شعار قسم ميدان

كيريوس وتوميتش وسيرينا.. لأن المشاغبين يلعبون التنس أيضا

Serena Williams of the United States yells at chair umpire Carlos Ramos in the women's final against Naomi Osaka of Japan on day thirteen of the 2018 U.S. Open tennis tournament at USTA Billie Jean King National Tennis Center, New York, US., September 8, 2018. USA TODAY SPORTS/Danielle Parhizkaran SEARCH

لعبة الأمراء، هكذا يُطلق على التنس؛ الرياضة التي طالما ارتبط ذكرها في أذهان الكثيرين على مدار العقدين الأخيرين بأناقة السويسري روجر فيدرر، الذي تُوج لتوه باللقب رقم 100 في مسيرته الحافلة بالإنجازات، وبدماثة أخلاق غريمه الإسباني رافائيل نادال، والقوة الهائلة التي تتمتع بها الأميركية سيرينا ويليامز، وربما الجمال الأخاذ الذي تنعم به الروسية ماريا شارابوفا. في هذا السياق، يبدو التصريح الذي أدلى به لاعب كرة القدم البرازيلي فيليبي ميلو في معرض دفاعه عن أسلوب لعبه العنيف انعكاسا لهذا المفهوم المترسخ، إذ قال إن "كرة القدم رياضة تعتمد على الاحتكاك البدني، إذا لم ترق لك، فلتلعب التنس". صحيح أنه ذكر التنس كمثال على الرياضات الفردية التي تخلو من الالتحامات البدنية، لكنها ليست الوحيدة، فهناك منافسات بشعبية الركض بمختلف مسافاته وغيرها من ألعاب القوى، ولكن الكرة الصفراء تبدو ذات حظوة، ففي نهاية كل مباراة يجب على كلا اللاعبين التصافح وربما حتى التعانق. (1)

 

لكن هذا ليس أكثر من قشرة خارجية، الصورة التي تلتقطها العين المجردة لسطح البحر الذي لا يشي تلألؤ أشعة الشمس على موجاته المتهادية بما يعتمل في قلبه. أما في الواقع، تتشابه الحياة على جانبي هذا السطح وإن اختلفت التفاصيل. فهناك لاعبون مجتهدون وأمثلة يحتذي بها الصغير والكبير في كافة معتركات الحياة، وآخرون يحاولون أن يتحصّلوا على قوت يومهم دون أن يكونوا لقمة سائغة لهؤلاء العمالقة، وأيضا هناك المشاغبون.

  

لغز الساحر العظيم

يتمتع الأسترالي نيك كيريوس ذو الثلاثة والعشرين ربيعا بمهارات وقدرات يغبطه عليها الكثيرون من أبناء جيله، وربما بعض من اللاعبين ذائعي الصيت، والتي تتنوع ما بين الإرسالات القوية واللمسات السحرية على الشبكة والضربات الأرضية الصاروخية التي تصيب المنافس بالشلل، بلا أي حراك سوى رفع اليدين تحية. لكن خزانته في بعض الأحيان تحتوي على ما هو أكثر بقليل من المهارات التي تدفع الجمهور للجنون، ففيها قد ينسى، على سبيل المثال، حذاء التنس الخاص به!! (2)

   

 

ولكن ما إن يكون بكامل عدته وعتاده، فإن كيريوس يتمتع بقدرة تبدو فطرية على أن يجعل منافسيه يشعرون أنهم خارج بيئتهم الطبيعية أيا ما كانت الأرضية التي تقام عليها المباراة، إذ إنه يحرم خصومه من المزية الوحيدة التي قد تجعلهم مفترسا لا فريسة: القدرة على توقع شكل الضربة التالية، فهو إما "يقف ساكنا" من الخط الخلفي لاستدراج ضحاياه، أو يتسلل متوجها إلى الشبكة، أو يصعقهم بإحدى الضربات الأمامية الصاروخية.

