شعار قسم ميدان

مشروع إنتر ميلان.. حكاية نادٍ كُتبت عليه المعاناة في أسعد أوقاته

Soccer Football - Serie A - Lazio v Inter Milan - Stadio Olimpico, Rome, Italy - October 16, 2021 Inter Milan players pose for a team group photo before the match REUTERS/Alberto Lingria

"باتزا إنتر"؛ عبارة إيطالية تعني إنتر المجنون. هي ليست إهانة، بل شعار تُردِّده جماهير إنتر ميلان نفسها، فلا أحد يعرف جنونه أكثر منها، ولا شيء يميز تاريخ هذا النادي أكثر من ذلك الوصف. لذلك، نحن لسنا مع حدث جديد اليوم، وإنما فصل جديد فقط لهذا الجنون، حيث إنجاز تاريخي يتبعه انهيار مخلوط بالأمل والتشاؤم. أرجوك لا تستغرب، من المفترض أن "باتزا" قد فسَّرت لك كل شيء قبل أن نبدأ من الأساس.

 

ليست أول مرة

جماهير إنتر عاطفية للغاية، هم بشر يعيشون على الحلم حتى مع غياب الأمل في رؤيته واقعا، كيف لا وقد شاهدوا بنيانهم ينهار في أسعد لحظاتهم، الجد والابن والحفيد حضروا الحدث ذاته تقريبا مع بعض التغييرات البسيطة، وفي كل مرة كانوا يتشبَّثون بالأمل. منذ أقل من 10 سنوات كانوا يُقسمون أن بمقدورهم منافسة يوفنتوس على لقب الدوري لأنهم تعاقدوا مع يان مفيلا ورولاندو وإسحاق بلفوضيل، ليُضيفوهم إلى جوان جيسيوس ورانوكيا وجويل أوبي. يا رجل، لقد حطَّموا واجهة النادي اعتراضا على موافقة الإدارة على رحيل فريدي غوارين إلى يوفنتوس مقابل فوجينيتش، تقريبا ما قامت به جماهير برشلونة نفسه حين طلب ميسي الرحيل، تخيَّل أن يصبح غوارين هو ميسي الخاص بك في أي سياق! (1)(2)

 

تشبُّثهم بالأمل في اللحظات الحالكة، والتعلُّق بقشة الغريق على مر السنوات لم يكن من فراغ، فكما أخبرناك، الجد عاش غيابا عن التتويجات لـ 5 سنوات بعد لقبَيْ دوري أبطال أوروبا في الستينيات مع هيلينيو هيريرا، ثم شاهد الابن التعاقد مع الظاهرة رونالدو بوصفه أغلى لاعب في التاريخ وقتها، ولم يكد يفرح به حتى سمع صرخته الشهيرة ألما بسبب القطع في الرباط الصليبي، مرة واحدة؟ لا، مرتين، جاءت الثانية فيهما في المباراة الأولى التي لعبها بعد التعافي من الإصابة الأولى! (3)(4)

صرخة رونالدو الشهيرة ألما بسبب القطع في الرباط الصليبي
صرخة رونالدو بسبب القطع في الرباط الصليبي

أما الحفيد فكان على موعد مع انهيار النادي بعد ثلاثية 2010 بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت إيطاليا بأكملها؛ ثلاثية لم يُحقِّقها سوى النيراتزوري في إيطاليا على مر التاريخ. تخيَّل أن إنجازا بهذا الحجم جاء مصحوبا برحيل المدرب أولا، ثم انتهاء جيل كان أغلبه قد تخطى الثلاثين من عمره، ورفض النادي بيع بعضهم بأرقام خيالية، يكفي أن مايكون كان سينتقل إلى ريال مدريد مقابل 60 مليون يورو في 2010، في حين كان كريستيانو رونالدو انضم وقتها لريال مدريد مقابل 94 مليون يورو وهو أفضل لاعب في العالم! (5)(6)

 

هذا السرد ليس فقط لتذكير جماهير إنتر بأوجاع الماضي، ولكنه مُقدِّمة لتفسير ما ينتظر النيراتزوري بعد العودة إلى منصات التتويج، فكيف تتحقق "باتزا إنتر" إن لم يدخل النادي في دوامة جديدة عقب تحقيق لقب الدوري الأول له بعد 11 عاما من الغياب؟ لا بد أن يحمل لنا الإنتر قصة درامية تتشابك أحداثها وتتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم، وهذا هو ما حدث بالفعل.

 

ماذا حدث؟

مع بداية أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري، كشف نادي إنتر عن كارثة كبرى، وهي خسارة مالية قياسية في ميزانيته للسنة المالية 2020-2021 بقيمة 245.6 مليون يورو، فيما يُعَدُّ أكبر خسارة مالية على الإطلاق في تاريخ كرة القدم الإيطالية، وبطبيعة الحال، لم يحدث الأمر بين يوم وليلة، ولكن مقدماته كانت واضحة لمَن فتَّش خلف الكواليس، رغم تحرُّك النادي خطوات إلى الأمام، وعودته إلى مصاف الكبار. (7)

 

تلك المؤشرات ظهرت واضحة مع نهاية الموسم الماضي، حيث لم تكن الأمور على ما يُرام داخل إنتر؛ اللاعبون استغنوا عن رواتبهم لشهرين، وتأخَّرت أجورهم التي حصلوا عليها بالفعل ولم يستلموها في موعدها. جاء ذلك بعد تأخُّر النادي في دفع القسط الأول من صفقة أشرف حكيمي لريال مدريد 5 أشهر كاملة لتعثُّر السيولة. نتيجة ذلك، أصبح النادي غير قادر على الاستثمار، ومُجبرا على بيع نجومه، وهو وضع تسبَّب في رحيل المدرب أنطونيو كونتي الذي كان يأمل في الحفاظ على قوامه الأساسي على أقل تقدير في حال لم تكن هناك تعاقدات جديدة، ليتبعه أشرف حكيمي وروميلو لوكاكو. السؤال هنا: ما السبب في كل ذلك؟ وكيف يحدث في أفضل مواسم إنتر على الإطلاق منذ 2010؟ (8)(9)

MILAN, ITALY - MAY 23: Coach Antonio Conte of FC Internazionale during the Serie A match between FC Internazionale Milano and Udinese Calcio at Stadio Giuseppe Meazza on May 23, 2021 in Milan, Italy. Sporting stadiums around Italy remain under strict restrictions due to the Coronavirus Pandemic as Government social distancing laws prohibit fans inside venues resulting in games being played behind closed doors (Photo by Mattia Ozbot/Getty Images)
المدرب أنطونيو كونتي

هنا سنعود إلى صيف 2019، الذي يمكن اختصاره بالنسبة للنيراتزوري في عبارة: "إعارة مع أحقية الشراء"، وقتها ضمَّ إنتر كلًّا من باريلا وسينسي وأليكسيس سانشيز وبيراغي بنظام الإعارة مع أحقية الشراء، وتخلَّص من بيريسيتش وإيكاردي وجواو ماريو وناينجولان ودالبيرت بالنظام ذاته، والنتيجة؟ إنتر يُفعِّل بند الشراء في عقود باريلا وسينسي وسانشيز، ويفشل في بيع كل مُعاريه عدا إيكاردي. (10)

 

الآن تخيَّل الوضع، خلال 6 أشهر فقط تتعاقد في الشتاء مع إريكسن، ثم تجلب أشرف حكيمي مقابل 40 مليون يورو، وتُفعِّل بند الشراء لسينسي وباريلا وسانشيز، وفي المقابل يعود إليك اللاعبون الذين تخلَّصت منهم بالإعارة، لأن الأندية التي حصلت على خدماتهم لم تُفعِّل بند أحقية الشراء، وبالتالي لم تحصل على الأموال التي كنت تنتظرها لتعويض ما دفعته، بل أصبحت مطالبا بالبحث عن مخرج لعديد الأسماء التي لا تجد لها مشتريا، ومَن رحل منهم رحل في شتاء أو صيف 2021 بمبالغ زهيدة وربما مجانا، وأضف إلى ذلك الخروج من دور المجموعات في دوري أبطال أوروبا لـ 3 سنوات على التوالي، مما حرم النادي من نحو 115 مليون يورو، وكل هذا يحدث وسط خسائر اقتصادية فادحة لأندية كرة القدم بسبب فيروس كورونا. (11)

