شعار قسم ميدان

"رامز مجنون رسمي".. كيف ترسخ كوميديا المقالب سادية الاستبداد؟

ميدان - "رامز مجنون رسمي".. كيف ترسخ كوميديا المقالب سادية الاستبداد؟

في شهر رمضان من كل عام، يُطل علينا برنامج المقالب الجديد الذي يُقدِّمه "رامز جلال" على قناة "إم بي سي (mbc) مصر"، جرعة يومية تقترب من نصف ساعة أشبه بدقيقتي الكراهية في رواية "1984" لجورج أورويل، لكنها ليست دقائق للصياح وكراهية "الأعداء"، بل مقاطع من السخرية والتهكم العنيف ممزوجة بالتنمر والتحقير وممارسة العنف اللفظي مُمثَّلة في أقسى أنواع المقالب التي تُخرِج أقبح ما في النفس البشرية، ليضحك المشاهدون من ردود فعل "الضيف"، من خوفه وغضبه وحماقته في مواجهة "مقلب" يكاد يكون محاولة للقتل، وفي نهاية الحلقة يقنعه أن محاولة قتله بالإغراق أو الحرق أو التعرض لإطلاق ناري مجرد "مقلب" يتلقى "رامز" على إثره بعض الشتائم وربما بعض الركلات، وقد يوافق أن تعتليه "ضيفته" في إطار الانتقام منه لتنتهي الحلقة برش الماء وقذف زجاجات المياه، وتنتهي التمثيلية بسلام.

      

  

لكن هذا العام لم يتوقّع أحد مدى الفظاظة التي وصل إليها برنامج "رامز جلال"، فكل برامجه السابقة رغم ما يقع فيها من أخطار وعنف، فإنها كانت في إطار "العنف غير المقصود"، حيث تعتمد برامج المقالب على كوميديا الموقف، يصنع البرنامج موقفا "غير عادي" يضع "الضيف" في حالة من الارتباك والفزع تدفعه للتصرف بشكل يُضحك المشاهدين، لكن رامز جلال قرّر هذا العام أن يجعل "مقلبه" عنفا صريحا وأشبه بصورة مصغرة لعنف الجلاد تجاه "السجين"، حيث يعتمد البرنامج على خداع "الضيف" وربط وثاقه بكرسي أشبه بـ "كرسي التعذيب" في السجون، ثم يظهر "رامز" ليُمارس ساديته وعنفه على "الضيف" بشكل فظ، ليستمتع الجميع بصرخات الضيف وتألمه، حتى تنتهي الحلقة وتحدث المصالحة كالعادة.

  

الأمر الذي دفع العديد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق وسم #أوقفوا_برنامج_رامز، الوسم الذي كتب عليه الطبيب النفسي محمد طه عن برنامج "رامز مجنون رسمي" قائلا: "من طبيب نفسي وأستاذ جامعي متخصص، عن برنامج (رامز مجنون رسمي):

– في عرف الطب النفسي، اللي بيعمله هذا الشخص اسمه سادية (Sadism) وهي التمتع بتعذيب الآخرين وإيذائهم.

– ما يخضع له الضيف -حتى لو كان موافقا- هو تعذيب بدني ونفسي من أبشع ما يمكن…".

  

#أوقفوا_برنامج_رامز من طبيب نفسي وأستاذ جامعى متخصص، عن برنامج (رامز مجنون رسمى): – فى عرف الطب النفسي، اللى بيعمله هذا…

Posted by Dr. Mohamed Taha on Monday, April 27, 2020

   

سرعان ما تحولت الدعوة إلى "قضية" في المحكمة الإدارية المصرية لوقف برنامج "رامز مجنون رسمي"، خاصة بعدما صدر بيان إعلامي من مستشفى الصحة النفسية بالعباسية في مصر يُحذِّر فيه من خطورة برنامج "رامز" على الصحة النفسية العامة، خاصة لدى المشاهدين من الأطفال والمصابين بالقلق والاكتئاب، لكن كل تلك التحذيرات ألقى القضاء بها عرض الحائط.

 

حيث رفضت محكمة القضاء الإداري الدعوى المطالبة بوقف عرض برنامج "رامز مجنون رسمي"، وأيّدت استمرار عرض البرنامج، مؤكدة أنه "لا يحمل أي تهديد للأمن القومي المصري أو تحريض على العنف أو التمييز"، وقضت المحكمة بإحالة الدعاوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها.

