شعار قسم ميدان

الصراخ هو كل ما نقوم به.. أمهات يروين لميدان معاناتهن مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

"رغما عني أنظر إلى أطفال صديقاتي وقريباتي، رغما عني أقارن بين طفلي وأطفالهن، طفلي بلا شك مختلف، بل مختلف جدا، أتأمل مقدار الجهد الذي يبذلنه مع أطفالهن، وأتأمل الجهد المضاعف الذي أبذله مع طفلي، أشعر أنه لا وجه للمقارنة، ومع ذلك فهن يشتكين من أطفالهن وشقاوتهم، أقول لنفسي: ماذا تعرفن عن الشقاوة وحركة الأطفال أنتن حتى تشتكين هكذا؟"

(هكذا بدأت الأم الثلاثينية "مها.س"، اسم مستعار، حديثها مع ميدان.)

مها إحدى الأمهات اللاتي يعاني أطفالهن من الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، بخلاف الصعوبات التي تواجه هؤلاء الأطفال في التعامل الاجتماعي والدراسة، تواجه أمهاتهم تحديات كبيرة لمساعدة أطفالهن في التغلب على العثرات التي يسببها هذا النوع من الاضطراب.

اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه هو حالة مزمنة غالبا ما تستمر حتى مرحلة البلوغ. وفقا للتحالف الوطني للأمراض العقلية (NAMI)، يعاني حوالي 9% من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 أعوام إلى 17 عاما، من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بينما يعاني حوالي 4% من البالغين، الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 44 عاما من الحالة نفسها.(1) يتضمن هذا الاضطراب مجموعة من المشكلات المستمرة، مثل صعوبة الحفاظ على الانتباه، وفرط النشاط، والسلوك الاندفاعي.

قد يعاني الأطفال المصابون بهذا الاضطراب من عدم الثقة بالنفس، والعلاقات المضطربة، وضعف الأداء الدراسي أيضا. تقلّ الأعراض في بعض الأحيان مع تقدم العمر، ومع ذلك، هذا لا يحدث في كل الحالات، لحسن الحظ، يمكن للمصابون بهذا الاضطراب تعلّم بعض الإستراتيجيات للتعامل الفعّال مع فرط الحركة ونقص الانتباه.(2)

تقول مها لميدان: "لقد أصبح الصراخ تقريبا هو أكثر فعل أقوم به منذ وقت الاستيقاظ إلى وقت النوم، صراخ مع كل مرة يخرب فيها طفلي شيئا ما، صراخ مع كل مرة يعرّض نفسه فيها للخطر، صراخ مع كل مرة أمنعه في اللحظة الأخيرة من القفز من النافذة، اقترب طفلي من عامه الرابع ولم يتكلم بعد، أشعر أنه لا يفهمني، وأنا أيضا في كثير من الأوقات لا أفهم ما يريده".

"فرط حركة وتشتت انتباه وتأخر لغوي"، هكذا شخّص الطبيب حالة طفل مها، تشخيص شعرت معه أن قلبها يكاد ينخلع من مكانه. حصلت مها على هذا الطفل بعد سنوات من تأخر الحمل، وفي أثناء حملها تعرضت لعدة وعكات صحية اضطرتها للولادة المبكرة، عند ٧ أشهر، وبقي الطفل في الحضانة لعدة شهور قبل أن تراه وتتلمس وجهه.

تقول مها عن هذه اللحظة التي أُعلِمَت فيها بمرض ابنها: "كل ما كان يدور بذهني هو: ما هذا؟ أليس ما بطفلي شقاوةُ أطفالٍ عادية ستذهب مع الوقت عندما يكبر ويهدأ؟ بماذا يشعر هذا المسكين الذي لا يستطيع التعبير عن مشاعره؟ كيف يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب على حياته؟ ما السبب في إصابته بهذا الاضطراب من الأساس؟ أسئلة فقط تطل برأسي لتستحضر المزيد من الأسئلة الأخرى، وأنا أنظر إلى الطبيب شبه تائهة تماما، أشعر أنني غرقت حينها في أفكاري وأسئلتي حدّ الغياب عمّا حولي، ليأتيني صوت الطبيب محاولا طمأنتي: [لا تقلقي، كل ما هنالك أن طفلك يحتاج إلى نوع خاص من التعامل، يحتاج إلى أنشطة يُفرّغ فيها طاقته، يحتاج أن يبدأ جلسات التخاطب فورا لأنه تأخر عن الكلام كثيرا، عليكِ مهمات كبيرة ودور مهم حتى تَعْبُري بطفلكِ إلى بَرّ آمن]".

