شعار قسم ميدان

الكراهية أم اللعب النظيف.. هل يهدي مانشستر يونايتد الدوري للسيتي؟

MANCHESTER, ENGLAND - MAY 07: A Manchester City fan holds a message for his team referencing Steven Gerrard's slip against Chelsea during the Barclays Premier League match between Manchester City and Aston Villa at Etihad Stadium on May 7, 2014 in Manchester, England. (Photo by Michael Regan/Getty Images)

"أن اختيار من يفوز بلقب الدوري الانجليزي بين ليفربول وبين مانشستر سيتي، يشبه الاختيار بين رجلين غريبين، أيهما يسرق زوجتك"

(أسطورة مانشستر يونايتد "غاري نيفيل" (1))

  

تعرف شركات الألعاب قيمة الرغبة الموجودة بداخلنا في التحكم بكل شيء يُحيط بِلعبة كرة القدم في الواقع، فَيمنحونا بواسطة التقدم التكنولوجي فرصة لتسيير الأمور في أي نادي نُحب داخل اللعبة، عن طريق أنماط مختلفة كـ"ماسترليغ" أو "كارير مود" اللذان يمنحانّا حرية شراء وَبيع اللاعبين، فسخ التعاقدات الإدارية، اختيار الخطة، لعب المباريات، خسارة أي منهم -إن رغبت.. إلخ.

  

على سبيل المثال، فلنفترض أنك تدرب مانشستر يونايتد في فيفا أو PES، وكنت في ذات الموقف الذي يقع فيه سولشاير وغاري نيفيل الآن وعليك الاختيار بين بطلين للدوري الإنجليزي؛ الأول هو الجار مانشستر سيتي والثاني هو ليفربول. أي الطرفين ستختار؟

  

undefined

    

بعيدًا عن لعبة الشعارات

بدأت كرة القدم في إنجلترا كرياضة تُعبر عن النزعة الإنجليزية الخالصة، عدد من الدقائق يحتاج إلى الشجاعة والقوة والجسارة والعنف في كثير من الأحيان، لكن بمرور الوقت، سلكت هذه اللعبة مسلك الأخلاق والدفاع عنها، عن طريق تأصيلها بالجامعات لقتل الـ"أنا" النفسية التي كادت أن تتفشى في الشباب الإنجليزي، مع دعوات إلى تخفيف حدة الالتحامات أولًا ثم الغاءها تمامًا. وبمرور السنين، باتت هذه اللعبة هي منبع الشعارات الأخلاقية، سواء نبذ العنصرية أو الدعوة لاتحاد الشعوب والأمم.. إلخ. (4)

 

لكن كأي منبر شعبي يتحكم فيه طبقة أعلى اجتماعيًا واقتصاديًا، فإن هذه الدعوات الأخلاقية لم تتخطى كونها شعارات إعلامية رنانة، ولا تتوانى الجماهير عن السخرية منها بين حين وآخر ولأسبابٍ مختلفة. يتربع على رأس هذه الأسباب الانتماء العصبي إلى ألوان فريقك دون سواه، فقتل النزعة الوطنية وتفضيل الفريق المحلي على منتخب الدولة يُعد هو أهون الأفعال، خاصة إذا ما تطرقنا لأعمال العنفٍ العنصرية والسخرية من الأحداث التي تمس الجانب الإنساني والروحي من كل بشري طبيعي. (3)

 

خذ مبدأ اللعب النظيف على سبيل المثال، هو أحد أكثر الشعارات التي لا تمثل أي تأثير في كرة القدم، فهو لا يتناسب إطلاقًا مع أي واقعة تاريخية كان فيها تعارض بينه وبين مصلحة الفريق بما فيها وقائع العنصرية ضد السود مثلًا. تحتاج لإجابة قاطعة؟ دعنا نطلعك على بعض الوقائع التي اضطرت فيها الجماهير للاختيار بين النزاهة ومصلحة فريقها..الثانية ستدهشك.

  

هذا ما وجدنا عليه آباءنا

undefined

  

ببداية شهر مايو/آيار من عام 2010، تبقى 3 لقاءات فقط لكل فريق بالدوري الإيطالي الممتاز، النزاع آنذاك كان بين الفريق العاصمي، روما، وإنتر. تمكن روما في اليوم الأول من الشهر المذكور من تحقيق فوز خارج الديار ضد بارما، وضعهم بفارق نقطة اعتبارية فوق إنتر الذي يستعد لمواجهة صعبة ضد لاتسيو بالعاصمة الإيطالية على ملعب "أولمبيكو". (5)

 