    

        undefined

  

وذكرت المحكمة أن "الحق في حرية التعبير يتسم بأهمية قصوى في أي مجتمع ديمقراطي، وأن أي تقييد لممارسة هذا الحق يجب أن يفي بمعايير صارمة لتبريره"(1)، غير أن هذا المجتمع الديمقراطي الذي يتمتع بحرية التعبير يقبع به ما يقارب 60 ألف معتقل سياسي في سجون أشبه بالمقابر، مات فيها الشاب "شادي حبش" بعد مشاركته في إخراج "أغنية" تمس القائد العسكري للمجتمع الديمقراطي الشقيق بعدما ظل سنتين يقبع في السجن دون حتى عرضه على المحكمة، فكل رأي مخالف للسلطة العسكرية في مصر هو جريمة تستحق القتل في نظر القضاء المصري الشامخ، بينما كل عمل يُطبّع مع عنف السلطة واستبدادها عبر التلاعب بصور التعذيب والإيلام المصحوب بالصرخات والقهقهات في نظر القضاء المصري "عمل فني يتمتع بحرية التعبير"، رغم كل تحذيرات الأطباء والمختصين، فكيف يرسخ برنامج "رامز مجنون رسمي" سادية الاستبداد؟

      

undefined

      

كيف بدأت المقالب؟.. تاريخ استبعاد الجمهور

ظهرت برامج "الكاميرا الخفية" في مصر لأول مرة، بعد 20 سنة من عرض البرنامج الأميركي "60 دقيقة" سنة 1968م. كان الممثل "فؤاد المهندس" هو أول مَن قدّم الكاميرا الخفية على شاشة التلفزيون المصري، وشارك بالبرنامج ممثلون مبتدئون، مثل "محمد جبر" و"إسماعيل يسري" مع المخرج "طارق زغلول".

  

  

ولأن البرنامج كان جديدا تماما على المشاهد العربي، فكان المهندس يقوم بالتقديم للبرنامج وشرح فكرة "المقلب" في البداية، ثم تصور الكاميرا الأفعال "المستفزة" التي كان يقوم بها كلٌّ من إسماعيل يسري ومحمد جبر ورد فعل الناس عليها، والجدير بالذكر أن "أبطال المقلب" أو ضيوف الحلقات كانوا من الجمهور العادي، لم يكونوا فنانين أو مغنين أو حتى مشاهير.

    

  

بعد ذلك، قدّم "إسماعيل يسري" برنامج "مقالب" منفردا تحت عنوان "مفيناش زعل"، وكان البرنامج يتخذ الثيمة نفسها التي بدأت مع فؤاد المهندس في ابتكار قصة يقوم فيها المقدم أو الممثل بخداع الجمهور وتصوير ردود أفعالهم، حيث ينبع الضحك من "كوميديا المواقف" التي يقع فيها الأشخاص.

    

  

بعد ذلك، قدّم الفنان "إبراهيم نصر" برنامجا آخر من برامج "المقالب" تحت عنوان "الكاميرا الخفية"، ثم ظهرت شخصية "زكية زكريا"، شخصية السيدة غريبة الأطوار التي يقوم بها "إبراهيم نصر"، حيث تختلق تلك السيدة عدة أفعال ومواقف مع أشخاص عاديين في الشارع والمحال، وتصوّر ردود أفعالهم. ثم ظهرت برامج أخرى مثل "اديني عقلك" بثيمة "الكاميرا الخفية" والسلوكيات المستفزة نفسها التي تُثير غضب أو قلق "أبطال المقلب" والذين ظلوا من الجمهور "العادي" حتى ظهر برنامج "حسين على الهوا" عام 2002، والذي غيّر "أبطال المقالب" من الجمهور العادي إلى الفنانين والمشاهير، يقوم فيه "حسين الإمام" باستدراج شخصية من الفنانين المشهورين، ثم وضعهم في مواقف محرجة مع الجمهور، وظهر بعد ذلك برنامج "حيلهم بينهم" الذي قدّمه الممثل "عمرو رمزي" والذي كان مشابها لبرنامج "حسين على الهوا" مع مشاركة أقل من الجمهور، حيث يعتمد البرنامج بشكل رئيسي على أداء "عمرو رمزي" في استفزاز الفنان أو المغني والتقليل من شأنه، حتى انتهى الأمر باختفاء الجمهور تماما في برنامج رامز وهاني رمزي، والاكتفاء فقط بشخصية الفنان مع نصب "كمين" محكم له، ليس هدفه "الاستفزاز" بل الإفزاع.(2)

    

   

فكانت مسيرة برامج "المقالب" خير واصف للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية التي شهدها المجتمع المصري منذ الثمانينيات وحتى العقد الثاني من الألفينيات، حيث كانت أفكار برامج "الكاميرا الخفية" منذ الثمانينيات وحتى بداية الألفينيات أفكارا بسيطة ومواقف تلقائية، ولأنها بسيطة كانت الأفكار غزيرة لدرجة أن كل حلقة كانت تحتوي على فكرة جديدة بمعدل 30 فكرة لـ 30 حلقة، والأهم من ذلك أن برامج "المقالب" منذ الثمانينيات وحتى بداية الألفينيات كانت تراعي بشكل جاد احترام الضيوف الذين كانوا من المواطنين العاديين، والناس أنفسهم كانوا يتصرّفون بشكل يتّصف بالذوق والحياء واحترام الآداب العامة، فهدف البرامج كان "الضحك" وليس الإهانة.(3)