 

وكأن كل هذه الخدع لا تكفي لإسقاط "فريسة" بحجم نادال في بطولة المكسيك المفتوحة، ليلجأ إلى طريقة ماكرة لتسديد ضربة الإرسال، فعوضا عن قذف الكرة للأعلى والارتقاء وضربها بالمضرب كما جرت العادة، سددها من وضعية الاستعداد للإرسال على أمل مباغتة نادال.

 

يعتبر هذا جزءا من الإلهاء، وهو وسيلة ناجعة في الكثير من الأحيان للإيقاع بالفرائس، والذي يتضمن كذلك أن تتظاهر بأنك مصاب ثلاث مرات في مباراة واحدة، و في إحداها تشكك في قدرتك حتى على متابعة اللقاء، بل وتزعم أن السبب الوحيد الذي يجعلك ترغب في الاستمرار هو ألا تتعرض لصيحات استهجان من الجمهور، الجمهور نفسه الذي اشتبكت مع جانب منه لمجرد أنه كان يدعم نادال خلال المجموعة الثانية. (3)

  

    

بعد خسارة اللقاء المثير في دور الستة عشر من بطولة المكسيك المفتوحة، اتهم نادال اللاعب الصاعد بأنه "يقلل من احترام الجمهور ومنافسيه ونفسه"، في الوقت الذي أثنى فيه على مهاراته باعتباره "لاعبا يتمتع بموهبة كبيرة تمكنه من الفوز بالبطولات الكبرى والمنافسة على صدارة التصنيف" (2).

 

لم يكن نادال أول نجوم الصف الأول الذي يشير بالبنان إلى النجم الصاعد، ولكنه كان من القلائل الذين توجه لهم أصابع الاتهام علانية بعد سلسلة من الوقائع التي تتخطى ما يمكن وصفه بالانفعال اللحظي، كأن يدخل في مشادة كلامية مع الجمهور الذي تكبد عناء الذهاب إلى الملعب على أمل الاستمتاع بوجبة دسمة من التنس الحريف. لكن وجود كيريوس داخل أرضية الملعب، رغم كل مهاراته الهائلة، لا يعني بالضرورة أن الجمهور سيجد ما يسد جوعه التنسي، ففي بعض الأحيان يبدو أن كل الوظائف الحيوية التنسية اللاعب الأسترالي قد توقفت فجأة.

  

سباحة كيريوس ضد التيار السائد لم تتوقف عند هذا الحد، بل إنها قادته إلى مستنقع؛ إذ التقطت الميكروفونات الموجودة داخل الملعب قوله للسويسري ستانيسلاس فافرينكا خلال مباراة بكأس روجرز في 2015: "كوكيناكيس ضاجع رفيقتك العاطفية. يؤسفني إخبارك بذلك". (4)

  

  

في القاع

كلما ابتعدت عن السطح، يصبح تكوين الكائنات أكثر بدائية، سواء كان ذلك تكوينا أو غاية، إذ تكون قدراتها ومهاراتها محدودة بما يتناسب مع المحيط الذي تعيش فيه. ليس هناك ما يميز طريقة لعب الأسترالي برنارد توميتش، فهو لا يمتلك من المهارة ما يتمتع به مواطنه كيريوس على سبيل المثال، لكن الملعب وما يحدث داخله يتحول تلقائيا إلى المرتبة الثانية، إن لم يكن أبعد من هذا، عندما يتعلق الأمر باللاعب البالغ من العمر ستة وعشرين عاما والذي يحتل المركز 82 عالميا بين لاعبي التنس المحترفين.

 

التنس وإن بدا للبعض هواية أو وسيلة ترفيه، فهو بالنسبة لهؤلاء اللاعبين المحترفين مجرد وظيفة تتضمن قدرا من الضغوط، قد تكون في بعض الأحيان لا تُحتمل، فأنت إما مفترس وإما فريسة، وإيجاد سبل التخلص من هذا التوتر يكون أمرا ضروريا تتفاوت صورته من لاعب لآخر. بينما يفضل نادال لعب الجولف وينخرط فيدرر في واجباته كرب أسرة وأب لأربعة أبناء، يبدو أن توميتش من عشاق الحفلات الصاخبة. لا ضير في هذا، فهي في نهاية المطاف حرية شخصية. لكن أن تدعو فتيات قاصرات إلى حفل يتضمن مخدرات، وتتهمه اثنتان منهن بأنه وضع مخدرا في المشروب الخاص بهما ليتركهما بلا حراك، فهذا ينقل الأمر إلى مستوى آخر مختلف.

