شعار قسم ميدان

فول الصويا ومزيلات العرق والبلاستيك.. هل تصيبنا هذه الأشياء بالسرطان حقا؟

يصاب الناس بالهلع كلما خرجت علينا شائعة تفيد بأن شيئا أو طعاما ما يسبب السرطان، يمتنع الناس عن تناول الصويا بدعوى أنها تسبب سرطان الثدي، ويكرهون الأطباق البلاستيكية لأنها تسرب مواد سامة إلى الطعام، ولا يتناولون أطراف البطاطا المقلية الداكنة لأنها تحتوي على مادة مسرطنة لا يعلمون اسمها. الحقيقة أن السرطان مرض معقد، حيث تتشابك العوامل البيئية مع الصفات الوراثية والتقدم في السن في التسبب في حدوث السرطانات المختلفة، التي يصل عددها إلى 100 نوع، يُمثِّل كلٌّ منها مرضا مستقلا بذاته.

تظهر الشائعات من هذا النوع عادة نتيجة التركيز على معلومات منقوصة أو مغلوطة، وتهويلها وتقديمها على أنها حقائق لا شك فيها، المشكلة أن التأكد من هذا النوع من المعلومات قد لا يكون سهلا لغير المختصين، لذا نقدم هنا تفنيدا علميا مبسطا لبعض أشهر الشائعات عن مسببات السرطان.

الطعام المحترق

أُشيع في فترة من الفترات أن تناول الأطراف المحترقة للبطاطا المقلية أو الخبز المحمص خطير ويتسبب في حدوث السرطان، ولكن الشائعات لم تحدد أي نوع من السرطان. تتكون مادة "الأكريلاميد" (Acrylamide) من تفاعل السكر مع حمض أميني يسمى أسباراجين، وكلاهما موجود بشكل طبيعي في بعض الخضر والحبوب، عند التعرض لدرجات حرارة عالية أثناء القلي أو الشوي، وهي السبب في ظهور الأطراف البنية المحترقة (1). تُستخدم هذه المادة أيضا في تصنيع الورق والصبغات والبلاستيك، ومعالجة المياه والصرف الصحي، بل وموجودة في التبغ أيضا (2). يتحول الأكريلاميد في الجسم إلى مركب الجليسيداميد، وهو مركب سام للحمض النووي، وقادر على تدميره وإحداث الطفرات به (3).

الأطراف المحترقة للبطاطا المقلية تحتوي على كميات أعلى من الأكريلاميد. (شترستوك)

في سياق البحث عن تأثير هذه المادة على الخلايا، وجدت دراستان منشورتان عامي 1988 و2012، اللتان أُجريتا على عينات من القوارض، أن تناول كميات عالية من مادة الأكريلاميد يزيد من فرص الإصابة بسرطان الرئة والمعدة، ولكنهما لم تقدما دليلا كافيا على أن الأكريلاميد قادر على إحداث التأثير ذاته في البشر (4) (5). جدير بالذكر هنا أن دراسة تأثير الأكريلاميد على القوارض لا يعكس بالضرورة تأثيره على الخلايا البشرية، فالكميات التي قُدّمت للقوارض قيد التجربة كبيرة للغاية، أعلى مما قد يستهلكه البشر من الطعام بشكل طبيعي، كما أن الخلايا البشرية أقل تفاعلا مع مادة الجليسيداميد من خلايا الفئران والجرذان (6)

رغم هذا، فإن تقرير برنامج علم السموم الوطني الصادر من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية عن المواد المسرطنة يضع الأكريلاميد في قوائم المواد المسرطنة "المحتملة" بناء على نتائج دراسات القوارض (7). كما أعلنت منظمة الغذاء والدواء أن الأكريلاميد مادة "قد تكون مسرطنة"، ووضعت تحذيرات وقواعد تنظيمية للحد من نسبتها في الصناعات، كما وضعت إرشادات للحد من استهلاكها من الطعام المنزلي (8). إذن الحقيقة أنه لا يوجد بعد دليل قاطع على أن الأكريلاميد يتسبب في السرطانات في البشر، ولكن تجارب الحيوانات كانت كافية لوضعه في قوائم الخطر المحتمل، لكن تناول قطعة من البطاطا أو الخبز المحترق من غير المرجح أن تُصيبك بالسرطان على أي حال.