  

لكن رويدا رويدا، ومنذ أواخر التسعينيات وبداية الألفينيات، أخذت برامج "المقالب" منحى مختلفا، فبدأت درجات الاستفزاز والإهانة في التزايد، مع تغير هيئة الجمهور وانحدار التزامهم بالآداب العامة وارتفاع مستوى العنف في ردود أفعالهم، يصف الروائي أحمد خالد توفيق ذلك قائلا: "عندنا في مصر بدأ الأمر راقيا ومهذّبا في البداية، ثم رأينا دعابات فظة جدا تصل لدرجة أن تسيل الدماء.. في برنامج إبراهيم نصر حسبه سائق سيارة لصا يحاول سرقة سيارته وهشّم رأسه على الزجاج الأمامي.. هناك الفتاة الحسناء التي جعلت شابا شهما يتسلّق للطابق الثاني ويدخل البيت من الشرفة لأنها نسيت المفاتيح بالداخل، ثم يكتشف الشاب أن الفتاة اختفت وأنه متهم بالتسلل لبيت من شرفته! رأيت المشهد وأقسم إنه كان على وشك فقدان الوعي بين يدي مقدّم البرنامج، فلو كان قلبه ضعيفا لمات. هناك حلقة قاموا فيها بتخدير نجم كرة قدم شهير ثم نقلوه من حافلة سياحية كان فيها إلى حافلة أرياف وراقبوا رد فعله عندما يفيق.. السؤال هنا هو: هل من حق مخلوق أن يخدّر شخصا آخر من دون إرادته؟ أي طبيب تخدير يعرف المصائب التي قد تحدث مع تصرف غير مسؤول كهذا".

   

ومع ظهور برنامج "رامز جلال" الذي بدأ أول مواسم برنامجه بإحضار "أسد" ليقابل الضيف أو النجم المُستضاف في مكان التصوير، انتقلت برامج "المقالب" إلى مستوى آخر، فأصبح الموقف الذي هدفه الاستفزاز "كمينا" لإفزاع الضيف ومن ثم الضحك على صدى تشنجات وجهه المرعوب.

      

  undefined

  

على الجانب الآخر، مَثَّل استبعاد "الجمهور" من برامج "المقالب" واحتلال الفنانين والمشاهير مكانهم استبعادهم من الحياة العامة والفضاء العام، ذلك الفضاء الذي يُعرِّفه عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان بأنه "المكان الوسط، العام، الذي تلتقي فيه سياسة الحياة بالسياسة الكبرى بألف ولام التعريف، حيث تُترجم المشكلات الخاصة إلى لغة القضايا العامة، وحيث يبحث الناس عن حلول عامة لمشكلات خاصة ويناقشونها ويُجمعون عليها".(4)

   

فأمسى هذا "الفضاء العام" مستعمَرا من قِبل "الفضاء الخاص"، أي الحياة الشخصية لمجموعة من الناس ومخاوفهم وأهدافهم وفضائحهم، هذه المجموعة في مصر هم المشاهير من الممثلين والمهرجين والمطربين، الذين احتلت أخبارهم الصفحات الأولى من الجرائد، واحتلت أحاديثهم وثرثرتهم شاشات التلفاز طوال النهار والليل، فأضحى الفضاء العام في مصر، الذي من المفترض أن يكون المكان الذي يتراكم فيه وعي الناس ونضالاتهم تجاه قضاياهم المشتركة، عبارة عن شاشة كبيرة لا تعرض إلا خطاب السلطة مملوءة فجواته بصور الفنانات وجلودهم المشدودة بعناية على أجسادهم البضة، شاشة لا تعرض إلا أحاديث الفنانين والمطربين ومخاوفهم وطموحاتهم وفضائحهم وآرائهم الثقافية والدينية السطحية والمبتذلة، وصار المجال العام في مصر هو المكان الذي تُصنع فيه الاعترافات بالأسرار والعلاقات الخاصة على الملأ، ليطمئن الجميع أن الطريقة الانفرادية المنعزلة والأنانية التي يفكر بها هؤلاء الفنانون هي الطريقة التي يسلكها الجميع أو يريد أن يسلكها باقي أفراد المجتمع، بعد أن انتهى مأتم النضال المشترك.