لم يقدم لاتسيو ذاك الموسم ما يوحي بـقدرته على إيقاف عدو إنتر نحو اللقب، لكن كل ما كان يرجوه جيرانهم بالعاصمة، هو قنص تعادل فقط يجعل النقاط متساوية، على أمل أن يتعثر "نيراتزوري" في أي لقاء من المتبقيّين. وبعيدًا عن مبدأ اللعب النظيف فإن لاتسيو يحتاج كل نقطة ليبتعد عن شبح الهبوط الذي لم يكن بعيدًا عنه اطلاقًا. (5)

 

تعارض كل ذلك مع ما رغب فيه جماهير "بيانكوتشيليستي"، فلقد بدأوا المباراة بلافتات تُحذر لاعبيهِم من الوقوف في طريق لاعبي إنتر، وعند إعلان أسماء التشكيلة الأساسية للفريق الضيف، تعالت الأهازيج المشجعة لهم في مشهد كان قاتلًا لجماهير روما. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل ارتفعت صيحات الاستحسان من قبل جماهير لاتسيو عند الهدف الأول الذي أحرزه إنتر في الدقائق الأخيرة من الشوط الأول كما لو أن ذلك الهدف يمنحهم هم اللقب وليس إنتر، وعند الهدف الثاني اكتملت أركان الجريمة، فرفعوا لافتة: "Oh Nooo" ساخرين من ضياع اللقب من جماهير روما. (5)

   

   

في صباح اليوم التالي، قالت صحيفة "إل ميساجيرو" المناصرة لفريق روما، أن لاعبي لاتسيو استسلموا تمامًا دون قتال حتى، (6) لكن في الواقع، فقد حاول "فيرناندو موسليرا"، حارس مرمى لاتسيو، منع الأهداف مرة تلو الأخرى، (5) والحقيقة أنك من الصعب أن تجد لاعبًا على أرض الملعب ينفذ للجماهير رغبة مثل هذه بالفجاجة اللازمة لوضعه تحت طائلة العقوبات .. أو أن لاعب مثل "ستيفن جيرارد" سيتكفل بالأمر بنفسه من بابه.

 

في نفس الشهر من نفس العام، كان قائد فريق ليفربول على موعد لتحقيق رغبات جماهيره بالكامل، وكأنه "سانتا كلوز" الذي جاء متأخرًا عن موعده 5 أشهر كاملة، لكن الهدية كانت تستحق الانتظار. تصارع تشيلسي على اللقب مع مانشستر يونايتد في هذا العام، الأفضلية لصالح الـ"بلوز" بفارق نقطة واحدة، ويتبقى على حسم اللقب مباراتين فقط. كان الشياطين الحمر آنذاك على وشك تحقيق نبوءة السير "أليكس فيرغسون" بإقصاء ليفربول من قمة الدوري الإنجليزي. كانا في ذلك الحين متساويين بـ18 لقبًا لكل منهما، واليونايتد على بُعد لقاءين فقط من حسم المنافسة لصالحهم باللقب الـ19، لكن لاعبي ليفربول كانوا قد اتخذوا القرار.

  

   

ارتحل تشيلسي إلى مدينة ليفربول للعب مباراة مصيرية على ملعب "أنفيلد" وبعد 33 دقيقة صعبة أو على الأقل حذرة، قرر جيرارد الاعتماد على نفسه وإعطاء تمريرة يمكن وصفها إما بالضعيفة إلى "بيبي رينا" أو بالسحرية إلى "دروجبا" الذي لم يضيع الفرصة وتمكن من إحراز هدف التقدم الذي سهل المباراة كثيرًا فيما بعد ذلك. (7)

  

ربما تظن أن تلك التمريرة هي خطأ متكرر يقع فيه جيرارد كل 5 سنوات تقريبًا، (7) لكن "فيرغسون" لم يرهق عقله بالتفكير كثيرًا، وآمن أن هذه التمريرة مُتعمدة وقد أهدت اللقب إلى تشيلسي، لأن الاسكتلندي لم يشك في لحظة أن تلك الهدية، إنما هي لجماهير ليفربول قبل كل شيء. (8) بهذه الخسارة، خرج ليفربول من سباق المركز الرابع المؤهل إلى دوري الأبطال، لكن الحقيقة لا يُعد ذلك مهمًا أبدًا مقارنة بضياع اللقب من مان يونايتد. بعد ذلك بعامين، اعتزل فيرغسون التدريب بعد أن أطاح بليفربول فعلًا من قمة إنجلترا -محليًا.

  

دارت الأحداث، وبعد 9 سنين يجد جيرارد نفسه مشاهدًا لمباراة فريقه أمام مانشستر يونايتد، وفي حاجة للفوز على ملعب "أولد ترافورد" للمضي قدمًا نحو اللقب الغائب منذ 30 عامًا والذي يتنافس فيه مع مانشستر سيتي، في نفس الوقت الذي يجلس فيه فيرغسون أيضًا مشاهدًا لنفس الحدث، لكن برغبات معكوسة.

