تحذير من انخفاض سن بلوغ الفتيات بعد جائحة كورونا.. هل من حلول؟

نتيجة لزيادة حالات البلوغ والحيض المبكر زادت الحالات الواردة لأطباء أمراض النساء (شترستوك)

لا نزال حتى اليوم نكتشف آثارا صحية جديدة تركها فيروس كورونا في جسم الإنسان؛ ربما آخرها ما ورد حول انخفاض سن البلوغ إلى عمر 8 سنوات عند الفتيات، وبحسب تقرير نشرته صحيفة "ملّييت" (Milliyet) التركية ويشير إلى أن تأثير جائحة "كوفيد 19" على الطفلات كان مدمرا أكثر مما كان يُعتقد.

وفي الحقيقة، فإن هذا أصبح ظاهرة عالمية وليس في تركيا وحدها، فحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية (Washington Post) مؤخرا، فقد تم الإبلاغ عن أعداد هائلة من حالات البلوغ المبكر بين الفتيات خلال الوباء.

وفي هذا الصدد؛ نقلت الصحيفة التركية عن أخصائية أمراض النساء والتوليد؛ الدكتورة أوزليم أوزيلماز، تحذيرها الأهالي بقولها "الفتيات من سن 8 إلى 9 سنوات، مع عائلاتهن، يطرقن أبواب أطباء أمراض النساء بشكوى (الحيض المبكر)، ومع انخفاض سن البلوغ؛ يزداد خطر الإصابة بأورام الدماغ، واستسقاء الرأس، والورم العصبي الليفي، وأمراض الغدة الكظرية، وظهور الكتل في المبيضين، ولهذا السبب، من المهم جدّا اتخاذ الاحتياطات المبكرة فيما يتعلق بالبلوغ المبكر".

والبلوغ المبكر غير شائع، حيث يؤثر على واحد من بين كل 5 آلاف إلى 10 آلاف طفلة، وهي أعلى عند الفتيات بحوالي 10 مرات مقارنة بالفتيان، ولكن منذ أن بدأ الوباء، لاحظ الأطباء والآباء في جميع أنحاء العالم زيادة كبيرة في سن البلوغ المبكر، وفي بعض الحالات ، تبدأ فتيات لا تتجاوز أعمارهن 5 سنوات في تكوين أثداء، وتبدأ الدورة الشهرية لبعض الفتيات منهن في سن 8، وذلك حسب ما ذكرت منصة "ويب ميد" (Web MD) في تقرير لها مؤخرا.

وفي هذا السياق قالت الدكتورة أدياها سبينكس فرانكلين، طبيبة الأطفال في مستشفى الأطفال في مدينة تكساس، لوسائل الإعلام "لقد لاحظت أن عددا من مريضاتي الصغيرات حصلن على الدورة الشهرية بعد الإغلاق" أثناء جائحة كورونا.

معاناة بلوغ الفتاة بعمر 8 أو 9 سنوات فقط ستسبب لها صدمات جسدية وعقلية واجتماعية (شترستوك)

المزيد من حالات البلوغ المبكر

وتُعرف هذه الحالة التي تُسمى أيضا البلوغ المبكر (Precocious Puberty)، على أنها تغييرات مرتبطة بالبلوغ في وقت أبكر من المعتاد أو المتوقع، والتي تبدأ في حوالي سن 8 للفتيات وسن 9 بالنسبة للأولاد، ويمكن أن تحدث أحيانا بسبب متلازمات وراثية أو مشاكل في الجهاز العصبي المركزي أو أورام في المبيض أو الغدد الكظرية أو الغدة النخامية أو الدماغ.

وأفادت وسائل الإعلام بأن أطباء الأطفال في جميع أنحاء العالم أبلغوا عن المزيد من حالات البلوغ المبكر، بما في ذلك في الولايات المتحدة والهند وإيطاليا وتركيا. ووجدت دراسة حديثة أنه تمت إحالة أكثر من 300 فتاة إلى 5 مراكز لأمراض الغدد الصماء للأطفال في إيطاليا بين مارس/آذار وسبتمبر/أيلول 2020، مقابل 140 إحالة خلال الفترة نفسها في عام 2019، وذلك حسب ما ذكر التقرير السابق.

وفي دراسة أخرى أجريت في تركيا، أبلغت عيادة الغدد الصماء للأطفال عن 58 حالة خلال العام الأول للوباء، مقارنة بـ 66 حالة إجمالية خلال السنوات الثلاث السابقة.

وعودة إلى تقرير صحيفة "ملّييت" التركية التي أشارت إلى أن متوسط ​​سن البلوغ في تركيا هو 12 عاما، بينما أكدت الدكتور أوزليم أوزيلماز ما توصلت إليه الدراسات المذكورة "خلال السنوات الأخيرة؛ انخفض سن البلوغ، وخاصة في أميركا وأوروبا، وفي الدراسات العلمية التي أجريت في تركيا تم الإبلاغ عن زيادة حالات بدء نمو الثدي في الأعمار المبكرة فقط، لكن خلال فترة الوباء؛ زادت حالات "الحيض المبكر" بشكل ملحوظ، وسيتم عرض هذا الموضوع في الدراسات التي ستجرى في المستقبل القريب".

صدمات جسدية وعقلية واجتماعية

وتابعت الدكتورة أوزيلماز قائلة "نتيجة لزيادة حالات البلوغ والحيض المبكر؛ زادت الحالات الواردة لأطباء أمراض النساء، وقدم الأهل شكاوى مختلفة "طفلتنا تعاني من الدورة الشهرية"؛ "لديها حيض غير منتظم"؛ "تعاني من آلام وغثيان خلال الدورة الشهرية"، "تعاني من نزيف غزير"، "لونها شاحب"، "أصيبت بفقر دم".

ولك أن تتخيل فتاة عمرها 8 أو 9 سنوات فقط؛ تعاني من أعراض مماثلة لتلك التي تصفها امرأة تبلغ من العمر 20 أو 30 عاما، فهذا الموقف سيسبب صدمات جسدية وعقلية واجتماعية، ولهذا يجب على العائلات مراقبة نمو أطفالهم بعناية شديدة والتواصل مع الجهات المختصة في الوقت المناسب".

.. بعد سن البلوغ؟ كيف تخرج من تنافس الأخوة
على العائلات مراقبة نمو أطفالهم بعناية شديدة والتواصل مع الجهات المختصة في الوقت المناسب (شترستوك)

هل الوباء هو سبب البلوغ المبكر؟

وذكرت الصحيفة التركية أن هناك العديد من العوامل الجينية والبيئية التي تؤثر على سن البلوغ، وبهذا الصدد تقول الطبيبة أوزيلماز "إن أهم عوامل الخطر التي أدت إلى هذه الزيادة الخطيرة في معدلات البلوغ المبكر، وخصوصا خلال العقدين الماضيين، هي تلوث الهواء والمواد الكيميائية الضارة في المنتجات البلاستيكية، وخاصة الألعاب، والمواد المضافة إلى الأطعمة والمشروبات، والوجبات الغذائية الجاهزة، وزيادة السمنة، إضافة إلى إدمان التكنولوجيا وحياة الخمول التي جلبتها معها. وخلال فترة الجائحة، زاد التعرض لكل هذه العوامل بشكل ملحوظ، وبالتالي زادت حالات (الحيض المبكر)".

مخاطر صحية

وتضيف الطبية أوزيلماز أن "انخفاض سن البلوغ يزيد من مخاطر الإصابة بأورام الدماغ، واستسقاء الرأس، والورم الليفي العصبي، وأمراض الغدة الكظرية، وتكيسات المبيض. إضافة إلى أنه بعد حدوث البلوغ المبكر، يحدث نمو سريع في الطول والوزن عند هؤلاء الطفلات، وبعد فترة قصيرة تغلق صفائح النمو في العظام. وبالتالي لا يصل هؤلاء الطفلات إلى الطول المُتوقع لهن في علم الوراثة. وبينما هن أطفال؛ سيعانين من قصر القامة، ويعتقدن أنهن غير كفؤات جسديا، رغم أنهن يتمتعن بخصوبة تامة، وهذه العوامل سيكون لها تأثير مدمر؛ عقليا واجتماعيا، على هؤلاء الطفلات".

