أهالي أطفال متلازمة داون في الأردن يروون قصصهم

من زفاف ابراهيم الرشدان - الجزيرة
عدم التفريق بين إبراهيم الرشدان المصاب بمتلازمة داون وبين إخوانه وأقرانه ومعاملته بشكل طبيعي جعل منه شخصية مميزة كما تقول والدته (الجزيرة)

عمان – "كلمة السر في تميزه كانت عبر معاملته بشكل طبيعي وعدم التفريق بينه وبين إخوانه وأقرانه، فقد كان يخرج ويلعب ويُكافَأ ويُعاقَب، مما رسخ لديه ثقة بالنفس جعلت منه شخصية مميزة". بهذه الكلمات تصف أم إبراهيم الرشدان تعاملها مع ابنها إبراهيم (36 عاما) المصاب بمتلازمة داون.

تتحدث أم إبراهيم للجزيرة نت عن بداية القصة قائلة "لم نكن نُدرك عندما علمنا أن طفلنا مصاب بمتلازمة داون ما معنى هذه الكلمة. أصابتنا الصدمة. أسدى لنا الطبيب نصائح، ووجهنا للقراءة عن كيفية التعامل مع هذه الحالة. وبالفعل، كان البيت مدرسة إبراهيم الأولى وسر نجاحه".

يعمل إبراهيم اليوم في فندق مصنف "5 نجوم" في الأردن، وقد حصل على هذه الفرصة بالتعاون مع مبادرة "متلازمة داون معنا.. حياتنا لها معنى". وهو متزوج منذ نحو سنة، ويعيش مع زوجته حياة سعيدة ويقوم بواجب أسرته على أكمل وجه.

ابراهيم الرشدان يعمل في فندق مصنف خمسة نجوم وتزوج العام الماضي _ الجزيرة
إبراهيم الرشدان يعمل الآن في فندق مصنف 5 نجوم وتزوج العام الماضي (الجزيرة)

وتوضح والدة إبراهيم أن احتواءه من جانب محيطه، وتعاملهم معه بشكل طبيعي ساهم إيجابا في قصة نجاحه. وتوجه رسالة إلى كل أم ترزق بطفل من مصابي متلازمة داون، بأن لا تحزن لأنها هدية ورزق من الله لها، وقد اختارها الله لهذه المهمة السامية في تنشئته.

"متلازمة داون معنا.. حياتنا لها معنى"

بدأت قصة انتصار الخطيب، مؤسسة مبادرة "متلازمة داون معنا.. حياتنا لها معنى" منذ الطفولة، فهي تكبر شقيقيها المصابَيْن بمتلازمة داون، أيمن وأمجد، بـ3 و5 سنوات على التوالي، ولم يؤثر وجودهما على العائلة إلا إيجابا، بسبب ثقافة الأهل ووعيهم.

وتوضح الخطيب، في حديثها للجزيرة نت، أن شقيقيها نالا الرعاية والعناية، وحققا قصة نجاح مميزة، إذ عمل أحدهما في شركة للورق الصحي لمدة 15 سنة، في حين أبدع الآخر بعمله في نسج البسط إلى أن توفاهما الله، وهو ما ألهم الخطيب توثيق قصتهما وتأسيس مبادرة متخصصة تُعنى بهذه الفئة.

تقود الخطيب، منذ 10 سنوات، فريق عمل من أهالي أطفال متلازمة داون يتعاونون في ما بينهم بعقد نشاطات تفاعلية لأطفالهم وتوعوية للأهالي. وقد أنجزت المبادرة عشرات الفعاليات في تفعيل برنامج التوظيف الذي شمل قرابة 20 شخصا من المصابين بالمتلازمة، فضلا عن نشر المقالات المتخصصة في الموضوع.

من نشاطات المبادرة - الجزيرة
من أنشطة المبادرة التي ينفذها الأطفال المصابون بمتلازمة داون (الجزيرة)

الاهتمام أولا

تقول الخطيب إن الاهتمام بأطفال متلازمة داون منذ اليوم الأول لولادتهم يمنحهم فرصة مثالية للحياة والتميز، وكلما اندمج المصاب واستفاد من التدخل المبكر، زاد ذلك من فرص تميزه وحتى تفوقه على أقرانه، أحيانا، كما حصل مع الفتاة روان الدويك التي حفظت القرآن الكريم كاملا.

