شعار قسم ميدان

خليفة ماني الذي يضغط كالوحش.. مفتاح ديوغو جوتا لمأساة كلوب

"جوتا هو لاعب على المستوى الفني والتقني نفسه للثلاثي الأمامي الخاص بنا، إنه يضغط كالوحش"

بهذه الكلمات، وصف بيب ليندرز المدرب المساعد ليورغن كلوب لاعب ليفربول الجديد ديوغو جوتا الذي، على حد تعبيره، "يضغط كالوحش"، وهو وصف قوي في حد ذاته عندما يقع على آذاننا للمرة الأولى، لكنه يُعيد إلى مخيلتنا الصورة التي اعتدنا عليها من ليفربول بالسنوات الأخيرة، الضغط العالي الشرس، الذي يضع الخصوم تحت طائلة قوة غير محتملة في الكثير من الأوقات، الذي كان وما زال يعتبر الأسلوب المميز للريدز خلال الوقت الذي قضاه الألماني يورغن كلوب مع الفريق، ذلك الضغط الشرس الذي يعتبر بمنزلة قناعة راسخة من القناعات التي بنى عليها تلك النجاحات التي اجتاحوا بها البطولات مؤخرا، التي ظننا لوهلة أنها ربما تعود أدراجها كالكثير من القناعات التي وجدنا النادي يقوم بعكسها، كالتعاقد مع لاعبين بأرقام مرتفعة بعد انتقاد ذلك الأمر عندما قام به الخصوم، أو ككسر متوسط أعمار الصفقات التي تنضم للفريق، بالتعاقد مع تياغو البالغ من العمر 30 عاما، بعد أن كان معدل الأعمار للصفقات يتراوح بين 24-26 عاما، هناك استثناءات عديدة قام بها الفريق للقواعد التي صكوها لأنفسهم، لكن الأكيد أن جوتا لا يعد واحدا من تلك الاستثناءات. (1) (2)

 

ما الذي يمكن أن يُقدِّمه جوتا لليفربول؟ في الواقع ذلك السؤال كان آخر ما طُرِح عقب مجيء الرجل إلى الفريق، ببساطة لأن الجميع كان لا يزال يحاول استيعاب مفاجأة التعاقد معه من الأساس، فمع كل ذلك الترقُّب الذي شهدته صفقة نقل ألكانتارا من بايرن ميوينخ إلى الريدز، التي ظلت مُعلَّقة طوال موسم الانتقالات الصيفي الماضي تقريبا، لم يُعِر أحد من متابعي الفريق أي اهتمام لباقي الصفقات التي حاول النادي التعاقد معها، تحديدا تلك التي تخص المنطقة الهجومية للفريق، فمع تعنُّت إدارة واتفورد في مطالبها المادية في سبيل انتقال إسماعيل سار إلى ليفربول، بجانب انتقال الكندي جوناثان ديفيد من جينت البلجيكي إلى صفوف ليل الفرنسي، بدا للجميع أن الفريق لن يقوم بتدعيم دكة خط هجومه التي تفتقر إلى مقدار كبير من الجودة إذا أردت الصراحة. (3)

ثم حدثت تلك الصفقة التي لم نسمع عنها أي شيء سوى يوم إعلانها، التي بجانب ذلك لم تأخذ حقها من الحفاوة بسبب ذلك الإحساس بالنشوة الذي أحس به أنصار الريدز بإتمام صفقة ألكانتارا أخيرا بعد كل ذلك العناء الذي عاشوه، لذلك ولّى الجميع وجوههم كالعادة ناحية تياغو، وناحية المركز الذي سيشغله الرجل، وناحية رقم القميص الذي سيرتديه، وناحية كل تفصيلة صغيرة تخص الرجل والنقلة التي سيُحدثها في الفريق بوجوده ضمن صفوفه. لكن ماذا عن جوتا؟ لا بأس به، سيكون بديلا جيدا لماني.