بعد الصدمة الأولى قررت مها استجماع قواها، ببساطة قررت ألا تترك هذا الاضطراب يُحكِم قبضته على طفلها، قررت أن تجعله نقطة تميز وانطلاق له، وأيقنت بكل ما بقلبها من قوة أن هذه الفترة ستمر أيضا، تقول لميدان: "فقط عليّ أن أتحلى بالمزيد من الصبر، وأن أقدّم الجهد مخلصا صافيا بلا تأفف ولا شعور بأن هذا يفوق طاقتي، كل ما لديّ من طاقة هي بالأساس ملك لابني، وأنا على يقين أننا سنفعل معا أفضل ما يمكننا فعله".

في حين أن أسباب اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ليست محددة بدقة بعد، إلا أن هناك بعض عوامل الخطر التي قد تزيد من زيادة نسبة احتمالية الإصابة، مثل العوامل الوراثية، كأن يكون أحد الوالدين أو الأخ مصابا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو اضطراب آخر للصحة العقلية. كذلك التعرُّض للسموم البيئية، مثل الرصاص، الموجود بشكل أساسي في الطلاء والأنابيب والمباني القديمة. وأخيرا تأتي الولادة المبكرة.

لم تستطع الأم الثلاثينية "فريدة.س"، اسم مستعار، أن تستجمع قدرتها على تهدئة أعصابها بعد، لقد شُخِّص طفلها البالغ من العمر 6 سنوات باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، أعطاها الأطباء أوراقا تحتوي على عشرات النصائح التي تخبرها كيف تتعامل مع طفلها، لكنها خلال كل يوم في رحلتها للعبور من الصباح إلى المساء تفقد أعصابها عشرات المرات.

تقول فريدة لميدان: "علاقاتي الاجتماعية انقطعت تقريبا، لم أعد أزور أحدا حتى عائلتي، ولم يعد أحد يزورني، لا أحد يتحمل ابني أكثر من نصف ساعة، هذا أقصى تقدير، هو لا يترك شيئا مكانه، ولا يكف عن الحركة المبالغ فيها لحظة واحدة، حينما يدخل مكانا كأن طوفانا قد حلّ به، كل شيء مهما كان مختبئا وبعيدا عن متناوله يصل فورا إلى الأرض، يعرف كيف يتسلق حتى على الأسطح الملساء، ولا أحد يستطيع أن يواكبه، حينما أخطئ وأقرر زيارة أحد، أرى في عيونهم سؤال: متى ستنصرفون؟".

تضيف فريدة قائلة: "حينما يخطئ أحد ويزورنا، لا يستطيع المكوث مكانه دقيقة واحدة، فابني لأنه لا يرى الناس كثيرا، يفرح كثيرا حينما يراهم، ولا يجد طريقة أخرى للتعبير عن فرحته هذه سوى بالمزيد من الحركة والتسلق حتى على أكتاف الضيوف أنفسهم، من يحتمل دقيقة لا يحتمل الدقيقة التالية. أشعر أنني أَدفَعُ اليومَ دفعا فقط لكي يمر، أطفئ الأنوار في السابعة مساء ونذهب للفراش، لا لأنني من هواة النوم مبكرا، ولكن فقط لكي ينتهي اليوم ويأتي الغد ويكون ابني قد كبر يوما وأصبح أهدأ ولو قليلا".

