شعار قسم ميدان

عنوان لكل أسبوع.. خمسة كتب مليئة بالإفادة ترافقك في ليالي رمضان

عنوان لكل أسبوع.. خمسة كتب مليئة بالإفادة والإلهام ترافقك في ليالي رمضان
(الجزيرة)

على مرّ العصور، لم يكن مجيء شهر رمضان المبارك إيذانا ببدء الصيام عن الطعام والشراب فقط بالنسبة للمسلمين، وإنما عُدَّ دائما شهر التغذية الفكرية والروحية والنفسية التي تأتي تزامنا مع امتناع الجسد عن شهواته المادية. في الواقع، كان شهر رمضان المبارك تحديدا هو بداية التغييرات الإيجابية الكبرى بالنسبة للكثير من الأشخاص الذين وجدوا في لياليه وأجوائه الروحية ما يدفعهم إلى تحسين حياتهم بشكل كامل طوال العام.

 

وبالتأكيد لا يوجد جليس حميم في الليالي الرمضانية أكثر من كتاب شائق دسم عامر بالمعلومات والأفكار والنصائح الواقعية. إذا افترضنا أن متوسط المدة المطلوبة لإنهاء كتاب متوسط الطول هي 6 أيام، فهنا نقدِّم قائمة من 5 كتب عامرة بالإفادة والمتعة والحكمة، تغطي شهرا كاملا وملائمة تماما لسهرات رمضانية يمتزج فيها الهدوء بالتأمل، وتفتح الأبواب لتغيير فكري وإنساني كبير بعد انتهاء الشهر الكريم.

 

أدب الدنيا والدين – الماوردي

"وكانت ملوكُ الفرس إذا غضبت على عاقل، حبستهُ مع جاهل".

أدب الدنيا والدين

نحن هنا نتحدث عن واحد من أمتع الكتب التراثية التي تجمع بين دفّتيها أنهارا من الحكمة في كل من مواضيع الدنيا والدين كما يشير عنوانه. كتاب "البُغية العليا في أدب الدنيا والدين" من تأليف أبو الحسن الماوردي، وهو واحد من أهم فقهاء الشافعية وكبير قضاة أواخر الدولة العباسية. قيل إن اسم "الماوردي" اكتسبه من مهنة أبيه الذي كان يبيع ماء الورد في البصرة التي وُلد فيها، فلُقب بهذا اللقب الذي لازمه طوال حياته حتى رحل عن الدنيا وهو ابن 86 عاما.

 

الكتاب مكوَّن من ستة أبواب، جميعها يقدم الوعظ والنصائح والحكم بأسلوب أدبي رفيع، يجمع بين الاستشهاد بآيات القرآن والحديث النبوي وأقوال الحكماء والشعراء، في طيف واسع للغاية من المواقف الحياتية. الباب الأول يتحدث عن فضل العقل وذم الهوى، ثم يأتي الباب الثاني في أدب العلم، والثالث في أدب الدين، ثم الرابع في أدب الدنيا، ثم الباب الخامس الطويل نسبيا وهو في أدب النفس وأخلاقها، ثم يفرد الباب الأخير في الحديث عن "آداب المواضعة"، أي الحديث عن آداب الصفات والمواقف المختلفة، مثل المزاح والطيرة والصبر وكثرة الحديث، وكيف يهذب الإنسان نفسه ويتعامل مع مختلف المواقف وينجو من سلبياتها.

 

الكتاب لم يغفل موضوعا يجمع بين الدنيا والدين إلا وطرقه مُستشهدا بالآيات والأشعار وأقوال الحكماء، ويستخدم الحكايات والقصص والمواعظ والأخبار، ما يجعله من أكثر كتب الوعظ إمتاعا، بالإضافة إلى لغته السهلة الجزلة التي رغم فصاحتها فإنها ظلت أبعد ما يكون عن التعقيد، وأسهل ما يكون لعقل القارئ مهما كانت درجة ثقافته ومستوى اطّلاعه.

 

الكتاب يُعَدُّ من أكثر الكتب التراثية ترشيحا لجميع الأعمار في مختلف الأوقات، متوسط عدد صفحاته يزيد على 320 صفحة، ويُعَدُّ بمنزلة رحلة رمضانية ممتازة مليئة بالأفكار والحكمة والمواعظ الحياتية التي تغير من عقلية القارئ تماما بعد الانتهاء منه، ويظل مرجعا للعودة إليه من وقت إلى آخر لتذكر ما جاء فيه من الأفكار، إلى جانب إعادة الاستمتاع بمروياته ودرره وحكاياته.

 

الله – عباس العقاد

"في الطبع الإنساني جوع إلى الاعتقاد كجوع المعدة إلى الطعام، ولنا أن نقول إن الروح تجوع كما يجوع الجسد".

عباس العقاد، كتاب "الله"

نحن هنا نتحدث عن واحد من أعمق كتب المفكر المصري العملاق "عباس محمود العقاد"، الذي اعتبره البعض ذروة إنتاجه الفكري، إلى جانب سلسلة "عبقرياته" الشهيرة التي تناول فيها مجموعة من سير الأنبياء والصحابة. كتاب "الله" نُشر للمرة الأولى عام 1947، وهو يتناول في فصوله مراحل نشأة العقيدة الإلهية وتطوّرها عبر العصور، منذ الإنسان الأول حتى إنسان القرن العشرين.

 

بلغة العقاد المُعقّدة قليلا بالنسبة للبعض، والمعقدة كثيرا للبعض الآخر، يخوض في غمار أطوار العقائد، بدءا من الآلهة المتعددة، وصولا إلى التوحيد. ثم يتناول ببعض التفصيل مجموعة من الأديان في مختلف الحضارات القديمة، تشمل مصر والعراق والصين واليابان، مُبرزا مفهوم الإله في كل هذه الأديان، ثم ينتقل إلى الأديان السماوية ومنها إلى الفلسفة، ثم وصولا إلى طور التصوّف والنظرة الصوفية إلى الله.

 

بين سطور الكتاب، يتوسّع العقاد في مناقشة القضايا الفلسفية الكبرى، مثل براهين الوجود الإلهي وتطور الدين في عقل وكيان الإنسان، وتطرق أيضا إلى إشكالية العلاقة بين العلم والدين بتعمّق أكبر من مستوى كتابات عصره في تلك الفترة، وحتى معضلة الخير والشر وارتباط الأخلاق بالدين، وغيرها من القضايا الفلسفية التي ما زالت تُطرَح حتى الآن وتُمثِّل محورا أساسيا في كل جدال حول الوجود الإلهي وماهيته ومستوى تداخله مع العالم.

 

بكل تأكيد لا يمكن وصف الكتاب بأنه وجبة فكرية خفيفة، وإنما العكس تماما. كتاب "الله" هو وجبة ثقيلة من أثقل ما جاء به فِكر العقّاد، ويحتاج إلى قراءة متعمّقة تليق تماما بالليالي الرمضانية الهادئة التي تتيح للعقول والأفكار أن تلتحم مع كتاب بهذا الزخم، وبالتأكيد سيُمثِّل نقلة كبرى لأفكار قارئه قد تغير وجهة نظره بالكامل حول مفاهيم الإيمان إلى مفاهيم أكثر تماسكا ونضجا. في ختام كتابه يقول العقاد: "ونحسب أننا نظلم نصيب الحس إذا قلنا إن مسألة الإيمان مسألة عقلٍ ووعي وليس للحسِّ فيها نصيب".

 

شيفرة بلال – أحمد خيري العمري

"ولكن لماذا اختير بلال ليصبح مؤذن الصلاة؟ هل لأن صوته جميل، أم لأن كلمات الأذان ستخرج على نحو أوقع عندما تخرج من حنجرة مرت بالعبودية وكانت لا إله إلا الله سببا في حريتها؟".

شيفرة بلال

بلال هو اسم مراهق أميركي في الرابعة عشرة من عمره، فُجِعت والدته العزباء بإصابته بمرحلة متأخرة من المرض الخبيث، وأن نسب شفائه منخفضة للغاية. يبدأ المراهق الصغير رحلته اليائسة في العلاج، تزامنا مع مشاهدته لفيلم يجسِّد سيرة الصحابي "بلال بن رباح" مؤذن الرسول (ﷺ)، وواحد من أهم الصحابة مكانة، ومن أوائل من أسلموا بعد البعثة النبوية.

 

يستمد بلال الأميركي المسلم المريض معاني الصبر والكفاح من سيرة الصحابي الذي عانى الأمرّين من تعذيبه في بطحاء مكّة، وتدفعه للتأمل في كل شيء، بدءا من الله ومعنى الحياة ومغزى الوجود ومعضلة الشر. يرسل بلال الصغير المريض رسائله المليئة بالمرض والمعاناة والتأملات إلى "أمجد" المسلم غير المتدين الذي يعاني الأمرّين في حياته تائها وضائعا، لتبدأ رسائل بلال في تغيير حياته بالكامل.

 

رواية "شيفرة بلال" صدرت عام 2016، من تأليف الكاتب العراقي "أحمد خيري العمري"، وهي تُعَدُّ من أكثر الروايات الملائمة للقراءة خلال شهر رمضان المبارك. الرواية، مع إبداع الكاتب في التنقل بين أحداثها والتعبير عن قدر الألم الهائل الذي تعبّر عنه شخصياتها، فهي أيضا تناقش مفاهيم وجودية وفلسفية وإيمانية أُلِّفت من أجلها آلاف الكتب على مر التاريخ، وتجسِّد محنة الإنسان في مواجهة مصيره عندما لا يكون بيده تفاديه.

 

في المُجمل، أجواء الرواية حزينة في معظمها، لكن المعاني التي تحملها والأفكار التي تبثها جديرة بتغيير نفسية وعقلية القارئ بعد الانتهاء منها، لتصبح أحد أهم "الإنجازات الفكرية" الرمضانية لهذا العام، التي يمكن أن تنعكس على حياة قارئها بالكامل فيما بعد.

 

أربعون – أحمد الشقيري

"لديّ إيمان عميق أن أي عمل خير يقوم به الإنسان يُعدُّ كأنك تضرب كرة تنس إلى الحائط، فلا بد أن تعود إليك الكرة مرة أخرى، وكذلك الإحسان لا بد أن يعود إليك مرة أخرى، عن طريق قوى كونية تعمل في الخفاء دون أن تعلمها أنت".

أربعون، أحمد الشقيري

مع وصوله إلى سن الأربعين، قرر الإعلامي السعودي أحمد الشقيري الذي نال شهرته من وراء برنامجه الرمضاني "خواطر" الذي استمرّ لعدة سنوات على الشاشات أثناء المواسم الرمضانية، قرر أن يسافر بعيدا ليختلي بنفسه في جزيرة نائية. كانت فكرة الشقيري هي الاستناد إلى رقم 40، وهو العمر الذي يبلغ فيه الإنسان أشدّه، وأيضا ليقضي أربعين يوما منقطعا عن العالم والتكنولوجيا، يعيد فيها تقييم حياته الماضية ويفكّر في حياته القادمة.

 

الكتاب ينقسم إلى 10 أقسام، كل قسم منها يحتوي على 40 خاطرة، استعرض فيها الشقيري جميع جوانب الحياة، من خلال قراءاته أو تجاربه الشخصية أو تأملاته. تارة يحكي عن نظام غذائي صحي بسيط التفاصيل ساهم في تحسين صحته وأسرته، وتارة يتعمق في شرح تغيير العادات. تحدث الشقيري أيضا عن وهم الشهرة، ومواقف عديدة مرّ بها اكتشف من ورائها أن الشهرة معاناة أكثر بكثير من كونها جذبا للأنظار يُسعد صاحبه.