 

عنوان ميدان

نظريا، هو جواب صحيح، فالرجل يلعب بيمناه مثل ساديو، ويحب أن يشغل الجناح الأيسر، وفي رصيده بعض المشاركات الدولية التي لا بأس بها مع المنتخب البرتغالي. قطعا سيكون بمنزلة بديل مثالي للسنغالي، لكن إذا أغفلنا أننا نتحدث عن رجل له 131 مشاركة مع الولفز، سجّل خلالهم 44 هدفا، وهو سجل عريض في حد ذاته يعكس مدى اندماجه مع الكرة الإنجليزية في العموم، وإذا أغفلنا كل الإمكانيات الفردية والفنية التي يتمتع بها الفتى، مثل قدرته على اللعب بكلتا قدميه مثلا، ومثل أن أكثر من 35% من تمريراته الصحيحة بالموسم الماضي تمت بقدمه اليسرى الضعيفة، وهو رقم كبير في حد ذاته مقارنة بباقي مهاجمي الدوري، فوق كل ذلك نسياننا أن البرتغالي يبلغ من العمر 23 عاما فقط، وهو العمر نفسه تقريبا الذي استُقطب عنده السنغالي إلى ليفربول، فحينها ستكون جملة مثل "بديل مناسب لماني" في غير محلها قطعا. (4)

 

لكن كل ذلك لا ينفي أن تصنيف ديوغو في اللحظة الحالية سيندرج تحت خانة البدلاء، بالطبع سيكون له أولوية وقيمة أكبر من تلك التي يحصل عليها شاكيري غير المتزن بدنيا، أو مينامينو الذي لم يندمج بعد في صفوف الفريق، أو حتى ديفوك أوريغي، الرجل الذي لم يُحقِّق له هدفاه في مرمى برشلونة بالعام الماضي المكانةَ الفنية المناسبة التي تجعله مؤهلا للظفر بمركز أساسي مع الفريق.

 

كل ذلك حقيقي في اللحظة الراهنة، لكن وجود جوتا بالنسبة لكلوب له أبعاد أكثر من ذلك بكثير، فالرجل لا يتوقف عن الضغط على الخصوم، وتعبير مثل "يضغط كالوحش" الذي استخدمه ليندرز لوصفه كان في محله، في مباراة برايتون مع الوولفز بديسمبر/كانون الأول الماضي على سبيل المثال، قام جوتا بالضغط على مدافع برايتون في إحدى الكرات حتى استخلصها منه واستطاع أن يضع خيمنيز في مواجهة المرمى بسهولة، لولا أن الأخير أضاعها لشاهدنا هدفا رائعا يومها، تلك الليلة سجّل جوتا هدفين، الهدف الثاني جاء نتيجة ضغطه على مدافع برايتون حامل الكرة وفي الوقت نفسه أغلق عليه الرؤية وزاوية التمرير لمدافع برايتون الأيمن الشاغر، الأمر الذي اضطر المدافع لتمريرها لزميله الذي حاول أن ينقل الكرة سريعا ناحية المدافع الأيمن، الكرة التي انتهى مصيرها بين أقدام بيدرو نيتو زميل جوتا، الذي انطلق بالكرة حتى مَرَّرها إلى الشاب البرتغالي الذي أحرز هدف التعادل لفريقه وقتها.

وإذا عدنا بالزمن أكثر إلى الوراء فسنجده يضغط على مدافع إيفرتون جاجيلكا ويتسبّب في طرده من المباراة، ويساعد فريقه في الخروج متعادلا تلك الليلة بهدفين لكل فريق، أو عندما ضغط على مدافع نيوكاسل دياندري يدلين واستطاع أن يستخلص منه الكرة والتسبب في طرده هو أيضا، وأعطى فريقه الأفضلية العددية التي ساعدته على حصد نقاط المباراة بالدقائق الأخيرة منها. مزية ضخمة بالطبع لن يستطيع أحد أن يُقدِّرها مثلما سيفعل كلوب معها.