رمضان فرصة للدمج

بدعم وتوجيه من المبادرة، يشكل رمضان المبارك فرصة للأهالي لدمج أطفالهم في المجتمع ومعايشتهم أجواء الشهر الفضيل من خلال إقامة الأنشطة المختلفة. فقد نظمت المبادرة في بداية رمضان الحالي حملة نفذها الأطفال المصابون بمتلازمة داون لتوزيع وجبات الإفطار على رجال الأمن.

كما وجهت المبادرة الأهالي لتوثيق أجواء تزيين المنزل بزينة رمضان من الأطفال المصابين بالمتلازمة، ابتهاجا بهذا الشهر ودفعهم إلى التسوق واختيار الزينة التي يرونها مناسبة، بالإضافة إلى مستلزمات رمضان المختلفة.

دمج الطفل في المجتمع يرفع من ثقته بنفسه وتميّزه - الجزيرة_
دمج الطفل في المجتمع يرفع من ثقته بنفسه وتميزه (الجزيرة)

 

تقبل الأهل لإصابة طفلهم

تُعرف متلازمة داون بأنها اضطراب كروموسومي أو جيني يمتلك المصاب بها كروموسوما زائدا، أو خللا في كروموسومات الخلية، ويصاب بها واحد من كل 800 إلى 1000 طفل يولد في العالم. وسُميت المتلازمة بهذا الاسم نسبة إلى الطبيب البريطاني جون داون.

وبحسب ميسرة فياض، المتخصصة في التربية الخاصة، فإنه من الطبيعي حصول صدمة عند تلقي الأهل خبر إصابة طفلهم بالمتلازمة. وتمر هذه الصدمة بمراحل، بين الرفض والامتناع عن التصديق، مرورا ببداية التقبل ثم محاولة إيجاد المساعدة. ويختلف هذا الأمر بين أسرة وأخرى، مما يؤثر على سرعة تلقي العناية والمساعدة.

وتشرح فياض، في حديثها إلى "الجزيرة نت"، أن من الأمور التي تعجل في تقبل الأهل لهذا الشيء هو حجم الدعم الأسري الذي يتلقونه، وكذلك عدم تأنيب الذات والغير والسؤال المتكرر "لماذا جاءنا هذا الطفل"، بالإضافة إلى الاحتكاك بأشخاص وأسر أخرى مرت بتجارب مماثلة، علما بأن تحسن الطفل ينعكس على الأهل إيجابا.

إحدى نشاطات المبادرة التي تسعى فيها لدمج المصابين بمتلازمة داون في المجتمع - الجزيرة
إحدى نشاطات المبادرة التي تسعى فيها لدمج المصابين بمتلازمة داون في المجتمع (الجزيرة)

إلى أي حد يمكن للمصاب أن يتقدم ويتحسن؟

تقول فياض إن حجم التحسن لدى الحالة يعود إلى عوامل عدة، أهمها شدة الإعاقة العقلية، فهناك حالات مختلفة لمصابي داون، بين حالات إعاقة عقلية بسيطة وشديدة. ومن العوامل، أيضا، التدخل المبكر جدا وإسعاف الحالة عن طريق البرامج المتخصصة بهدف ردم الفجوة بينه وبين أقرانه، وكذلك الاهتمام النفسي وشعور المصاب بأنه مقبول وعدم الانزعاج من وجوده.

دور القبول المجتمعي

هناك تعويل كبير على المجتمع في جعل الطفل المصاب شخصا مقبولا، مثل أي شخص عادي. وتقول فياض إن التقبل الاجتماعي يؤثر بشكل إيجابي ويخفف كثيرا من العبء وثقل المشكلة على الأهل، وكذلك على الطفل، بحيث لا يتلقى الأخير عطفا زائدا غير مبرر يُشعره بالنقص جراء رفض المجتمع له.

وتشدد على أهمية توفير الأماكن المؤهلة لهذه الحالات، التي تساعد المصاب على أن يخرج ويشارك وينتج ولا يبقى حبيس المنزل من دون فائدة منه، مشيرة إلى أنه عند تأهيل هذه الفئة فإنها تنجز أعمالا مبهرة ومميزة، فضلا عن إثبات كبير لقدراتها.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي