شعار قسم ميدان

إستراتيجيات الإقناع الخفية.. هكذا تتلاعب بك مواقع الإنترنت

حتى الأفلام الرومانسية الأكثر وضوحا ومباشرة تفتقر إلى تلك العاطفة التي نجدها في الرسائل التي تتلقاها حينما تُلغي اشتراكك في خدمة أو موقع ما على الإنترنت. "إذا تركتنا الآن فستأخذ معك الجزء الأكبر منا"، إنها رسالة قد تتوقع أن يتلقاها أحدهم من زوجته بعد حصوله على أوراق الطلاق، لكنها في الواقع رسالة وداع موقع "سبوتيفاي"، بعد قيام المستخدمين بإلغاء اشتراكهم، والتي تُبيّن أن الشركة التي تبلغ قيمتها مليار دولار ليست مستعدة للوداع. على سبيل المثال كذلك، يسأل موقع "هولو" في الاستبيان الإلزامي المكوّن من سبع خطوات والذي يظهر عند محاولة إنهاء اشتراكك: "أين أخطأنا؟"، كما أن الإصدارات السابقة من عملية الإلغاء تتضمّن مقطعا من مسلسل "ذا سيبمسونز"، حيث تقول ليزا، وهي أصغر شخصية تحدثت في البرنامج: "من فضلك لا تفعل هذا… هل أنت متأكد حقا، حقا؟".

وحتى العام الماضي، كان أي مستخدم يحاول إلغاء حساب فيسبوك الخاص به، يجد صورا لأحد أصدقائه أمامه تقول "[اسم الصديق] سيفتقدك". هذا مجرد واحد من العديد من الأساليب التي يستخدمها تُجَّار التجزئة للتلاعب بالمستهلكين، فالأنماط المظلمة تعد خيارات غير مرئية توجد في تصميم مواقع الويب حتى تخدع المستخدمين لمنح قدر من الوقت أو المال أو الاهتمام أكثر مما يدركون.

عنوان ميدان

على أرض الواقع، يقوم فريق من الباحثين في جامعة برينستون بفهرسة هذه التقنيات الخادعة، وذلك باستخدام البيانات التي تم الحصول عليها من 11 ألف موقع تسوق، لتحديد 15 طريقة تعبث بها المواقع بإدراكنا بمهارة، من أجل السيطرة علينا. يعتمد البحث على ما توصّل إليه عالِم معرفي يُدعى "هاري بريغنول"، فهو أول من صاغ مصطلح النمط المظلم في عام 2010، ومؤلفا البحث "ريتشارد تالر" و"كاس سونشتاين" يستكشف عملهما "الدوافع الخفية"، وكيف تؤثر الخيارات الافتراضية على السلوك.

صورة ميدان

يوضّح البحث أن واحدا على الأقل من بين كل 10 مواقع على شبكة الإنترنت به نوع على الأقل من الأنماط المظلمة، وكلما زادت شعبية الموقع، زاد احتمال احتوائه على نمط مظلم. النمط المظلم الأكثر شيوعا هو تعزيز الندرة؛ فمثلا عندما تضع عنصرا في سلة التسوق الخاصة بك، ستصلك رسالة قائلة: "بقي ثمانية فقط في المخزون!"، وبالتالي فإنها تحثّك على الشراء قبل انتهاء المخزون، ولكن من خلال تحليل البرامج النصية لصفحات الويب والمكونات الإضافية، وجد الباحثون أنه في كثير من الحالات، يتم إنشاء هذه الأرقام إما بشكل عشوائي أو يتم ضبطها وفقا لجدول زمني.

يُعدّ مسرح الأعداد هذا أيضا مفتاحا للنمط المظلم الثاني الأكثر شعبية، وهو التخفيض المؤقت للأسعار الذي يُعرف باسم "الفلاش سيل". غالبا ما يثير تجار الأزياء الكبار انخفاضا مفاجئا مؤقتا في الأسعار، يضعون إعلانا كبيرا في أعلى الصفحة يقول: "تخفيض هائل ينتهي قريبا" وجهاز توقيت للعد التنازلي، إن هذا "الإلحاح" يخلق حالةً من القلق وعدم اليقين، ويدفعنا إلى السعي للاستفادة من انخفاض الأسعار على الفور، ولكن مرة أخرى، وجد الباحثون حالات استمرت فيها المبيعات حتى بعد انتهاء التخفيضات المؤقتة.