 

بجانب كل ذلك، لا يمكن إنكار أن جوتا قام بترك بعض الانطباعات الإيجابية عنه في مبارياته الأولى مع الفريق حتى الآن، مباراة أرسنال على سبيل المثال، رغم مشاركته في الدقائق العشر الأخيرة، فإنه استطاع أن يلمس الكرة 16 مرة، منهم خمس مرات داخل مربع عمليات الفريق اللندني، أكثر من صلاح الذي بدأ المباراة أساسيا، أضف إلى ذلك أن جوتا قام بالتصويب في تلك الليلة ثلاث مرات، أكثر من فيرمينو بتسديدتين، وأقل من صلاح بتسديدة واحدة فقط، واستطاع أن يُسْكِن إحدى تلك التصويبات في الشباك. (5) (6)

 

وهي علامة جيدة في حد ذاتها، أن الرجل محاصر بكل تلك النجوم من حوله، وفي سنِّه الصغيرة تلك يستطيع أن يُظهِر ما بجعبته. لا يمكن إنكار أنه في الكثير من المواقف كان يُفضِّل التسديد على القيام بالتمرير لزملائه الذين يتمركزون بموقع أفضل، لكنّ متتبعي مسيرة الرجل منذ وجوده مع الوولفز سيعرفون أنها ليست مشكلة بقدر ما هي جزء من أسلوب لعبه، في 34 مباراة بالموسم الماضي لم يساهم إلا في صناعة هدف وحيد رفقة الذئاب، وهي علامة لا يمكن إغفالها حول أن الرجل بالفعل يُفضِّل التسديد على التمرير، ويحتاج إلى بعض التطوير على ذلك النطاق، وإلى معرفة أي الأوقات يُفضَّل بها أن يلعب جماعيا على أن يلجأ إلى حلوله الفردية. (7)

 

عنوان ميدان

أضف إلى ذلك أن الفتى يتمتع بإمكانيات ضخمة بالفعل، يُجيد المراوغة، ويتحرك جيدا دون كرة، ويستطيع الربط مع زملائه في الملعب. ثنائيته مع راؤول خيمنيز بالخط الهجومي كانت أكبر دليل على ذلك، فقط أَعِد النظر في مباراة برايتون التي حدّثناك عنها منذ قليل وشاهد الهدف الأول الذي أحرزه وستفهم ما نقصده، الرجل يعي بالضبط أين ومتى يتحرك، وكيف يلعب من لمسة واحدة مع زملائه، تلك الثنائية كانت دليلا ضخما على مدى مرونته التكتيكية التي تجعله مؤهلا للعب في كل الأنظمة وفي كل مراكز الخط الأمامي تقريبا، وهي أكثر شيء يريده كلوب في اللحظة الحالية من مساره مع الفريق.

epa08789984 Liverpool's Diogo Jota celebrates after scoring the 2-1 goal during the English Premier League soccer match between Liverpool FC and West Ham United in Liverpool, Britain, 31 October 2020. EPA-EFE/Peter Powell / POOL EDITORIAL USE...
ديوغو جوتا

خلال خمسة مواسم خاضها الألماني رفقة ليفربول، ربما نستطيع القول إن هناك هاجسا كبيرا كان يطارد كلوب طوال الوقت، أصبح بمرور الزمن حقيقة يجب التعامل معها، وهي أن الفريق، بشكل أو بآخر، أصبح متوقعا بالنسبة للخصوم، وأصبحت طريقته وأسلوب لعبه ولعب عناصره كالكتاب المفتوح أمام الجميع.

 

وهو الأمر الذي سيجعل صفقة مثل ديوغو جوتا في صفوف الفريق بمنزلة حبل إنقاذ للألماني في مواجهة تلك المعضلة، ومباراة شيفيلد الأخيرة مثلا كانت خير دليل على ذلك، وجود غوتا في الملعب جعلنا لا نعرف لوهلة في أي مركز يلعب الرجل وبأي خطة بدأ بها كلوب، هل هي 4-2-3-1؟ وإذا كانت كذلك، فهل يلعب جوتا يمينا أم يسارا؟ ماذا عن صلاح؟ هل ما زال فيرمينو هو المهاجم الوهمي بأدواره التي عهدناها عنه، أم عاد للخلف قليلا وترك المساحة لصلاح كي يكون هو المهاجم الصريح، ماذا عن جوتا مجددا؟ هل يلعب على أحد أطراف الملعب أم دخل إلى العمق وترك الأطراف إلى ماني وصلاح كالمعتاد؟ كلها تساؤلات دارت في أذهاننا ونحن نشاهد تلك المباراة، وأصبحنا للمرة الأولى لا نستطيع التكهُّن بشكل الفريق بالملعب، ببساطة لأن هناك حلا إضافيا يمكن استخدامه في الأوقات التي تتعطّل بها الحلول المعروفة. (8)