وظيفة فريدة الوحيدة، طوال اليوم، هي مراعاة الطفل والانتباه لما يفعل، تقول: "أحيانا أرغب أن أقوم معه بأي نشاط، أحكي له قصة، أو ألعب معه لعبة، لكنه لا يستطيع الجلوس في مكانه، أحيانا أشعر أنه لا يفهمني، أخبرني الطبيب أنه قد يصعب عليه التعامل مع الأوامر المُركّبة، هذا بخلاف أنه يدخل في نوبات غضب غير مفهومة وقد تكون بلا سبب. من فرط العصبية، تسبب ابني مرة في فتح رأسه لأنه يصدمها بالأرض، وأنا حتى لا أعرف ماذا يريد".

تتابع فريدة: "كل هذا يُدْخلني في نوبات من الحزن والاكتئاب التي أطرق أبوابها بين وقت وآخر على استحياء، أطرق الباب وأقف على الحافة دون أن أستطيع الولوج، لو فعلت، فمن سيراعي هذا المسكين؟ جسدي يشتكي بطرق عدة نتيجةً لكل هذا الضغط، مرة من خلال القولون العصبي، ومرة ثانية عن طريق ارتفاع ضغط الدم، هذا بخلاف أن طفلي يتركني كل ليلة أمام قسوة تأنيب ضميري: هل كنت أُمّا سيئة؟ هل قسوت عليه اليوم كثيرا؟ والأقسى هو سؤالي الحائر دوما: هل يحبني طفلي؟ أم سأفاجأ في الغد بأنه يحمل لي الكثير من المشاعر السلبية وربما الكراهية بسبب عدم قدرتي على ضبط أعصابي والتعامل بفعالية مع اضطرابه؟".

يتسبب تشتت الانتباه في أن يفشل الطفل في إيلاء الاهتمام للتفاصيل أو القيام بأخطاء طائشة خاصة فيما يتعلق بالجانب الدراسي، كذلك يواجه مشكلة في التركيز على المهمات كما أنه قد يبدو غير منصت أثناء اللعب، حتى عندما يتم التحدث إليه مباشرة، لذلك تكون دائما هناك صعوبة في متابعة التعليمات وإنهاء العمل المدرسي أو الأعمال المنزلية، ويتلو ذلك بالتبعية مشكلات في تنظيم المهمات والأنشطة، كما يتجنب الطفل المصاب بالمتلازمة -غالبا- المهمات التي تتطلب مجهودا عقليا مُركّزا.

من جانب آخر، يكون التململ أو القرع باليدين أو القدمين أو التلوي في المقعد أعراضا رئيسية في الطفل المصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه، لأنه يجد صعوبة في الجلوس، سواء أكان هذا في الفصل أم في المواقف الأخرى، كذلك يجد الطفل صعوبة في اللعب أو القيام بالأنشطة بهدوء، وقد لا يستطيع التوقف عن الحركة والجري والتسلق، يتحدث كثيرا، يتسرع بالإجابة ويقاطع السائل، كما أنه يجد صعوبة في انتظار دوره فيقطع على الآخرين ألعابهم أو أنشطتهم أو يتطفل عليهم.

"لا أحد يستطيع أن يتخيل شعوري وابني يُرفَض استقباله في الحضانات، نعم، حينما يرون حركته وعدم انتباهه ويكتشفون عدم قدرتهم على تعليمه شيئا فإنهم -بمنتهى السهولة- يرفضون استقباله أو انضمامه إليهم"، هكذا بدأت الأم الثلاثينية "سها.م"، اسم مستعار، حديثها مع ميدان.

سها لديها طفل واحد لم يتجاوز الأربع سنوات، شُخِّص باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهذا خروجه الأول من المنزل، فقد كانت سها تخشى خروجه قبل الآن بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن الطبيبة المتابعة لحالة طفلها أخبرتها بضرورة خروجه، حتى لا يتعرض لِطَيْف التوحّد المكتسب بسبب طول المكوث بمفرده، لتبدأ معاناة سها في رحلتها للبحث عن حضانة لطفلها الذي يعاني من فرط الحركة ونقص الانتباه.

