/2020 معدل 0.94 هدف بالمباراة مقابل 0.62 هدف لميسي، بينما وصل في 2021/2022 إلى 1.2 هدف بالمباراة مقابل 0.8 للأرجنتيني، وأخيرا أنهى ليفاندوفسكي الموسم الماضي بمعدل أهداف وصل إلى 0.91 لكل مباراة بينما تعثر ميسي عند 0.25 هدف في أول مواسمه في فرنسا(3).

لكن وفقا لمنصة "The Analyst"، فإن تلك المقارنة يجب أن تخضع لاعتبارات مستوى المنافسة، إذ تكتشف بعد الاطلاع أن الدوري الألماني في الفترة بين موسمَي 2013/2014 و 2021/2022 كان الأغزر تهديفيا بين الدوريات الكبرى، بمتوسط 3 أهداف لكل مباراة، وفي آخر 4 مواسم تخطى حاجز الـ3 أهداف في المباراة، بينما كان معدل الأهداف في الليغا في الفترة نفسها هو 2.68 هدف للمباراة(4).

حتى في موسم 2014/2015 عندما حظي رونالدو بالموسم الأفضل له على مستوى التسجيل، 48 هدفا في الدوري مع ريال مدريد، وسجل ميسي 43 هدفا لبرشلونة، كان متوسط ​​أهداف/مباراة الدوري الإسباني منخفضا نسبيا، 2.65 لكل مباراة.

ماذا يعني ذلك؟ أن وجود سفاحين مثل ليفاندوفسكي وإرلنغ هالاند ومن قبلهم أوباميانغ، لا يؤدي وحده إلى نوع المهرجانات التي اعتاد مشاهدو البوندسليغا رؤيتها بشكل منتظم، تلك هي نصف الصورة فقط.

أين يكمن النصف الآخر إذن؟ في ضعف المستوى الدفاعي للدوري الألماني مقارنة ببقية الدوريات، إذ وفقا لمعيار الأهداف المتوقع استقبالها لكل فريق (xG Against)، فإن معدلات الدوري الألماني كانت الأعلى في 5 من آخر 6 مواسم، وذلك راجع بالأساس لهوية الكرة في ألمانيا، حيث ثقافة اللعب المباشر والتحولات.

لا يقلل ذلك من جودة ليفاندوفسكي الاستثنائية على الإنهاء، لكن اعتبارات المنافسة مهمة عند المقارنة بميسي، الأخير يملك منذ 2010 أعلى معدل تهديفي بين جميع اللاعبين بهدف لكل 86.4 دقيقة بالرغم من أنه ليس مهاجما صريحا، بينما يملك ليفاندوفسكي معدل هدف لكل 99.6 دقيقة، كل ذلك يقودنا إلى عدة استنتاجات: أولها، أنه لا أحد مثل ميسي، لكن ليفاندوفسكي هو الأقرب لميسي فيما يتعلق بمعدلات الحسم والإنهاء. ثانيا، نحن لا نحتاج إلى الأرقام لاكتشاف أن البولندي خبير حقيقي، فعلى الرغم من انتقاله لدوري أقوى دفاعيا فإنه لا يزال محافظا على نفس معدلات التسجيل الجنونية على الأقل حتى الآن.

حرفة

يحلم الملايين بأن يصبحوا لاعبي كرة قدم، وعندما ينجح بعضهم في ذلك، يرغب معظمهم في أن يكونوا هدّافين أملا في الشعور بمشاعر المجد والبطولة المطلقة، تلك التي -على الأغلب- لن تزورك إلا إذا وضعت الكرة في الشباك، لكن خضوعا لقوانين الطبيعة، فقليل من اللاعبين فقط ينجحون في ذلك، وقلة منهم مَن حوّلوا عملية التسجيل إلى علم وحرفة، واكتسبوا أوسمة الخبراء.

يبلغ عرض المرمى حوالي 7 أمتار من إجمالي مساحة العالم، بينما يقف القائمان على طول 2.5 متر فقط، لكنهم لا يكترثون بتلك المعلومات لأنهم مهووسون بوضع الكرة في الشباك على أي حال، لا ينتظرون الفرص في أعشاشهم كصغار الطيور، ولكن يذهبون لصنعها والبحث عنها بالتلصص والخداع والإلهاء، وعندما تأتيهم الكرة لا يتوانون عن وضعها في المرمى، فيغدون خماصا ويعودون بطانا، وليفاندوفسكي بلا شك هو أحد هؤلاء الخبراء.

لعب البولندي مع برشلونة حتى لحظة كتابة هذا التقرير 450 دقيقة، سدد فيها 25 تسديدة بواقع 5 تسديدات لكل 90 دقيقة، وذلك يضعه في المركز الثالث بين أكثر اللاعبين تسديدا في البطولة المحلية وفقا لـ"ستاتس بومب (StatsBomb)"، وبالنظر لخريطة تسديداته، يمكننا استنتاج 3 معلومات رئيسية(5).

أولا: أغلب تسديدات البولندي من فرص عالية الجودة، تلك التي يميل لونها للأحمر. وثانيا: يعرف ليفاندوفسكي جيدا من أين يجب أن يُنهي فرص الفريق، معظم التسديدات من العمق "حلق المرمى"، وهي المساحة الأكثر خطورة بمنطقة الجزاء حيث ترتفع فيها احتمالية التسجيل وفقا لمعيار الأهداف المتوقعة. وأخيرا: 60% من تسديدات ليفاندوفسكي ليست من المصادر الرئيسية للتسجيل (العرضيات والتمريرات البينية).

في دوري أقوى دفاعيا من نظيره الألماني، من الطبيعي أن يعاني المهاجمون في الحصول على فرص من المصادر الرئيسية، وأمام برشلونة تميل معظم الفرق للتكتل الدفاعي بشكل متأخر لمنع عمليات الاختراق، لذا يمكن أن يكون ذلك محكا حقيقيا للمهاجمين، إذ تزداد الحاجة إلى الابتكار، وتظهر الفروق الفردية بين لاعب وآخر، وكما توضح الأرقام، لا تظهر على ليفاندوفسكي آثار المعاناة، بل على النقيض، يستمر في إثبات ذاته بوصفه أحد أفضل مهاجمي جيله.

إذن، كيف ينجح البولندي في صناعة القدر الأكبر من فرصه؟ لنبدأ من مباراة ريال سوسيداد.

بعدما وجد صعوبة في الاختراق من الطرف الأيسر، بدأ أنسو بتحريك الكرة للعمق، وتحديدا عند بيدري، بينما يعمل هو على الدخول للمنطقة وطلب الكرة في ظهر المدافعين، في تلك الأثناء، بدأ ليفاندوفسكي بالابتعاد عن بيدري لتوسيع مساحة اللعب لزميله لكونه كان قريبا أكثر من اللازم، وفي الوقت ذاته يضع نفسه في موقع أفضل لطلب الكرة.

الفكرة الأولى للبولندي كانت في طلب الكرة في قدمه بعدما تفقّد محيطه ووجد نفسه في وضعية مناسبة للاستلام بسبب بُعده عن أقرب مدافع مباشر من سوسيداد، لكن بعدما رآى جافي وفاتي خاليين من الرقابة داخل المنطقة وفي وضعية مثالية للاستلام، اتخذ قرارا مغايرا، خاصة أن وضعية جسد بيدري توحي بأنه سيمرر لأحدهما.

بمجرد خروج الكرة من قدم بيدري باتجاه أنسو فاتي، تحرك ليفاندوفسكي سريعا للأمام، وبدأ يقترب من مساحة التداخل، مُطبّقا أحد أذكى المفاهيم الهجومية "توقع مسارات اللعب (Anticipating sequences)"، فقد أنسو الكرة بسبب تدخل مدافع سوسيداد، لتذهب الكرة في المساحة الخالية أمام الحارس، تماما حيث تنبأ البولندي، ليُكافئ نفسه بالتسجيل من لمسة واحدة على يسار الحارس.

للوهلة الأولى قد تعتقد أن الصدفة هي من قادت ليفاندوفسكي لذلك المكان، لكنك تكتشف بعدها امتلاك البولندي حدسا حادا ومستوى عاليا في قراءة اللعب والتنبؤ بمسارات اللعب التالية؛ نتيجة ذكائه ومخزون التراكمات الإيجابية في عقله اللاواعي، فقد تعرض لتلك المواقف آلاف المرات سابقا في التدريبات والمباريات.

أمام "فيكتوريا بلزن" نجح الفريق في تخطي ضغط خصمه، بعدما استلم روبيرتو تمريرة "كيسيه" خلف خط وسط المنافس، في تلك اللحظة بدأ ليفاندوفسكي في فصل نفسه عن المدافع وتغيير موقعه، فاتخذ خطوات قطرية لليسار، ليضع نفسه في ظهر المدافع كي لا يستطيع رؤيته لتسهيل عملية الهروب من الرقابة.

استمر المدافع في التراجع، ولم يسمح لليفاندوفسكي بالتمركز في ظهره، ومن ثم تباطأ ليفاندوفسكي للاستلام في قدمه، لكن روبيرتو لم يستجب لطلب البولندي، وهنا بدأ ليفا بتغيير قراره والركض سريعا لطلب الكرة في ظهر المدافع بعدما لاحظ المساحة الكبيرة بين المدافع وظهير الخصم الأخير الذي كان مشغولا بجناح البارسا أنسو فاتي.

في اللحظة التي اتخذ فيها ليفاندوفسكي قرار الركض وطلب الكرة في المساحة، مرّر سيرجي روبيرتو الكرة في قدم البولندي، ليجد الكرة خلفه بدلا من أن يجدها أمامه، وهنا أظهر البولندي المخضرم أحد الأمور التي تجعله أفضل من غيره، وهو قدرته على التأقلم والارتجال في سياقات اللعب المباغتة (Adaptability).

وجد ليفاندوفسكي نفسه في موقف لم يُخطط له، ومع ذلك استطاع حل الإشكالية من خلال توجيه الكرة للخلف عكس حركة المدافعين بدلا من تصحيح مسارها للأمام لتوافق نيته المسبقة في مهاجمة المساحة، كانت الإشكالية أنه لا يستطيع التسديد من تلك الوضعية في ظل إغلاق المدافع المباشر لزاوية التسديد، ومع ذلك أوهمه البولندي أنه سوف يسدد على أي حال لتثبيته، وأخذ خطوة بالعرض كانت كافية لفتح زاوية التسديد، ومن ثم أطلق رصاصته التي لم تخطئ طريق المرمى.

أمام الخصم ذاته، دفع تشافي بـ فيران توريس في الشوط الثاني، ليكون مهاجم الفريق، على أن يعود ليفاندوفسكي خطوات للخلف للعب بين الخطوط، انتقلت الكرة من بيدري لجوردي ألبا على الطرف الأيسر، وهنا بدأ ليفاندوفسكي بالميل لليسار للمساندة، لكن بسبب عدم ضغط ظهير الخصم على ألبا، لم يضطر الإسباني للتمرير لليفا بعدما رأى مسار التمرير مفتوحا للوصول لـ"فيران" في ظهر المدافعين.

لعب ألبا الكرة لفيران، لكن بسبب تغطية المدافع الثاني للخصم لم يستطع المهاجم الشاب القطع باتجاه المرمى وأصبح مضغوطا، وبناء عليه بدأ بحماية الكرة، وهنا كان ليفاندوفسكي في المكان المناسب، حيث غيّر موقعه سريعا وبدأ بالركض باتجاه المنطقة لتعويض غيابه عنها ابتداء، لكن لا مشكلة بالنسبة إلى الرقم "9" الذي وصل في الوقت المناسب بعدما اتخذ المسار "المثالي"، ليست فقط لمساندة زميله، ولكن للإنهاء كذلك، وبالفعل وضع الكرة في الشباك من لمسة واحدة وكأنه في التدريبات.

"ليفاندوفسكي؟ يمكنني أن أخبرك بأنه لا يزال يفاجئني، لديه جوع والتزام حقيقي، كما أنه متواضع ولديه جانب إنساني عظيم"

(تشافي هيرنانديز(6))

كل ذلك وأكثر

بالنظر إلى كل ما يملكه ليفاندوفسكي في مراحل الإنهاء، وحرفيته الاستثنائية بوصفه مهاجما في صنع الفرص لنفسه وترجمتها، فإنه يُمثل الباقة الكاملة بالنسبة إلى أي فريق، وخاصة برشلونة الذي افتقر لخبير حقيقي منذ رحيل سواريز ومن بعده ميسي، لكن المتابع الجيد للاعب يعرف أن البولندي لا يمكن اختصاره في خانة الهداف، لأنه يمتلك من الخصائص ما يجعله ركيزة أساسية للفريق في عملية صناعة الفرص لزملائه والمشاركة في مراحل التحضير أيضا(7).

لم يحصر البولندي نفسه في دور الهداف كغيره من النجوم الذين حددوا مساهماتهم في الملعب في وضع الكرة في الشباك فقط، خاصة بعد تغيير مركزهم لمهاجمين، كريستيانو رونالدو هو النموذج الأبرز في ذلك الإطار، على النقيض من ذلك لا يزال يحتفظ ليفا بحس الممول، مستفيدا من قدراته الإدراكية الفذة في قراءة اللعب ولمسته الأنيقة التي يخرج بها من أصعب المواقف كالشعرة من العجين.

الخريطة الحرارية لليفاندوفسكي خلال مبارياته مع برشلونة حتى لحظة كتابة التقرير  (المصدر: سوفا سكور)

هنا توضح الخريطة الحرارية مناطق نشاط اللاعب، إذ لا يكتفي ليفاندوفسكي بانتظار الكرة بين أحضان المدافعين، ولكن يتحرك باستمرار، يهبط كثيرا إما لسحب المدافعين أو لمساندة زملائه مثلما توضح المناطق الحمراء أمام منطقة الجزاء، كما يعود إن لزم الأمر للمشاركة في عمليات التحضير من أجل توفير مخرج لتخطي الضغط ثم عمل التمريرات التمهيدية لزملائه(8).

وفقا لـ"ستاتس بومب"، صنع ليفاندوفسكي الموسم الماضي لزملائه في الدوري 40 فرصة سانحة للتسجيل، بينما وصل إلى 10 تمريرات مفتاحية مع البارسا حتى لحظة كتابة التقرير بمعدل تمريرتين لكل 90 دقيقة، واللافت في خريطة "التمريرات المفتاحية" لروبيرت هذا الموسم أنها تشهد تغييرا جوهريا في مناطق الإمداد، حيث إن 50% من تمريراته من مناطق متأخرة، في تجلٍّ واضح لخصائصه البارزة مع بارسا حتى الآن ربما أكثر مما كان الأمر عليه في بايرن(9).

على الرغم من أنها لم تكن خلال مباريات الدوري، لكن تعكس تلك النوبة ما يقدمه البولندي، في تلك اللعبة استطاع بارسا قطع الكرة في نصف ملعبه ليبدأ التحول الهجومي بعدما مرر فرينكي الكرة لبيدري في المساحة أمامه، وهنا بدأ ليفاندوفسكي في التقدم ودفع خط دفاع الخصم للخلف لتوفير العمق، لكنه لم يبدأ في التحرك بعدُ على الرغم من أن الكرة مكشوفة، لأن مكانه يجعله مكشوفا أمام أنظارهم، غير قادر على خداعهم، فاستمر في التقدم بهدوء وانتظار تقدم بيدري أكثر.

بعد وصول بيدري للثلث الأخير، بدأ ليفاندوفسكي عمليات الاستكشاف (Scan) لتفقد المساحة التي يمكنه التحرك إليها، قرر البولندي التوجه لليمين واستغلال المساحة الكبيرة بين المدافع والظهير الأيسر، وقبل الشروع في التحرك وطلب الكرة، قفز المدافع الأيمن بشكل مفاجئ للضغط على بيدري، فاضطر الأخير للتمرير بعدما وصل إليه 3 لاعبين من الخصم، وهنا كان ليفا حاضرا للمساندة.

استلم ليفاندوفسكي الكرة بقدمه البعيدة، وبذلك أصبح موجها باتجاه ديمبيلي، وهي وضعية جسدية لا تساعده على رؤية ما وراءه، لكن قدرة البولندي على التواصل مع من حوله مكّنته من لمح بيدري ووضعه أمام المرمى بعدما مرر له بالكعب. العجيب كان وضع الكرة "أمام" بيدري بالقوة المناسبة وكأنه يُوجهه للتسديد بشكل ضمني، لم يكتفِ البولندي بإيصال الكرة فقط رغم صعوبة الوضعية، لكنه أرسلها بكامل المسؤولية تجاه زميله بالشكل الذي يساعده على اتخاذ القرار الأمثل.

كانت تلك صورة من صور المساهمات المباشرة للبولندي الخبير تجاه زملائه، لكن، ولأنه ليفاندوفسكي، ذلك ليس كل شيء، إذ إن مساهماته غير المباشرة كانت محورية على الرغم من أنها غير مرئية للكثيرين، لكنها لا تقل أهمية.

بعد تمريرة بوسكيتس لديمبيلي، بدا الفرنسي في شق طريقه للثلث الأخير، وبينما يسعى الجميع للّحاق به، يصعد ليفا بسرعة للأمام، ومن خلفه بيدري، بينما يقوم جافي بالمجاوزة لتشتيت الخصم والسماح لديمبيلي للدخول إلى العُمق بأريحية دون ضغط، مع وصول الفرنسي لحدود المنطقة، بدأ ليفاندوفسكي يشير إليه بسرية ليلتفت إلى بيدري القادم من الخلف.

بمجرد دخول ديمبيلي منطقة الجزاء، بدأ ليفاندوفسكي عملية تفريغ المساحة لبيدري بعدما تأكد من أن الفرنسي قد التقط إشارته، قطع ليفاندوفسكي بشكل قطري من أمام المدافع لسحبه، حتى يتسلل بيدري في المساحة من خلفه، وهنا قطع ديمبيلي للداخل حتى يتمكن من وضع الكرة أمام بيدري، والبقية تعرفونها.

يؤمن فالدانو أن ليفاندوفسكي دليل قاطع على أن الكلاسيكية هي الموضة، وبانتقاله لإسبانيا في عمر الـ34 قد نزل في تلك البركة المليئة بالتماسيح، لكنه دخلها وكأنها منزله. يرى فالدانو أن وصف لاعب ما بأنه هداف يقلل من الإطراء، حتى لو كان يجيد أصعب ما في اللعبة (10).

يعترف العجوز الأرجنتيني أن هناك أوقات تكون المسميات فيها مضللة، حينما يُذكر ليفاندوفسكي، ما يأتي في الأذهان هو تلك الماكينة التي تسجل الأهداف هاتفيا، لكنه في إسبانيا، أكد لنا أنه قبل أن يكون هدافا، هو لاعب كرة قدم من الرأس للأقدام، فقط أولئك الذين يجعلون زملاءهم أفضل هم من يستحقون البطولة المطلقة.

____________________________________________________

مصادر:

 

المصدر : الجزيرة