 

وهو الأمر الذي سيُكسِب ليفربول بعض المناورات التي سيستطيع بها تخطي الكثير من العقبات التي كانت تواجهه على طول الطريق، وستُمهله الوقت للتفكير في مناورات وحيل أكثر. أي نادٍ في العالم لا يتمنى أن يُفلس مدرب فريقه خططيا وفنيا، تعبير الإفلاس ذلك له واقع في منتهى القسوة على نفس مَن يُلقى عليه، تحديدا في لعبة ككرة القدم تتجدَّد وتتوسع خططها بسرعة جنونية، ولمجاراة ذلك الأمر أصبح من الضروري وجود هؤلاء اللاعبين ذوي المرونة التكتيكية والفنية التي تجعلهم قادرين على مساعدة فِرَقهم ومدربيهم على تجاوز تلك الأزمة.

يورغن كلوب
يورغن كلوب

وهنا نحن لا نقول إن يورغن كلوب قد أفلس تكتيكيا، فقط نقول إننا قد شاهدنا كل ما يستطيع لاعبوه أن يفعلوه، في كل الأنظمة والتكتيكات التي لعبوا خلالها، لذلك كانت صفقة مثل تياغو ألكانتارا ضرورية جدا، لأنها حملت لاعبا ذا أسلوب لم نرَ مثله في الفريق من قبل، وسيساعد الألماني على تخطي تلك العقبة، الأمر نفسه بالنسبة لجوتا، الذي يستطيع الانخراط بسهولة في أكثر من أسلوب لعب، بإمكانياته الفردية التي تُخوِّل له اللعب في كل مراكز الملعب الهجومية تقريبا، بجانب إتقانه للعب بكلتا قدميه، وهو الأمر الذي سيساعده على التأقلم سواء دفعه كلوب ناحية اليمين بديلا لصلاح، أو ناحية اليسار خليفةً منتظرا لساديو ماني.

 

وبعد كل ذلك بإمكاننا القول نعم، إن جوتا بديل ممتاز للسنغالي، لكنه في الوقت نفسه سيستطيع مد الفريق بحلول أوسع وأكثر تعقيدا من مجرد وجوده بديلا لصالح أحد نجوم الفريق، وهو الأمر الذي لا بأس من حدوثه بشكل أو بآخر في تلك الأحوال التي يغيب بها أحد نجوم الفرقة أو يسقط مستوى أحدهم، لكن حصره بتلك الخانة من جانب الجماهير سيكون بمنزلة ظلم بيّن يقع على الفتى البرتغالي، لأنه بالفعل يمتلك ما يجعله مؤهلا لما هو أكبر بكثير من ذلك، ودعونا لا ننسى في النهاية أن ديوغو جوتا إذا نجح في إثبات ذاته بالفترة القادمة سيكون بمنزلة انتصار جديد للمبادئ والقواعد التي رسّخها مدربه الألماني داخل جدران ليفربول، لكنه لا يعني في الوقت ذاته أن استثناء تلك القواعد في بعض الحالات لن يضمن لك نجاحا ساحقا كما كنت تتصوّر.

__________________________________________________________

المصادر

  1. Pep Lijnders dismisses Diogo Jota claim and sets out plan for new Liverpool signing- Liverpool Echo
  2. Jurgen Klopp’s Comments About Paul Pogba’s £89 Million Transfer To Manchester United Resurface – Sport Bible
  3. Ismaila Sarr, Liverpool’s transfer shortlist and what happens next- Liverpool Echo
  4. Liverpool sign Diogo Jota for £41m from Wolves as Ki-Jana Hoever moves to Molineux- BBC
  5. Jota’s start: Lots of dribbling and shooting, but decision-making can improve – The Athletic
  6. Cox: Jota will score goals, ‘press like a monster’ and… get opponents sent off – The Athletic
  7. Diogo Jota arrival makes Liverpool “more unpredictable” as champions add to attacking depth – Squawka
  8. Using Jota in a 4-2-3-1 will help Klopp’s Liverpool mix it up this season – The Athletic