تضيف سها قائلة: "هم -بمنتهى البساطة والسهولة- يرون ابني مجرد رقم، فقط سيزيد عدد أطفال حضانتهم عند انضمامه واحدا، رغم أن الاشتراك الشهري ليس بقليل، فهو يتجاوز الثلاثة آلاف جنيه في بعض الحضانات التي ذهبنا إليها، إلا أنه يظل طفلا واحدا سيحتاج إلى المزيد من الجهد، وقد يؤثر على الجهد المبذول لباقي الأطفال، وقد لا يحقق في النهاية أي نتائج باهرة تجعلهم يُوَثّقونه في مقاطع مصوّرة يعرضونها على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ليخبرون عملاءهم المحتملين كم هم مميزون ويُحْدِثون فرقا في مستوى الأطفال الذين ينضمون إليهم!".

شعرت سها أن بعض القائمين على الحضانات التي زارتها يستخدمون الأطفال على أنهم مادة ترويجية، يقيسون قبولهم للطفل بما قد يحققه من نتائج، فهم يُصوّرون الأطفال وهم يجيبون عن أسئلتهم حول أسماء الحروف والأرقام والأشكال، وهم يركبون بأيديهم المكعبات وألعاب البازل والليغو، لإثبات أنهم مميزون ويستطيعون تأهيل الأطفال بشكل متميز واحترافي للقبول في المدارس التي تُجري اختبارات قبول عسيرة لأطفال لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، طفل سها لم يكن واحدا من هؤلاء الأطفال، كان يحتاج إلى المزيد من الجهد فقط ليواكب زملاءه، وهو ما لم يَرُق لبعض الحضانات.

تقول سها: "بالطبع لم يكن أمرا سهلا عليّ عندما أستمع من الحضانات أن ابني صعب التعامل معه، ولا يستطيع التعلم، وأنهم مضطرون لعدم قبوله. من ناحية كنت أقلق على طفلي الذي يواجه أولى خطواته في الحياة بالرفض، ومن ناحية أخرى كنت أشعر بالعجز وقلة الحيلة وأن ظهري للجدار تماما، ماذا يمكنني أن أفعل وحدي؟! لقد انفصلتُ عن والده منذ ما يزيد عن الثلاثة أعوام، وأحيا مع ابني بمفردنا متحملة مسؤوليته ومتكفلة باحتياجاته لأن والده لا يكلف نفسه حتى عناء السؤال".

تتابع سها: "رفْضُ الحضانات لطفلي جعلني أتحدى نفسي لبذل قصارى جهدي لأستفيد من هذا الاضطراب وأُمكّن ابني من التميز والنجاح، بدأت بالفعل في إعطائه جلسات لتنمية المهارات، واشتركت له في رياضة بشكل مبدئي حتى يتضح لي نوع الرياضة التي سيفضلها ويتميز بها".

هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي تحيط باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. هذه المفاهيم يمكن أن تؤدي إلى مشكلات للأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب، مثل التأخير في التشخيص والحصول على العلاج، كذلك فإنها تؤخر اندماجهم مجتمعيا، سواء في أماكن التعليم مثل الحضانات والمدارس، أو حتى مع رفاقهم من العائلة أو في الشارع.

من أشكال الفهم الخاطئ التي تنسج نفسها حول هذا الاضطراب أن الأبوة السيئة تسبب اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، قد يشعر الوالدان بالذنب ويتمنيان لو كان بإمكانهما فعل المزيد لمساعدة الأطفال على النجاح والسيطرة على أعراضهم، كذلك فإن الكثيرين قد ينظرون إلى هذا النوع من السلوك، الذي يسببه الاضطراب، على أنه مجرد "سوء أخلاق" لدى الطفل.(3)

من المفاهيم المغلوطة أيضا أن الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لا يمكنهم التركيز على الإطلاق، قد يكون السبب في هذا الفهم يعود إلى اسم الحالة، لذلك، قد يكون من المربك للأشخاص رؤية شخص مصاب بهذا الاضطراب يركز باهتمام على نشاط ما. هنا، يكون من الأكثر دقة وصف جزء "نقص الانتباه" على أنه صعوبة في تنظيم الانتباه بدلا من وصفه بأنه فقدان القدرة على الانتباه بشكل تام.(4)

