شعار قسم ميدان

المحترف السعودي بالليغا.. حينما تتحكم السلطة بمستقبلك الرياضي!

ميدان - رياضة
إنه عصر المفاجآت في السعودية، بين ليلة وضحاها، ينقلب المشهد بقرار من هنا، أو بتوجيه من هناك. فقط، كل ما عليك فعله، ترقب التعليمات، ومن ثم النظر لتبدل الصورة. ولا تنحصر هذه المفاجآت في إطارها السياسي والاقتصادي، وإنما امتدت لتطال الرياضي منها، فبقرار أدهش الوسط الرياضي السعودي والإسباني، أعلنت هيئة الرياضة السعودية برئاسة تركي آل الشيخ، قبل أيام قليلة، انتقال تسعة لاعبين إلى الدوري الإسباني.

انتقال أثار جدلا واسعا، ما بين مؤيد لخطوة الاحتراف، ومعارض للتوقيت الذي لا يسمح للاعبين بالتأقلم والتطور قبيل كأس العالم المقام بروسيا الصيف المقبل. وما زاد من غرابة هذه الخطوة، أنها أتت نتيجة قرار مُرتجل من رئيس الهيئة وكبار الشخصيات الرياضية في المملكة، بدليل أن الأندية السعودية لم تتخذ قرار التخلي عن لاعبيها بمحض إرادتها، بل اكتفى معظم رؤساء تلك الأندية للإشارة بأن مصلحة الوطن أهم. وعلى الجانب المقابل، يتضح أن فوائد هذه الخطوة للأندية الإسبانية لا تعدو أن تكون اقتصادية تسويقية بحتة، كما نشر حساب ليفانتي على تويتر عن زيادة متابعي الصفحة بعشرات الآلاف في غضون ساعات فقط من إعلان انتقال فهد المولد، أحد أبرز نجوم المنتخب السعودي.

          

لاعب فياريال الجديد
لاعب فياريال الجديد "سالم الدوسري" أثناء حضوره لأول حصة تدريبية له في الدوري الإسباني لكرة القدم (الأوروبية)

                

الأمر الذي قد يشكل دليلا قطعيا آخرا على غياب الدوافع الرياضية التي دعت الأندية الإسبانية للتعاقد مع هؤلاء اللاعبين، هو اللهجة التي رد بها بعض مدربي تلك الفرق عند سؤالهم عن المحترفين السعوديين الجدد، حيث لم يظهر من خلال تلك الردود أي اهتمام، كما لم تبرز منهم أي تطلعات لرؤية ما يمكن أن يقدمه هؤلاء المحترفون للأندية الإسبانية. خاصة مدرب ليغانيس الذي قال بالحرف الواحد، في المؤتمر الصحفي الذي سبق مواجهة فريقه ضد ريال مدريد في الكأس، عند سؤاله عن يحيى الشهري أجاب: "لا أعرفه. لا أعرفه إطلاقا ولم يسبق لي مشاهدته يلعب"، ثم أضاف: "تعلمون دائما أنني مهتم بالجانب الرياضي. لماذا لا تسألوني عن مباراة ريال مدريد ؟ " (1)

 

undefined         

الفوائد المرجوة
الإيجابيات من هذه الخطوة تكمن في تطوير اللاعبين للحصول على خبرات أكبر، ومعايشة الأجواء التنافسية واكتساب عقل احترافي، في واحد من أقوى دوريات العالم. كل هذا بهدف المساهمة في رفع مستوى المنتخب في ظرف وجيز. لكن ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو أن تَحقق هذه النقاط مرهون بعدة أمور منها تركيز اللاعب في التدريبات خلال هذه الفترة، وانضباطه خارج الملعب بعيدا عن نمط الحياة في الخليج، كذلك تحديات الاحتراف، والتعامل مع هذه العقبة بالشكل المطلوب، ذهنيا ونفسيا، مع الإشارة الى صعوبة الغربة واختلاف المحيط واللغة، هذا فضلا عن أهمية السعي لحجز مكان أساسي في فريقه الجديد. فالإيجابيات لن تتحقق إلا بالعمل الشاق لإثبات الذات، إذ ليس من السهل أن تتحول من نجم في فريقك بالسعودية إلى لاعب حبيس الدكة والمدرجات، وتظل بكامل حضورك الذهني والفني.