 

ولكن إذا لم تجد الشرطة دليلا يعضد تلك الادعاءات ونفى اللاعب تورطه في تخدير القاصرات، (5) فإنه لم ينف اتهامات أخرى وجهها له قائد الفريق الأسترالي واللاعب السابق ليتون هويت بأنه يهدده هو وأسرته. حسنا، لم ينفها كلها؛ بدأ الأمر بتصريح لتوميتش على هامش بطولة أستراليا المفتوحة أكّد فيه: "لم يعد أحد يحب هيويت بعد الآن". في تصعيد لحدة التوتر أكّد الأخير لاحقا بأنه تعرض للتهديد هو وأسرته من جانب اللاعب الأسترالي. (6) (7)

 

  

بعدها، خرج توميتش ليؤكد أنه بالفعل وجه تهديدات لهيويت، لكنه نفى بشكل قاطع أن يكون التهديد قد شمل أسرته، قائلا: "لم أهدد الأطفال أبدا. بالقطع لا. هذا أمر خاطئ تماما. هذه وضاعة بالفعل. أن يقول ذلك، هذه وضاعة حقا. أن تكون بهذا الانحطاط وتجعلني أبدو بهذه الصورة". وكأن تهديد هيويت لا يسيء للاعب الحالي. (8)

 

اللؤلؤة السمراء

"الصورة" هي أيضا ما دفعت الأميركية سيرينا ويليامز أيضا للمواجهة، ولكن في سياق مختلف تماما، إذ إنها كانت حريصة على أن تحافظ على نقائها أمام ابنتها أليكس أولمبيا أوهانيان التي تبلغ من العمر عاما واحدا. حدث الأمر برمته في المجموعة الثانية من نهائي بطولة أميركا المفتوحة عام 2018 أمام اليابانية ناعومي أوساكا، حينما عاقب حكم الكرسي كارلوس راموس اللاعبة الأميركية بخصم نقطة أولا لمخالفة القواعد بتلقي تعليمات من مدربها، لتتصاعد وتيرة الأحداث ويعاقبها بمنح شوط لمنافستها، لتنفجر ويليامز غاضبة، إذ قالت اللاعبة الأميركية: "أنا لا أغش. لا بد أن تعلن هذا. لدي بنت وأدافع عن الصواب. أنت تدين لي بالاعتذار"، قبل أن تضيف: "لقد سرقت مني نقطة. أنت لص أيضا". (9)

 

بعدها، تلوّنت سيرينا بألوان النسوية المدافعة عن حقوق المرأة خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب المباراة، لتُكسب الأمر بُعدا ذكوريا، إذ قالت: "رأيت رجالا آخرين ينعتون حكاما آخرين بأوصاف مختلفة. أنا هنا أقاتل من أجل حقوق المرأة وللمساواة بين الجنسين وكل هذا النوع من الأمور. أن أصفه باللص وأن يحرمني من شوط، جعلني أشعر أنه تعليق تمييزي على أساس النوع. لم يعاقب رجلا بمنح شوط لمنافسه لأنه قال لص". (10)

 

    

أضافت: "لكنني سأواصل القتال من أجل المرأة ومن أجل المساواة في الحقوق، كأن تصبح كورنيه قادرة على خلع قميصها دون أن تتعرض للغرامة. هذا أمر غير مقبول"، في إشارة إلى الفرنسية أليز كورنيه التي نالت تحذيرا من جانب حكم الكرسي أثناء مواجهة السويدية يوهانا لارسون في الدور الثاني من بطولة أميركا المفتوحة، بعدما قامت بتغيير قميصها خلال المباراة. (10) (11)