شعار قسم ميدان

"ميدان" يحاور محلل أداء مصريا في ألمانيا.. كيف تغيرت كرة القدم في عصر علم البيانات؟

"قالوا في الماضي إن كرة القدم معقدة للغاية وتتدفق بحرية كبيرة بشكل يُصعّب من عملية تطبيق البيانات عليها، ولكن الأمر أصبح مختلفا تماما هذه الأيام"

هكذا صرّح "تيد ناتسون"، الرئيس التنفيذي لشركة "ستاتس بومب"، واحدة من أكبر الشركات الرياضية في مجال علم البيانات في العالم، حول التوسع الكبير في استخدام تحليل البيانات في أندية كرة القدم مؤخرا، بشكل لم ينعكس فقط على أداء الفِرَق في اللعبة، ولكنه ساهم في تطوير أقسام أخرى مثل التعاقدات، وكيفية بناء فِرَق دون الاضطرار إلى صرف أموال طائلة، بل ونجاح هذه التجارب في حصد البطولات أيضا، ولعل تجربة ليفربول الآن خير مثال.(1)

 

الأمر الذي دفعنا في القسم الرياضي في "ميدان" إلى التواصل مع المصري حسن بلتاجي، الذي يعمل مدربا لإحدى أكاديميات الشباب في البوندسليغا، ومحلل الأداء السابق في نادي "كارل زايس يينا" الألماني، لسؤاله عن تأثير علم البيانات على كرة القدم في الوقت الحالي، وما التغيرات التي طرأت عليها بعد انتشار هذا المجال؟ وكيف كانت البداية؟ وما النماذج الناجحة من الأندية الأوروبية في هذا الأمر؟ بالإضافة إلى نصائحه لمَن يريد اقتحام هذا العمل من الشباب العربي.

كيف نبدأ؟

  • بداية، كيف بدأت قصتك مع كرة القدم؟

طوال حياتي وأنا لديّ شغف كبير تجاه كرة القدم، والأمر تحوّل مع مرور الوقت إلى طموح للعمل في هذا المجال، حيث بدأت كأي شخص متابع لكرة القدم في كتابة التحليلات للمباريات، ثم تطور الأمر إلى تسجيل حلقات فيديو عبر يوتيوب. عندما انتقلت إلى ألمانيا لم يكن بغرض العمل في كرة القدم إطلاقا، ولم أكن أُجيد الألمانية، وظهرت أمامي فرصة للتطوع كمحلل في أحد أندية الدرجة التاسعة للهواة في برلين، فقبلت الأمر ومن هنا كانت بدايتي.

المصري حسن بلتاجي
المصري حسن بلتاجي
  • احكِ لنا عن تجاربك مع الأندية التي عملت معها حتى الآن.

عقب تلك الفترة انتقلت إلى نادي "كارل زايس يينا" في الدرجة الثالثة كمحلل أداء متطوع أيضا، وهو نادٍ لديه تاريخ كبير، ووصل نهائي الدوري الأوروبي من قبل، وقتها عملت مباشرة مع المدير الرياضي للنادي، وكنت مع ألماني آخر ضمن برنامج خاص في النادي، لأن المدرب كان بحاجة إلى شخص يساعده في التحليل، وفي النهاية انحصر الاختيار بيني وبينه واختاروني للعمل بعد رحيل زميلي إلى فريق الناشئين بنادي هوفنهايم. بعد انتهاء الموسم، عرضوا عليّ إسناد مهمة مدير التعاقدات لي، ووقتها كنت حصلت على الرخصة "B"، ووافقت على هذا العرض إلى جانب استكمال عملي كمحلل أداء الفريق الأول، ومدرب فريق تحت 23 عاما، وبدأت العمل على المحاور الثلاثة بالتوازي، وبدأت في تعيين أفراد لمساعدتي في النادي، سواء بنظام التطوع أو العمل بأجر بشكل طبيعي.

 

في هذا الوقت بدأت خبراتي تزداد يوما بعد يوم، وبحكم وجودي في النادي أصبح مسموحا لي بحضور مؤتمرات شركات بيانات مثل أوبتا، وبدأت علاقاتي تزداد مع هذه الشركات والأندية، ووقتها بدأت التفكير في تطبيق نظام تحليل البيانات في النادي في حدود المصادر المتاحة وقتها، بعدها تقدّمت للحصول على ماجستير في مجال تحليل الأداء في "كولونيا"، وهي واحدة من أكبر الجامعات الرياضية في أوروبا، في الوقت الذي بدأ النادي فيه تغيير العديد من الأمور الإدارية، وقرّرت بعدها الرحيل عن النادي.

 

وقتها بدأ يصلني عروض قوية من أندية في الدرجة الثانية، وعروض أخرى من أكاديميات الشباب لأندية في البوندسليغا، وحينها قرّرت العمل مع مسابقات الرجال وليس الناشئين، ووافقت على عرض هذا الفريق، ولكن في آخر لحظة اعتذر النادي بسبب اعتزال أحد لاعبيه مؤخرا وقرروا إسناد هذه المهمة إليه، فوافقت على عرض من أحد الأندية في برلين في الدرجة الرابعة، وبدأت العمل مع مدرب الفريق حتى يناير/كانون الثاني الماضي عندما رحل إلى تركيا، وعرض عليّ الذهاب معه ولكني رفضت، بعدها ظهرت أمامي فرصة للعمل في إحدى أكاديميات الشباب في البوندسليغا، ولكن عقدي لا يسمح لي بالإعلان عن هذا النادي، وأنا مستمر معهم حتى الآن.

 

  • هل قمت بدراسة المجال التدريبي مثلا، أو حصلت على أي شهادة في المجال قبل الانخراط في العمل؟

حسن بلتاجي

في هذا الوقت كنت قد حصلت على الرخصة "C" في التدريب، ولكن كل اعتمادي كان على ما فعلته قبل ذلك، من خلال ملاحظاتي وتحليلي للمباريات سواء بشكل مكتوب أو فيديو لنفسي، وعملت على زيادة اطّلاعي وقراءاتي بشكل مكثف، من أشهر الكُتّاب الذي كنت أتابعهم مثلا جوناثان ويلسون، المحلل بغارديان، ومايكل كوكس، أحد الكُتّاب المهتمين بالكرة الإنجليزية أيضا، بالإضافة إلى تحليلات في مواقع أخرى، وكنت أستخدم مترجم غوغل حتى قبل السفر إلى ألمانيا، صحيح الترجمة لم تكن بالشكل الدقيق، ولكن كنت أحاول فهم الأمور في هذا الوقت.

 

  • ما الفارق بين التدريب وتحليل الأداء في كرة القدم؟

بداية، أرى أن الاثنين يجب أن يفكر كلٌّ منهما بعقلية الآخر، فالمحلل يجب أن يفكر بعقلية المدرب؛ حتى يفهم ما يريده، وبناء عليه يُقدِّم له ما يحتاج إليه، وفي الوقت نفسه المدرب يجب أن يفكر بعقلية المحلل الذي يمتلك أدوات تقنية أكثر لها علاقة بالحاسب الآلي، وتوفير لقطات الفيديو، أو التصوير، والتعامل مع الأرقام المختلفة، وهذا ما يفتقده معظم المدربين.

 

  • هل يمكن لمحلل رياضي ما يظهر على التلفاز العمل في مجال تحليل الأداء؟

يمكن لأي فرد أن يعمل في مجال تحليل الأداء بالطبع، بشرط أن يتعلم كيف يعمل، ولكن ما يفعله محلل مثل آلان شيرر على سبيل المثال هو أشبه بالادعاءات أو المطالبات انطلاقا من كونه مهاجما سابقا فقط، وهذا أسهل بكثير من تحليل الأداء، فهو يقيّم اللاعبين بدون تحليل منطقي مفصل مثل ما يقوم به محلل الأداء في الأندية المختلفة، وهذا هو الفارق الجوهري بينهما.

 

  • بِمَ تنصح مَن يريد دخول هذا المجال من الشباب؟

في البداية، لا بد أن أُشير إلى أن الأندية الألمانية ليست بحاجة إلى مدرب مصري أو عربي، لديهم آلاف المدربين الحاصلين على رخص تدريبية مختلفة، وبالتالي لديهم اكتفاء ذاتي في هذه الوظيفة. الأمر الثاني أن المحلل الشاب الذي يكتب أو يُقدِّم تحليلات مميزة على صفحته الشخصية، مثلا على فيسبوك، هو ليس مميزا بالنسبة لهم، وبناء عليه نصيحتي في السفر إلى ألمانيا أولا لا بد أن يكون لغرض آخر غير التدريب، وغالبا يكون الدراسة مثلا، فهو بحاجة إلى تعلم اللغة الألمانية كخطوة أولى. النصيحة الثانية، إلى جانب الدراسة تبدأ بالبحث عن فرص للعمل في المجال، ولكن يجب أن يكون لديك مهارات هم في حاجة إليها، لا بد أن تُقدِّم لهم شيئا لا يمتلكونه مثل تركيب الفيديو، أو استخدام برامج متطورة من البيانات، وهكذا.

حسن بلتاجي

كيف تغيّرت كرة القدم؟

  • 1. إلى أي مدى تأثرت كرة القدم بعلم البيانات حاليا؟

علم البيانات موجود في كرة القدم منذ ستينيات القرن الماضي، ولكن اللحظة الفاصلة كانت منذ فترة قريبة، وهي نقطة التحول الكبرى لعلم البيانات في كرة القدم، عندما ظهر مصطلح "بيانات التتبع" أو (Tracking Data)، والمقصود به مجازا هو معرفة أماكن تمركز اللاعبين في كل ثانية من عمر المباراة، وهنا بدأت تتحول تطبيقات هذا العلم في اللعبة، ولكن إلى أي مدى تأثرت كرة القدم؟ الأمر هنا له علاقة بالنادي نفسه.

 

في فريق مثل ليفربول، فالبيانات هي التي تقود النادي بشكل أو بآخر، المدرب يعتمد على البيانات في إيجاد الحلول، على العكس مانشستر سيتي، فلسفة الطريق هي التي تقود النادي، والبيانات عامل مساعد في إيجاد ما يناسب تلك الفلسفة فقط، وهناك مثال ثالث مثل برشلونة، لديهم الفلسفة، والنادي يعيش فترة تقدم كبيرة في مجال علم البيانات، ولكن الأمر في هذه الحالة يعود للمدرب، الذي يقبل أو يرفض العمل من خلال هذه البيانات.

 

  • ما نوعية البيانات التي يتعامل معها محلل الأداء في الفريق؟

الأمر متوقف بشكل كامل على النماذج التي يتبعها النادي في تحليل البيانات، وفقا لاحتياجات المدرب والطريقة التي يلعب بها، ولكن بشكل عام هناك محلل بيانات يقوم بتقديم البيانات إلى محلل الفيديو أو الأداء في الفريق، والذي يقوم بربط هذه البيانات بلقطات فيديو مجمعة وعرضها على المدرب من أجل مساعدته في اتخاذ القرارات، ولو كان المدرب متعاونا بشكل أكبر فإنه يجتمع بكل فريق العمل ويستمع إلى جميع الآراء المطروحة.

 

ولتبسيط الأمر أكثر، البيانات تختلف اختلافا كليا من فريق لآخر، لدرجة إن حساب دقة التمرير للاعبين مثلا قد تكون مهمة في أحد الفِرَق، ولا ينظر إليها أحد في فريق آخر، والبيانات التي يتم العمل عليها في الأندية أكثر تعقيدا من تلك التي تطرحها الشركات مثل: أوبتا، فالبيانات الخاصة بالأهداف المتوقعة، والمحاولات على المرمى، وغيرها، تعتبر بيانات بدائية للغاية إذا قارناها بنظيرتها في الأندية.

حسن بلتاجي

  • من خلال تجاربك، ما الدور الذي يلعبه محلل الأداء تحديدا؟

يمكن أن نلخص المهمات الأساسية التي يقوم بها أي محلل أداء، بجانب المهمات الإضافية التي يُحدِّدها المدرب وتختلف باختلاف النادي إلى:

– عمل تقرير، سواء كان فيديو أو مكتوبا، عن المنافس.

– عمل تقرير عن ناديه في المباراة السابقة.

– تصوير التدريبات المختلفة وعمل تقارير تحليلية بها.

– يلعب دور حلقة الوصل بين محلل البيانات الذي يجهّز له البيانات اللازمة، ويقوم هو بدمجها مع الفيديو، بحيث يُقدِّم شيئا ملموسا ووافيا لمدرب الفريق.

 

  • هل الأرقام في كرة القدم كافية من أجل الحكم على أداء الفريق؟ 

هذا السؤال يتكرر بشكل مستمر، ولكنه افتراضي وبعيد عن الواقع، لأن البيانات في الأساس تُقدَّم إلى المدرب، من أجل الوصول إلى قرار موضوعي في كيفية إدارة مباريات الفريق المختلفة، فليس من المنطقي أن تكون هذه النظرة الموضوعية قائمة بالأساس على الأرقام وحدها، وإنما وسيلة مساعدة فقط.

 

  • هناك بعض المدربين لا يعترفون حتى هذه اللحظة بما يسمى البيانات في كرة القدم، فما رأيك في ذلك؟

دعنا نعد إلى الوراء قليلا ونفترض أننا في فترة التسعينيات، وقتها جوزيه مورينيو كان يعمل مترجما مع بوبي روبسون، وكان هو الشخص الوحيد الذي يذهب لرؤية المنافس من أجل عمل تقرير مكتوب عنه، في ذلك الوقت لم يكن أغلب المدربين يعترفون بهذا الأمر، ولكن بعدها بأكثر من 10 سنوات، وتحديدا عندما حصل مورينيو على دوري الأبطال في 2010، كانت ثقافة عمل تقارير عن المنافسين ملء السمع والبصر في هذا الوقت، ولم يكن هناك تقريبا نادٍ لم يقم بعمل تقارير مكتوبة على الأقل، وعلى الجانب الآخر أين ذهب مَن لم يكونوا معترفين بما يقوم به مورينيو وقتها؟

 

الأمر نفسه تماما عندما نتحدث عن البيانات، على كل مدرب أن يختار أن يكون إما مورينيو هذا العصر أو أي مدرب آخر لن يذكره التاريخ بعد ذلك، لأن علم البيانات متطور، وسيتطور أكثر، ولكن ماذا بعد 20 عاما من الآن؟ سيصبح علم البيانات أيضا ملء السمع والبصر، وهكذا في أي تطور تشهده كرة القدم عموما.

 

  • هل الإنسان الآلي قادر على لعب دور محلل الأداء في كرة القدم مستقبلا؟

في الوقت القريب لا أرى أن الإنسان الآلي قادر على لعب هذا الدور، ولكن بشكل عام العالم يتجه نحو هذا الأمر، أصبح لدينا الآن سيارات بدون سائق مثلا، ولكن عندما يحدث ذلك أعتقد أن محلل الأداء سيقوم بأداء مهمات أخرى وقتها، ولن تختفي هذه الوظيفة بشكل كلي.

حسن بلتاجي

نماذج ناجحة

  • ما رأيك في أسلوب لعب جوزيه مورينيو؟

ما يمر به جوزيه مورينيو أمر طبيعي، كل مدرب يكون له فترة تألق معينة لأنه يمتلك ميزة لا يمتلكها غيره من المدربين في هذه الفترة، ولكن بمجرد أن يقوم المدربون الآخرون باكتساب هذه الميزة، يتطلب في هذه اللحظة أن تطور من أفكارك حتى تمتلك مزايا أخرى، الأمر نفسه تكرر مع أرسين فينغر عندما امتلك فريق كشافين رائع في فرنسا في بدايته، ولكن مع مرور الوقت، بدأت تتلاشى أهمية تلك الميزة، وبالتالي وصل إلى ما وصل إليه في سنواته الأخيرة، وهكذا مورينيو أيضا.

 

  • أيهما أفضل من الناحية التكتيكية؛ غوارديولا أم كلوب؟

بالطبع كلوب صنع تجربتين فريدتين في بروسيا دورتموند وليفربول حاليا، ولكن الاستمرارية تجعل الكفة تميل ناحية غوارديولا لأنه استطاع إزاحة أكثر من مدرب في إسبانيا، ثم ألمانيا، وأخيرا في إنجلترا. في الوقت نفسه الأمر لم يعد يقتصر على المدربَيْن الاثنين فقط ولكن على فريق عمل كامل من خلفهم.

 

  • ما الفريق الذي ترى أنه بحاجة إلى مزيد من العمل فيما يخص تحليل الأداء؟

مانشستر يونايتد، لأنه فريق يمتلك موارد مالية كبيرة، ولديه تاريخ كبير، ونجاحات منذ وقت قريب، لذلك فما يقدمه الفريق حاليا لا يتناسب إطلاقا مع كل هذه المعطيات، فلو استُغِلّت كل هذه الموارد إلى جانب الاهتمام بتحليل البيانات فلا شك أننا سنرى تجربة مختلفة تماما.

حسن بلتاجي

  • في وجهة نظرك، ما التجربة التي نجحت بشكل هائل مؤخرا بفضل تحليل الأداء؟

أعتقد أنها تجربة نادي ليفربول التي نجحت نجاحا كبيرا مؤخرا بفضل استغلال كل الموارد المتاحة في تحليل البيانات، وتحليلات الفيديو، وفي الوقت نفسه الفريق لم يُنفق أموالا طائلة مثلا، وليس لديه ملعب سعته كبيرة، على عكس باقي الأندية الكبرى مثل برشلونة وريال مدريد ومانشستر سيتي التي تمتلك موارد مالية ضخمة.

 

  • في رأيك، مَن هو محلل البيانات الأفضل في العالم؟

الأشهر في الوقت الحالي هما: وليام سبيرمان، محلل البيانات في ليفربول الإنجليزي، وخافيير فيرنانديز، محلل البيانات في برشلونة الإسباني، ونحن نعرفهم من خلال الدراسات التي يقومون بنشرها، ولكن من الوارد أن يكون هناك آخرون لا نعلم عنهم شيئا، في النهاية نحن نرى التجربة مجتمعة من خلال أداء وعمل الفريق في الملعب.

 

  • في النهاية، نشكرك على سعة صدرك، وعلى إجراء هذا الحوار معنا في "ميدان".

الشكر لكم، سعدت بهذا الحوار كثيرا، وبالتوفيق دائما.

المصادر:

  1. كيف يساعد تحليل البيانات أندية كرة القدم على توقيع صفقات أفضل؟