فول الصويا سيئ السمعة

منذ 9000 عام وفول الصويا حاضر على موائد بني البشر، بداية في الصين ثم الأميركتين ثم باقي العالم، ويُعَدُّ -اقتصاديا- أهم أنواع الفول على مستوى العالم، بفضل قيمته الغذائية العالية، ومحتواه من البروتين والدهون الذي يجعله بديلا شبه مثالي للبروتين الحيواني (9). ولكن في العصر الحديث، لا يُذكر فول الصويا أو مشتقاته إلا مصاحبا بكثير من الحذر والترقب، بفضل ما أُشيع عنه بأنه يتسبب في بعض أنواع السرطان ويؤثر على هرمونات الذكورة، ولهذا الادعاء أساس حقيقي ولكنه نصف الحقيقة فقط.

يحتوي فول الصويا على مادة شبيهة بهرمون الإستروجين البشري تسمى "أيزوفلافون" (Isoflavone) أو "الفايتو إستروجين" (Phytoestrogen) أي الإستروجين النباتي، وهذا هو منبع كل التخوفات المحيطة باستهلاك فول الصويا (10). يوجد هرمون الإستروجين بشكل طبيعي في كلٍّ من الذكور والإناث ولكن بنسب متفاوتة، وهو مسؤول عن تنظيم عدة عمليات حيوية بالجسم، كظهور الخصائص الجنسية الثانوية في الإناث، وتنظيم الرغبة والانتصاب في الذكور، وصحة القلب والعظام في كلا الجنسين، ويلعب دورا مهما في تكوين ونمو الخلايا السرطانية في الثدي (11).

عند التعرض لهرمون الإستروجين لفترات طويلة، تزداد فرصة الإصابة بسرطان الثدي عند السيدات، خاصة حال وجود تاريخ مرضي في العائلة للإصابة بهذا النوع من السرطان (12). يجادل محاربو فول الصويا بأن التعرض للإستروجين النباتي له التأثير نفسه ويزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، ويعتمد هذا الادعاء على التشابه الشكلي بين المركبين، دون النظر إلى التأثير الحقيقي الذي يُحدثه الفيتو إستروجين داخل الجسد، والعوامل الأخرى المصاحبة مثل السن والعِرق، ومعدل استهلاك فول الصويا في الحمية الغذائية (13).

وجدت إحدى الدراسات أن تناول الصويا باعتدال لم يكن له تأثير على نسبة الإصابة بسرطان الثدي، بينما تناول كميات كبيرة من الصويا قد يكون له فائدة وقائية من السرطان. (بيكسابي)

على العكس من هذه التخوفات، فقد وجدت بعض الدراسات أن تناول فول الصويا بشكل منتظم له تأثير وقائي ضد سرطان الثدي في السيدات. في دراسة تلوي صينية شملت 300 ألف سيدة ممن يستهلكن الصويا بانتظام، وُجد أن تناول الصويا باعتدال لم يكن له تأثير على نسبة الإصابة بسرطان الثدي، بينما تناول كميات كبيرة من الصويا قد يكون له فائدة وقائية من السرطان (14). يدعم هذه النتيجة تحليل تلوي آخر منشور حديثا في دورية "إن فيفو" (In Vivo)، ركّز على تحليل الدراسات السابقة التي رصدت كميات الصويا المستهلكة وقارنتها بمعدلات حدوث أو عدم حدوث سرطان الثدي، وتوصلت في النهاية إلى أن تناول الصويا بكميات كبيرة يقلل من فرص التشخيص بسرطان الثدي في السيدات (15).

جدير بالذكر أن الدراسات التي وجدت تأثيرا إيجابيا للإستروجين النباتي على نمو الخلايا السرطانية تمت على القوارض وليس البشر، وإلى أن يجد العلم دليلا قويا في البشر، يمكنك تناول فول الصويا بأمان من مرة إلى مرتين يوميا، بالإضافة إلى بعض الأطعمة الأخرى التي تحتوي أيضا على الإستروجين النباتي كالبقوليات والحمص الشام وبذور الكتان والسمسم.