أضف إلى ذلك أن أشهر الأخطاء في الفهم عن هذا الاضطراب هو القول بأن المصابين به من الأطفال ليسوا أذكياء، ولذلك يُرفَضون في بعض الأماكن خوفا من تأثيرهم على "سمعة المكان"، وهو رفض غير قانوني بالمناسبة، لكن الفكرة أن المصابين بهذا الاضطراب قد يكونون أذكياء، في المعدلات الطبيعية، لكن مشكلاتهم تظهر مع الانتباه، ومن ثَم يصعب التركيز في الدراسة، فتنزل درجات الطالب، ولو عومل بطرق أكثر سلاسة ومرونة لارتفعت درجاته مرة أخرى.

كشفت چانا عمرو دياب، ابنة الفنان المصري الشهير عمرو دياب، عن معاناتها من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وذلك من خلال رسالة وجهتها إلى مدرستها السابقة "Queens Gate School" في العاصمة البريطانية لندن.

من خلال حسابها الشخصي على موقع تبادل الصور إنستجرام كتبت چانا: "اسمي چانا دياب، التحقت بمدرسة "Queens Gate School"، ونُصحت بالمغادرة في الصف الثاني عشر بعد تشخيص إصابتي بمتلازمة فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، واضطرابات نفسية كاضطراب القلق الهلعي، لذا كنت أعاني من الصعوبات في الدراسة".

أضافت چانا: "عانيت من صعوبات في التركيز، وعدم تسليم واجباتي المدرسية في موعدها المحدد لها، وعدم قدرتي على قراءة الأسئلة بالشكل الصحيح، وكان يُطلب مني أن آخذ وقتي في قراءة الأسئلة وكأنني أتحكم في هذا الأمر".

تابعت چانا أنها كانت توصف من قِبل مدرسيها بالغباء والكسل والتمرد، بدلا من دعمها وتوجيهها للتصرفات الصحيحة، هذا الدعم الذي كانت تحتاج إليه چانا كان يُوجَّه نحو الطلاب القادرين على تحقيق درجات عالية.

أعلنت أيضا أنها كانت تشعر بالحرج لاضطرارها سؤال زملائها شرح المهمات المطلوبة التي لم تستطع فهمها، بدلا من أن تسأل معلميها الذين كانوا -بدلا من مساعدتها- يتهمونها بأنها تشتت زملاءها، ولكنها لم تكن تقصد ذلك. كشفت چانا أيضا أنها أُرسِلت إلى معلم متخصص في صعوبات التعلم، لكنه لم يكن صبورا معها بالشكل الكافي في التعامل، وأصابها بالفزع وتسبب في سوء حالتها.

اختتمت چانا مشاركتها قائلة: "الآن بعد خروجي من هذه المدرسة، حصلت على دبلومة في الغناء من جامعة "BIMM"، كما أنني أدرس الأدب الإنجليزي وأحقق إنجازات حقيقية في مسيرتي المهنية، وأحاول الحصول على شهادة في علم الاجتماع من جامعة نوتينجهام أو بريستول"، مشيرة إلى أنها كانت تريد من معلميها الاحتواء والدعم بدلا من نصحها بالمغادرة. وجهت چانا أيضا رسالة دعم لمن يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ونصحتهم بأن يؤمنوا بقدراتهم وألا يشكوا بها لأن مدرستهم أو أي شخص آخر شككهم في أنفسهم.

أوضحت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد و نُشرت في مجلة "بيدياتريكس (Pediatrics)"، وهي المجلة الرسمية للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، أن الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة ونقص الانتباه قد يكونون أقل جاهزية للالتحاق بالمدرسة من أقرانهم الذين لا يعانون من هذا الاضطراب. تستهدف الدراسة الكشف عن مدى استعداد الأطفال في سن ما قبل المدرسة للالتحاق بالتعليم، بهدف التدخل المبكر، قبل أن يواجهوا فيما بعد صعوبات في العملية التعليمية.(5)

"كان عليّ أن أتنازل، لم تكن المعادلة لتستقيم لولا هذا، كانت معادلتي ببساطة هي أنني إما أن أتعامل مع طفلي بنصف تركيزي ونصف طاقتي وأستمر في عملي، أو أن أتوقف عن العمل لأتمكن من إعطاء طفلي كامل تركيزي وطاقتي"، هكذا بدأت "علياء.ج"، المرأة الثلاثينية، حديثها مع ميدان.