  

undefined

   

وقتك للدخول في اللعبة

في نهاية عام 2018، ظهرت حلقة من مسلسل "بلاك ميرور" الذي يناقش مساوئ التكنولوجيا في الواقع، وكانت حلقة استثنائية بالمعنى والحرف. سمحت الشركة المنتجة "نيتفيليكس" للجماهير بالتحكم في عدة أشياء داخل هذه الحلقة، بداية من نوع الموسيقى التي يسمعها البطل، وحتى مراحل مصيرية: كقتل أبيه، وكذلك النهاية المحددة للحلقة، في سابقة جديدة من نوعها في عمل درامي بهذه الضخامة. كرست الشركة الإنجليزية مجهود عامليها من أجل هذه الحلقة، فوضعت 5 نهايات مختلفة تعتمد على اختيار المشاهدين. يقف المشهد 10 ثوانٍ لتختار بنفسك: أي الحدثين تُفضل؟ (2)

   

سنحاول أن نلعب نفس اللعبة هنا؛ سيقع البطل تحت تأثير إختيارك، ويكون مضطرًا لتسيير حياته وفقًا لما تقرره أنت. سنفترض أن اسم بلاك ميرور قد تحول إلى "ريد ديفل" أو الشيطان الأحمر، وكان البطل هو "أولي غونار سولشاير"، والمنوط به تنفيذ رغبة جماهيره وعلى رأسهم أليكس فيرغسون، ثم سيتوقف المشهد لـ10 ثوان وعليك أن تختار في مرحلة مفصلية من الموسم/ هل يذهب الدوري إلى مانشستر سيتي أم ليفربول؟

   undefined

    

سحقًا لِلجار

ضع نفسك الآن في موضع مشجع مانشستر يونايتد. توقفت الأحداث أمامك وعليك الاختيار، فإن فضلت أن يفوز مانشستر سيتي بالدوري، أكمل هذه الفقرة إلى نهايتها، أما لو فضلت ليفربول، فعليك الانتقال إلى العنوان التالي.

  

ينتظر الجميع مواجهة مانشستر يونايتد وليفربول، تلك المواجهة التي يفترض أن تحسم كثيرًا من الصراع على اللقب لموسم 2018/2019، يبدو ظاهريًا أن مصير ذلك اللقب يقع بين أقدام لاعبي مانشستر يونايتد، لا سيما وجود لقاء يجمعهم مع الغريم التقليدي بعد ذلك بعدد بسيط من الجولات. الآن سنحاول تطبيق تجربة "نيتفيلكس" في كرة القدم ونتخيل أن جماهير النادي تملك حرية الاختيار لنتيجة هاذين الماتشين والذي سيكون ملزمًا لسولشاير. إن فضلت الجماهير أن يذهب لقب جديد نحو الجانب الأزرق من مدينتهم، فهذا يعني أن الفارق بين طرفي المدينة في عدد ألقاب الدوري سيصبح 14 لقبًا (20 ليونايتد و6 للسيتي)، لكن الأكيد أن الجماهير تنظر  للأمر أبعد من ذلك.

  

بعد الديربي الذي جمع بينهما عام 2002، قام "فان نيستلروي" بِتبادل قميصه مع أحد لاعبي مان سيتي، كان الديربي الأول للاعب الهولندي وانتهى بفوز "سيتيزنس" بـ3 أهداف مقابل هدف، لكنه تفاجئ بغضب شديد من قبل المدير الفني "فيرغسون" الذي كان يمنع عن تكرار هذه الأفعال في مباريات الديربي، مؤكدًا له أنه سيسمح للجماهير بالدخول إلى غرف الملابس لمحاسبته على هذا التصرف إن تكرر ثانية.  (13)

   

تُشير الأبحاث التي أجراها موقع
تُشير الأبحاث التي أجراها موقع "يوجوف" إلى أن جماهير مانشستر سيتي تكره مان يونايتد أكثر من أي فريق آخر في إنجلترا
   

في الواقع، لم تتأصل عداوات كبيرة بين طرفي مانشستر في التاريخ القديم، بل بالعكس، ساعد فريق مانشستر سيتي جاره في التدريب بعد الحرب العالمية الثانية (14) لكن بعد 2008، وبزوغ نجم مان سيتي، تحول الأمر إلى عداء حقيقي، فلطالما كان ينظر جماهير اليونايتد إلى جارهم على كونه فريق صغير لا يجب القلق منه، فمثلًا لا يتعامل أرسنال وتشيلسي مع توتنهام، كما يتعاملان مع كريستال بالاس مثلًا، لكن بمجرد ما قوت شوكة الفريق السماوي وبدأت الجماهير في تكريس كرهها شيئًا فشيء.