سرطان في غذائي

لا تتوقف سلسلة الشائعات هنا، فما زال هناك الكثير من المنتجات الغذائية التي أُشيع عنها تسببها في الإصابة بالسرطان، كالمعكرونة سريعة التحضير الشهيرة بـ"إندومي"، ومكعبات المرق الجاهزة أيضا. تحتوي هذه الأطعمة على مادة "غلوتامات أحادي الصوديوم" (Monosodium glutamate) أو ما يُعرف اختصارا بـ"MSG"، وهي مادة محسنة ومعززة للطعم تضاف للطعام لإضفاء نكهة مميزة عليه. كانت هذه المادة مسؤولة مؤخرا عن إضافة مذاق خامس للمذاقات الأربعة الرئيسية التي يستطيع اللسان البشري تذوقها (الحلو والمر والمالح والحامض) وهو مذاق "أومامي" (Umami) الذي يشير إلى الطعم الغني للبروتين، وهو الطعم الذي تضفيه مادة "MSG" إلى الطعام (16).

تُستخلص مادة "MSG" من تخمير قصب السكر أو الذرة، لذا قد تجد المنتجات المحتوية عليها مصنفة على أنها "منتجات طبيعية"، وتوجد أيضا بشكل طبيعي في الطماطم والفطر والجُبن، وتقوم الحرارة بتحريرها من روابطها لتنتشر في الطعام وتعطيه مذاق الأومامي الغني. ربما لهذا السبب تجد نفسك تتناول المعكرونة سريعة التحضير كثيرا، وتشتاق إليها كل حين، وربما لهذا أيضا يمكن لمكعب المرق الصغير تحويل الحساء المصنوع من الماء العادي إلى حساء لذيذ وغني.

تناول طبق من المعكرونة سريعة التحضير كل فترة لن يكون مشكلة كبيرة، رغم أننا لا ننصح بالإسراف في تناولها لأنها ليست وجبة صحية أو متوازنة على أي حال. (بيكسابي)

دُرست مادة "MSG" بشكل مكثف على مدار السنوات، لتحديد ما إذا كان تناولها يُمثِّل تهديدا للصحة، وما إذا كانت تزيد من خطر الإصابة بالسرطان، دون الوصول إلى نتائج حاسمة. مثلا نجد أن الدراسة المنشورة في دورية "توكسيكولوجي أند إنفيرومنتال هيلث ساينسز" (Toxicology and environmental health sciences) التابعة لمؤسسة "سبرينجر" (Springer)، التي أُجريت على العاملين في تصنيع مادة "MSG" على اعتبار أنهم أكثر الفئات تعرضا لهذه المادة، لم تجزم بوجود تأثيرات سلبية على الصحة ما دام التعرض للمادة كان ضمن الحدود المسموحة (17).

على الجانب الآخر، وجدت دراسة أحدث، نُشرت في دورية " إنفريرومنتال ساينس أند بلوشن ريسيرش" (Environmental science and pollution research) التابعة للمؤسسة ذاتها، أن "MSG" مادة سامة لعضلة القلب في الفئران البيضاء التي تناولتها بكميات كبيرة، بينما لم ترد إشارة إلى تأثيرها على البشر أو تسببها بالسرطانات (18).

يجب الإشارة إلى أنه رغم غياب دليل قاطع على تسبب "MSG" بالسرطانات، فإن هناك فئة قليلة من البشر مصابة بحساسية تجاه هذه المادة، ويمكن لاستهلاكها التسبب في بعض الأعراض كالصداع وارتفاع ضغط الدم واحمرار الجلد، ولكنها لا تتسبب في أعراض أكثر خطورة (19)، لذلك فإن تناول طبق من المعكرونة سريعة التحضير كل فترة لن يكون مشكلة كبيرة، رغم أننا لا ننصح بالإسراف في تناولها لأنها ليست وجبة صحية أو متوازنة على أي حال.

روائح وألوان

التعرض لصبغات الشعر على فترات متباعدة لا يحمل خطر الإصابة بالسرطان. (بيكسلز)

لا تقتصر شائعات السرطان على الطعام فحسب، بل تمتد إلى ما نضعه على أجسادنا وشعرنا أيضا، وأشهر منتجات العناية الشخصية التي اكتسبت سمعة التسبب بالسرطان هي مزيلات العرق وصبغات الشعر، وبعض الادعاءات المناهضة لهذه المنتجات تخلط بين بعض الحقائق وبعض الشائعات، ويمكن بقليل من البحث التأكد من مدى صدقها.

تحتوي صبغات الشعر على مركبات "الأمينات العطرية" (Aromatic amines) التي وُجد أنها قادرة على التسبب في حدوث السرطانات المختلفة، خاصة في الصبغات القديمة وبالأخص الصبغات داكنة اللون. في العقود الثلاثة الأخيرة، غيّرت شركات صناعة الصبغات من تركيبتها لتنتج أخرى أكثر أمانا، ولكن تهمة السرطنة ظلت تلاحقها (20). ولكن لا بد هنا من وضع بضعة عوامل أخرى في الاعتبار، فليس كل تعرض للأمينات العطرية يعني بالضرورة الإصابة بالسرطان.

بادئ ذي بدء، علينا أن نشير إلى أن معظم الدراسات التي وجدت رابطا بين التعرض للأمينات العطرية وبين سرطان المثانة تمت على الجرذان، بعد تعرضها لكميات كبيرة منها لفترة طويلة. ولكن على أرض الواقع، إن كنت معتادا على استخدام صبغات الشعر، فإن فرص الإصابة بسرطان المثانة أو الثدي أو الدم ما زالت قليلة، لأن نسبة التعرض للأمينات العطرية منخفضة مقارنة مثلا بالعاملين في مصانع الصبغات أو صالونات الحلاقة والتجميل، الذين يتعرضون لأبخرة الصبغات لفترات طويلة.

تلك الفئة الأخيرة هي بالفعل أكثر عرضة للإصابة بالسرطان نتيجة التعرض للأمينات العطرية عن طريق التنفس والجلد لفترات طويلة وبكميات كبيرة، وهي الفئة الأجدر بالحذر أكثر من العميل الذي يأتي مرة أو مرتين في العام لصبغ شعره، أو مَن يقوم بصباغة شعره بنفسه في المنزل (21).

لا يوجد بعد دليل قاطع على أن مزيلات التعرق المحتوية على الألومنيوم تتسبب في سرطان الثدي
(دويتشه فيلله)

في الفئة نفسها تقف مزيلات التعرق في قفص الاتهام، خاصة تلك التي تحتوي على مركبات الألومنيوم، وفي عالم يحتل فيه سرطان الثدي المركز الثاني بوصفه أكثر أنواع السرطانات انتشارا على مستوى العالم، فلا بُد أن نجده حاضرا في كل حقيقة وخرافة. جاء التخوف من تسبب مزيلات التعرق في الإصابة بسرطان الثدي من حقيقة قُرب موضع الإبط من الربع العلوي الخارجي من الثدي، وهو أشهر موضع لظهور سرطان الثدي، ومن هنا سعت الدراسات لتفنيد هذا الادعاء (22).

تُستخدم مركبات الألومنيوم في المزيلات المختلفة لقدرتها على سد مسام العرق، ووقف تدفقه لفترة من الوقت، ويُعتقد أنها تستطيع التلاعب بالحمض النووي لخلايا الثدي، أو التأثير على هرمون الأستروجين الذي يلعب دورا في حدوث سرطان الثدي. ولكن لم تجد أيٌّ من الدراسات التي حاولت إيجاد صلة بين الأمرين دليلا قاطعا، ومنها التحليل الإحصائي المنشور حديثا في دورية "جورنال أوف كوزميتك ديرماتولوجي" (Journal of cosmetic dermatology) الذي حلل نتائج 6 من دراسات الحالة والمجموعة الضابطة (Case- control studies)، ولم يجد دليلا على أن استعمال مزيلات التعرق المحتوية على مركبات الألومنيوم قادر على التسبب في سرطان الثدي (23).

مركبات متسربة

لا يمكن أن يمر الحديث عن مسببات السرطان المحتملة دون ذكر أكثر المواد الصناعية انتشارا على وجه الأرض، وهو البلاستيك! البلاستيك مادة صعبة التشكيل، ولإضفاء المرونة عليه يضاف إليه مواد تسمى "ثالايتس" (Phthalates) تجعل تشكيله في قوالب أكثر سهولة. هذه المواد يمكن أن تتسرب إلى الطعام والشراب الموضوع داخل وعاء بلاستيكي إذا ما تعرض للحرارة أو أشعة الميكروويف، بالإضافة إلى مادة "البيسفينول أ" أو "ثنائي الفينول أ" الشهيرة بـ "BPA" التي تدخل في تصنيع زجاجات المياه وتبطين علب الطعام المعدنية (24).

