شعار قسم ميدان

"تهديد الأريكة.. هكذا ترسم نتفليكس نهاية السينما التي نعرفها

midan - رئيسية نيتفليكس

لقد أدّت التطورات التكنولوجية الهائلة في إنتاج واستهلاك الأفلام الطويلة مرة أخرى إلى ظهور مزاعم بأن عهد السينما قد ولّى. وقد شهدت صناعة الأفلام الرقمية وتوزيعها وعرضها اختفاء الأفلام بطريقة البكرات تقريبا. كما أن توفُّر ما نريد مشاهدته، وقتما وحيثما أردنا، قد غيّر علاقتنا قطعا مع الصورة المتحركة.

  

الأخبار القائلة إن نتفليكس تعرض أفلاما جديدة لـلأخوين كوين[1] وألفونسو كوارون[2]، مع عرضها المحدود في السينما، في استعداد لموسم الجوائز الوشيك، يُنظر إليها على أنها تغيير جوهري آخر في كيفية وصولنا إلى الأفلام، وعلى وجه التحديد فن السينما "الرفيعة". لكن رغم أن عمر السينما بالكاد يزيد على قرن من الزمان، فإن اعتمادها على التكنولوجيا يعني مرورها الدائم بفترات من الاضطراب. لذا ربما يجدر بنا النظر في الإعلانات السابقة عن موت وانتهاء أكثر الفنون جمالا وشعبية، لنعرف هل يصرخ رسل الهلاك باستغاثة كاذبة مجددا؟

 

رد الفعل وإعادة الابتكار

"نهاية السينما" أُعلن عنها للمرة الأولى في أواخر العشرينيات من القرن الماضي عندما أدخل الصوت المتزامن مع الصورة إلى فيلم صامت. لكن في الواقع، الأفلام لم تكن صامتة قط، حيث دائما ما رافقت الموسيقى أي عرض سينمائي سواء كان عن طريق عازف بيانو منفرد أو أوركسترا كاملة.

 

undefined

   

ومع ذلك، ظل المتزمتون يجادلون بأن الصوت يفسد الطبيعة الفنية للسينما ويجعلها محض شكل من أشكال الترفيه الجماعي. وفي الواقع، كان على صناعة السينما أن تتغير فعلا لكي تستوعب التكنولوجيا المطلوبة لتسجيل الصوت بالإضافة إلى الصورة المرئية، وكانت هناك فترة قصيرة عجز فيها إنتاج الأفلام عن التقدم وتعثر بسبب هذه الابتكارات. ولكن في منتصف الثلاثينيات، انتشر دخول الصوت إلى عالم السينما، مما جعلها شكلا أكثر شعبية من أشكال الترفيه الجماعي، فكشفت عن باقة هائلة من الحوارات التي خُلّدت وحُفرت في الذاكرة.

   

تهديد الأريكة

جاءت العثرة الرئيسية التالية في طريق السينما بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية عصر المستهلك. حيث شهدت الطفرة الاقتصادية التي حدثت بعد الحرب استقبال وتوظيف مجموعة من الأجهزة المنزلية الجديدة على نطاق واسع. أجهزة مثل الثلاجات، وأنظمة الهاي فاي، وكذلك أجهزة التلفزيون؛ كانت العدو الجديد لصناعة السينما. وعندما مكث الناس في المنزل لمشاهدة التلفزيون بدلا من الذهاب إلى دور السينما، تغيّر وجه صناعة الأفلام. فصنعت الأستوديوهات الرئيسية عددا أقل من الأفلام وركزت على صنع أفلام أكثر إثارة وإبهارا للمشاهد. كما استخدمت تقنية التصوير بالألوان "تكنيكولور" وعرضت على شاشات عرض واسعة، وصممت لتكون متمايزة ومختلفة تماما عما هو متاح في المنزل.

 

غير أن هذا الركود في إنتاج الأفلام لم يدم طويلا؛ إذ سرعان ما وجدت الأستوديوهات الكبيرة طلبا شرها على منتجات الشاشة الصغيرة الناشئة. وسرعان ما أقام معظمهم أقساما تلفزيونية لإنتاج مسلسلات مصورة لتعرض في المحطات التلفزيونية. وهكذا تبيّن أن رياح التلفزيون جاءت كما تشتهي سفن هوليوود.

 

جاءت الأزمة التالية في أواخر السبعينيات مع إدخال أجهزة الفيديو المنزلية لتسجيل وتشغيل البرامج والأفلام من البث التلفزيوني. كان هناك ركود آخر في حضور جمهور دور السينما، غير أن ذلك رجع لمجموعة متنوعة من المشاكل أبرزها الوضع السيئ للعديد من دور السينما التي كانت في كثير من الأحيان قديمة وبالية وفي مواقع غير مناسبة. قوبل الفيديو المنزلي بفترة وجيزة من الهستيريا والفزع قبل أن تدرك الأستوديوهات أن هناك الآن طلبا على أشرطة فيديو مسجلة من الأفلام الكلاسيكية، وهي الأفلام ذاتها التي كانت تستهلك مساحة كبيرة في أرشيفاتهم. دبّت الحياة فيها من جديد، بتكلفة إنتاج صفر، وجلبت سيلا هائلا من الإيرادات.

