شعار قسم ميدان

"فتاح 2".. هل يتغلب الصاروخ الفرط صوتي الإيراني على دفاعات إسرائيل؟

"فتاح 2" هو نسخة محدثة ومطورة من الصاروخ الفرط صوتي "فتاح 1" الذي كشف عنه الحرس الثوري الإيراني في يونيو/حزيران الماضي (مواقع التواصل)

"بإمكانه التغلب على أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا"

هكذا وصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي صاروخ "فتاح"، بعدما أماط الحرس الثوري اللثام عنه يونيو/حزيران الماضي في حفل عسكري مهيب بوصفه أول صاروخ باليستي فرط صوتي محلي الصنع. وقد أكد قادة الحرس الثوري حينها أن الصاروخ الجديد قادر على اختراق نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي "القبة الحديدية"، وأنهم يعملون حاليا على زيادة مدى صواريخهم الفوق صوتية إلى 2000 كيلومتر، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضع إسرائيل في مرمى هذا النوع من الصواريخ الإيرانية (1) (2).

أتى هذا الكشف ⑶ في وقت تزايدت فيه التوترات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بشأن برنامج طهران النووي، وتُعد صواريخ "فتاح" الفرط صوتية مجرد جزء من ترسانة الصواريخ الباليستية محلية الصنع التي طورها الحرس الإيراني على مدار السنين الفائتة، في تحدٍّ واضح للعقوبات الدولية المفروضة من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على إيران، التي من ضمنها حظر توريد السلاح الذي يمنع طهران من الحصول على الأسلحة المتقدمة.

بهذا الكشف أصبحت إيران الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تمتلك هذه التقنية، والدولة الرابعة على مستوى العالم في قائمة الدول المصنعة للصواريخ "الفرط صوتية"، بعد روسيا والولايات المتحدة الأميركية والصين. لكن مسيرة طهران في هذا المضمار لم تقف عند هذا الحد، ففي 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كشف الحرس الثوري الإيراني عن فئة جديدة من الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهو "فتاح 2″، الأمر الذي مَثَّل تعزيزا محتملا للقدرات العسكرية الإيرانية أمام إسرائيل في خضم الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني حاليا على قطاع غزة.

ما الصواريخ الفرط صوتية؟

الأسلحة الفرط صوتية هو مصطلح يُطلق على الأسلحة التي تفوق سرعتها 5 أضعاف سرعة الصوت، أي تزيد على 5 ماخ أو أكثر، وتتميز تكنولوجيا الصواريخ فوق الصوتية كذلك بقدرتها على الانطلاق خارج الغلاف الجوي، ومن ثم تعود إليه مرة أخرى، وحينها تبدأ في المناورة والتحرك في جميع الاتجاهات لمراوغة دفاعات العدو، وهو ما يجعل أغلب هذه الصواريخ لا يمكن تعقبها (4) (5).

تكمن الميزة الرئيسية في الصواريخ الفرط صوتية في عدم وجود أنظمة دفاع صاروخية بأي مكان في العالم متطورة كفاية لردع مثل هذه الأسلحة الفائقة، فأغلب أنظمة الدفاع الصاروخية مُصمَّمة لاعتراض الصواريخ الباليستية التقليدية، التي تتخذ مسارا قوسيا ثابتا نحو الهدف، وبالتالي يسهل عليها توقع مسار الصاروخ واعتراضه (6) (7).

تُمثِّل السرعات العالية التي تفوق سرعة الصوت تحديا لأنظمة الدفاع التقليدية، التي تستغرق وقتا أطول لإطلاق أجهزة الإنذار وتفعيل أنظمة الصواريخ المضادة. ناهيك بقدرات الصواريخ الفوق صوتية على المناورة، فهي تغير مسارها باستمرار متحركة في جميع الاتجاهات، وكلما كان مسار طيران الصاروخ غير منتظم، كان اعتراضه من قِبَل الأنظمة المضادة للصواريخ أكثر صعوبة (8).

ماذا نعرف عن "فتاح 2″؟

يُعد "فتاح 2" نسخة محدثة ومطورة من الصاروخ الفرط صوتي "فتاح 1" الذي كشف عنه الحرس الثوري الإيراني في يونيو/حزيران الماضي، لكن تفاصيل الكثير من قدراته لا تزال غير معلنة. وقد تسبب ذلك في وقوع خلط كبير ⑼ في تحديد نوعية الصاروخ الفرط صوتي "فتاح 2″، ففي الوقت الذي وصفته فيه بعض وسائل الإعلام المحلية بأنه "صاروخ كروز" فإن الكثير من المصادر الغربية قالت إنه "صاروخ باليستي".

ويرجح محللون استخباراتيون ⑽ أن "فتاح 1" صاروخ باليستي، أما "فتاح 2" فهو صاروخ كروز، هذا وتختلف صواريخ كروز عن الصواريخ الباليستية -بخلاف التصميم- في أمر رئيسي هو مسار الطيران، فالأولى تتبع مسارَ طيران موجَّها على ارتفاع منخفض نسبيا، ما يُمكِّنها من التنقل حول العوائق والتضاريس، أما الثانية فهي تتبع مسارا مقوسا، فتصعد لارتفاع كبير في البداية ثم تهبط سريعا نحو الهدف.

يتكون الصاروخ "فتاح 2" على الأرجح من جزأين ⑾، محرك رئيسي ومركبة انزلاقية فوق صوتية (HGV) تنفصل عن الصاروخ نفسه، مما يوفر له قدرة أكبر على بالقيام بمناورات حادة تجعل من الصعب التنبؤ بمسارها، وبالتالي تفادي أنظمة الدفاع الصاروخية التقليدية والتحرك بسرعة تفوق سرعة الصوت نحو الهدف المنشود. إلى جانب ذلك، فبإمكان هذا الصاروخ تغيير اتجاه الهدف بشكل متكرر، وهو ما يجعل من الصعب لأنظمة الدفاع الصاروخية التعرف عليه.

لم تُفصح إيران بعد عن أية معلومات فنية بخصوص الصاروخ الجديد، لكن من المرجح أن يكون مداه أكبر من صاروخ فتاح الأصلي الذي يصل مداه إلى 1400 كيلومتر. وقد أشارت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء ⑿ إلى أن "فتاح 2" تتراوح سرعته بين 5-20 ماخ، حسب التصميم ورأي الشركة المصممة، والماخ هي وحدة قياس سرعة الصوت، ويساوي ذلك بين 6 آلاف و24 ألف كم في الساعة. هذا وقد أشار خبراء عسكريون إلى أن "فتاح 2" سيكون مناسبا لضربة استباقية أكثر من "فتاح 1″، وذلك نظرا لقدرته على التحليق بارتفاعات منخفضة واتباع مسار لا يمكن التنبؤ به، مما يجعله قادرا على مواجهة أو تجاوز منتصف خط العدو (12).

هل يغير قواعد اللعبة؟

يُثير سباق الأسلحة الفرط صوتية الكثير من الجدل في العالم اليوم، لأن اقتناءها يبدو أسهل بكثير من الدفاع ضدها مهما بلغ التفوق التقني للقوة المدافعة، وهو ما ينطبق على دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل وحتى الولايات المتحدة نفسها (13). بالنسبة إلى إسرائيل، هناك منظومتان أساسيتان ⒁ للدفاع الجوي، الأولى هي "القبة الحديدية" والمصممة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، والثانية منظومة السهم "آرو-3" التي بدأ استخدامها في القواعد الجوية الإسرائيلية منذ عام 2017، وطُوِّرت بدعمٍ أميركي بالتعاون مع شركة "بوينغ" الأميركية.

صُمِّمت منظومة "آرو-3" خصوصا لمواجهة الصواريخ بعيدة المدى واعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي للأرض، وتحتوي على قاذفة صاروخية ورادار للتحكم في الإطلاق (FCR)، ونظام رادار الإنذار المبكر لتتبع الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وبالتالي تُعد منظومة دفاع جوي قوية لمواجهة الصواريخ الباليستية التقليدية، لكن عند مواجهة الصواريخ الفرط صوتية، فالأمر يعتمد أكثر على سرعة الصاروخ ومدى قدرته على المناورة، مما يجعل هذه الصواريخ تهديدا حقيقيا.

منظومة "آرو-3" خصوصا لمواجهة الصواريخ بعيدة المدى واعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي للأرض (رويترز)

ينطبق الأمر نفسه على منظومة الدفاع ⒂ الجوي الأميركية "ثاد"، المصممة هي الأخرى لاعتراض الصواريخ الباليستية التقليدية قصيرة ومتوسطة المدى لكن ليس الصواريخ الفرط صوتية، وحتى الآن ما زالت الولايات المتحدة الأميركية عاجزة عن مواكبة التطور في هذا النوع من الأسلحة، وبحسب ما ذكره تقرير ⒃ "وول ستريت جورنال" فأغلب المشاريع الأميركية القائمة للدفاع ضد الصواريخ الفرط صوتية إما قيد التطوير وإما تحت الاختبار، الأمر الذي استدعى من الجنرال غلين دي فانهيرك، قائد القيادة الشمالية الأميركية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية (نوراد)، أن يصرح خلال شهادته ⒄ أمام اللجنة الفرعية للقوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي أن الاهتمام الأساسي لخطة التمويل لعام 2024 ستركز على البحث والتطوير العسكري لمكافحة الأسلحة الفوق صوتية.

يؤكد الجنرال فانهيرك أن الخطر الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة الأميركية هو عدم قدرتها على التغيير بالوتيرة التي تتطلبها البيئة الاستراتيجية المتغيرة، مشيرا إلى أن مثل هذه القدرات للأسلحة الفوق صوتية، من القدرة العالية على المناورة ومسارات الطيران المنخفضة وغير المتوقعة، تصعب من مهام أنظمة الدفاع الجوي الأميركية وتحد من قدرتها على حماية الولايات المتحدة.

___________________________________

المصادر:

  1. TERROR ROCKET Iran unveils chilling new Fattah-2 hypersonic missile ‘capable of beating Israel’s Iron Dome defences at 11,000mph’
  2. صاروخ فتّاح الفرط الصوتي.. أبرز الصناعات العسكرية الإيرانية وورقتها الرابحة لمواجهة العدو
  3. Iran unveils what it calls a hypersonic missile able to beat air defenses amid tensions with US
  4. Explainer: What is a hypersonic missile?
  5. What Are Hypersonic Weapons and Who Has Them?
  6. Putin Warns That Russia Is Developing ‘Invincible’ Hypersonic Missiles
  7. "جحيم دونغ-فينغ".. كيف تغير الصواريخ الفرط صوتية الصينية مستقبل الحروب؟Hypersonic missiles
  8. Iran Unveils New Missile with Hypersonic Glide Vehicle: Could It Soon Carry Nuclear Warheads?
  9. 4th Country With Hypersonic Tech, Expert Calls Iran’s Fattah-2 As Uninterceptable Cruise Missile Ideal For Preemptive Strikes
  10. Iran unveils upgraded hypersonic missile as Khamenei touts Israel ‘failure
  11. إزاحة الستار عن صاروخ "فتاح 2" الفرط صوتي
  12. Hypersonic Missiles Are Unstoppable. And They’re Starting a New Global Arms Race
  13. صواريخ السهم "آرو-3" منظومة طورتها إسرائيل بدعم أميركي
  14. "ثاد".. صائد الصواريخ البالستية
  15. Hypersonic Missiles Are Game-Changers, and America Doesn’t Have Them
  16. Iran celebrates new hypersonic missile amid new threats by its proxies against US, allies
المصدر : الجزيرة