تعزل حرارة الطعام وتحفظ النكهة.. أسرار "البقجة السحرية" في التراث الفلسطيني

تصل نسبة العزل داخل البقجة إلى 90% تقريبا، مما يجعلها تحافظ على الطعام ساخنا أو باردا (الجزيرة)

لندن- بين الموروثات القديمة والتجارب البشرية الحديثة، جاءت البقجة في صورتها المطورة، والتي تعد من عادات طهي الطعام في البيوت قديما، حينما كانت السيدات يضعن وعاء الطعام (طنجرة) بعد طبخه على النار لفترة بسيطة، ويحكمن غلقها داخل بطانية كبيرة حتى تحفظ الحرارة داخلها لتتم عملية طهي الطعام بصورة تلقائية ويظل ساخنا لفترة طويلة.

وفي جنوب أفريقيا، حاول المختصون بالبيئة الوصول لحل بديل لاستنزاف الغابات وقطع الأخشاب لاستخدامها في طهي الطعام، فكانت البقجة الحل الأمثل، لتوفير الطاقة والموارد الطبيعية والمال والجهد أيضا.

البقجة واستخدامها الآمن في وجود الأطفال

كان هذا طرف الخيط الذي أمسكته السيدة ريم رمضان من الأردن وصاحبة مشروع البقجة السحرية "ماجيك باج" الذي طورت فيه صورة البقجة التقليدية بصورة مبتكرة لتتماشى مع العصر الذي نعيشه، فهناك أشكال وألوان متنوعة منها وأحجام مختلفة لتناسب احتياجات كل بيت.

وساعدها في تحقيق ذلك مجموعة من السيدات في الأردن، فهن يصنعن البقجة يدويا، ثم يصدرنها إلى الدول المختلفة، مثل كندا وأميركا، وبريطانيا، ودول أوروبا، ودول الخليج العربي.

تحكي آلاء المعالي، فلسطينية أردنية، والمسؤولة عن توزيع البقجة في بريطانيا ودول أوروبا "لا تقوم البقجة فحسب بالاحتفاظ بالطعام ساخنا، ولكنها أيضا تعمل على طهيه كما يفعل صانع الطعام البطيء الكهربائي (سلوو كوكر)، بصورة أكثر أمانا".

وتضيف آلاء للجزيرة نت "على عكس الأوعية الأخرى فهي لا تصدر حرارة خارجية، لذلك فهي آمنة على الأطفال وليست موصلة بأسلاك كهربائية، وتستطيعين حملها مثل الحقيبة والتنقل بها إلى أي مكان، ويمكنك تنظيفها داخل غسالة الملابس والحفاظ عليها لسنوات طويلة، ولها استخدامات أخرى في تخمير العجين، وترويب اللبن".

البقجة صديقة السيدات العاملات

وتكمل آلاء حديثها عن استخدامات البقجة "تصل نسبة العزل داخل البقجة إلى 90% تقريبا، مما يجعلها تحافظ على الطعام ساخنا أو باردا، فالأكل المجمد يظل مجمدا لساعات طويلة. والأهم من ذلك أن البقجة تكمل طهي الطعام، فقط تحتاجين أن تضعي الطنجرة على النار مدة زمنية بسيطة تتراوح بين 10 إلى 15 دقيقة أو نصف ساعة، وفق نوع الطعام، ثم تغلقي عليها وتضعينها في البقجة، والتي بدورها تكمل التسوية ببطء عن طريق الاحتفاظ بالحرارة الداخلية".

وتواصل آلاء حديثها عن فوائد البقجة "وهي بذلك تعمل على توفير الكهرباء والغاز بصورة كبيرة ملحوظة، كما توفر الوقت والجهد الذي تقضيه المرأة في المطبخ وهي تسوي الطعام على الموقد وتراقبه وتقوم بتقليبه كل دقيقة خشية أن يلتصق بالطنجرة أو يحترق، وتحتاج لزيادة المياه داخله في بعض الأحيان".

ولكن البقجة لا تحتاج لذلك، فهي تحتفظ بالسوائل في الطعام حتى انتهاء تسويته ولا يوجد ضرورة لتقليبه بين الحين والآخر، فهي توزع الحرارة الداخلية بين المكونات بصورة تلقائية. كما أنها تعد صديقة السيدات العاملات، فيمكن للمرأة العاملة تحضير الطعام ووضعه داخلها والذهاب لعملها بأمان، لتعود فتجد الطعام ساخنا وجاهزا للتقديم.

اقتناء البقجة من أجل رمضان

ويرىِ البعض أن الطعام يصبح مذاقه أطيب، حيث إن البقجة تحتفظ بالتوابل والبهارات داخلها، بعكس الطهي على الموقد، إذ تخرج الرائحة وتملأ البيت، ليظل الطعام ساخنا داخلها بدرجة الغليان من 6 إلى 8 ساعات تقريبا، وكلما كان هناك سوائل في الطعام ظل ساخنا وقت أطول.

وفي شهر رمضان، اشتراها الكثيرون للمساعدة في طبخ الأصناف المختلفة وخاصة في التجمعات العائلية والعزومات، فعن نفسها تستخدمها آلاء وتجهز الطعام من الظهيرة وتستمتع به جاهزا وقت المغرب.

وعن الخامات التي تصنع منها البقجة اعتذرت المعالي عن ذكرها فهي "سر المهنة" كما قالت، وأكدت على جودة الخامات المستخدمة في تصنيعها، سواء نوع القماش الداخلي والخارجي، أو الكرات الحرارية التي توجد داخلها والتي تحتفظ بحرارة الطعام وتعمل على تسويته، وهي من أفضل الأنواع على المستوى العالمي، وقد أعربت عن أسفها لمحاولة البعض تقليد البقجة الأصلية، والتي -على حد وصفها- لم يستطع أحد أن يصنعها بنفس الجودة التي تميزهم وخاصة الخياطة اليدوية التي تصنعها السيدات في الأردن.

أبو جوليا سر نجاح المشروع

وأعربت آلاء عن امتنانها لدور "أبو جوليا" الشيف الشهير على منصات التواصل الاجتماعي، في الترويج لمشروع البقجة، وتصوير بعض حلقاته وهو يستخدمها مشيرا إلى أهميتها في الحفاظ على الطعام ساخنا واستكمال عملية الطهي داخلها، مما أثر بشكل ملحوظ على نسبة مبيعاتها وزيادة الطلب عليها.

 

ووصف أبو جوليا البقجة بأنها "أحلى اختراع في الدنيا" رغم كونها عادة قديمة، حينما كانت الجدة تطبخ "المقلوبة" وتلفها في شوال أو حرام وتحملها بالعصا، وتذهب إلى الجد الذي يعمل في الأرض ليتناول الطعام.

المصدر : الجزيرة