  

undefined

   

أدّى ذلك أيضا إلى نمط جديد في توزيع الأفلام. فقد أصبح للفيلم الآن فترة عرض في السينما، ثم يصدر منه نسخة فيديو ثم يُباع إلى شبكات البث ليُعرض على التلفزيون. مرة أخرى، كان هذا "الموت" المزعوم ولادة جديدة مُجزية، استمرت مع اختراع الدي في ديDVD) [3)  والبلوراي[4] (Blu-Ray). في الواقع، كانت المشكلة المتكررة في صناعة السينما هي التراخي وعدم القدرة على رؤية الفوائد المحتملة للتكنولوجيا الجديدة. إن أحدث الثورات على السينما وهي عرض الأفلام والبرامج التلفزيونية على أجهزة رقمية هي أكثر إشكالية، وهي ثورة حملت آثارا خطيرة على أستوديوهات هوليوود الكبرى (التي هي الآن مجرد ترس في عجلة الشركات متعددة الجنسيات المعولمة).

 

الجوائز وسهولة الوصول

تطوّرت شركات أمازون وأبل ونتفليكس من كونها أنظمة تسليم لتصبح شركات ترفيهية كاملة وقائمة بذاتها. لتنتج وتوزع منتجاتها وتعرضها لجمهور عالمي ضخم، وتوفر ميزانيات تقزّم تلك الخاصة بالأستوديوهات. ومع الوعد بجوائز الأوسكار والسعفة الذهبية في المستقبل، فإن اعتراف النقاد واحترامهم لها سيجعلها القوى الرئيسية في صناعة الأفلام.

 

إذن، هل هذا هو موت السينما (مجددا)، أم أنه تحوّل آخر لصناعة عالمية بما يتناسب مع العادات والفرص المتغيرة؟ في الواقع، فاز فيلم "روما" للمخرج ألفونسو كوارون فعلا بالأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي في عام 2018، وعادة ما كان [1] ليتعيّن علينا الانتظار لمدة عام تقريبا لنرى الفيلم ريثما ينهي جولته في المهرجانات والجوائز. إلا أن الفيلم يتوفر الآن على نتفليكس كي يشاهده الجميع في منازلهم. فهل يمكن أن تصبح تجربة مشاهدة فيلم في دار السينما مجالا حصريا للأفلام الضخمة ذات الميزانيات الكبيرة التي توظف تقنيات مثل "3D Ultra-HD" و"4DX" وكل فائض فني آخر يصبح متاحا؟

  

ستحتاج شركات الإنتاج الجديدة إلى مخاطبة المشكلات والفرص الجديدة التي سيتعيّن عليها مواجهتها قريبا
ستحتاج شركات الإنتاج الجديدة إلى مخاطبة المشكلات والفرص الجديدة التي سيتعيّن عليها مواجهتها قريبا
   

في الواقع، إن الحضور بالسينما ينتعش، فالحضور في عام 2018 هو الأعلى منذ عام 1970، لذلك تظل بعض الطرق التي نستهلك فيها السينما كما هي تقليدية تماما. وما يُشكّل تحديا -وفرصة- هو القدرة على اختيار مجموعة أوسع من الأفلام والوصول الفوري لها.

 

أصبحت سهولة الوصول الآن هي الميزة الرئيسية لمنصات العرض، ولكن حتى هذا سيكون في حالة تقلب مستمر حيث إن التكنولوجيا دائمة التطور. وستحتاج شركات الإنتاج الجديدة هذه إلى مخاطبة المشكلات والفرص الجديدة التي سيتعيّن عليها مواجهتها قريبا. وسيدركون قريبا أن السينما لا تموت أبدا، إنها فقط تتغيّر.

—————————————–
الهوامش:

(1) جويل ديفيد كوين وإيثان جيسي كوين، يعرفان بلقب الأخوين كوين، فهما يكتبان ويخرجان وينتجان أفلامهما معا، وهما من أشهر صانعي الأفلام.

(2) مخرج ومنتج وكاتب سينمائي مكسيكي، من أشهر أفلامه هاري بوتر وسجين أزكابان وفيلم جاذبية لساندرا بولوك.

(3) قرص الفيديو الرقمي.

(4) قرص لتشغيل ملفات الملتيميديا مثل الفيديو والصوت والألعاب والصور وصدر كقرص مطوّر عن الدي في دي.

————————————————————

ترجمة (سارة المصري)

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة