الخبراء للأمهات والآباء: لا تحرموا أبناءكم الاستفادة من وسائل التواصل ولا تتركوا لهم الحرية المطلقة

عزلة تامة يعيشها المراهق برفقة مواقع التواصل الاجتماعي ومن دون أصدقاء حقيقيين

إبقاء الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية خارج غرف نوم المراهقين مهم وعلى الآباء أن يكونوا قدوة باتباع هذه القاعدة (بيكسلز)

زاد الحجر المنزلي إقبال المراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي للبقاء على اتصال مع الأصدقاء وتبديد المخاوف من خطر كورونا.

وقد تكون المخاطر مرتبطة بحجم استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي، كما أن سوء استعمال هذه الوسائل قد يعرضهم لخطر الإدمان والتنمر ونشر الإشاعات، ووجهات النظر غير الواقعية عن حياة الآخرين والشعور "بالغيرة" منهم، فضلا عن الأرق والضغط العصبي والتوتر والكآبة، خاصة عند استخدام الأجهزة الجوالة في غرفة النوم، مما يعرضهم للأضرار السلبية النفسية والصحية لسنوات طويلة بعد ذلك.

ما أجمل حياتهم!

استطلعت الجزيرة نت آراء بعض المراهقين حول استخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على حالتهم الذهنية، فماذا قالوا؟

إلينا شمص (21 عاما) كانت في بداية مراهقتها متعلقة جدا بفيسبوك (facebook) وإنستغرام (instagram)، حيث كانت تنشر محتوى على شبكات التواصل الاجتماعي في محاولة لاستحواذ أكبر عدد من تسجيلات "الإعجاب" وقتها.

كانت في البداية تقول إنها ستلقي نظرة سريعة فحسب، لكنها في الحقيقة تمضي الوقت مستمرة إلى ما لا نهاية أمام الشاشة، وتتابع منشورات الجميع، وتقول لنفسها "ما أجملهم! حياتهم في غاية الروعة".

إلينا شمص كان لديها هوس بجمع أكبر عدد من المتابعين على إنستغرام وشعرت بعدها بأن هذا ليس هدفها الأساسي (الجزيرة)

العودة للحياة الفعلية

كان لديها هوس بجمع أكبر عدد من المتابعين على إنستغرام، لكن بعد وقت شعرت بأن هذا ليس هدفها الأساسي، لأن هدفها هو الاستمتاع بهذه التجربة، والحرص على أن هذا المنشور يعكس شخصيتها وعالمها الخاص، فشعرت بالخوف من أنها صارت تعيش في عزلة تامة وليس لديها أصدقاء حقيقيون.

كما أنها صارت تشعر بالرضا عن حياتها عندما انسحبت تدريجيا من هوس الجلوس ساعات طويلة في مطالعة المواقع، وركزت على الحياة الفعلية، ووجدتها أكثر متعة وفائدة، بعيدا عن التنمر والتزييف والتوتر العصبي.

التعرض للتنمر والمضايقة

أيمن صلح مراهق تعرض للتنمر والتهكم والسخرية من أقرانه، وكان شديد التعلق بالعالم الافتراضي، فواجه مشاكل نتيجة الاستخدام المفرط لتلك المواقع، منها مشكلة التواصل المباشر مع الآخرين، كما انخفضت مهاراته في القراءة والفهم، وتراجع تحصيله الدراسي، وكذلك التركيز والاهتمام، ووصل إلى درجة تعلم ألفاظ نابية.

كما تلقى رسائل مسيئة من بعض المراهقين، إذ بدؤوا مضايقته عبر نشر أخبار ملفقة عنه والسخرية منه، وهذا الأمر أخرجه عن نطاق السيطرة فأصيب بالقلق والأرق والذعر من أن يعرف أهله الأمر، فحاول معالجة الموضوع بنفسه، لكن الأمر تطور كثيرا واضطر لإخبار أهله قبل فوات الأوان.

"مواقع التنافر الاجتماعي"

أيمن كان يتابع ما ينشره الآخرون أكثر من 100 مرة في اليوم الواحد، وكان يتفقد المواقع بشكل متكرر، حتى صارت جزءا من حياته اليومية، ولم يتوقع أن يقع في خطر التنمر الإلكتروني الذي سبب له الضرر بطريقة عدائية.

باختصار، كان هذا العالم بالنسبة إليه للترفيه والتعبير عن الذات، ولم يخطر بباله أن أضرار وسائل التواصل الاجتماعي كبيرة، مما أدى إلى تعرضه للتنمر والمضايقة، لكنه الحمد لله وجد الدعم من أهله الآن وأكثر من أي وقت مضى.

ويصر أيمن على أنه يجب أن نكون أكثر وعيا فيما نشاركه أو نقوله كي لا نتسبب في الأذى للآخرين، فهذه المواقع هي "مواقع التنافر الاجتماعي" لأنها قضت على كل الروابط الأسرية، واستبدلت الأصدقاء الوهميين بالحقيقيين، وفق تعبيره.

علي الصاروط يرى أنه غير مدمن على تفقد مواقع التواصل الاجتماعي لكنه متعلق بالألعاب الإلكترونية (الجزيرة)

الهروب إلى عالم الألعاب

أدمن علي الصاروط على ممارسة الألعاب الإلكترونية، ويرى نفسه متمردا ولديه حب الاستطلاع واستكشاف تلك الألعاب الجديدة التي تعتمد على القتل والتدمير والتسلية.

لكنه حاول تغيير حياته بممارسة أنشطة رياضية مفيدة أكثر، خاصة أن هذه الألعاب تؤثر سلبا على النفسية واكتساب سلوك سلبي كالعنف والعدوانية. ففي البداية شعر بالقوة التي يشعر بها الشخص في فضاء الألعاب الإلكترونية التي يفتقدها في الواقع أحيانا، وكانت لديه رغبة كبيرة في الهروب من عالم الواقع إلى عالم الألعاب والمرح.

ولا يرى علي نفسه مدمنا على تفقد مواقع التواصل الاجتماعي مثل تعلقه بالألعاب الإلكترونية التي تدفعه إلى الراحة النفسية، خاصة ألعاب "أونلاين" (الإلكترونية المباشرة) التي تعطيه الشعور بالرضا والقوة والسعادة للانتقال إلى المستوى الأعلى في اللعبة.

الحجر المنزلي زاد إقبال المراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء لتبديد المخاوف من خطر الوباء (بيكسلز)

إدارة استخدام مواقع التواصل

حاولت الأم نسرين رعد حماية ابنها محمد من هذه الظاهرة الخطيرة، خاصة في زمن الحجر المنزلي، فكثرة الاستخدام جعله يشعر بالوحدة والتوتر والكآبة وعدم القدرة على النوم، فصار أكثر عدوانية، وفقد القدرة على التركيز، وتراجع تحصيله الدراسي.

وصار يميل إلى العزلة الاجتماعية، لكنها استطاعت أن تحل هذه المشكلة، ليس بالتوقف عن استخدام الإنترنت نهائيا بل بإدارة استخدامه بشكل صحيح من دون التأثير على الحياة الواقعية.

فمثلا كان ابنها محمد ينتظر غالبا رؤية التعليقات الإيجابية والإعجاب بالصور والمنشورات التي ينشرها على صفحاته، ويشعر بالتوتر إذا لم يحصل على التعليقات والردود الإيجابية على صفحاته في فيسبوك وإنستغرام وسنابشات (snapchat)) وتيك توك (tiktok) وغيرها.

ويتوتّر أيضا إذا لم تكن لديه صورة جميلة لينشرها على صفحاته، لأن استخدام هذه المواقع يؤدي إلى الربط بين الردود التي يحصل عليها عبر شبكة الإنترنت وثقة المراهق بنفسه.

حوار مبكر وتوجيه

وتنصح نسرين كل الأهل بأهمية فتح حوار مع الأطفال حول جوانب الإنترنت منذ سن صغيرة وتعليمهم كيفية الاطلاع على المواقع.

ويجب تعليم الأطفال عن طريق تقديم النموذج السليم كيفية ومدة الاطلاع على مواقع التواصل، ويحبذ توجيه الأطفال إلى كيفية استخدام الإنترنت في جوانب إيجابية كالحصول على المعلومات التعليمية.