           

هذا بالنسبة لنجوم المنتخب، فهد المولد، سالم الدوسري، يحيى الشهري، الذين يعول المنتخب على خدماتهم في المونديال المقبل، وجميعهم انتقلوا إلى أندية في الدرجة الاولى. أما بالنسبة لبقية اللاعبين، مثل علي النمري، وعبد المجيد الصليهم، وعبد الله الحمدان، ونوح الموسى، مروان أبكر وجابر مصطفى، فهذه الخطوة قد تناسبهم جدا، لأن المنتخب لن يعتمد عليهم في روسيا، فمعظمهم ضمن منتخب الشباب.

    

لاعب فريق
لاعب فريق "الشباب" السعودي  جابر مصطفى بعد انتقاله إلى فريق "فياريال ب" الإسباني
      

عموما كان من الأفضل لو تم القيام بهذه الخطوة خلال الصيف الماضي، من أجل أن يشارك اللاعبون في فترة التحضير للموسم الجديد، فهامش التحسن في تلك الفترة كبير للغاية، بالنسبة للاعب يرغب في تقديم أوراق اعتماده للمدرب، بخلاف الآن، لأن أندية مثل فياريال وليغانيس وليفانتي، تنافس بشدة على مراكز متقدمة. ففياريال صاحب المركز السادس على سبيل المثال يتطلع  إلى حجز مقعد يؤهله لدوري الأبطال، كذلك ليغانيس المنتعش بتأهله إلى نصف نهائي الكأس على حساب الريال، يتطلع للتقدم في جدول الترتيب، أما ليفانتي فهو في وضعية صعبة وسوف يصارع خلال الأشهر المقبلة من أجل الخروج والابتعاد عن مراكز الهبوط المؤدية للدرجة الثانية.

          

الأضرار الممكنة
كي نتحدث عن الأضرار المحتملة التي قد تلحق باللاعبين، يجب أن نتذكر أنهم صنفان، صنف لن يشارك مع المنتخب في روسيا، معظمهم سيلعب في الدرجة الثانية والثالثة، وعلى الأرجح هذا الصنف لن يتضرر لأن لديه هامشا للمشاركة، بالنظر إلى انخفاض المنافسة في الدرجتين الثانية والثالثة مقارنة بالدرجة الأولى في إسبانيا.

             undefined

          

أما بالنسبة للصنف الثاني، ويتكون من لاعبين أساسيين بالمنتخب، مثل فهد المولد يحيى الشهري وسالم الدوسري، فيمكن القول إنهم أكثر عرضة للتضرر من هذه التجربة، باعتبارها مغامرة ومقامرة في الآن ذاته، نظرا لقصر المدة، بالإضافة لهدم وجود بند يجبر الأندية الإسبانية على إشراك هؤلاء اللاعبين المغمورين في نظر الإسبان. بل إن هذه التعاقدات، لم تأت بإرادة الأندية الإسبانية، فالدافع الوحيد اقتصادي بحت، إضافة إلى أن الأندية الإسبانية ستأخذ مبلغا معينا من المال مقابل ضم كل اسم، حسب ما أكدته إذاعة "الكادينا سير" الإسبانية. (2)

      

المشكلة الحقيقية، هي أن التطور والتحسن لا يأتي بين عشية وضحاها، خاصة أن اللاعبين الأساسيين في المنتخب معنيون أكثر بهذا المشروع، كذلك فترة الإعارة ليست كافية لحصد نتائج ما قد زُرع للتو، لأن الاحتراف على مستوى عال يتطلب تخطيطا واضح المعالم، لا مجرد قرار يتخذ بهذه الارتجالية.

    

أخيرا، يجب أن ننتظر  حتى نهاية فترة إعارة اللاعبين التسعة، بمن فيهم لاعبو المنتخب الثاني، لنحكم على هذه التجربة الغريبة، والتي لا شك أنها جاءت عشوائية، من طرف تركي آل الشيخ رئيس الهيئة، أما الأندية السعودية فلم يكن لها إلا أن تقبل بما أملي عليها، وبدون شك فإنها ستفتقد لاعبيها، كما سيفتقد اللاعبون أنفسهم نمط المباريات والأجواء التنافسية التي اعتادوا عليها في المملكة.

المصدر : الجزيرة