  

لماذا نضحك على المقالب؟.. الجانب الشيطاني من الضحك

"في المواسم القادمة لحلقات رامز جلال، سوف يتناوبون على اغتصاب فنانة أمام الكاميرات، ثم يعلن رامز عن شخصيته ويطلب منها الصفح وهي تلملم ثيابها الممزقة، من ثم يضحك الجميع. لا بد أن هذا سيحدث ما دام مؤشر الفظاظة يتصاعد بهذا الشكل"

(العراب أحمد خالد توفيق)

     

سبب الضحك بسيط، ويتمثّل في ذلك التحول السيكولوجي السار المفاجئ من الشعور بالعجز أو النقص إلى الشعور بالتفوق أو التمكّن المتّسم بالكفاءة
سبب الضحك بسيط، ويتمثّل في ذلك التحول السيكولوجي السار المفاجئ من الشعور بالعجز أو النقص إلى الشعور بالتفوق أو التمكّن المتّسم بالكفاءة
  

منذ بداية ظهور برنامج "مقالب" رامز جلال في عام 2011، عندما وضع لضيوفه "النجوم" أسدا في مصعد "الأستوديو"، بدا البرنامج تقليدا لبرنامج الممثل الأميركي آشتون كوتشر "Punk’d"، فكلاهما يقوم على تدبير مقالب لأصحابهم(5)، إلا أن مقالب كوتشر ليست بمدى عنف وقسوة برامج رامز، وهذا هو السبب الذي أعطى لبرنامج "رامز" تلك الشعبية والشهرة، فقد تخطى "رامز" الضحك الذي ينبع من الفرح والبهجة وكوميديا الموقف التي تعتمد على "إدراكنا للتناقض" إلى "الضحك على العدوان والعنف"، هذا النوع من الضحك الذي وصفه الشاعر الفرنسي بودلير قائلا: "الضحك شيطاني الطابع، ومن هذا المنطلق هو أيضا إنساني على نحو عميق".

   

فسبب ضحكنا على "المقالب" قد فسّره أفلاطون بأن "الناس يضحكون من سوء حظ الآخرين"، وقال أرسطو: "إننا نجد المضحك في النقائص غير المؤلمة لدى الآخرين"، كما ربط فولتير بين الضحك والاحتقار، وقال كانط: "إن الضحك محصلة لتحوُّل التوقعات والتمنيات الكبيرة إلى لا شيء"، كذلك أشار الفيلسوف نيتشه إلى أن الإنسان الذي يعتبره "أكثر الكائنات تعاسة في العالم" قد ابتكر الضحك ليواسي نفسه، وقال هربرت سبنسر إن "الضحك في جوهره يشبه تفريغ الطاقة العصبية البالغة القوة التي لا تجد متنفسا آخر لها"، وذكر جون ديوي إن "الضحك هو العلامة المميزة لحالة الدهشة"، كما ذكر العالم المتخصص في دراسات الضحك "جون موريل" عام 1983 أن "سبب الضحك بسيط، ويتمثّل في ذلك التحول السيكولوجي السار المفاجئ من الشعور بالعجز أو النقص إلى الشعور بالتفوق أو التمكّن المتّسم بالكفاءة".(6)

  

يظهر "رامز" في برامجه، خاصة في النصف الأول منه، في دور "المقدم والمعلق"، يبقى وراء الكواليس، يراقب ويسخر ويتهكم على هيئة الضيف وشكله، يُطلق "الإفيهات" كأنه يجلد ضيفه بسوط السخرية اللاذعة، حيث تلعب السخرية والتهكم الحاد دور مسبب الضحك في النصف الأول من البرنامج، لكن ذلك التهكم "المضحك" له دلالات أخرى، فالتهكم والسخرية دائما ما تضع "الساخر والمتهكم" في موضع أعلى من الآخرين، فيقوم التهكم -أولا- على الاستهزاء، أي التحقير من الآخر والتكبر عليه، وثانيا يقوم على "الهدم" وهو "تغيير كل ما هو قائم في صورته ومقاله، ومن ثم إحالته إلى صورة مغايرة"، أي إن فعل "الهدم" يقوم على "التشويه"، تشويه "الآخر"، ومن ثم خلق الشعور بالتفوق على "شيء ناقص ومشوّه"، ومن هنا ينبع الضحك.(6)

       undefined

  

يقترب برنامج "رامز" في تشويهه لضيوفه تحت عنوان "المقالب والتسلية والضحك" من اتجاه "الجروتسكية" أو البنية المسخية، حيث كان "الجروتسك" أساسا اتجاها في التصوير أو النحت والزخرفة، وكان يرمي إلى استخدام وحدات بشرية وحيوانية بشكل يتصف بالواقعية، ويؤدي هذا المزج الزخرفي إلى خلق شكل غريب بشع مخيف أو مضحك، وتطور هذا الاتجاه الذي يحتفي بـ "البهجة العنيفة" منذ العصور الوسطى، هو ما أنتج اتجاه "الرعب الكوميدي" في السينما المعاصرة، التي تُقدِّم الرعب في صورة مضحكة، فيعمل هذا الضحك على وضع حاجز أو مسافة بيننا وبين ذلك الرعب المتصاعد والوحشي.(6)

 

حيث يبقى المضحك في تلك المشاهد سطحيا وظاهريا وغير حقيقي، بينما يتعلق الجانب المرعب بالمغزى أو المعنى الخفي المستتر وغير المباشر منها(6)، فما المعنى والمغزى المستتر من مشاهد تعذيب وإذلال مجموعة من البشر ومعاقبتهم، ثم التصالح معهم كأن لا قيمة لكل مشاعر الفزع والغضب والألم في العالم، فكل ألم ناتج عن محاكاة لـ "مقلب" ألم غير حقيقي!

 

التشفي واللذة والألم.. هدم عالم الحقائق

في محاورة "فيليبوس"، إحدى محاورات سقراط التي سجّلها "أفلاطون"، يطرح سقراط عدة أسئلة على بروتاجوراس قائلا:

سقراط: هل نشعر بالألم أو اللذة عندما نضحك من الآخرين؟

بروتاجوراس: الأمر الواضح أننا نشعر باللذة.

  

سقراط: ألم يكن الحسد هو مصدر هذه اللذة التي نشعر بها من سوء الحظ الذي لحق بأصدقائنا؟

بروتاجوراس: بالتأكيد.

  

سقراط: إذن تبين الحجة لنا أنه عندما نضحك من الحمقى من أصدقائنا، تكون اللذة هنا ممزوجة أيضا بالألم، ويكون الضحك سارا، ونكون حاسدين وضاحكين في الوقت نفسه.

بروتاجوراس: هذا حقيقي.

 

سقراط: ومن ثم فإن فحوى الحجة هنا يقول لنا إن هذا المزيج من اللذة والألم لا يوجد فقط في حالات النواح أو في التراجيديا والكوميديا، ولكن أيضا في الدراما الكلية لحياتنا الإنسانية، ومن خلال آلاف عدة من الطرائق والسبل.

     

في محاورة
في محاورة "فيليبوس" اقترح أفلاطون أن الحقد هو الجذر العميق للاستمتاع الفكاهي، "فهناك بهجة سرية توجد في قلوبنا عندما نرى الآخرين يسقطون
   

على تلك المحاورة بنى أفلاطون نظريته حول "الضحك"، وهي من أهم وأقدم النظريات في تحليل السلوك والانفعال البشري، حيث يرى أفلاطون أن ما يُضحكنا هو "تلك النقائص أو العيوب"، والتسلية تحدث نتيجة "شعورنا بتمنّي الأذى لهؤلاء الجاهلين بأنفسهم والذين يتباهون ويختالون بنقائص لا يدركونها"، ونحن نضحك -حسب أفلاطون- لأننا نرى أنفسنا مثلهم وعلى مقربة منهم، ولكننا على مبعدة منهم أيضا بحكم المستوى الاجتماعي والمادي.(6)

   

في محاورة "فيليبوس" اقترح أفلاطون أن الحقد هو الجذر العميق للاستمتاع الفكاهي، "فهناك بهجة سرية توجد في قلوبنا عندما نرى الآخرين يسقطون، وخاصة هؤلاء الذين نعتقد أو كنا نعتقد أنهم أفضل منا مكانة واحتراما. فسقوطهم هذا يرفعنا فوقهم في المنزلة أو المكانة الاجتماعية، فهم سقطوا ونحن لم نسقط، وهم أخفقوا ونحن لم نُخفق، لذلك فإن الحسد أو الحقد، أو بالأحرى الشماتة والتشفي، هم المصدر الحقيقي للذة، لكن هذه الشماتة تهبط بالروح إلى أسفل سافلين، وتُسبّب آلاما عقلية مبرحة".(6)

   

لكن لا يُنتِج هذا الشعور بـ "التشفي" الذي يُفجِّر القهقهات أثناء مشاهدة برنامج "رامز" أي وعي اجتماعي لنقد ما يحدث أمامهم على الشاشة، أو ما يحدث حولهم في مجتمع يتميز بالظلم الاجتماعي والفجوة الطبقية الشديدة بين هؤلاء الذين يكدحون ولا يحصلون على نصف ما يحصل عليه الفنانون والنجوم في حلقة واحدة، حيث تتحدث بعض التسريبات عن أرقام صادمة بعشرات ومئات الآلاف التي يحصل عليها الضيف في حلقات برنامج "رامز جلال".

     

أرقام صادمة حول الأجر الذي تقاضاه كل من أحمد السقا وياسمين صبري وغيرهم من الفنانين، للمشاركة في برنامج #رامز_مجنون_رسمي Amjad Toma #استديو_التاسعة

Posted by Shereen Mousa on Friday, May 8, 2020

  

بل ما يحدث هو العكس تماما، حيث يتوحّد المشاهدون مع شخصية "المجنون السادي" التي يؤديها رامز، فتلازم اللذة والألم المسبب للضحك في مشاهد البرنامج يُحفَر في عقول المشاهدين، وما إن يتعرّف العقل على اللذة فهو يطالب بتكرارها مرات أخرى، ويذهب أفلاطون إلى أن "اللذة والألم" هما الشكلان الأساسيان لحالة انفعال العقل، وهما الطريقتان الأساسيتان اللتان يفهم الكائن البشري من خلالهما ذاته، لذلك فعندما تحدث اللذة نتيجة مشهد معين، يتوحّد الإنسان مع الحالة العقلية التي تخلق تلك اللذة وذلك الاستمتاع.(6)

   

ويُشير غادامير في تحليله لمحاورة "فيليبوس" إلى أن سقراط يُفرِّق بين "لذات جسمية ولذات عقلية، لذات حقيقية ولذات زائفة، ويتحدث عن اختلاط الحقيقة بالزيف، واللذة بالألم، والأمل بخيبة الرجاء، فالشيء الذي يمكن أن يكون ممتعا والذي ننشغل به حقا ونفكر بالمتعة المتوقعة منه يمكن أن يكون مسببا للضيق والألم"(6)، حيث تظهر أقوى اللذات وكذلك أشد الآلام عندما يكون هناك "اضطراب في الروح، وكذلك عندما يكون هناك اضطراب في الجسد. حالة من الاختلاط أو الامتزاج بين اللذة والألم، مثل حالة "الحكة" (itching)، حيث تؤدي هذه الحالة إلى الشعور بالألم، لكن خدش الجلد قد يُقلِّل من هذا الشعور ويُسبِّب الراحة، لكنه يترك الجلد مقشورا والأنسجة ممزقة".

   

لذلك فلا عجب من تحذير الأطباء من هذا البرنامج، وإصدار مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية بيانا بشأنه، وقد كتب الطبيب النفسي محمد طه على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يقول: "كمية التنمر والتحرش والسخرية من الناس بالبرنامج، وهيئاتهم وسلوكهم وردود أفعالهم، تفوق بمراحل كل جهود كل الجهات التي تناهض التنمر والتحرش.

    undefined

  

كل ده يمكن تسميته ببساطة (تشويه منظم للفطرة الإنسانية) التي لا تقبل الأذى ولا تستمتع بالتعذيب ولا تضحك على دموع الناس وصرخاتهم… المشاهدات العالية للبرنامج هي بالفعل دليل على حدوث/وجود تشويه نفسي عند الناس بجد. ودي في حد ذاتها مصيبة لوحدها.. بتقول إن هذا البرنامج قد يكون ناتجا طبيعيا لتركيبتنا ودواخلنا، وكل إناء ينضح بما فيه". 

   

لكن ماذا يحدث عندما يكون مشهد "التهكم" المسبب للضحك واللذة عند المشاهد محاكاة لمشهد تعذيب، مثلما يقوم السجان بتعذيب ضحيته في السجون المصرية، ماذا يحدث عندما يقوم المهرج ومقدم البرنامج بدور السجان المستبد، الذي يحفر في عقول مئات الآلاف من المشاهدين أن آلام السجين مثيرة للتهكم والسخرية والضحك، هل سيُصدِّق أحد بعد ذلك آلام عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون المصرية أم سيضحكون منها؟

   

اللذة والألم والتطبيع مع الاستبداد

"هذا هو التطور الطبيعي للحاجة الساقعة، فيما بعد سوف يفجّرون بناية عالية في شارع رمسيس ويصوّرون رد فعل السكان ومَن مات أبناؤها ومَن هلكت زوجته.. سنضحك كثيرا جدا ونحن نرى البلهاء الذين يصرخون ويطلقون السباب بثيابهم الداخلية.. سيكون هذا رائعا وسوف يفوز المنتج بكمٍّ هائل من الإعلانات". 

(العراب أحمد خالد توفيق)

   

يعلم الجميع أن ما يحدث غير حقيقي، لكن هذه الحقيقة ليس لها أي تأثير، لأن الانفعالات والمشاعر المتولدة من مشاهد التعذيب لا تنمحي بسهولة
يعلم الجميع أن ما يحدث غير حقيقي، لكن هذه الحقيقة ليس لها أي تأثير، لأن الانفعالات والمشاعر المتولدة من مشاهد التعذيب لا تنمحي بسهولة
     

في النصف الثاني من حلقات برنامج "رامز مجنون رسمي" ينتقل "رامز" من دور المقدم والمعلق الساخر المتهكم إلى دور الشخص "المتسلط"، يقع الضيف في الفخ، يُشد وثاقه فوق "كرسي الحقيقة" الذي تدّعي المحاورة أنه صُمِّم لكشف الكذب، يظهر "رامز" من خلف الكواليس بشكل مفاجئ، تتغير لهجة صوته، يُعلن عن "تغيير قواعد اللعبة والوقوع في فخ مملكته الخاصة"، يدّعي أن وراءه فريقه الخاص من المشجعين والمشجعات، يبدأ فقرات التعذيب، يتعالى صراخ الضيف، يطلب منه "رامز" أن يغني، يذكر تفاصيل من حياته الشخصية، ليعاقبه عليها، يضحك من تألم الضيف/السجين وصرخاته فيضحك المشاهدون، ينتهي التعذيب، ويتعانق الجلاد والضحية، أو رامز وضيفه، وتنتهي الحلقة.

     

يعلم الجميع أن ما يحدث غير حقيقي، لكن هذه الحقيقة ليس لها أي تأثير، لأن الانفعالات والمشاعر المتولدة من مشاهد التعذيب لا تنمحي بالسهولة نفسها التي يتسامح بها الضيف مع جلاده، في كتابه "مفهوم التهكم" يقول الفيلسوف كيركجورد: "إن جدية التهكم ليست جادة، إن ما يقوله المتهكم قد يكون جادا بحيث يبدو كلامه صادقا للمستمع، لكن هذا المستمع عندما يكون عارفا بما يقصده المتهكم فإنه يشاركه ذلك السر الدفين الذي يكمن خلف هذا الكذب، ومن ثم يتم إلغاء التهكم أو نفيه مرة بعد أخرى"، فيُصدِّق المشاهد المحاكاة المسخية الساخرة التي يُقدِّمها المتهكم.

   

فإذا كان الاستهزاء ينتهي، فإن الهدم المصاحب له يبقى ويُطبع في نفوس المشاهدين، حيث وصف كيركجورد التهكم بأنه "نقيض لأي منحى منتظم وتأملي، فمن جوانب التهكم الخاصة به أنه عاجز عن تحمل المطلق ما عدا في شكل العدم"، وهذا الجانب الخاص بالنفي أو السلب أو التدمير لكل حقيقة تبدو مطلقة هو ما يمنح المتهكم السلطة على الآخر، وشعورا بالتفوق على الآخرين يجلب له المتعة، سلطة الارتفاع عن الواقع وتشويهه، وتُوفِّر شكلا من أشكال "الاكتفاء بالذات أو نوعا من الغلو في الثقة بالنفس".(6)

   

وبجانب السلطة التي يعطيها التهكم لصاحبه، فهناك الألم الجسدي الذي يتميز بعدم القابلية للتعبير، حيث يرفض الألم التموضع في قوالب اللغة فيصدر التعبير عنه في صورة "صراخ"، وهو الصورة البدائية للغة عند الإنسان، فينفي الألم اللغة وبالتالي ينفي وجود الإنسان الذي يُعبِّر عن نفسه ووجوده وذاته بواسطة اللغة، فيتأكد وجود وسلطة "الجلاد" عبر لغته الواضحة المنمّقة التي تنتصر على لغة "السجين" المتألم والذي يفشل في التعبير عن ألمه إلا بلغة بدائية من الصراخ. ولا تتضح سادية "الجلاد" مثل ما تتضح في فعل "التعذيب" الذي يتضمّن أفعالا محددة بغرض إيقاع الألم واستعراض وتضخيم تجربة الشعور به.(7)

    undefined

  

ورغم أن الألم الذي يُوقِعه "رامز" بضيوفه ليس بالألم المبرح الذي ينزل بالسجين، فإن ما يفعله رامز هو شكل آخر من إيقاع الألم، حيث يعتمد "رامز" على لغة عنيفة ومشاهد تُوهِم المشاهدين بوقوع الألم مدعوما بلغة "الصراخ" التي لا يستطيع أحد تكذيبها، وبالتالي يتحول الأمر برمته إلى استعراض للسلطة، فلا ينبع الألم إلا من "سلطة" أنتجته، فيتحول الألم إلى ما تسميه الكاتبة الأميركية إلين سكاري بـ "المخايلة بسلطة مطلقة"، حيث تقول: "يتضمن التعذيب في خطوطه الكبرى ثلاث ظواهر متزامنة وثابتة، ولو عزلناها إلى خطوات منفصلة ومتتابعة فستحدث بالترتيب الآتي: الخطوة الأولى هي الألم الذي يتم إيقاعه على شخص بطرق قاسية، الخطوة الثانية هي ألم متضخم باستمرار داخل جسد الشخص بالشكل الذي يجعله مرئيا لمَن هم خارج جسد الشخص، أما الخطوة الثالثة فهي إنكار أن الألم المتجسد هو ألم، والبدء في قراءته بوصفه سلطة، وما يجعل هذه الترجمة ممكنة هو الطريقة الوسواسية التي يتوسط بها الوسيط الفاعل".(7)

   

وتقصد سكاري بالطريقة الوسواسية "تزامن الألم مع الاستجواب"، حيث تحدث عملية الاستجواب في البداية كباعث على التعذيب، ثم يصبح جزءا من حلقة التعذيب نفسها، وخلال عملية الاستجواب ينزلق أسلوب الجلاد سريعا إلى الأسلوب التصريحي، ويُهيمن الأسلوب الأمري، فيهدف الألم بشكل أساسي إلى هدم ذات الشخص وتشويه شخصيته وهدم إرادته، كما يهدم الألم اللغة، وبالتالي ينكمش عالم الإنسان وتتدمر رؤيته لأي هدف خارج جسده. وبجانب وظيفة الألم في "الهدم"، تحدثت سكاري عن وظيفة أخرى للألم، خاصة الألم "غير الحقيقي" الذي يستطيع الفنانون والأدباء التعبير عنه، فيستحوذون على انتباه الآخرين، تاركين الضحايا الحقيقية للألم دون أدنى اهتمام.(7) في برنامج "رامز" يقوم ضيوفه بنفس الدور الذي تحدثت عنه "سكاري" فهم يمثلون دور الضحية المتألمة، فيستحوذون على كل اهتمام المشاهدين، بل يقوم المشاهدون بتوجيه كل طاقة التشفي والشعور بالظلم في حياتهم اليومية نحو "ضحية مصطنعة"، مثل دقيقتي "الكراهية" في رواية 1984 لجورج أورويل. وعندما ينتهي البرنامج يعود كل شيء لوضعه الطبيعي ويبقى الواقع كما هو.

   

تبدو عملية الألم التي تحدّثت عنها الكاتبة إلين سكاري في كتابها "جسد متألم: صنع العالم وتفكيكه" ذات أثر نفسي مشابه لعملية التهكم، التي تهدف إلى الاستهزاء بالآخر وهدم ذاته، إلا أن الضحك خلال عملية "الإيلام والتهكم" يُضيف بُعدا آخر للأمر، حيث يذهب الفيلسوف الفرنسي "هنري برجسون" إلى أن من شروط حدوث الضحك "غياب الانفعال أو الشعور العاطفي، فالخصم الأعظم للضحك هو الانفعال، وكي يُحدِث المضحك ما يُحدِثه من تأثير لا بد أن يتوقف القلب برهة عن الشعور".(8)

  

    undefined

  

ولفهم هذا الشرط يؤكد برجسون ضرورة تحديد الوظيفة الاجتماعية للضحك، فيقول: "تتطلّب الحياة والمجتمع الآن من الفرد كلًّا من التوتر والمرونة والقابلية للتكيف والتنبه.. أما كيف يعيش بشكل جيد فيحتاج إلى قدر كبير جدا من المرونة، ويتشكّك المجتمع في كل الميول التي تسير في اتجاه التصلب، ومن أجله ابتكرت المجتمعات تلك العلامة الاجتماعية المسماة بالضحك، كي تخدمه بوصفها أداته التصحيحية الخاصة لكل أنواع الانحرافات المضادة".(8)

   

يوضّح برجسون هنا كيف يصبح "الضحك" أداة تخلق نوعا من أنواع السلطة، تسخر من "الانحرافات المضادة" أو ما يمكن أن نسميه "الثقافات المضادة"، وتدمر أي نوع من أنواع "التصلب" والذي يمكن أن نسميه هنا "الأخلاق والقيم والرؤى المخالفة للسلطة"، سواء كانت السلطة العسكرية أو سلطة رأس المال، حيث يعلّق دكتور شاكر عبد الحميد على تحليل برجسون قائلا: "يُشير برجسون إلى أن الضحك يتعلق بجماعات منغلقة على نفسها تحاول إعادة المارقين عنها إليها، وأن الآخرين الخارجين لا يمكنهم المشاركة في هذا الضحك".(8)

   

الدور الذي يلعبه "رامز" في فرض سلطته على الآخر، الذي يكون في موقف ضعف، مقيدا، مغلوبا على أمره، مجبرا على تنفيذ ما يأمر به، وإلا تعرّض لنوع من أنواع التعذيب أو الإيلام، هو دور مشابه لدور عبد الفتاح السيسي، الذي يفرض سلطته على الشعب بالقوة ويبدو خطابه "مضحكا"، بالإضافة إلى أن البرنامج كما كتب الطبيب "محمد طه" يعطي الجمهور جرعة عنف يومية، لكنه عنف مثير للضحك يجعل المجتمع كله متصالحا مع "التعذيب والعنف"، لأن "رامز" علّمهم أن يعطّلوا انفعالهم ومشاعرهم تجاه "الضحية"، وبدلا من الدفاع عن السجين أو الضحية علّمهم الضحك عليها، لأن حسب الصورة التي يزرعها "رامز" في لا وعي ملايين المشاهدين: التعذيب والألم شيء غير حقيقي، بل تمثيلية مثيرة للضحك، وعنف يمكن التصالح معه وغفرانه بسهولة.

      

وحتى لو كان كل ذلك غير مقصود من صُنّاع برنامج "رامز مجنون رسمي" فهو بشكل غير واعٍ يُرسِّخ في عقول المشاهدين سادية الاستبداد، ويُبّرر عنف المستبد ما دام خطابه يُثير الضحك.

المصدر : الجزيرة