ويمكن الاستعانة ببعض المواقع التعليمية التي توفر مقاطع فيديو يمكن للآباء والأبناء مشاهدتها سويًّا، وهي تطرح قضايا مثل الحماية أثناء تصفح الإنترنت.

وتنبع أهمية تعلم التعامل مع الإنترنت من سن مبكرة من أن هذه المهارات ستكون نافعة ولازمة في المستقبل، حيث التفاعل مع الإنترنت من شأنه أن يزداد مع مرور الزمن.

الاختصاصية ليانا معوض تنصح بتقنين استخدام الأجهزة التي تمنحها الأسرة للأطفال والمراهقين (الجزيرة)

نصائح للأمهات والآباء

وتنصح اختصاصية العلاج النفسي والسلوكي للأطفال والمراهقين (Pedopshycologue) ليانا معوض أفراد الأسرة بمراقبة وتقنين استخدام الأجهزة التي تُمنح للأطفال والمراهقين حتى يعرفوا الأوقات التي يستخدمون فيها هذه البرامج، والأوقات التي لا يتناسب استعمالها مع طبيعة العلاقات الاجتماعية.

وتقول للأمهات والآباء: لا تحرموا أبناءكم بشكل كامل من الاستفادة من هذه الوسائل، ولا تتركوا الحرية المطلقة في استخدامها طول الوقت.

أعراض الإدمان

وأشارت ليانا إلى أن بعض المراهقين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لسد العواطف داخلهم، وتشبههم بمن يحاول سد ​بركان بقليل من الأحجار.

وأكدت أن هؤلاء المراهقين يصبحون مدمنين لدرجة تسيطر فيها على حياتهم، وهذا قد يؤدي إلى انفجار بركان العواطف الذي داخلهم بشكل مضر جدا على صحتهم.

وتشمل أعراض الإدمان إهمال الأنشطة الحياتية الأخرى كالعمل والدراسة والهوايات والعلاقات الاجتماعية الحقيقية.

وتبين أن أعراض الانسحاب في حال تعذر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتمثل في اعتلال المزاج والعصبية وسرعة الاستثارة والعدوانية، وقد تترتب على هذا الإدمان عواقب صحية وخيمة تتمثل في اضطرابات النوم والبدانة والاكتئاب.

على الوالدين التحدث مع ابنهما المراهق حول المناسب والآمن لمشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي (بيكسلز)

نصائح لحماية المراهقين

حسب ليانا معوض، ثمة خطوات يمكن اتخاذها للتشجيع على الاستخدام المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي والحد من آثارها السلبية:

  1. وضع حدود معقولة: تحدث إلى ابنك المراهق حول كيفية تجنب تدخل وسائل التواصل الاجتماعي في أنشطته أو نومه أو وجباته أو واجباته المدرسية. وشجعه على روتين ما قبل النوم، الذي يشمل الامتناع عن استخدام الوسائط الإلكترونية، وإبقاء الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية خارج غرف نوم المراهقين. وكن قدوة من خلال اتباع هذه القواعد بنفسك.
  2. راقب حسابات ابنك المراهق: أخبر ابنك المراهق أنك ستتحقق بانتظام من حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تقوم بذلك مرة واحدة في الأسبوع أو أكثر، وتأكد من الاستمرار.
  3. اشرح الأمور غير المناسبة: حذّر ابنك المراهق عن النميمة أو نشر الإشاعات أو التنمر أو الإضرار بسمعة شخص ما عبر الإنترنت أو غير ذلك. تحدث إلى ابنك المراهق حول ما المناسب والآمن لمشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي.
  4. شجع الاتصال المباشر مع الأصدقاء: هذا مهم خصوصًا للشباب المعرضين لاضطراب القلق الاجتماعي.
  5. تحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي: تحدث عن عاداتك في وسائل التواصل الاجتماعي. اسأل ابنك المراهق كيف يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تؤثر على شعوره. وذكر ابنك المراهق بأن وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالصور غير الواقعية.
  6. تحدث إلى الطبيب: إذا كنت تعتقد أن ابنك المراهق مصاب بمؤشرات أو أعراض القلق أو الاكتئاب المرتبطة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فتحدث إلى طبيبه.
المصدر : الجزيرة