شعار قسم ميدان

إليك أفضل 8 أفلام رعب في القرن الحادي والعشرين

حينما أخرج جورج ميلييه فيلم "قصر الشيطان" (Le Manoir du Diable) ذا المعالجة الكوميدية الحافلة بالهياكل العظمية المتحركة والأشباح والخفافيش عام 1896، أدرك أنه أحدث ثورة في صناعة السينما، حيث اختلف فيلمه حينئذ عن الأفلام القصيرة الأخرى بعرضه قصة متماسكة، في عصر كانت المدة الزمنية للأعمال السينمائية لا تسمح بنقل أي نوع من الرسائل العميقة. فكان المخرجون يهدفون إلى إثارة نوع من المشاعر في جمهورهم معبرين أحيانا عن فكرة سريعة دون الاهتمام ببنية الفيلم وتطور الفكرة عبرها (1)(2)(3).

 

وحده الوقت مَن كان كفيلا بتقدُّم هذه السينما، التي اتكلت في أحيان عديدة على كلاسيكيات أدبية من المسرح والرواية ليُطلق سراح فرانكشتاين ودراكولا وغيرهما من مقابر الكتب. ثم كانت الخمسينيات، حين نهضت وحوش عملاقة رآها سينمائيون تجسيدا للغضب. لتتوالى بعد ذلك الأفلام القوطية التي دار أغلبها في عقر الديار المهدَّمة والقلاع والقصور القديمة، والمناطق الضبابية ذات السواد الحالك، بشخصيات رئيسية هي مخلوقات مجهولة وخارقة للطبيعة (4)(5).

 

تواترت بعدها أعمال متنوعة من الحكايات الشعبية والخرافات والسحر وقصص الأشباح والأساطير التي تسيَّدها مصاصو الدماء، والشياطين، والوحوش، والأفراد الذين يقفون على حافة الجنون، والأرواح الشريرة، والمستذئبون (6)، ليبرهن فيلم الرعب طوال كل ذلك التاريخ الطويل على قدرته على عكس مخاوف زمنه على نحو واضح دون مراوغة.

 

"الشعوذة" (The Conjuring)

يُطلعنا "جيمس وان"، أحد أبرز صناع أفلام الرعب، على نزوعه إلى تفريغ جميع هواجسه على الشاشة بوصفه أحد أشكال الخلاص منها. ينطلق في فيلم "الشعوذة" (The Conjuring)، أحد أكثر الأفلام ربحا في القرن الحادي والعشرين بأرباح ناهزت المليار دولار، من ظلام كثيف يلف حوارا نتكهَّن أنه يجري بين شخصيتين متقابلتين، تتفوه إحداهما بالعبارة التالية: "يخيفنا مجرد التفكير في الأمر، عندما تسمع به تخالنا أشخاصا مجانين"، منوهة إلى غرقها في تلك العتمة المسكونة بالغموض، يؤكد ذلك مشهد من زاوية علوية يعطي إيحاءً بفقدان السيطرة وانهيار القوة، بينما تسرد فيه الفتاتان حكايتهما.

 

يُحدِّد "وان" أول صورة بصرية تقع أعيننا عليها في الفيلم بدُمية أنابيل ذات العينين الزجاجيتن اللتين تُحدِّقان لأعلى، لنعلم أنه قد مسَّها الشيطان. تعطي الكاميرا وجهة نظر لها ونبصر بين يديها أقلاما حمراء بديلا عن الدم، وخدوشا على صور الفتيات.

 

يؤسس ذلك المشهد الافتتاحي لتقديم أنابيل والبطلين إد ولورين وارن، وهما باحثان شهيران عن خوارق ما وراء الطبيعة، ليُعنى بعدها بحكاية رئيسة حول عائلة آل بيرون التي تنتقل حديثا إلى المزرعة، ويستعين وان في المونتاج بالقفز كثيرا عند ذروة الأحداث لإعطاء التأثير المراد، كأن تجلس الفتاة على كرسي ثم في اللقطة التي تليها نجد المقعد فارغا، كما استخدم الكثير من اللقطات المقرَّبة لإظهار المشاعر والخوف، مُنوِّعا بينها وبين اللقطات المتوسطة واللقطات الطويلة نظرا لوجود الكثير من الحركة في الفيلم، كانت تلك الأداة فاعلة حقا، وربما كانت السبب في وضع هذا الفيلم بقائمة الأعلى مشاهدة.