 

المآسي لم تنتهِ هنا، كان ذلك ما يخص النادي، أما المُلّاك، فهناك مأساة أخرى تتعلَّق بثرواتهم، فمن المعروف أن إنتر بات مملوكا لمجموعة سونينغ الصينية بإدارة عائلة زهانغ. الابن ستيفن، الذي يرأس نادي إنتر حاليا، أكَّد أن الوضع على ما يُرام وأنهم يمتلكون خطة لـ 5 إلى 10 سنوات مقبلة، ولكن في يوليو/تموز، استقال والده من منصب رئيس مجموعة سونينغ، بعد أن باعت المجموعة حصة 23% بقيمة 2.3 مليار دولار من ذراعها المدرجة بالسوق، ليفقد الرجل السيطرة على شركته في أعقاب خطة الإنقاذ التي قادتها الحكومة الصينية. الخسائر المالية جعلت العائلة تُقلِّل نشاطها خارج الصين، ومنذ ذلك الحين تتزايد الأخبار حول الرغبة في بيع النادي. العائلة تنفي ذلك، ولكنها لا تستطيع أن تُخفي الخسائر الفادحة التي تكبَّدها النادي وتكبَّدوها هم على المستوى الشخصي. لذا، تظل أخبار البيع أكثر منطقية من المحاولات المتكررة لنفيها. (12)

epa08166288 Fc Inter Milan's chairman, Steven Zhang, attends the team's warm-up prior the Italian serie A soccer match between Inter Milan and Cagliari Calcio in Milan, Italy, 26 January 2020. EPA-EFE/MATTEO BAZZI
"الابن ستيفن زهانغ" الذي يرأس نادي إنتر حاليا

 

بارقة أمل

الآن يمتلك إنتر مديرا رياضيا يُدعى جيوسيبي ماروتا، رجل شغوف بالإدارة الرياضية فقط، لم تطأ أقدامه الملعب إلا بزيه الرسمي، ولم يسلك هذا الطريق بعد نهاية رحلته لاعبا كما هو معتاد. بدأت رحلة ماروتا قبل 40 عاما من نادي مدينته فاريسي حين كان يبلغ من العمر 21 عاما، مرورا بسامبدوريا وفينيسيا وأتالانتا ثم يوفنتوس. كلها تجارب عانى فيها ماروتا من عجز مادي، ونجح في تعويضه بالقدرة على خطف المواهب والصفقات المجانية، وإعادة إحياء مسيرة لاعبين على مشارف الاعتزال. (13)

 

رحلة يوفنتوس تحديدا هي الأبرز كونها بدأت من نقطة مُشابهة لما يحدث في إنتر، ووصلت إلى القمة في وقت قياسي، ويا للمصادفة، فإنها اعتمدت على كونتي أيضا في بدايتها وظن الجميع أنها ستنهار برحيله، ولكن حُسن اختيار ماروتا بمساعدة باراتيتشي للمدير الفني، والحفاظ على القوام الرئيسي للفريق، رغم رحيل بعض النجوم بمرور الوقت، ساعدا النادي على إكمال المشروع رغم المعوقات.

 

في إنتر تعامل ماروتا مع السيناريو بالحكمة ذاتها، رحل كونتي فجاء سيموني إنزاغي، مدرب بأفكار مختلفة ولكنها تُشبه كونتي من حيث الرسم التكتيكي وطريقة الخروج بالكرة وبناء اللعب، بالأحرى جاء أقرب مدرب يمكنه إكمال تلك الرحلة التي بدأها كونتي، كما كان هو الحال مع أليغري في يوفنتوس قبل سنوات، وفي كلتا الحالتين، كانت الشكوك حاضرة، ولكن بارقة الأمل فرضت نفسها أيضا. (14)

Soccer Football - Serie A - Empoli v Inter Milan - Stadio Carlo Castellani, Empoli, Italy - October 27, 2021 Inter Milan's CEO for Sport Giuseppe Marotta is seen before the match REUTERS/Jennifer Lorenzini
ماروتا

بالنظر إلى ما حدث في الميركاتو الصيفي، تجد أن كل مَن رحلوا تم تعويضهم بلاعبين بخصائص مشابهة وإن قلَّ مستواهم بكل تأكيد عن الراحلين؛ دجيكو بدلا من لوكاكو، مهاجم يُجيد التحضير والمشاركة في عملية البناء وهداف في الوقت نفسه. فكرة البلجيكي نفسها ولكن بسرعة أقل وسنٍّ أكبر فقط، الحال نفسها مع دومفريس وحكيمي، ظهير طائر بمواصفات أقل نسبيا فقط. الهدف الرئيسي هو الحفاظ على المنظومة من خلال أسلحة ماروتا الدائمة، مواهب وصفقات مجانية وإحياء لمسيرة المخضرمين في أواخرها. (15)

 

دجيكو جاء مجانا، تشالهان أوغلو أيضا، وأندريه أونانا يقترب من الانضمام مجانا بعد نهاية عقده مع أياكس بنهاية الموسم، 47 مليون يورو فقط دُفعت لضم خواكين كوريا ودومفريس، مقابل تحصيل 185 مليون يورو من بيع حكيمي ولوكاكو. نجاح في تعويض عجز الميزانية دون نسف القوام الأساسي للفريق. (16)

 

هذا يأتي بالطبع بالإضافة إلى تغيير شعار النادي لتحويله إلى علامة تجارية، والعمل على زيادة شعبيته خارج إيطاليا، والتعاقد مع رعاة جدد بعقود أكبر بعد 28 سنة مع إطارات بيريللي، واقتراب الموافقة على الشروع في بناء الملعب الجديد. كلها أشياء تحدث خارج حدود كرة القدم، ولكنها تُمثِّل رفقة ماروتا وما تقوم به الإدارة الرياضية الضوء الوحيد لجماهير إنتر وسط عتمة اعتادوها، خيط ضوء يلمحونه ويتشبَّثون به، يمنحهم الأمل بينما هم لا يتوقفون عن ترديد شعار "باتزا إنتر" في أحلك الأوقات وأكثرها بريقا، على السواء. (17)(18)

————————————————————————————————————————-

المصادر

  1. تعاقدات إنتر في الفترة ما بين 2011-2018 
  2. غضب جماهير إنتر وتحطيم واجهة النادي بسبب فريدي غوارين 
  3.  سجل أبطال الدوري الإيطالي عبر التاريخ 
  4. وثائقي لرحلة رونالدو دا ليما مع إنتر ميلان
  5. كيف انهار إنتر بعد ثلاثية 2010؟ – بليتشر ريبورت 
  6.  المصدر السابق
  7. إنتر يسجل أعلى خسارة في سنة مالية في تاريخ إيطاليا 
  8.  رحل حكيمي وكونتي، ورحيل لوكاكو – ما الذي يحدث في الإنتر؟ – ذا أثلتيك 
  9. المصدر السابق
  10. كونتي الجاني والمجني عليه.. كواليس ميركاتو إنتر ميلان – ميدان
  11. المصدر السابق
  12. بيع 23% من "سونينغ" الصينية يثير مخاوف بشأن مستقبل نادي إنتر ميلان – فوربس
  13. على خطى يوفنتوس.. هل يستعيد إنتر ميلان هيبته على يد ماروتا؟ – ميدان 
  14. رحل حكيمي وكونتي، ورحيل لوكاكو – ما الذي يحدث في الإنتر؟ – ذا أثلتيك
  15. المصدر السابق
  16. المصدر السابق
  17. شعار إنتر ميلان الجديد 
  18. إنتر ينهي 28 سنة من الشراكة مع إطارات بيريللي ويتعاقد مع راعٍ جديد للقميص
المصدر : الجزيرة