آلام لا نهاية لها.. لختان الإناث في كردستان العراق قصة أخرى

القانون العراقي لا يتضمن أي مواد أو نص صريح بشأن ختان الإناث (غيتي)

السليمانية- تحاول العراقية حواء أن تستجمع قواها وهي تتذكر كيف كان الربيع قاسيا في عامها الخامس، لدرجة كرهت بعده هذا الفصل لأنه يذكرها بيوم ختانها، إلا أن الذكرى مشتركة بين كل فتيات بلدتها فكل ربيع يتم فيه ختان أكثر من 20 طفلة.

حواء تبلغ من العمر الآن 38 عاما، وتسكن مركز قضاء رانية في محافظة السيلمانية بكردستان العراق، وأجري لها الختان عندما كانت في الخامسة من عمرها.

وتستذكر ذلك اليوم عندما قادتها أمها بعيدا عن المنزل، وكان ظنها أنها ذاهبة معها لشراء الحلوى، إلا أنها أدخلتها منزلا صغيرا تسكنه امرأة كبيرة في السن، وحالما دخلت حاصرتها أمها بيديها بقوة، وقالت "اليوم سيتم ختانك وتصبحين امرأة".

تتحدث حواء عن الأوجاع المستمرة التي عانت منها لأعوام طويلة "بدا وكأنني لن أتخلص من الألم أسفل البطن طوال عمري، كل طبيبة أقصدها تصف لي مهدئا للألم فقط، خاصة وأنني مختونة، وبدا وكأن الختان دمر حياتي بالكامل، لم أتزوج أيضا خوفا من أن ينهي ختاني قصة الزواج بالكامل، خاصة أن أكثر من صديقة لي تسبب ختانها في الطلاق أو في اقتران زوجها بزوجة ثانية".

حالات مماثلة

قصة حواء لا تختلف كثيرا عن شرا التي تسكن ناحية شمامك على أطراف مدينة أربيل، فهي الأخرى تتخوف من الزواج بسبب الختان حتى بعد أن تقدم لخطبتها أكثر من شاب من قريتها وكانوا يعلمون أنها مختونة.

تقول شرا "في الثامنة من عمري، كنت ألعب مع أولاد المنطقة وأركض وارتدي البناطيل وأقود الدراجات الهوائية معهم، حتى قررت أمي يوما ما أن علي التوقف عن ذلك".

شرا تحاول هي الأخرى سرد قصتها، وتقول "اقتادتني أمي معها لزيارة صديقة لها، وحين علمت بالأمر أطلقت العنان لأقدامي هربا منها، حاولت أمي الإمساك بي، إلا أنها فشلت، وعاونها أطفال وشباب القرية في الإمساك بي. تخيل فقط أن تُخطف فتاة أمام كل أصدقائها من البنات والأولاد!"

تبلغ شرا اليوم 41 عاما، وتروي -للجزيرة نت- كيف أنها بدأت بالانعزال بعدما حدث، خاصة أن كل أقرانها يعلمون بختانها، وتقدم بعضهم لخطبتها بعد سنوات من الحادثة، لكنها قررت عدم الاقتران بأي رجل من أهل قريتها.

إيمان محمود: الختان لا ينتهي عند الألم الآني للعملية وإنما يتعداه لمشكلات صحية جمة (الجزيرة)

الختان ومشاكله

ختان الإناث -حسب منظمة الصحة العالمية- يُطلق الآن على كل فعل يصدر لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بالجرح (القطع الجزئي أو الاستئصال الكامل) بدون وجود سبب طبي. وله 4 أنواع: الأول وهو الأكثر شيوعا باستئصال الجزء الذي يحوي العدد الأكبر من الأعصاب والمستقبلات الحسية ضمن الأعضاء التناسلية الأنثوية، وصولا إلى الرابع الذي يتم فيه استئصال الأجزاء الخارجية جميعا من العضو التناسلي الأنثوي وترك فتحة صغيرة فقط بعد وخْز وثقْب ونحْت وكشْط وكيّ البظر أو منطقة الأعضاء التناسلية بالكامل.

قضية الختان لا تنتهي عند الألم الآني للعملية وإنما يتعدى الأمر لمشكلات صحية جمة، كما تقول أخصائية النسائية والتوليد الدكتورة إيمان محمود.

وتحدثت الطبيبة -للجزيرة نت- عن المشاكل التي قد تواجهها المتعرضة للختان بأنواعه الأربعة، ومن أهمها "انحسار الأدرار، والتهاب المجاري البولية، والتهاب العضو التناسلي باستمرار، وعلى المدى البعيد يسبب العجز الجنسي، وعسر الولادة، والتهاب المجاري البولية المتكررة".

ولفتت الدكتورة إيمان إلى أن الختان قد يؤدي إلى خلل في الوظيفة الجنسية للإناث، ويرتبط تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بزيادة مخاطر الولادة القيصرية، والنزيف التالي للوضع، والولادة الصعبة، والتمزقات التوليدية، والمخاض المطول، وتزداد المخاطر مع شدة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية.

صابر اعتبر أن قضاء رانية في محافظة السليمانية من أبرز المناطق التي تكثر فيها حالات ختان الإناث (الجزيرة)

محاربة الظاهرة

وتنشط عدة نساء لمحاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها، كما تنشط معها منظمة ألمانية تدعى "وادي" مختصة بالمساعدة في الأزمات والتعاون في جهود التنمية، ونجحت في تحقيق عدة منجزات على أرض الواقع خاصة بالختان.

رئيس منظمة "وادي" عبد الله صابر تحدث -للجزيرة نت- قائلا "رصدنا حالات ختان في أرياف السليمانية وأربيل ومراكزها أيضا، لأن الحالات تختفي أو تقل جدا في دهوك، لكننا نشكك في هذا الموضوع، أما المناطق التي تكثر فيها حالات ختان الإناث، فهي قضاء رانية في محافظة السيلمانية، ومنطقة دشدل، وقرى وأرياف أربيل".

وكشف صابر عن أحدث إحصائية بخصوص الختان وجاءت كالآتي: من مجموع 1260 أنثى بعمر يصل حتى 20 عاما، فإن هناك 29 فتاة مختونة في قضاء رانية، و85 فتاة مختونة في أربيل.

المحامية اهانك أنور
آهنك أنور: إقليم كردستان العراق أقر قانونا مشددا عام 2011 يمنع الختان (الجزيرة)

وجهة نظر قانونية

المحامية والناشطة الحقوقية آهنك أنور أشارت -في حديثها للجزيرة نت- إلى أن إقليم كردستان العراق أقر قانونا مشددا عام 2011 يمنع الختان، وينص في مادته الثامنة على أنه "استنادا للمادة (7) في القانون المتعلق بالعنف الأسري والخاص بعقوبة ختان الإناث، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون دينار (نحو 700 دولار) ولا تزيد على 5 ملايين دينار (نحو 3500 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب عنفا أسريا".

وفي حين أن المحامية أكدت أن القانون العراقي لا يتضمن أي مواد أو نص صريح بشأن الختان، إلا أنه يمكن اللجوء في هذه الحالة إلى المادة 412 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، التي تنص على أنه "من اعتدى عمدا على آخر بالجرح أو بالضرب أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون، قاصدا إحداث عاهة مستديمة به، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 15 سنة".

وأشارت إلى أمر مهم أيضا وهو عدم تلقيها أي دعوى من أي امرأة بخصوص الختان، بسبب تخوفهن من تعرض الوالدين إلى عقوبة قانونية.

المصدر : الجزيرة