 

تحدث الشقيري أيضا خلال رحلته عن الآلام النفسية وكيفية التعامل معها، كما عرض أفكاره وخواطره عن العبادات والخلوة، وغيرها من الأفكار التي دوّنها بأسلوب مركز وسلس، أثار انتقاد البعض، وأثار إعجاب البعض الآخر. يمكن القول إن الكتاب خلاصة أربعين سنة من التجارب والوعي، نقلها الشقيري بسلاسة ليفيد قارئا في عشرينياته أو ثلاثينياته، ويمنحه عصارة أفكار خلوته.

 

بدون شك، كتاب "أربعون" من أكثر الكتب الملائمة تماما للأجواء الرمضانية، خصوصا أن الشقيري ارتبط ظهوره مع الشهر الكريم. الكتاب يقع في نحو 250 صفحة، ويمكن إنهاؤه في عدة ليالٍ رمضانية، والمؤكد أنه سيمتلئ بملاحظات قارئه والأفكار التي يمكن العودة لها لاحقا.

 

الماجَرَيات – إبراهيم السكران

"ولا شيء أكثر حزنا من أن يتوهم الماجَرَياتي من أنه في قلب عملية التغيير وفقه الواقع وهو مجرد مراقب ومتفرج لا غير!".

إبراهيم السكران، الماجريات

مصطلح "المَاجرَيات" هو مصطلح بليغ تداوله المؤرخون والفقهاء خلال العصور الإسلامية، بمعنى الأخبار والأحداث. الماجَريات تعني "الأحداث التي تجري حولنا"، أو "ماذا جرى حولنا؟"، وعُدَّت في كتابات العلماء المسلمين دلالة على انشغال المرء بالأخبار والأحداث التي لا تنفع، التي يوليها اهتمامه ويضيِّع في المقابل قدرا كبيرا من وقته كان من الممكن أن يحقق فيه استفادة أكبر لدينه ودنياه.

 

إبراهيم السكران، الباحث والمفكر الإسلامي السعودي، أصدر كتابه الشهير "الماجرَيات" لمناقشة هذه الأزمة التي يتداولها بالنقد والتحليل والكثير من التحذير، بعد أن رصد "الماجَرياتيين" الذين انصرفوا عن طلب العلم والدراسة ومكابدة أنشطة الحياة الواقعية العميقة وارتحلوا إلى متابعة الماجريات والأحداث العامة، فلا هم استفادوا من وراء متابعتها، ولا استغلوا أوقاتهم فيما يفيدهم حقا.

 

يركز السكران بالتحديد على نوعين من "الماجريات"، النوع الأول هو الماجريات الشبكية، أي تصفح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وما يتبعها من كوارث إهدار وقت هائل في اللا شيء. ثم يسلط الضوء أيضا على نوع آخر من "الماجريات السياسية"، حيث ينشغل المرء بمتابعة كل ما هو سياسي وإخباري، وينسحب تماما من واقعه الخاص المحدود المنوط به تغييره وتحسينه بنفسه، فينشغل بكل ما هو عام لا يملك أدواته، ويقدِّمه على كل ما هو خاص يملك أدواته ولا يستغله.

 

"الماجريات" هو كتاب توعوي يصلح بامتياز لسهرات رمضانية ممتعة، يجمع بين دفتيه الكثير من النواحي الدينية والمعلومات الفكرية والسياسية والثقافية، يركز على طرح العديد من الأمثلة التي تدعم نداء كاتبه باعتزال الأسلوب "الماجَرياتي" في الحياة، وتغيير نمطها بشكل كامل ليتناسب مع النداءات الدينية والإنسانية التي تحض على شغل الوقت بما ينفع، وأن كل يوم يمرّ من عمر الإنسان في متابعة "الماجريات" لن يعود عليه إلا بالندم.

 

خمسة كتب مليئة بالقيم والمعاني والأفكار غالبا سيمتد تأثيرها في نفس قارئها لفترة طويلة بعد نهاية الشهر الكريم، وربما تساهم في تشكيل في إطار فكري جديد كليا للتعامل مع الحياة بمنظور أفضل ووفقا لخبرات أوسع وأعمق.

المصدر : الجزيرة