شعار قسم ميدان

من "عماد عقل" إلى "قبضة الأحرار".. دراما المقاومة في مواجهة سرديات الاحتلال الإسرائيلي

مسلسل "قبضة الأحرار"
مسلسل "قبضة الأحرار" (مواقع التواصل الاجتماعي)

في زمان الشاشات بمختلف أنواعها، يمكن أن ينقل مسلسل درامي ما تعجز عنه آلاف الكتب، وينفذ عبر الصورة إلى العقول والقلوب متجاوزا الحدود الجغرافية لينقل واقع الحصار وبسالة المقاومة، وهو ما تجلى في عدد من الأعمال الدرامية التي أنتجتها المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، وكان من أبرزها مسلسل "قبضة الأحرار"، وهو المسلسل الذي عاد مؤخرا إلى الواجهة بعد أن ربط الكثيرون بين مشاهده وبين ما عرضته وكالات الأنباء من مشاهد حية في يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إبان عملية "طوفان الأقصى".

استند المسلسل إلى وقائع حقيقية حدثت بالفعل عام 2018، حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية وقتها التصدي لعملية تسلل وحدة خاصة من وحدات النخبة الإسرائيلية المعروفة باسم وحدة "سييرت متكال" لخان يونس بقطاع غزة. حينها، نجحت فِرَق المقاومة في اختراق أنظمة مراقبة الجيش الإسرائيلي واستخباراته، والتصدي للفرقة الإسرائيلية، لينتهي الأمر باشتباك مسلح أسفر عن استشهاد سبعة من جنود المقاومة ومقتل ضابط إسرائيلي. كما وثَّق المسلسل كذلك أحداثا متعددة من معركة "سيف القدس" في مايو/أيار 2021 التي شهدت عمليات قصف للداخل المحتل، بالإضافة إلى اغتيال الاحتلال عددا من القيادات العسكرية للمقاومة في مجال التصنيع والتطوير خلال قصف أحد الأنفاق في مدينة غزة.

وقد أُثير الجدل مؤخرا حول تشابه الكثير من مشاهد المسلسل مع ما حدث في الواقع بعد ما يقرب من عام كامل على عرضه، حيث تظهر في بعض مشاهده دبابات الاحتلال الإسرائيلي يقودها أفراد المقاومة في شوارع غزة بعد تمكنهم من أسر جنود الاحتلال، كما تَرِد فيه العديد من التفاصيل الأخرى التي وقعت بالفعل، من بينها تفاصيل عملية التشويش على أجهزة المراقبة الخاصة بالاحتلال واختراقها، وسيطرة المقاومة على معسكرَيْ ريعيم وكدوميم، بالإضافة إلى رد فعل الاحتلال ودعم الولايات المتحدة المطلق له. وعُدَّ طرح المسلسل وقتها رؤية بالغة الجرأة وأقرب للخيال، خاصة في ظل الدعاية الرائجة حول قوة وسيطرة جيش الاحتلال واستخباراته.

 

إمكانيات محدودة

تطبع الظروف السياسية وظروف الحصار المعقدة لقطاع غزة تحديدا بطابعها الخاص على الإنتاج الدرامي، فلا يمكن تأمله بعين ناقدة بمعزل عن ظروف الحصار وتأثيراتها التي تضع الكثير من العوائق أمام كل تفصيلة من تفصيلات إنتاج العمل الفني، ما يجعل عملية الإنتاج الفني في مواجهة تحدٍّ متواصل أمام نقص الإمكانيات، ولنأخذ مسلسل "قبضة الأحرار" نموذجا.

 

طبقا لمحمد ثريا، رئيس دائرة الإنتاج الفني بحركة حماس، لم تتجاوز التكلفة الإجمالية لإنتاج المسلسل 300 ألف دولار، وهو ما انعكس على أجور الممثلين وصناع المسلسل، حيث لم يتجاوز أجر بطل المسلسل 3000 دولار مقابل 6 أشهر من التصوير. وبالإضافة إلى محدودية الميزانية، فلا وجود لاستوديوهات أو مدن إنتاج مجهزة تقنيا في قطاع غزة، وهو ما اضطر صناع المسلسل للتصوير في الأماكن العامة، أو في منازل مجهزة.

تُظهر مشاهد الكواليس كيف تُصوَّر المشاهد بكاميرات محمولة يدويا، وكيف تُلتقط المشاهد العلوية (نظرا لعدم وجود روافع للكاميرات) من خلال كاميرات الدرونز أو بواسطة مصور مرفوع على أكتاف زملائه، وقد صُوِّرت الخدع والتفجيرات بإمكانيات متواضعة تقنيا للغاية.

الإضاءة كذلك اعتمدت على تقنيات بسيطة وبدائية، ما بين مصابيح الشوارع في مشاهد الليل الخارجي، أو ضوء الشمس الطبيعي في مشاهد النهار، وهو ما يثير الدهشة بالنظر إلى الناتج النهائي وجودة الصورة البصرية الإجمالية، ربما ظهر ضعف الإمكانيات في بعض مشاهد الحركة، أو في اختيار زوايا التصوير، لكن إجمالا بذل صناع المسلسل جهدا جبارا لإخراجه بهذا المستوى الاحترافي، في ظل منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال معدات وأجهزة الجرافيك والمونتاج أو الكاميرات الحديثة إلى القطاع المحاصر منذ أكثر من ستة عشر عاما. ومن ناحية الأداء التمثيلي، تمكن أغلب الممثلين من تقديم أداء جيد، غلب عليه الصدق، وإن تميز بالمبالغة في بعض المشاهد القليلة، وهو ما يمكننا تقبله بسهولة، خاصة أن الكثير منهم من المتطوعين والهواة.

وعلى النقيض من الكثير من الأعمال الفلسطينية التي لا تحقق الزخم نفسه الذي تحققه بعض الأعمال العربية باهظة الإنتاج، وهو ما يمكن فهمه في إطار قصور ميزانية الإنتاج ومحدودية نجومية الأبطال خارج حدود المستوى المحلي، فإن "قبضة الأحرار" تحديدا تمكن من تحقيق قاعدة مشاهدة أوسع نسبيا عند عرضه في رمضان 2022، نظرا لتقديم حقوقه مجانا لعدد من القنوات في سوريا وتونس ولبنان وتركيا.

 

بدايات متأخرة

أدى وقوع فلسطين تحت نير الاحتلال الإسرائيلي لتأخر ظهور الإنتاج الدرامي الفلسطيني تلفزيونيا، وذلك رغم الظهور المبكر للمسلسلات الإذاعية الفلسطينية، الذي يعود إلى منتصف الثلاثينيات. وبحسب المؤرخ الفلسطيني نصري الجوزي المقدسي في كتابه "تاريخ الإذاعة الفلسطينية: هنا القدس 1936-1948″، بثت الإذاعة الفلسطينية عبر أثيرها عددا من المسلسلات حتى توقف البث مع النكبة في عام 1948، لتنتقل إلى الأردن ويعود البث في عام 1959 من عمان، ثم تظهر محاولة أخرى للبث من القاهرة عام 1964 باسم إذاعة صوت فلسطين.

في المقابل، تأخر انطلاق التلفزيون الفلسطيني الرسمي حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث بدأت الأعمال الدرامية المبكرة في التبلور في أعقاب اتفاقيات أوسلو، ومن بين أبرز هذه الأعمال مسلسل "ليالي الصيادين" الذي عُرض عام 1996.

 

دراما المقاومة في غزة

إعلان فيلم "عماد عقل" في أحد شوارع غزة (مواقع التواصل)
إعلان فيلم "عماد عقل" في أحد شوارع غزة (مواقع التواصل)

في قطاع غزة، كان واقع الإنتاج الدرامي مختلفا، فقد تأسست شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" عام 2006، وكانت باكورة أعمالها السينمائية هي فيلم "عماد عقل.. أسطورة المقاومة" من إخراج ماجد جندية، الذي عُرض عام 2009، وحقق نجاحا محليا كبيرا.

 

ظهرت بعد ذلك مجموعة من الأعمال الدرامية المرتكزة على واقع الحياة في القطاع المحاصر، التي تركز على المقاومة، وتفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية، بالإضافة إلى أعمال أخرى تتناول حركة المقاومة في الضفة الغربية وقضية الأسرى وغيرها من القضايا، ومن بين أبرزها مسلسلات: "الفدائي"، "بوابة السماء"، "الروح"، "حبر النار"، "حساب مفتوح".

لكن مسلسل "قبضة الأحرار" الذي عُرض في رمضان 2022 تميز بتغير منهجي في بنائه الدرامي، نظرا لتركيزه على الأبعاد الاستخباراتية والعمل الميداني.

 

مواجهة سرديات العدو الزائفة

لقد أدركت المقاومة الفلسطينية حقيقة الفن بوصفه قوة ناعمة، والدور الذي تلعبه الدراما في مواجهة سرديات الاحتلال الإسرائيلي الزائفة ومحاولات تزييف الوعي المتتالية، من خلال أبواق الدعاية سواء الإسرائيلية أو العالمية، وهو ما تجلى في المسلسل الإسرائيلي "فوضى" الذي عُرض على منصة "نتفليكس"، على مدار خمسة مواسم، وقدم سردية مضللة حول القضية الفلسطينية، وغيره من الأعمال الدرامية والسينمائية التي تكرس لسردية الاحتلال.

لذلك برزت الحاجة إلى سردية فلسطينية وطنية مقاومة، لإزاحة الستار عن الحقائق، وتقديمها في صورة تحاكي الواقع، وتُبرز دور المقاومة، وواقعها الميداني والاجتماعي أيضا، وتظهر الدراما في ذلك الإطار بوصفها صورة أخرى من صور المقاومة، فهي من ناحية تتجه للمشاهد الفلسطيني من أجل إذكاء الروح المعنوية، ومقاومة الدعاية الإسرائيلية المثبطة لتلك الروح. ومن ناحية أخرى تتجه للمشاهد العربي في محاولة لإعادة إحياء القضية ووضعها في الصدارة، والتصدي لمحاولات تشويه صورة المقاومة المسلحة.

ليس مفاجئا إذن أن تنتبه أجهزة الاحتلال الإسرائيلي للإنتاج الفني الفلسطيني، وتركز على تحليله، إذ ترى فيه نوعا مما تسميه "التحريض" على تنفيذ عمليات المقاومة، وهو ما برز في تحليلات الصحف الإسرائيلية التي تناولت المسلسل قبيل عرضه.

عقب عرض المسلسل، وفي تكريمه لأبطال وصناع المسلسل، قال رئيس المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة يحيى السنوار إن هذا المسلسل بالذات له تأثير كبير على كفاح الشعب الفلسطيني، وأضاف أن العمل الفني لا ينفك ولا ينفصل أبدا عن إعداد كتائب القسام وورش استخباراتهم ومجالات عملهم المختلفة، كما أضاف أن المسلسل يُعد "جهدا جبارا، ومدماكا مهما من مداميك مشروع التحرير والعودة". وهو التعليق الذي يمكننا رؤيته بنظرة مغايرة اليوم، فما نُظر إليه وقتها باعتباره خيالا فنيا صار حقيقة لا يمكن دحضها رغم كل الثمن الذي بُذل في سبيل تحقيقها.

————————————————————————–

المصادر:

  1.  الدراما الفلسطينيّة… التاريخ والهويّة | فسحة | عرب 48 (arab48.com)
  2.  هل نجحت في مقاربة القضية الفلسطينية؟!.. «دراما المقاومة» بين فضاء الصورة الدراميّة وواقعها الحقيقيّ –صحيفة تشرين (news.sy)
  3. من "التغريبة" إلى "أنا القدس" كيف تناولت الدراما العربية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ – BBC News عربي
المصدر : الجزيرة