شعار قسم ميدان

نيوكاسل "السعودي" يتطلَّع للكبار.. هل نشاهد "مان سيتي" جديدا في البريميرليغ؟

للوهلة الأولى، تبدو مثل هذه المواضيع هي الأكثر سهولة ومباشرة: مقدمة قصيرة ومنها إلى صلب الموضوع حيث معلومات روتينية قد يصدمك بعضها بضخامة أرقامه، لا أكثر ولا أقل. لكن أن تبحث في موضوع رياضي وتجد أحدهم قد استعان بمقولة تتهم "تنظيم القاعدة" بالغباء لأنهم انتهجوا التفجيرات عوضا عن شراء نادي كرة القدم، فهذا هو العجب! (1)

قائل المقولة هو الممثل الكوميدي البريطاني "مارك ستيل"، ونحن لا ندري هل قالها في إطار الكوميديا أم في إطار آخر؟ وحتى نعرف، سنضطر لمنعك من إطلاق فكرك وتخيُّل إسقاطات لا نقصدها هنا. فالأمر وما فيه أنك لو تعاملت بجدية، جدية طفيفة لا تُذكر، مع هذه المقولة، فستضطر معنا إلى بذل المزيد من الجهد لقراءة ما يحدث في أي عملية استحواذ لمالك جديد على نادٍ جديد. لذا، دعنا نبدأ أولا برحلة قصيرة لإنعاش خيالك الذي ستحتاج إليه لفهم ما يحدث.

لماذا؟

في البداية، نقع جميعا في فخ السذاجة اقتناعا بأن كل التحرُّكات التي تحدث داخل كرة القدم تندرج تحت بند الاستثمار، هذا يُقرِّر شراء نادٍ لرفع قيمته ثم بيعه وتحقيق ربح، وذاك يُقدِّم نفسه راعيا أو معلنا للترويج لمُنتج ما، ثم تنحصر نهاية القصة بين نجاح أحدهم في مسعاه -اقتصاديا وليس بالضرورة رياضيا- وفشل الآخر.

تبدأ تلك السذاجة بالانهيار عندما تقع عيناك مصادفة على أحد رعاة دوري أبطال أوروبا ويُدعى "غازبروم"، ماذا يُنتج؟ الغاز الطبيعي، وهل يحتاج الغاز الطبيعي إلى دعاية؟! تملك الحكومة الروسية نسبة 50.23% من أسهم الشركة، التي ترعى أندية شالكه الألماني، وريد ستار بلجراد الصربي، وزينيت سان بطرسبرغ الروسي.

وفقا لتقرير "فوكس" (vox)، لعبت شركة "غازبروم" دورا كبيرا عام 2006، حينما أنقذت شالكه العريق من الديون، الأمر الذي ألبس الشركة ثوب البطل المُنقِذ في عناوين الصحف، بعد أن كان اسمها مرتبطا بقضية فساد كبرى تتعلَّق بخط "نورد ستريم" لإمداد الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق. (2)

إن سألت نفسك -قبل ما سبق- لماذا دخلت الشركة الروسية عالم كرة القدم؟ فحتما لن تقترب من الحقيقة، لذا، دعنا نُعطِك مثالا أكثر سهولة ثم نعود مرة أخرى للغموض. لن نجد أسهل من تلك الدول التي قرَّرت الترويج لنفسها عبر قمصان الأندية، وفي مقدمتهم تأتي رواندا عبر قميص أرسنال، وماليزيا عبر قميص كارديف سيتي وإشبيلية، وبورتو ريكو عبر إشبيلية أيضا، وتشاد عبر قميص ميتز الفرنسي. بعض هذه الدول أرادت تلميع حُكامها، لكنهم اجتمعوا جميعا على محاولة لفت نظر العالم لموقعهم على الخريطة والدعوة للسياحة. (3) (4)