 

"الساحرة" (The witch)

خلافا لأسرة آل بيرون، استقر الكاتب والمخرج روبرت إيجرز أن يُقدِّم لنا عائلة موغلة في الشقاء، على أن يكون الخط الزمني الذي تسير فيه الحكاية في إنجلترا منتصف القرن السابع عشر، حيث تتواتر خرافات السحرة التي تحظى بشعبية جارفة، مثل أن تجرع دماء شخص يافع من شأنه أن يعيد للعجائز شبابهم ويديمه.

 

كانت سيرة الساحرات في تلك الآونة تبعث على الخوف، لكي ينقل إيجرز ذلك القلق الأصيل تفادى الدخان والمرايا وكل أدوات الرعب التقليدية، فاقتصر تصويره على الضوء الطبيعي والمتاح فقط، أما الملابس فصُنعت من قماش عتيق، ليُجاريه الملحن مارك كورفين باعتماده آلات موسيقية من تلك الحقبة.

 

يخترق الدين والتاريخ صلب الأحداث، في اللغة والحوار وعلى هيئة اقتباسات مباشرة، وفي قلب الحبكة نفسها، من نفي تلك العائلة إلى حدود الأحراش، ومن الشر المجهول الذي يتربص بهم، وجموح حيواناتهم وذبول محاصيلهم، وما ينتظر كل فرد منهم تباعا وصولا إلى الفتاة توماسين، وعندها تُغرق القراءات النسوية الفيلم الذي يبدأ في الإشارة الوجود الهامشي للمرأة في مستعمرات صغيرة يهيمن عليها الذكور، والظروف القاسية التي يمكن أن تؤدي بالنساء إلى الشك الذاتي والكتمان.

 

"مكان هادئ" (Quiet place)

من تأليف سكوت بيك وبريان وودز وإخراج جون كراسينسكي، يُعَدُّ هذا الفيلم واحدا من الأكثر أهمية في عالم الرعب، حيث يطبق الصمت كرها على العالم ويصبح الحديث مخاطرة محضة.

 

في مقابلة سابقة للمخرج صرَّح أنه بدأ في إنتاج الفيلم بعد أن أنجبت له زوجته طفلهما الثاني، وبدأ يفكر فيما قد يُقدِّمه لأطفاله من تضحيات، ليعكس فيلمه بكل ما يحويه من أهوال عميق حب الآباء لأبنائهم والبراءة والسعادة التي قد تكون في سبيلها للزوال، وذلك ببنية سرد كلاسيكية وتصوير سينمائي.

 

مع ندرة الصوت، يضع كراسينسكي مزيدا من التركيز على الشخصيات وقسمات وجوههم والإستراتيجيات التي يضعونها، مما يُعينه على تطوير الحبكة والشخصيات بشكل أكبر ورؤية مدى تماسك رابطة أبطاله. وحدة الأسرة تزداد قوة مع استمرار الفيلم بسبب العقبات الموضوعة في مساراتهم، لكن قمع الضوضاء يجعلهم يتوقون إلى الكلام، ليس فقط بوصفه نوعا من التعبير الإنساني، ولكن بوصفه صراخا يُعبِّر عن الغضب أو الرعب أو اليأس.

 

في ذلك السياق فإن الممثلة التي لعبت دور الفتاة ريجان كانت صماء بالفعل في الحياة الواقعية، ما ساعدها في التمثيل على التواصل مع الآخرين والارتباط بالقصة، وقد طمس المخرج جميع الأصوات في خلفية اللقطات التي عكست منظور ريجان ليساعدنا على التماهي معه تماما.

 

"المنارة" (The lighthouse)

إلى أين يمكن أن تهتدي شخوص أفلام الرعب سوى إلى منارة كتلك التي شيَّدها المخرج روبرت إيجرز في فيلمه "المنارة" (Lighthouse)؟! حجز الفيلم مكانا له بوصفه أحد أكثر أفلام الرعب النفسي إثارة على الإطلاق، يقتصر العمل على بطلين هما روبرت باتينسون وويليام دافو بوصفهما حارسين للمنارة، أحدهما ذو لحية كثيفة وساق خشبية وثمل، بينما الآخر تائه، قليل الكلام.

 

انبثق الفيلم من محاولة شقيق الكاتب المشارك ماكس إيجرز لاستحداث سيناريو من قصة المؤلف والشاعر الأميركي الرائع إدغار آلان بو "القلب الواشي" (The Tell-Tale Heart) التي تدور حول رجل يسعى لإقناع القارئ بسلامة عقله، ويسرد تفاصيل جريمته التي سبق أن خطط لها وارتكبها بحق رجل عجوز قبل أن يقوده الشعور بالذنب إلى الهلوسة. دمج الأخوان الفكرة مع قصة توماس جريفيث وتوماس هاول، الخبيرين في الحياة الواقعية اللذين خدما عام 1801 في منارة سمولز غرب بيمبروكشاير في ويلز. عندما مات جريفيث، وضع هاول الجثة المتحللة لرفيقه في تابوت وربطها بالخارج، يقال إن مشهد أحد ذراعي جريفيث الممدود في مهب الريح دفع هاول إلى الجنون.

رسم توضيحي لقصة القلب الواشي للرسام الأيرلندي هاري كلارك
رسم توضيحي لقصة القلب الواشي للرسام الأيرلندي هاري كلارك

في القصة، يجعلك إيجرز تطعن في مصداقية الراوي كما فعل بو، بل وتتوجس مما يجري وتتساءل إن كان البطلان يهذيان أم أنهما مدفوعان إلى الموت أو الجنون، يدفعنا إيجرز بالحوار وتصميم الصوت وحجم الكادرات لنكون هناك حيث تتحطم الأمواج بعنف، وتصرخ الطيور، ويتساقط المطر.

 

لعل إيجرز اختار التصوير بالأبيض والأسود والرمادي ليوفر جوا ونغمة قاتمة من اللا يقين، ولإبراز التباين بين شخصيتين بتدرجات الألوان التي تجعل من إحداهما بارزة والأخرى خافية، لنتوَّهم أنهما قد يكونان في النهاية شخصا واحدا وقد لا يكونان كذلك على الإطلاق.

 

 "بعد 28 يوما" (28 Days Later)

يشتبك فيلم "المنارة" مع فيلم "بعد 28 يوما" (28 Days Later) في النظر داخل الطبيعة البشرية والرعب الحقيقي مما يستطيع البشر فعله ببعضهم بعضا خلال الظروف العصيبة، رغم كونهما طرازين مختلفين في الرعب تماما، إذ يندرج الأخير تحت نمط رعب الوحوش، متصوِّرا مستقبلا يتفشَّى فيه وباء ويستميت فيه الجميع لإيجاد سبل خاصة للنجاة.

 

كان الفيلم الذي أخرجه داني بويل في مقدمة الأفلام التي استخدمت تقنيات التصوير الرقمي على نطاق واسع، ليمنح فيلمه طابعا وثائقيا يجعله أكثر رعبا، وأيضا لجعله أكثر ملاءمة لموضوع ما بعد نهاية العالم، موحيا كما لو كان هناك ناجٍ أخير يشغل الكاميرا بينما نراقبه. نلاحظ أيضا أن المصابين مختلفون عن الزومبي في الأفلام السابقة بعيونهم المحتقنة بالدم، والعدوانية المفرطة، والقيء الدموي، وحركتهم السريعة.

 

عبر الفيلم، طوَّر أليكس جارلاند سيناريو اهتم فيه ببناء الشخصيات كافة وتبيان دوافعهم بصرف النظر عن دورهم في الحكاية. وقد كان الروائي ستيفن كينغ من أشد المعجبين بموسيقى الفيلم التصويرية، ما يلفتنا إلى تقارب حبكة الفيلم مع رواية كينغ "الموقف" (The Stand) التي قصَّ فيها رؤية تخيلية وإن كانت مُفصَّلة عن جائحة تقضي على الأغلبية الساحقة من سكان العالم.

 

قطار إلى بوسان (Train to Busan)

لا يبتعد "قطار إلى بوسان" (Train to Busan) عن "بعد 28 يوما" في رؤية كل منهما التنبؤية لنهاية العالم وفي موكب الموتى الأحياء الزاحف بينهم، لكن المخرج الكوري "بونج جون هو"، الذي عُرف بفيلمه "طفيلي" (Parasite)، يخالف داني بويل في توجُّهه، من خلال تقديم ثيمة أنه في الأوقات العصيبة يحتاج الناس إلى التكاتف وإلا ما الذي يجعلنا بشرا في المقام الأول؟

 

يُفرِّق "بونج هو" بين أبطاله المتشبثين بالحياة حد التضحية بفعل أي شيء للبقاء على قيدها وبين مَن قد يقدمون على ما يلزم لإنقاذ الآخرين. في وقت مبكر من مراحل الإعداد للفيلم، يلقن "بونج هو" ابنته ما يشغل ذهنه قائلا: "في مثل هذا الوقت على المرء أن يحترس فقط من نفسه"، منوها إلى حقيقة كيف يمكن للذعر أن يصنع منا وحوشا أو مسوخا، وأن المسؤولية الأخلاقية تقتضي التغلب على هذه الغريزة في الأزمات وخلق قارب نجاة لعلنا جميعا ننجو معا في نهاية المطاف.

 

"بابا دوك" (The Babadook)

اعتمدت جينيفر كينت في أولى تجاربها الإخراجية على أحد أبطال كتب قصص الأطفال المخيفة وهو وحش خفي يُدعى "بابا دوك"، لتجعل منه نواة لعملها المُصنَّف ضمن إطار الرعب النفسي. يعتمر "بابا دوك" قبعة طويلة سوداء، يمتلك مخالب حادة ويحيا بين الأغلفة الحمراء الزاهية لإحدى القصص الملقاة في بيت غارق في حالة حداد تسكنه أرملة تسمى أميليا (إيسي ديفيس) وطفل سريع الغضب يطلق عليه اسم سام (نوح وايزمان).

 

لا تتوانى كينت عن صنع توليفة بين الكوميديا والسريالية وتتقن استخدام أدواتها من زوايا الكاميرا وتأثيرات الصوت والتصوير السينمائي، لتنقل لنا مزيجا من الرعب المشحون بالشوق والاستياء والآلام  التي لا تلتئم.

 

"اهرب" (Get Out)

أما المؤلف والمخرج جوردان بيل، فلا يجاهد في إخفاء القلق خلال فيلمه "اهرب" (Get Out)، بل يُسقِط هواجسه الشخصية والسياسية والاجتماعية حيال الوضع الملتهب للأميركيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة في إطار مرعب، ويبرز نظرته بلونين متعارضين يُعبِّران عن فكرته في استهلاله برجل أسمر يسير في حي من الأحياء فاحشة الثراء مفتقرا إلى الأمان، ويرتدي ملابس قاتمة ويبدو على سيمائه الارتباك، فيما تقتحم المشهد سيارة بيضاء تحاذيه على مهل، فيزداد اضطرابه.

 

يعالج بيل فكرته من خلال التركيز على الجسد، ومحاولات إخضاعه في تتابعات البداية والنهاية، وكأنه يوحي بأبدية النظرة العنصرية، وأثرها النفسي والبدني. نال الفيلم استحسان النقاد، واختاره المجلس الوطني للمراجعة ومعهد الفيلم الأميركي ومجلة تايم بوصفه واحدا من أفضل عشرة أفلام لعام 2017، كما فاز بيل بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي. إلى جانب جوائز عديدة، ضمنت للفيلم مكانا دائما له في قوائم أفضل أفلام العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

 

فتح بيل، بعد شهرة فيلمه "اهرب"، الباب للمزيد من الأفلام التي تتخذ من الرعب ثيمة لكنها بالمثل تناقش قضايا عميقة، نجحت الفكرة نفسها مع مايك فلانجان في مسلسلي "مطاردة هيل هاوس" (The Haunting of Hill House)، و"قداس منتصف الليل" (Midnight Mass)، حيث ناقش في الأول مفهوم الأسرة، وفي الثاني كانت قضية التطرف الديني أساسا واضحا للعمل الفني، وقد لاقى العملان استحسانا واهتماما واسعين، ما يفتح الباب لأعمال جديدة مشابهة في المستقبل.

——————————————————————————

المصادر:

  1. Horror Movies to Watch: Essential History of Horror Cinema (indiecinema.co)
  2.  How HorrorMovies Have Changed Since Their Beginning (nyfa.edu)
  3. The History of Horror Cinema | Classic Movies Guide (wordpress.com)
  4. [Horror Movies 101] The History of Horror Cinema: 1890-1910 – Nightmare on Film Street (nofspodcast.com)
  5. The Cinema was Made for Horror: A History of Horror (spookydaily.com)
  6. Horror Movie Guide: 8 Horror Subgenres – 2022 – MasterClass
المصدر : الجزيرة