تزوجت علياء منذ نحو ثماني سنوات، في بداية زواجها كانت تؤجل الإنجاب برغبتها، ثم أصبحت تؤجله مضطرة بسبب ظروفها الصحية. خلال الأيام الأولى لعلياء مع طفلها، لاحظت أنه كثير الحركة، صحيح أنه لم يتجاوز أسابيعه الأولى في الحياة بعد ولا يستطيع التحرك من فراشه فعليا، لكنه بشكل آخر لا يكف عن الحركة، إما أنه يحرك جسده بأكمله متحركا على شكل دوائر أو متحركا من نقطة لأخرى، أصبح وضعه على السرير خطرا، بدأت علياء تضعه على فراش على الأرض مباشرة، لتجده يحرك نفسه بالكيفية ذاتها ويصل إلى نهاية غرفة المعيشة.

تقول علياء: "كانت هذه ملاحظة مثيرة لانتباهي، لكنني لم أتوقف عندها كثيرا، حينما بدأ ابني يكبر سنة بعد سنة، بدأ يثير قلقي، ما زال يتحرك كثيرا، لكن ما جعلني أبدأ في التحرك وزيارة طبيب متخصص هو أنني في أحيان كثيرة أشعر أنه لا يفهمني، لا أشعر أنه يفهم حتى الأوامر البسيطة مثل: افتح الباب أو أغلقه. حتى هذه اللحظة كنت أتعامل معه على أنه -فقط- طفل شقي، وربما الشقاوة وكثرة الحركة هما السبب في تقليل مستوى انتباهه، كنت أبذل جهدا هائلا بين عملي ورعايته، كنت أدفع اليوم دفعا فقط ليسير وينتهي، ويأتي اليوم التالي لندخل الدوامة ذاتها".

تضيف علياء: "حينما أخبرني الطبيب أن طفلي يعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، تيقنت أننا في وضع خاص يحتاج إلى المزيد من الجهد والطاقة والتركيز، فتنازلت عن عملي الذي كنت أُعوِّل عليه كثيرا في حياتي وبناء مستقبلي. صحيح، أدرك أنني أَعتمت جزءا من روحي وأحلامي بتركي لعملي".

حينما أخذَتْ علياء قرار ترك عملها، اتخذت كذلك عدّة قرارات أخرى متعلقة بطريقة تعاملها مع طفلها، حيث خططت أن تُشركه في عدد من الأنشطة البدنية واليدوية، وتصحبه في هذه الأنشطة، سيكون هو يومها وشغلها الشاغل منذ استيقاظها وحتى نومها، ولن تضطر أن تضعه في إحدى الحضانات التي كانت تجد مدرسيها بشكل يومي يُصدرون عشرات الأحكام والشكاوى المتعلقة بسلوكيات طفلها الذي لا يستطيعون التعامل معه ولا مواكبته.

وفقا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، فإن هناك خمسة عقارات يستخدمها الأطباء لعلاج هذا المرض، وهي "ميثيل فينيديت" و"ليسديكسامفيتامين" و"ديكسامفيتامين" و"أتوموكستين" و"جوانفاسين"، هذه الأدوية ليست علاجا دائما لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ، ولكنها قد تساعد الشخص المصاب بهذه الحالة على التركيز بشكل أفضل، ليكون أقل اندفاعا، ويشعر بالهدوء، ويتعلم ويمارس مهارات جديدة.

يجب تناول هذه الأدوية بالطريقة التي وصفها الطبيب المتخصص بعد تشخيص المرض، لأن بعضها قد يمتلك أعراضا جانبية ضارة، ومن المهم جدا إخبار الطبيب بأي آثار جانبية والتحدث معه إذا شعرت أن الطفل بحاجة إلى التوقف عن العلاج أو تغييره.

من أشكال العلاج التي تساعد في السيطرة على اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه العلاج السلوكي المعرفي، الذي يوفر أيضا الدعم لمقدمي الرعاية للأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، من المعلمين وكذلك الآباء.

العلاج السلوكي المعرفي هو علاج بالكلام يمكن أن يساعدك في إدارة مشكلاتك عن طريق تغيير طريقة تفكيرك وتصرفك. سيحاول المعالج تغيير شعور طفلك حيال الموقف، ما قد يمكنه من تغيير سلوكه بالتبعية. قد يستخدم هذا العلاج نظام المكافآت لتشجيع طفلك على محاولة السيطرة على الاضطراب. يمكنك تحديد أنواع السلوك التي تريد تشجيعها، مثل الجلوس على الطاولة لتناول الطعام. ثم يُمنَح طفلك نوعا من المكافأة الصغيرة مقابل السلوك الجيد ويُمنَع هذا الامتياز عند القيام بسلوك سيئ.(6)

تقول "ماريان.ج"، الأخصائية النفسية، في حديثها مع ميدان: "منذ سنوات أعمل في مراكز متخصصة في تعديل السلوك والتخاطب وتنمية المهارات، رأيت خلال عملي عشرات الأمهات لأطفال يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، رأيت مستويات اجتماعية مختلفة، لأن المركز الذي أعمل به مُدعم، ويقدّم جزءا من خدماته مجانا للحالات المستحقة".
تضيف ماريان: "في البدء لم أكن أصدق نفسي وأنا أستمع إلى وصف إحدى الأمهات البسيطات المتواضعات في المستوى التعليمي والاجتماعي لابنها، وجدتها ببساطة تخبرني أنه [ملبوس] وأنها ذهبت به إلى العديد من [المشايخ] لكي يُحصنوا طفلها ويُزيلوا عنه اللبس الذي يجعل سلوكياته هكذا. حينما سألتها: كيف هي سلوكياته هذه؟ قالت لي بتلقائية شديدة: [زي الأبالسة معفرت]، كان طفلها يكاد يمشي على الحائط حرفيا، يتسلق كل الأشياء، ويُخرب كل ما يقع تحت يده، ولا يترك شيئا في مكانه. في هذه الحالة يكون دورنا أن نبدأ في توعية الأم بالاضطراب، ونُطمئنها بأن طفلها سيتحسن بالجلسات وتعديل السلوك".

نوعية أخرى من الأمهات تعاملت معها ماريان تقول عنها: "هناك نوع آخر من الأمهات يأتي إلينا بعد أن يكون استنفد كامل طاقته وجهده وصبره، هؤلاء الأمهات من الطبقة المتوسطة لديهن بعض الوعي ومستواهن التعليمي جيد، لكنهن وصلن إلى طريق مسدود تماما مع أطفالهن، لا يعرفن كيفية التعامل معهم، بل والأكثر أن هناك بعض المشاعر السلبية تكون قد تكوّنت لديهن تجاه أطفالهن.

حينما نسألهن عن الأشياء الجيدة التي يرونها في أطفالهن يُجبن بيأس: [لا شيء، لا يوجد به ميزة واحدة، ولا أرى فيه شيئا جيدا واحدا، أشعر أنني سأموت أو سأمرض على يديه أو بسببه]، هذه ربما أكثر الكلمات المؤلمة التي نسمعها، الأمهات في هذه الحالة يكنّ بحاجة إلى الدعم وإعادة التأهيل، فما يواجهنه مع أطفال هذا الاضطراب ليس سهلا، خاصة إذا كانت الأم ملقى على عاتقها مهمات أخرى، فكثير من الأمهات يعملن بالطبع لأن البيت يحتاج إلى رواتبهن، وربما يكون لديهن أطفال آخرون يحتاجون إلى جهدهن وطاقتهن، هذا بخلاف الأعمال المنزلية، فعندما تصل الأم إلينا تكون في حالة يرثى لها بكل معاني الكلمة".