الآن، لِنَعُد مرة أخرى لاكتشاف الغامض والمثير، حيث كشف تقرير لقناة "Tifo Football" أن استحواذ الصينيين على أندية وست بروميتش ألبيون وساوثامبتون وولفرهامبتون كان يهدف بالأساس إلى دعم زحفهم على بعض مشاريع البنية التحتية في إنجلترا في مناطق تلك الأندية نفسها، مثل شبكة نقل "ويست ميدلاندز" ومشروع شبكة السكك الحديدية المُسماة بـ "High Speed 2″، الذي يُعَدُّ أحد المشاريع الرائدة للحكومة البريطانية. (5)

اللحاق بالقطار

بقدر ما تبدو الأمثلة السابقة عشوائية، فإنها مفيدة حقا لإثراء خيالنا لدحض فكرة الاستثمار الرياضي الخالي من الشوائب. ومن هنا، أصبحنا مُستعدين للانطلاق في موضوعنا الرئيسي؛ الاستحواذ السعودي على نيوكاسل يونايتد، الذي أكَّد "سايمون كوبر" في مقاله بـ "فاينانشيال تايمز" أنه تحرُّك متأخر جدا من المملكة العربية السعودية مقارنة بأقرانها في الإمارات وقطر.

استحوذت الإمارات على مانشستر سيتي في 2008 مقابل 150 مليون باوند، ولم تكتفِ بجعله واحدا من صفوة أندية أوروبا، بل حوَّلته إلى درة مشروع رياضي ضخم تحت اسم "مجموعة سيتي لكرة القدم"، التي تتكوَّن من 3 أندية رئيسية هي مانشستر سيتي الإنجليزي، ونيويورك سيتي الأميركي، وملبورن سيتي الأسترالي، بالإضافة إلى استثمارات في أندية يوكوهاما إف مارينوس باليابان، ومونتيفيديو سيتي توركي في أوروغواي، وجيرونا في إسبانيا، وسيتشوان جيونيو بالصين، ومومباي سيتي في الهند، وتروا في فرنسا. أما قطر، فركَّزت على باريس سان جيرمان، الذي استحوذت عليه في 2011 بـ 100 مليون دولار، ووصل إلى القمة تسويقيا في صيف 2021 بعد ضم ميسي. (6) (7) (8)

بحسب "سايمون كوبر"، جرَّب السعوديون طرقا مختلفة في كرة القدم. في عام 2018، كانت الأموال السعودية والإماراتية محورية في عرض 25 مليار دولار -بالتعاون مع مجموعة التكنولوجيا اليابانية "SoftBank"- لإنشاء بطولتين دوليتين جديدتين، هما كأس العالم للأندية بعد تجديده وتوسعته، ودوري عالمي للمنتخبات أشبه بنسخة مُصغَّرة من كأس العالم. وصف رئيس الفيفا "جياني إنفانتينو" ذلك الاستثمار بأنه -إلى حدٍّ بعيد- أعلى استثمار شهدته كرة القدم على الإطلاق، لكن الخطة فشلت في ظل الصراع الواقع بين أجندات الأندية والمنتخبات.

في العام نفسه، اتجهت السعودية لمحاولة الاستحواذ على أحد أكثر أندية العالم قيمة وشعبية؛ مانشستر يونايتد. ووفقا لصحيفة "ميرور" البريطانية، تراوح المبلغ المعروض لإتمام الصفقة بين 3.5-4 مليارات جنيه إسترليني، وهو ما رفضته عائلة "جليزر" المالكة للنادي، ليُحوِّل المستثمر السعودي وجهته في صيف 2020 إلى نادي نيوكاسل يونايتد، لكن من سوء حظه، فشلت محاولته أيضا، حتى عاد مرة أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2021 ليحصل على مُراده. (9)

كواليس الكواليس

دعنا نُعرِّفك أولا على ماهية المالك الجديد، وهو عبارة عن تحالف يقوده صندوق الاستثمارات العامة السعودي -الذي يمتلك (80%) من أسهم النادي- بجانب "أماندا ستافيلي" و"بي سي بي كابيتال بارتنرز" (10%) والأخوين روبن البريطانيين (10%). وقد تمكَّن هذا التحالف من إنهاء حقبة امتدت 14 عاما من إدارة "مايك آشلي" للنادي، مقابل 300 مليون جنيه إسترليني. (10)