تنتمي المادتان إلى مجموعة "الكيماويات المعطلة للغدد الصماء"، وهي المواد القادرة على التلاعب والإخلال بعمل الغدد الصماء في الجسم، مما قد يؤدي إلى بعض أنواع السرطانات (25). مادة الـ"BPA" على وجه التحديد لها تأثير مشابه لهرمون الإستروجين، مما يجعلها مصدرا للقلق لدى السيدات، خاصة مَن يمتلكن تاريخا عائليا مرضيا لسرطان الثدي. أُجريت مئات الدراسات حول خطورة هذه المواد وتأثيرها على صحة البشر، خاصة مع توغل منتجات البلاستيك في الحياة اليومية، ووجد بعضها بالفعل نتائج مثيرة للقلق.

لا تشرب المياه من زجاجة بلاستيكية تعرضت لحرارة الشمس. (شترستوك)

إحدى أحدث هذه الدراسات هو "تحليل التلوي" (Meta Analysis) المنشور في دورية "ريبرودكتف توكسيكولوجي" (Reproductive Toxicology)، الذي حلَّل 9 دراسات سابقة حول علاقة الثالايتس بسرطانَيْ الثدي والرحم، ووجد أنه لا توجد علاقة واضحة بين هذه السرطانات وبين مجموع نواتج تكسير الثالايتس التي رُصدت في البول. ولكن بعزل نواتج التكسير، وُجد أن أحدها ويدعى "DEHP" يملك منفردا ارتباطا قويا بكلا نوعَيْ السرطان، ما يعني أن هناك احتمالا قائما بأن التعرض لكميات كبيرة من هذه المادة قد يزيد من خطورة الإصابة بسرطانَيْ الثدي والرحم (26).

على الجانب الآخر، لا يزال تحديد الحد الأقصى الآمن للتعرض لمادة "BPA" محل جدل وبحث، بسبب تضافر عوامل متعددة، مثل تفاعل "BPA" مع مركبات أخرى في البلاستيك، أو مدى حساسية الفرد للمادة، ومدة التعرض لها، والحالة الصحية العامة (27)، ولكن حتى هذه اللحظة، لا تزال "منظمة الغذاء والدواء الأميركية" (FDA) تعتبر هذه المادة آمنة للاستهلاك بكميات قليلة (28). تواجهنا هنا مشكلة أنه لا يوجد دراسات كافية عن مدى تعرض المواطن العربي تحديدا لهذه المواد، لذا فلا قيمة حقيقة للحد الأقصى للتعرض دون وضع العوامل المحلية في الاعتبار.

إلى حين صدور دراسات أحدث تضع ظروف المواطن العربي في الاعتبار، فإن التعرض لهذه المواد بكميات قليلة يُعَدُّ آمنا. ولضمان هذا الأمر، تجنب تسخين العبوات البلاستيكية في الميكروويف، أو وضع زجاجات المياه تحت أشعة الشمس المباشرة أو تركها في السيارة، كذلك ينبغي التقليل من استهلاك الأغذية المحفوظة في علب معدنية، وكلما سنحت الفرصة، استبدل بالحاويات البلاستيكية أخرى زجاجية أو من المعدن المقاوم للصدأ.

يميل الناس إلى تصديق الشائعات إذا ما اتفقت مع تحيزاتهم المعرفية السابقة، أو في حال لعبت هذه الشائعات على وتر الخوف والقلق لديهم، أو حتى لمجرد أن مصدر المعلومة هي شخصية شهيرة دون اكتراث لخلفيتها الطبية، وهو ما يجعل البعض يبالغون في تقدير المخاوف بشأن بعض الأطعمة والمواد التي نستخدمها في حياتنا. على النقيض، لا يمانع الكثيرون من التعرض للأسباب البيئية التي ثَبت بالفعل ارتباطها بالإصابة بالسرطانات المختلفة، فلا هم يتوقفون عن التدخين أو التعرض لدخان التبغ المُسبب لسرطانات الرئة والحنجرة، ولا يكترثون لاستخدام واقٍ من أشعة الشمس الشديدة المسببة لسرطان الجلد، وقد يسيرون في شوارع معبقة بعوادم السيارات يستنشقونها يوميا دون قلق، رغم الأدلة القوية التي تشير إلى أنها حقا من مسببات السرطانات.

___________________________________________________

المصادر:

المصدر : الجزيرة