أصوات البشر
الخمول  الذي جلبته الجائحة زاد استهلاك الوجبات الجاهزة وإدمان التكنولوجيا وبالتالي زادت حالات الحيض المبكر (غيتي)

يجب تحديد السبب بشكل صحيح

وتشرح أوزيلماز أسباب البلوغ قائلة "البلوغ هو مرحلة النضج. بمعنى آخر؛ هي فترة انتقالية جسدية ونفسية بين الطفولة والنضج. ورغم أن هذه المرحلة المهمة في حياة الإنسان تستمر حوالي 4 سنوات، فإن آثارها تستمر بالظهور حتى سن الـ20 أو الـ21".

وتضيف "إذا أردنا فهم سن البلوغ على وجه التحديد لدى الفتيات، فيمكننا القول إنها فترة من التغيير متعدد الأوجه، تتضمن استعدادا جسديا وعقليا للخصوبة. وخلال هذه الفترة؛ تنمو وتتوسع بعض المناطق مثل الصدر والوركين، ويبدأ الجسم باتخاذ شكل أنثوي، ويبدأ إنتاج البويضات من المبايض، وبالتالي تبدأ الدورة الشهرية، ويحدث أيضا نمو للشعر في أجزاء مختلفة من الجسم، وخاصة في منطقة العانة وتحت الإبط. وإذا بدأ نمو الثدي وشعر الإبط والعانة قبل سن الثامنة، وحدث الحيض الأول دون سن العاشرة، فإن هذه الحالة تسمى بلوغا مبكرا".

وأوضحت أنه "تبعا لأسباب البلوغ المبكر يمكن تصنيفه إلى نوعين: "البلوغ المركزي" عندما يكون منشأه من الدماغ، أي محور الوطاء-الغدة النخامية، بينما يسمى "بلوغا محيطيا" إذا نشأ عن تأثير الغدة الكظرية على المبايض؛ حيث يتم إنتاج الهرمونات".

البلوغ المبكر مسألة تتطلب العلاج

وتشير الطبيبة -كما ينقل الموقع- إلى أن أكثر ما يزعج الأهل في هذه الحالات معاناة طفلاتهم من قصر القامة، وفيما يخص التدابير العلاجية تقول "أثناء مرحلة التشخيص، يتم فحص نسبة الهرمونات، وتحديد عمر العظام، وبواسطة الموجات فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي؛ يتم فحص المبيض والرحم والغدة الكظرية والدماغ. وإذا تبين أن سبب البلوغ المبكر هو أورام المخ، أو استسقاء الرأس، أو أمراض الغدة الكظرية، أو تكيسات المبيض، عندها يكون التدخل الجراحي أمرا مطلوبا، مع الانتباه إلى أن كتل المبيض عادة ما تكون عبارة عن تراكيب كيسية بسيطة؛ في هذه الحالة لا ينبغي التسرع في إجراء عمل جراحي".

وتستكمل الطبيبة وتقول "إذا كانت هناك مشكلة وزن عند الطفلات، فمن المهم دعم النظام الغذائي وممارسة الرياضة واعتماد الأكل الصحي واكتساب عادات غذائية طبيعية وصحية بعيدة عن المنتجات التي تحتوي على مواد كيميائية ضارة. وفي حال تبين أن البلوغ المبكر يتطلب علاجا هرمونيا؛ يتم إعطاء مضاد للهرمون المطلق لمواجهة الغدد التناسلية (GnRH)، بحقن شهرية وربع سنوية، بينما يتم كبت هرمونات التكاثر المرتفعة حتى حلول وقت البلوغ الطبيعي، ولهذا يجب إبقاء هؤلاء الطفلات تحت المراقبة كل 3 أشهر".

المصدر : الواشنطن بوست + ملييت + مواقع إلكترونية