كيف تغلبت النساء على نقص القمح في الحروب؟

لم تستسلم النساء أبدا في أزمنة الحروب والأوبئة، وابتكرن أطباقا وأطعمة بالمتاح لديهن.

وضع الدقيقُ الأمهات في زمن الحرب العالمية الأولى بمأزق إطعام أبنائهن (مواقع التواصل الاجتماعي)

بعد وقت قصير من حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب متلفز على التلفزيون الروسي الرسمي الأربعاء الماضي، بددت أصوات الانفجارات هدوء الفجر في العاصمة الأوكرانية كييف.

العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قوبلت بعقوبات أميركية وأوروبية ووعود بمزيد من العقوبات، وهو ما جعل خبراء إستراتيجيين يتوقعون تفاقم مخاطر إمداد صادرات القمح في السوق العالمية، التي ارتفعت أسعارها بالفعل منذ بداية فبراير/شباط الجاري، تزامنا مع التوترات الروسية الأوكرانية.

روسيا والقمح

ما يحدث اليوم على الساحة العالمية من ارتفاع أسعار القمح، وتوقع استمرار الزيادة مع انخفاض الصادرات باعتبار روسيا وأوكرانيا تمثلان حوالي 29% من صادرات القمح العالمية، خاصة أن روسيا أكبر مصدري القمح في العالم، وفق "سي إن بي سي" (CNBC)؛ يعيد للأذهان ما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

ويتوقع المحللون ارتفاع أسعار القمح بنسبة 30%، وإذا كانت العقوبات لا تزال سارية بحلول يوليو/تموز المقبل، عندما يبدأ حصاد المحصول التالي من القمح، فسوف تقلل العقوبات من توفر الحبوب عالميا.

وخلال الحرب العالمية الأولى، شحنت الولايات المتحدة -ثاني أكبر مصدر للقمح عالميا- كل القمح المتوفر لديها على شكل دقيق أبيض إلى أوروبا لإطعام قواتها هناك، وفقا لـ"مكتبات جامعة ولاية كارولينا الشمالية"، وكان على المواطنين الأميركيين تناول الوجبات بدون قمح إلا نادرا، وكان الأمر أكثر سوءا في باقي الدول حول العالم.

مادة الغلوتين لا توجد في أنواع الحبوب المختلفة، مثل القمح والشعير، والأطعمة المصنوعة منها فحسب؛ حيث أنها قد تختبئ أيضاً في الصلصة ذات القوام الغليظ مثلاً أو الأحسية أو خلطات التوابل. (النشر مجاني لعملاء وكالة الأنباء الألمانية "dpa". لا يجوز استخدام الصورة إلا مع النص المذكور وبشرط الإشارة إلى مصدرها.) عدسة: dpa
لم تكتف النساء بصنع خبز الشوفان بل ابتكرن بالمتاح لديهن وجبات تعوض الأكلات التقليدية (وكالة الأنباء الألمانية)

خبز الحرب

القمح يعني الدقيق (الطحين)، والدقيق يعني الخبز، وهو ما وضع الأمهات في زمن الحرب العالمية الأولى في مأزق إطعام أبنائهن، وقد تغاضين عن اللحوم والفاكهة والسكر، لكن القمح كان شيئا آخر.

وبعد محاولات عدة من النساء، حينها، صنعن ما يسمى بـ "خبز الحرب"، مستخدمات كل ما تقع عليه أيديهن من أنواع الطحين البديلة، بما في ذلك الأرز أو الشعير أو الجاودار أو الشوفان أو البطاطس أو الحنطة السوداء.

وشجعت إدارة الغذاء الأميركية -خلال الحرب العالمية الأولى- مواطنيها على عدم تناول القمح والاستغناء عنه بالبطاطس كلما أمكن ذلك، وفقا لـ "توغيذر ويوين" (ToGether WeWin).

وكان "خبز الحرب" منتشرا في أميركا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول، على اختلاف المكونات المتوفرة في كل بلد.

وخلال عامين من بداية الحرب العالمية الأولى، لم تكن بريطانيا قد أمنت الإمدادات الغذائية لجيشها ومواطنيها، ومع استمرار الحرب، نظمت لجنة القمح البريطانية معدل استخراج الدقيق من القمح، وقيدت مكونات المخابز للكيك وحلويات الدقيق.

وكان الهدف هو ضمان إمدادات كافية من الخبز وسمي باسم "خبز الحرب".

وارتفع معدل استخراج الدقيق من القمح من 76% عام 1916 إلى 81% عام 1917، مع خليط من الشعير أو الشوفان أو دقيق الجاودار، ومع إضافة دقيق الصويا أو البطاطس.

وكان الخبز داكن اللون ذو مذاق مختلف، فقامت النساء بصنع الخبز بأنفسهن داخل البيوت مستخدمات بقايا الدقيق المتوفر وخلطنه مع الأرز المطبوخ مسبقا أو البطاطس، بالإضافة إلى الفاصوليا أو الشعير لصنع خبز خاص، وفقا لـ"ذا هيستوري برس" (Th ehistory press).

في زمن الحرب العالمية الأولى بعد محاولات عدة من النساء؛ صنعن ما يسمى "خبز الحرب" (بيكسلز)

ظهور مخبوزات الذرة والشوفان

بعد ترويج إدارة الغذاء الأميركية -خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية- لدقيق الذرة، باعتباره بديلا للدقيق الأبيض، خاصة أن الدهون في دقيق الذرة أكثر من دقيق القمح، صنعت النساء لأول مرة -حينها- كعكة الذرة الهشة وخبز الذرة بالحليب الرائب "الحامض" وكعك المافن.

ومثلما وجدت النساء في دقيق الذرة وصفات جديدة، سعين إلى تجربة بديل آخر للدقيق الأبيض تم الترويج له أيضا خلال الحرب، وهو الشوفان، وفقا لـ"مكتبات جامعة ولاية كارولينا الشمالية".

ولم تكتف النساء بصنع خبز الشوفان، بل ابتكرن بالمتاح لديهن وجبات تعوض الأكلات التقليدية، ومن تلك الابتكارات:

المهلبية البنية: كوبان من دقيق الشوفان المطبوخ، نصف كوب من السكر، نصف كوب زبيب، تمزج هذه المكونات معا وتخبز لمدة نصف ساعة، ثم تقدم ساخنة.

الشوفان بالفاكهة: كانت النساء يصنعن تلك الوجبة للإفطار باستخدام كوبين من دقيق الشوفان، حبات تفاح مقطعة صغيرة، زبيب، نصف كوب سكر، نصف ملعقة صغيرة قرفة، ويتم مزجها معا وخبزها لمدة نصف ساعة، واستخدمت النساء فواكه مجففة أو طازجة أو تمر أو فول سوداني مطحون بدلا من التفاح إذا لم يكن متوفر لديهن.

حساء الشوفان: مع قلة الوجبات التقليدية الساخنة في ليالي الحرب، صنعت النساء في الحرب العالمية الأولى ما يعرف بـ"حساء الشوفان" باستخدام دقيق الشوفان، وشرائح البصل، وملح، وورق الغار وغلي الخليط في الماء لمدة ساعة، ثم إضافة الحليب والتوابل ونصف ملعقة كبيرة من الزبدة عند النضج.

البطاطس

في الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت البطاطس متوفرة مقارنة بالدقيق، وروجت الجهات المسؤولة في بعض الدول للبطاطس بديلا عن القمح، وأن حبة بطاطس متوسطة الحجم تمنح الجسم نفس القدر من القيمة الغذائية الموجود في شريحتين من الخبز.

ووفق "لافندر آند لافيدج" (Lavender And LovAge)، من الوجبات الأصيلة التي ابتكرتها النساء عام 1915 كانت فطيرة السبت.

فطيرة السبت: استخدمت النساء البطاطس بعد سلقها وهرسها، ووضعن طبقة منها في قاع الإناء وعليها طبقة من بقايا البروتين المتوفر بعد فرمه وتتبيله مع البصل ثم وضعن طبقة أخرى من البطاطس فوق الخليط إضافة إلى القليل من المرق وطهيها في الفرن وأطلقن عليها فطيرة السبت.

بسكويت البطاطس: للترفيه عن الأسرة وقت الحرب صنعت النساء البسكويت باستخدام البطاطس، وظلت الوصفة متناقلة حتى اليوم. كوب بطاطس مهروسة، كوب دقيق، وبيكنغ بودر، وملح، وملعقة كبيرة زبدة، ونصف كوب حليب. تخلط المكونات معا مع إضافة الحليب بالتدريج لعمل عجينة طرية.

تفرد على لوح مرشوش بالدقيق وتقطع إلى أشكال بواسطة قاطعة بسكويت. وتخبز لمدة 12 إلى 15 دقيقة في فرن ساخن.

لا تتوقف النساء عن توفير بدائل مناسبة لصنع الطعام في أوقات الأزمات (بيكسلز)

 

كعكة البطاطس: مع ندرة الدقيق استخدمت النساء نفس وصفة الكعكة المعتادة واستبدلن الدقيق بكوب من البطاطس المهروسة ونصف كوب حليب، على أن يتم هرس البطاطس جيدا وخفقها مع الحليب حتى تصبح خفيفة جدا ومناسبة لصنع الكعكة.

لم تستسلم النساء أبدا في أزمنة الحروب والأوبئة، وابتكرن أطباقا وأطعمة بالمتاح لديهن، لعل أقرب تلك الأوبئة وباء كورونا، حيث ابتكرت النساء أصنافا من الطعام منها "بسكويت الـ10 دقائق".

حتى وإن شح القمح، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض العقوبات على موسكو، دائما ستحاول النساء وسيجدن بديلا ويبتكرن لإطعام أسرهن في أوقات الشدة قبل الرخاء.

المصدر : مواقع إلكترونية