ما زاد من إثارة الصفقة هو نهوضها من تحت الرماد فجأة، حيث تحوَّل موقف البريميرليغ من الرفض إلى القبول في وقت قياسي أثار دهشة أندية الدوري، التي لم تعلم بما يجري إلا في الأمتار الأخيرة. الكواليس المُعلَنة تُفيد بتلقي مسؤولي الدوري الإنجليزي الممتاز تأكيدات ملزمة قانونا بأن دولة المملكة العربية السعودية لن تسيطر على نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم. (11)

بالتوازي، وافقت الحكومة السعودية على رفع الحظر المفروض على قناة "beIN Sports" القطرية (الناقل الحصري للبريميرليغ في الشرق الأوسط) في البلاد، وهو أمر يُعتقَد أنه كان سببا في رفض عملية الاستحواذ عام 2020 بسبب عملية القرصنة التي تعرَّضت لها الشبكة القطرية. (12)

مايك آشلي

ورغم منطقية الأسباب السابقة، من الناحية النظرية على الأقل، يؤسفنا إخبارك أنها لم تكن سوى الكواليس التي اتفق الجميع على إعلانها والتركيز عليها، لكن كواليس الكواليس قد تجعلك مضطرا لاستخدام خيالك كما أخبرناك سلفا. وستكون البداية مع تصريح لم يأخذ صداه المستحق للمالك السابق "مايك آشلي" الذي اعترف بأن العرض السعودي لم يكن الأعلى، لكن على حد قوله لم يكن المال همه الوحيد، وأنه شعر بأفضلية العرض السعودي لصالح نيوكاسل. وبنظرة خاطفة على تاريخ النادي في حقبة هذا الرجل، ستلحظ بكل وضوح أن اهتمام "آشلي" بالجانب الرياضي يساوي اهتمامك بالعيش على كوكب المريخ. (13)

ثم يأتي الدور على تقرير "باتريك وينتور" في صحيفة الغارديان، الذي كشف فيه عن رسالة ولي العهد السعودي إلى رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" بتاريخ 27 يونيو/حزيران ونصها: "نتوقَّع من الدوري الإنجليزي الممتاز إعادة النظر في استنتاجه الخاطئ وتصحيحه"، في إشارة إلى الرفض الأوَّلي لصفقة الاستحواذ. وعلى إثر ذلك طلب "جونسون" من "إدوارد ليستر"، مبعوثه الخاص لمنطقة الخليج، تولِّي هذه القضية. (14)

على الخط نفسه، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن محاولتها الفاشلة لمعرفة إلى أي مدى تدخَّلت وزارة الخارجية البريطانية للضغط على البريميرليغ من أجل الموافقة على صفقة الاستحواذ على نيوكاسل. نما إلى علم "بي بي سي" أن هنالك اجتماعات قد عُقدت بالفعل بين الطرفين، وعندما طلبت من الوزارة الإفصاح عن التفاصيل في إطار الشفافية وحرية المعلومات، أُخبِروا أن ذلك من شأنه إلحاق الضرر بعلاقة المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية. (15)

مستقبل مشرق.. ولكن؟

أيًّا كان استنتاجك من المعلومات السابقة، فسيظل من الماضي، الذي سننتظر نحن وإياك تكشُّف كواليسه. أما الآن فسوف ننتقل للحديث عن الحاضر والمستقبل، بعد أن رُبِط نيوكاسل يونايتد بجميع اللاعبين غير المرغوب فيهم بالأندية الكبرى، وكأنها عادة تُلازمنا مع كل استحواذ لأحد الأثرياء على نادٍ جديد.

وهنا اسمح لنا بإعادة تذكيرك بقانون اللعب المالي النظيف، الذي استحدثه الاتحاد الأوروبي عام 2010 لمراقبة حسابات الأندية وتقنين عمليات الإنفاق، وينص على حتمية تعادل عائدات الأندية ومصروفاتها خلال فترة تقييم مدتها ثلاث سنوات، وإذا كان النادي مملوكا لجمعية عمومية (مثل ريال مدريد وبرشلونة) يُسمح له بإنفاق 3 ملايين يورو أكثر من مداخيله خلال الفترة المحددة، أما إذا كان مملوكا لرجل أعمال فيُسمح له بـ 30 مليون يورو من الإنفاق الإضافي. (16)

قد تكون تجارب مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان -التي أثبتت عدم كفاءة تطبيق القانون- سببا كافيا لنشر التفاؤل بين إدارة ومشجعي نيوكاسل، لكن ما سيجعلهم أكثر تفاؤلا هو أن القانون لا ينطبق عليهم من الأساس، لأنه وفقا لما نشره موقع "Uefa"، يُطبَّق اللعب المالي النظيف على الأندية التي تلعب في البطولات التي يُنظِّمها الاتحاد الأوروبي فقط، وهي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي. (17)

ما لا يعلمه الكثيرون أن البريميرليغ قد استحدث قوانين خاصة به شبيهة بقانون اللعب المالي النظيف، لكنها أكثر تناسبا مع حجم المداخيل الضخم لأنديته وتُعرف بقواعد "الربح والاستدامة". قبل جائحة كورونا، سُمِح لكل نادٍ من الدوري الإنجليزي بخسارة ما مجموعه 105 مليون جنيه إسترليني على مدار ثلاثة مواسم. وخلال الموسمين الماضيين، سُمِح بخسائر أكبر مع الديون المتولِّدة بسبب جائحة كورونا.

وفقا لحسابات صحيفة الغارديان، فإن قلة إنفاق النادي في آخر عهد "مايك آشلي" سيُتيح للمُلاك الجدد إنفاق ما يصل إلى 150 مليون جنيه إسترليني في العام القادم، دون خرق قواعد الربح والاستدامة الخاصة بالدوري. وبالتأكيد سيكون ذلك مفيدا لتطوير النادي بسرعة، لكن في دوري زاد فيه عدد الكبار عن ستة أندية، في رأيك متى قد يصبح نيوكاسل واحدا منهم؟ وصدقا، نحن لا نتوقَّع أن ذلك يمكن أن يحدث قبل أقل من 5 أعوام من الآن.

_________________________________________________

المصادر:

  1. مقال "سايمون كوبر" في "فينانشيال تايمز"
  2. تقرير قناة "VOX" عن شركة "Gazprom" مع رعاية أندية كرة القدم
  3. تقرير موقع "promoovertime" عن بعض الدول التي روَّجت لنفسها عبر قمصان كرة القدم
  4.  ترويج رواندا عبر قميص أرسنال
  5. تقرير "tifo football" عن الاستثمار الصيني في أندية إنجلترا
  6. استحواذ الإمارات على مانشستر سيتي
  7. مجموعة أندية "City Football Group"
  8. الاستحواذ القطري على باريس سان جيرمان
  9. العرض السعودي لشراء مانشستر يونايتد
  10. تقرير موقع جول العالمي عن صفقة الاستحواذ على نيوكاسل يونايتد
  11. تقرير الغارديان عن غضب أندية الدوري الإنجليزي من صفقة الاستحواذ على نيوكاسل
  12. تقرير صحيفة الغارديان عن سبب الموافقة على صفقة الاستحواذ
  13. تصريح مايك آشلي عن امتلاك عرض شراء أعلى من العرض السعودي
  14. تقرير باتريك وينتور بصحيفة الغارديان
  15. تقرير "بي بي سي" عن كواليس صفقة الاستحواذ على نيوكاسل
  16. تقرير "بي بي سي" عن قانون اللعب المالي النظيف
  17. شرح موقع "Uefa" لقانون اللعب المالي النظيف
المصدر : الجزيرة