   

يعد العداء بين طرفي مدينة مانشستر عداء صحي وطبيعي، أو بالأحرى معتاد بين أي طرفين من مدينة واحدة في هذه اللعبة. لكن جماهير المدينتين لا يكنون نفس المشاعر تجاه بعضهما البعض. تُشير الأبحاث التي أجراها موقع "يوجوف" إلى أن جماهير مانشستر سيتي تكره مان يونايتد أكثر من أي فريق آخر في إنجلترا، في حين أن جماهير اليونايتد تضع فريق "سيتيزنس" في المرتبة الثالثة من حيث الفرق الأكثر كرهًا، بعد أرسنال وليفربول. (9)

 

فليذهب الدوري للشيطان

إن كنت قد فضلت أن يفوز ليفربول بالدوري، فإن عليك قراءة هذه الفقرة.

  

تعود أحداث القصة إلى ما هو أبعد من كرة القدم، قبل انتشار اللعبة بالشكل المتعارف عليه الآن. في عام 1894،افتتحت الملكة "فيكتوريا" قناة مدينة مانشستر التجارية، والتي تجعل مدينة مانشستر تنتقل من مجرد مدينة صناعية إلى مدينة صناعية وتجارية في آن واحد. (10)

    

سيتوقف المشهد أمام المدرب الحالي للشياطين الحُمر
سيتوقف المشهد أمام المدرب الحالي للشياطين الحُمر "سولشاير" وسيكون لاعبيه هم أبطال المشهد، فأي مصير سيقرر لهم؟
  

قبل ذلك بسنوات، كان الميناء الأكثر زيارة في الشمال الغربي من المملكة البريطانية، هو ميناء ليفربول، وهو ما منحهم لقب المدينة الثانية من حيث الأهمية في إنجلترا بالكامل. لكن الغريب، كان تصميم العاملين في هذا الميناء على رفع الضرائب التي يدفعها صانعي مدينة مانشستر على تصدير محصولهم من القطن، يعود ذلك إلى المنافسة الاقتصادية التي نشأت بين كلا المدينتين منذ بداية القرن الماضي تقريبًا، تلك التكاليف كانت باهظة بشكلٍ ملحوظ ومثير للحفيظة، فما كان من مواطني مدينة مانشستر إلا أن اتخذوا قرارًا ببناء ميناءهم الخاص، وأطلقوا عليه اسم "قناة سفينة مانشستر"، والتي يعتبرونها بمثابة برج إيفل بالنسبة لهم. (10) (11)

   

مرت السنين، ودخل العداء الكروي حيز النقاش، وزاد من شدة الصراع بين المدينتين، خاصة بعد السيطرة التي حققها ليفربول على البطولات المحلية في ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي، لكن منذ عام 1955 تقريبًا، بدأ حزب العمال اليساري في التوغل داخل مقاعد مدينة ليفربول، وباتت هذه المدينة هي منبع الثورة الأول ضد الحكومة والملكة، ومن ثم بدأت الحرب السياسية ضد النادي وجماهيره، وفي ظل تطور مانشستر يونايتد في حقبة التسعينيات، نظرت جماهير ليفربول إلى مان يونايتد وجماهيره بكونهم هم العصا التي حاولت الحكومة بها تأديبهم على عصيانهم وثورتهم. وتأصل ذلك الشعور بعد تعامل بعض جماهير اليونايتد، بالمعايرة، مع حادثة "هيلزبره".  (3) (12) سرعان ما ستنتقل دفة الاختيار من أيدي المشاهدين إلى يدي سولشاير، ستقف الأحداث أمامه في مشهدين هامين: ضد ليفربول في أولد ترافورد، وضد مانشستر سيتي على نفس الملعب، سيتوقف المشهد أمام المدرب الحالي للشياطين الحُمر وسيكون لاعبيه هم أبطال المشهد، فأي مصير سيقرر لهم؟

  

في الواقع، منذ اللحظة الأولى التي أخذت فيها مباراة مانشستر يونايتد وليفربول وصف المصيرية في مسار هذا الدوري، والجميع يعرف ماذا سيقرر سولشاير، الذي وصف هذا الفوز بِالتاريخي -إذا تحقق، (15) وهذا لا يعني بالضرورة أنه سيسعى لفوز يصب في صالح الجار، فربما يسعى لفوزٍ آخر يعطل به الأخير على نفس الملعب بعد عدة جولات، لكنها فرصة ذهبية لنعرف إذا كان مبدأ اللعب النظيف مازال موجودًا فعلًا، أم أنها فرصة جديدة لترسيخ مبدأ الكراهية على أي مبادئ أخرى. 

المصدر : الجزيرة