تلفت ماريان إلى نقطة مهمة، وهي لجوء بعض الأمهات إلى إعطاء أدوية لأطفالهن للتغلب على عقبة التعثر الدراسي، قائلة: "الطفل المصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه تقريبا لا يجلس، وانتباهه تختلف درجته وفقا لدرجة الاضطراب، لكن الثابت هنا أن هذه المشكلات تقود بالطبع للتعثر الدراسي، المدرسات ينصحن الأمهات باللجوء إلى طبيب لوصف أدوية للطفل، فقط لكي يجلس ويتعلم، هذا أمر قد يكون غاية في الخطورة، فبعض هذه الأدوية لها آثار جانبية سلبية للغاية".

يوفر العلاج السلوكي الدعم لمقدمي الرعاية للأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وقد يشمل -كما سبق أن ذكرنا- المعلمين وكذلك الآباء. يمكن لبرامج تدريب الوالدين وتعليمهما أن تكون ذات فائدة كبيرة، وهي مصممة خصيصا لتعليم الآباء طرقا محددة للتحدث مع الطفل واللعب والعمل معه لتحسين انتباهه وسلوكه. عادة ما يتم ترتيب هذه البرامج في مجموعات من 10 إلى 12 من الآباء والأمهات، ويتكون البرنامج عادة من 10 إلى 16 اجتماعا ، تصل مدة كل منها إلى ساعتين.

هناك -كذلك- تدريب المهارات الاجتماعية، والذي يعلم الطفل كيفية التصرف في المواقف الاجتماعية من خلال تعلم كيفية تأثير سلوكه على الآخرين، كذلك فإن المصابين بهذا الاضطراب عادة ما يُوجَّهون لحميات غذائية صحية تساعد على نموهم بشكل طبيعي، وتحسن من وضع الأعراض مع الزمن. اللجوء للمتخصصين هو دائما أفضل حل للتخفيف عن المريض وعائلته.

حاول المسلسل المصري "خلي بالك من زيزي"، الذي أُذيع خلال شهر رمضان الماضي وحقق نجاحا كبيرا، تجسيد المشكلات التي يسببها اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. عرض المسلسل حالة بطلة العمل التي تعاني من هذا الاضطراب وأمها لا تعرف الكيفية الصحيحة للتعامل معها، لتشبّ الفتاة بصحبة مشكلات اجتماعية وحياتية مختلفة، فبسبب طبيعة اضطرابها يفشل زواجها ولا تتمكن من العثور على فرصة عمل بسهولة.

عرض المسلسل أيضا حالة طفلة تعاني من الاضطراب ذاته وما تجده أمها من مصاعب بسبب تعثر ابنتها دراسيا ورفض المدارس لها. استطاع المسلسل بشكل درامي جذاب تسليط الضوء على التبعات التي يمكن أن يسببها هذا الاضطراب على حياة الأطفال المصابين به.

استطاع مسلسل "خلي بالك من زيزي" -كذلك- أن يتعامل بدرجة من الاتزان مع المرض النفسي، هذا الاتزان يصحح من الصورة الذهنية المجتمعية تجاه المرض ويمنع اختزاله في أشكال الهوس والجنون، ومع الأسف، فقد أدّت الدراما على مدى عقود طويلة دورا فعالا في الترويج لأعراض المرض النفسي بصورة مخيفة، الأمر الذي تسبب في انتشار فهم خاطئ عن الأمراض النفسية في العموم، وفي المقابل من ذلك تسبب في وصمة عار للمرضى، ما جعلهم يتخفّون هم وعائلاتهم قدر الإمكان عن الأعين، بل وينكرون وجود المرض من الأساس!

____________________________________________________________

المصادر:

  1. Attention Deficit Hyperactivity Disorder (ADHD)
  2. Attention-deficit/hyperactivity disorder (ADHD) in children
  3. Debunking 5 Common Misconceptions About ADHD
  4. Myths About ADHD
  5. School readiness impaired in preschoolers with ADHD symptoms, Stanford study finds
  6. Treatment-Attention deficit hyperactivity disorder
المصدر : الجزيرة