متحف 1-2-3.. رحلة ملهمة توثق تاريخ الأولمبياد والرياضة في قطر والعالم

متحف قطر الوطني فكرة ملهمة عمرها 16 عاما (الجزيرة)

الدوحة ـ بمعارضه التفاعلية ومقتنياته الملهمة وأنشطته المبتكرة التي تبث روح المشاركة في نفوس الزوار خرج متحف قطر الأولمبي الرياضي 1-2-3 إلى النور بعد فكرة ملهمة عمرها 16 عاما من الزمن للأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني خلال آسياد الدوحة.

المتحف المخصص لتاريخ الرياضات يأخذ زواره في رحلة ملهمة عبر تاريخ وإرث الرياضات حول العالم والألعاب الأولمبية، ويجمع بين مجموعة مقتنيات وأحدث التقنيات، ويوثق أهمية الرياضة في دولة قطر.

وتبرز معروضات المتحف دور الرياضة باعتبارها أحد أهم التطورات الثقافية، وتاريخ الألعاب الأولمبية وأهميتها في هذا العصر، وقصص أبطال الرياضة حول العالم، والقصة الملهمة لتطور الرياضة في قطر، كما تتطرق إلى التأثير الهائل الذي أحدثته الفعاليات الرياضية الكبرى التي نظمتها قطر في العقود الأخيرة.

وخلال جولة للجزيرة نت في المتحف أول أيام افتتاحه يظهر الجهد والإبداع اللذان قام بهما المصمم المعماري الإسباني خوان سيبينا، وكذلك القاعات المترابطة التي استخدمت أحدث أساليب التكنولوجيا التفاعلية في التعبير عن التاريخ العالمي للرياضة ونشأة الأولمبياد وثقافة الرياضة في قطر.

وتبلغ مساحة المتحف نحو 19 ألف متر مربع، ليصبح ثاني أكبر متحف رياضي في العالم بعد متحف أميركا، ويضم 7 صالات عرض تحتضن المئات من المقتنيات من جميع أنحاء العالم، ومن البدايات الأولى للرياضات وحتى يومنا هذا.

ويهدف المتحف -الذي يقع في ملعب خليفة الدولي (أحد ملاعب مونديال قطر 2022)- من خلال الفضاءات التشاركية والبرامج المعدة إلى إلهام مجتمعه المحلي وإشراكه، وتشجيع الجمهور على المشاركة في الألعاب الرياضية والقيام بنشاطات بدنية.

المتحف يحكي قصة ظهور التعويذات في الأولمبياد بداية من ميونخ 1972 (الجزيرة)

عالم من المشاعر

صالات المتحف السبع تحكي قصص نجاح ملهمة من تاريخ الرياضة وحياة الرياضيين، فالصالة الأولى "عالم من المشاعر" في الردهة الرئيسية تضم أبرز عبارات الزعيم الراحل نيلسون مانديلا عن الشباب والرياضة، ويشعر الزوار عند دخولها كأنهم في ملعب كبير في ظل وجود شاشاتي عرض ضخمتين وصحن تعلوه قبة وجدار فيديو مقترن بتسجيل صوتي يثير الحماسة، إذ يمنح هذا الفضاء التعريفي لمحة عامة عن مواضيع المتحف والدور المركزي للرياضة في قطر.

أما الصالة الثانية "التاريخ العالمي للرياضة" فتستهل بصحن يصور ممارسة الرياضات في حضارات وثقافات مختلفة، أبرزها حضارات مصر القديمة، والحضارتان الرومانية واليونانية، إذ تظهر الصور 12 رياضة، ويمكن الضغط على أي رياضة لتمنح الزائر معلومات أكثر عن كل رياضة عبر شاشات رقمية سمعية وبصرية وتفاعلية.

وقسمت هذه الصالة -التي تحوي ما يقارب 100 من المقتنيات الأصلية والنسخ، يمتد تاريخها من القرن الثامن قبل الميلاد إلى أوائل القرن الـ20- إلى 5 أجنحة بحسب التوزيع الجغرافي والمواضيع، وتركز على فترات تاريخية مختلفة في أوروبا وآسيا وأوقيانوسيا والأميركتين وأفريقيا والشرق الوسط.

فمن خلال هذه الحضارات المعروضة تطورت الرياضة في جميع أنحاء العالم مستعرضة أوجه التشابه التي دفعت المجتمعات إلى تطوير الرياضات استجابة لاحتياجات الإنسان العميقة.

فيما تأخذ الصالة الثالثة "الأولمبياد" الزوار في رحلة تمتد من العصور القديمة اليونانية حتى يومنا هذا، مازجة بين التاريخ والآثار والمصادر المعاصرة، ومستكشفة الألعاب القديمة التي انطلقت عام 767 قبل الميلاد بلعبة واحدة هي الجري، إلى ولادة الألعاب الأولمبية الحديثة وازدهارها وازدياد أهميتها في عصرنا هذا.

وتنقسم هذه الصالة إلى 4 مناطق، تبسط أولاها سياق العوامل الثقافية والفلسفية الكامنة وراء إنشاء الألعاب الأولمبية القديمة التي استمرت نحو ألف عام، وشعبية الألعاب في اليونان القديمة، وكذلك موقع أولمبيا كمركز للنشاط الرياضي والديني والثقافي.

أما المنطقة الثانية فداخل المسرح الأولمبي في صالة العرض، إذ يوجد عرض مصور غامر يسرد قصة ولادة الألعاب الأولمبية الحديثة في أواخر القرن الـ18، ويقدم العوامل الجيوسياسية والاجتماعية والتكنولوجية التي مكنت شخصيات -مثل البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان- من المساهمة في إحياء الألعاب الأولمبية.

أما ثالثة المناطق فتعرض كل شعلة من الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية منذ بدأت للمرة الأولى في ألمانيا عام 1936 فصاعدا، إذ تضم هذه المنطقة 23 شعلة منذ انطلاق الأولمبياد الصيفية والشتوية وحتى عام 2016، فضلا عن قصة نشأة المراجل الأولمبية، وعرض أول مرجل أولمبي في أمستردام 1928، وأول مرجل أولمبي في آسيا بطوكيو 1964، ومرجل أولمبياد لندن 2012.

صالة التاريخ العالمي للرياضة تحكى تطور الرياضة في الحضارتين الرومانية واليونانية - الجزيرة نت-
صالة التاريخ العالمي للرياضة تحكي تطور الرياضة في الحضارتين الرومانية واليونانية (الجزيرة)

القيم الأولمبية الثلاث

وتستعرض المنطقة الأخيرة تاريخ الألعاب الأولمبية الحديثة وإرثها وقيمها الثلاث: الصداقة والاحترام والتميز التي مثلها العداء القطري معتز برشم بعدما اقتسم ذهبية الوثب العالي مع زميله الإيطالي جيانماركو تامبيري، والسبل التي يمكن بواسطتها إبقاء روح الألعاب حية.

وضمت هذه المنطقة حائط التذكارات التي اقتنيت من قبل رياضيين شاركوا في المتحف بداية من أولمبياد 1896 وحتى أولمبياد 2021، فضلا عن ميداليات وشعارات أولمبية، والتعويذات التي بدأت في الأولمبياد بداية من أولمبياد ميونخ عام 1972 في ألمانيا بتعويذة "الكلب".

أما الصالة الرابعة "قاعة الرياضيين" فخصصت للاحتفاء بـ100 من الأبطال الرياضيين من جميع أنحاء العالم، إذ يمكن للزوار مقابلة الأبطال القدامى منهم والجدد، واستمداد الإلهام من مسيرة نجاحهم وإنجازاتهم.

تمتد هذه الصالة على 3 طوابق، وتلقي الضوء في الوقت الحالي على 87 رياضيا -بينهم 7 قطريين- في 32 رياضة ويمثلون 44 دولة، وتم اختيارهم لتجاربهم الناجحة في حصد ميداليات أولمبية، وسيرتهم وقصصهم الملهمة للأجيال وخلو سجلهم من الممنوعات والغش، فضلا عن معاصرتهم للقرنين الـ20 والـ21.

ومثّل قطر في هذه الصالة كل من الشيخ حسن بن جبر آل ثاني بطل العالم في الزوارق السريعة، والشيخ علي بن خالد آل ثاني أفضل فارس آسيوي عام 2017، وناصر العطية بطل العالم للسيارات، والعداء معتز برشم بطل العالم وصاحب ذهبية طوكيو 2021، والرباع فارس إبراهيم صاحب أول ذهبية لقطر في الأولمبياد، والعداء محمد سليمان صاحب أول ميدالية لقطر في أولمبياد برشلونة عام 1992، وبهية منصور الحمد أول رياضية قطرية تشارك في الأولمبياد.

وتضم الصالة التي سيتم تغيير الأبطال الرياضيين فيها كل 3 سنوات سلسلة من العروض الآسرة، تركز كل منها على رياضي مختلف، وتحوي نصا إعلاميا يوثق أهم لحظات حياته، بالإضافة إلى مقتنيات مميزة.

وتبث قصص الرياضيين مشاعر الشغف والتحفيز والعزيمة وتؤججها، إضافة إلى قصص يرويها رواد من رجال ونساء كانوا أول من يمثل بلدهم أو دينهم أو جنسهم أو فئتهم العمرية أو عرقهم لخوض غمار المنافسة والفوز، وأبرزهم ابتهاج محمد أول رياضية أميركية مسلمة محجبة تشارك في دورة الألعاب الأولمبية في ريو 2016.

وتعد الصالة منبرا لرياضيين تغلبوا على تحديات جسيمة لتحقيق النجاح، وتخطت سمعتهم حدود الرياضة، وباتت صورتهم لدى الجمهور رمزا قويا، كما تحوي الصالة المقتنيات التاريخية، منها زلاجة، وسيارة فورمولا 1، إلى جانب صور تمثيلية بالحجم الطبيعي ومقاطع فيديو حماسية.

ابتهاج محمد إحدى بطلات الرياضة الملهمات في صالة الرياضيين (الجزيرة)

قطر البلد المضيف

وتناولت الصالة الخامسة "قطر البلد المضيف" كيف أضحت الأحداث الرياضية الكبرى التي استضافتها دولة قطر في العقود الأخيرة محط جذب عالمي واعتزاز وطني، فقد كانت دورة الألعاب الآسيوية الدوحة 2006 أول حدث رياضي ضخم تنظمه دولة خليجية، وإحدى أنجح دورات الألعاب الآسيوية التي أقيمت على الإطلاق، إذ استضافت قطر 45 دولة تنافست في 424 حدثا و39 رياضة.

وسيكتشف الزوار كيف كانت دورة الألعاب الآسيوية حافزا لتنمية قطر كدولة مضيفة، وكيف أدى هذا الحدث إلى تسريع عجلة التحول الحضري في الدولة، وإنشاء بنية تحتية من الطراز العالمي للرياضات تليق بمستوى استضافة النجوم الرياضيين البارزين وجماهيرهم العالمية.

وتحتوي هذه الصالة على 7 حاويات تعرض سلسلة من التجارب تشمل رياضة السيارات والفروسية والتنس وألعاب القوى وكرة اليد وكرة القدم وآسياد 2006، وتستحضر كل حاوية أكثر اللحظات الخالدة في الأذهان لفعاليات عالمية استضافتها قطر في هذه الرياضة، وتتناول إرثها الدائم.

وتضم هذه الصالة عروضا مصورة مشوقة لقصة ملعب خليفة الدولي منذ افتتاحه عام 1976 لاستضافة كأس الخليج العربي إلى انطلاق بطولة العالم لألعاب القوى عام 2019، وتجديده لاستضافة مباريات كأس العالم 2022.

وتستعرض الصالة السادسة "ثقافة الرياضة في قطر" قصة التحول الذي شهدتها الدولة في مجال الرياضة، إذ انتقلت من الألعاب والرياضات التقليدية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين مثل سباقات الخيل وصيد الصقور وارتقت إلى وطن عالمي للرياضة.

لحظات محفورة في الذاكرة

وسيستقل الزوار خلال هذه الصالة حافلة مدرسية افتراضية تأخذهم في رحلة يستكشفون خلالها كيف أصبحت الرياضة أمرا محوريا في المناهج الدراسية، وسيتمكنون أيضا من خلال سلسلة من التركيبات الرقمية التفاعلية اختبار دراما الأحداث الرياضية المهمة والاستماع إلى قصص أبطالها.

وتعرض الصالة لحظات لا تزال محفورة في الذاكرة الجماعية للبلد، من أول بطولة لكأس الخليج العربي عام 1970، وزيارات البطلين الرياضيين محمد علي كلاي وبيليه إلى بناء ملعب خليفة الشهير عام 1976 والذي كان بمثابة نقطة تحول في تاريخ قطر الرياضي.

كما تعرض بداية ظهور كرة القدم في قطر وبناء ملعب الدوحة أول ملعب في قطر، وأهم الأحداث الرياضية التي استضافتها قطر وتاريخ الأندية في قطر، وتاريخ قطر في الأولمبياد.

وأخيرا، تعد الصالة السابعة "منطقة الأنشطة" آخر محطة للزائرين في المتحف وتروج للأنشطة البدنية في جميع أنحاء قطر، وتشجع على تبني أنماط حياة صحية ونشطة، إذ تستهل هذه التجربة التفاعلية بقصص ملهمة لأشخاص اتخذوا قرارا بتبني نمط صحي ونشط، أبرزهم الفتى القطري المعجزة غانم المفتاح الذي ولد وهو مصاب بمتلازمة التراجع الذيلي.

المصدر : الجزيرة