ليست الأرقام وحدها مزيفة، بل المتسوقون كذلك، وهذا هو النمط الثالث الأكثر شيوعا، "البرهان الاجتماعي" الذي يتعلق بالرسائل المنبثقة المعروضة على الشريط الجانبي لبعض المواقع: "شاهد 90 شخصا هذا العنصر!"، أو "جوان من فلوريدا حصلت للتو على سترة!". تعتمد هذه الإستراتيجية على قوة تفكير القطيع من قبيل "هذا شيء شائع، لذا يجب أن أحصل عليه"، وكذلك الندرة "إذا لم أحصل عليه، فسيناله شخص آخر".

عنوان ميدان

صورة ميدان

ولكن بعد تحليل المواقع، وجد الباحثون مرة أخرى أن هذه النوافذ المنبثقة تأتي من مولّدات الأرقام العشوائية ومجموعة مختارة من رسائل محفوظة، ولذلك ليس عليك شراء السترة إذا كنت لا تريد ذلك، فجوان ليست حقيقية؛ إنها مجرد شفرة، بضع سطور من التعليمات البرمجية، والشفرة -كما نعلم- لا ترتدي سترات! بالتأكيد لا أحد مُحصَّن ضد الأنماط المظلمة، فكم مرةً سجلت في فترة تجربة مجانية لأحد المواقع ونسيت أن تحذف حسابك قبل تاريخ التوقف وتجنب فرض الرسوم. لأنه وبالأساس، نحن نمتلك ثقة أكبر في أنفسنا في المستقبل أكثر من ثقتنا في أنفسنا حاليا، وهذا التأكيد أننا قادرون على التغلب على النمط المظلم هو بطبيعة الحال نمط مظلم في حد ذاته.

يقول دون مور رئيس قسم القيادة والتواصل في كلية هاس للأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: "يملك الناس ثقة مفرطة في ذكرياتهم الخاصة أو بقدرتهم على الإفلات من السلسلة والقيام بشيء ما في المستقبل". يدرس مور كيف تؤثر الثقة في السلوك الاقتصادي، ويقول: "غالبا ما يكون المستهلكون مترددين إلى حدٍّ ما في مواجهة إخفاقاتهم أو قيودهم أو أخطائهم، وبالتالي نحن لا نقلق بما فيه الكفاية حول إمكانية التعرض للتلاعب، ومن الشائع أن يدّعي الناس أنهم يعنون فعل ذلك ولكنهم كانوا في الواقع ضحايا للتلاعب".

في الواقع إن هذه الثقة المفرطة يمكن أن تجعلنا أكثر عرضة للاستغلال، لأننا نقلل من أهمية قوة الأنماط المظلمة. وبالعودة إلى مثال التجربة المجانية، فالشركات بالطبع مستعدة لنا في المستقبل، وغالبا ما تكون عملية الإلغاء أكثر تعقيدا من التسجيل، وهو نمط مظلم يُسمى العائق. ويتمثّل هذا النمط المظلم في الأوقات القليلة التي تتذكر فيها إنهاء تجربة ما ولكنك تواجه عملية طويلة متعددة الخطوات فتهرب منها منهزما، حتى تتمكّن أخيرا من استدعاء القوة اللازمة لقضاء دقائق أو ساعات في المصارعة مع واجهة مستخدم غير متعاطفة. أطلق باحثو برينستون على هذا النمط "الاشتراك الخفي"، لكنه اكتسب لقبا أكثر إثارة وهو "مصيدة الحشرات"؛ فمن السهل الدخول، ولكن يكاد يكون الخروج مستحيلا.

عنوان ميدان

صورة ميدان

يحذر مور من رفض التصميمات المؤثرة إجمالا، فالدفعات الخفية لا مفر منها، لكن بعضها يمكن أن يكون مفيدا. فمن منظور آخر، يمكن أن تكون هذه المحفزات الخفية إيجابية للمجتمع، على سبيل المثال، إمكانية التسجيل التلقائي للناخبين الذين تبلغ أعمارهم 18 عاما، أو التسجيل في قاعدة التبرع بالدم أو حتى مجرد تفضيل الفاكهة على الوجبات السريعة. الدفعات الخفية الإيجابية للمجتمع تحظى برواج في الوقت الحالي، فمثلا، هناك أداة مفيدة يمكن إضافتها للمتصفح تسمى "Icebox" يجمد صفحات الويب في مرحلة الدفع؛ حيث يمكن للمستخدمين العودة إليها بعد مرور فترة زمنية معينة، إذا اختاروا العودة على الإطلاق.

ويُوصي أحد مقالات مجلة نيويوركر حول اقتصاد جذب الانتباه بتطبيق "StayFocusd" الذي يحد من الوقت الذي يقضيه الشخص في أي موقع، وكذلك يمكن استخدام نظام تذكير "Block Site" و"IFTTT"، الذي يقوم على الفور بجدولة التذكيرات بعدد معين من الأيام بعد التسجيل للحصول على نسخة تجريبية مجانية.

في نهاية المطاف، لا توجد مساحة كما يقول مور، تخلو تماما من الدفعات الخفية، فنتائج بحثك تُصنّف بشكل محدد بما يتلاءم مع بعض المصالح بلا شك. ومواجهة آثار الأنماط المظلمة تتطلب أكثر من الوعي، يريد الناس أن يشعروا كما لو أن لهم اليد العليا في اختياراتهم، حتى في الوقت الذي يعترفون فيه بوقوعهم في الفخ. ويوضح كولين غراي، أستاذ مساعد بجامعة بوردو في قسم تكنولوجيا رسومات الحاسوب، إنه عندما يستطلع الجمهور حول السلوك عبر الإنترنت، يلوم المجيبون أنفسهم بشكل روتيني على وقوعهم كفريسة للأنماط المظلمة. ويقول: "لقد أجرينا دراسة استقصائية ثم تابعناها بعدد من المقابلات في كلٍّ من الولايات المتحدة والصين، ووجدنا أنواعا متشابهة جدا من الأنماط في كل السياقات الثقافية، حيث يُمثّل التلاعب جزءا من حياة هؤلاء المستخدمين اليومية ولكنهم لا يشعرون بإمكانية فعل الكثير حيال ذلك".

صورة ميدان

واتجه غراي مؤخرا لدراسة مجموعات موقع "Reddit" التي تندد بالتصميمات القائمة على الاستغلال، بدءا من "الهندسة المعادية" المسببة للتشرد إلى الإعلانات التلقائية ومساحات البيع بالتجزئة المخادعة. وأحد الأمثلة الصادمة لافتة تعلن أن البرتقال "عليه تخفيض" مقابل 99 سنتا فقط، ولكن بعد إزالة العلامة، تم الكشف عن السعر الأصلي وهو 99 سنتا، إن "التخفيض" مجرد خيال لجعل الناس يشترون أكثر.

لا يزال المشروع في بدايته الأولى، ولكن غراي متفائل بأنه عند دراسة كيفية تعرف الناس على الأنماط المظلمة والاستجابة لها والتواصل معها، قد نكون أكثر وعيا بالترابط غير المحدود للحياة على الإنترنت مع الحفاظ على مركز داخلي للتحكم بتصرفاتنا. ويتابع غراي حديثه قائلا: "ما نجده هو خيوط معقدة من التعليل الأخلاقي، لكن لا أرى أن هذا النوع من الوعي ينتقل إلى عامة الناس". ما الذي سيتغير إذا حدث وعي بالفعل؟، في غياب أنماط مظلمة، لا يزال التسوق عبر الإنترنت عقدة متشابكة من الغرور والضرورة والتحيز والإلهاء، وأفضل ما يمكن أن نأمله هو درجة عالية من الوعي بأعمالنا على الإنترنت وما الذي يؤثر علينا حين الاستخدام. ومن غير المرجح أن تتغلب هذه الدفعات الجيدة على السيئة في أي وقت قريب، لكن يبدو أن هناك بعض التقدم.

في السنوات العشر التي انقضت، أي منذ أن صاغ بريغنول مصطلح الأنماط المظلمة، ظهرت عدد من الصحف الجديدة التي تشير إلى هذا المصطلح في سياقات مختلفة بانتظام، كما أن المشرّعين باتوا يلاحظون تبعات تلك الأنماط أيضا، لذلك يمكننا القول: "إذا لم نتمكن من الانسحاب من تأثيرات تلك الأنماط على سلوكنا، فربما يمكننا على الأقل اختيار التأثيرات الأفضل".

————————————————————-

هذا التقرير مأخوذ عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.