تاريخ طويل من الاستعمار يضفي مزيدا من الإثارة على مواجهة فرنسا وتونس في مونديال قطر

وهبي الخزري أفضل هداف لمنتخب تونس، حمل قميص فرنسا حتى سنة 2012 عندما قرر اللعب لمنتخب بلده الأم (غيتي)

تبدو مباراة فرنسا وتونس -الأربعاء- ضمن الجولة الثالثة من المجموعة الرابعة لحساب الدور الأول، مباراة تحصيل حاصل للديوك الذين كانوا أول منتخب يحجز بطاقة الدور ثمن النهائي من مونديال قطر 2022، لكنها مصيرية لنسور قرطاج الذين لا يزالون يطاردون أملا ضئيلا في بلوغ الدور ذاته للمرة الأولى في تاريخ مشاركاتهم بالمونديال.

وتكتسي المواجهة التي تدور على ملعب المدينة التعليمية أبعادا تاريخية كثيرة، إذ تضع وجها لوجه منتخبين ارتبطا كرويا بعلاقة متينة، لكن التاريخ الاستعماري الفرنسي لتونس كثيرا ما ألقى بظلاله الثقيلة على المواجهات التي تجمع نسور قرطاج بالديوك في المباريات الرسمية والودية على حد سواء.

ولئن، انتهت تجربة فرنسا الأولى في مواجهة إحدى مستعمراتها السابقة في كأس العالم لكرة القدم بمرارة، عندما خسر حامل اللقب (1998) حينها بهدف دون رد أمام السنغال في المباراة الافتتاحية لنسخة "كوريا الجنوبية واليابان 2002، وودع البطولة من الدور الأول، فإن مواجهة تونس تأتي في سياق مختلف، لكن الجدل المستمر حول التاريخ الاستعماري يضفي عليها مزيدا من الإثارة والخصوصية.

مواجهات مثيرة وعلاقة وطيدة

ولم يسبق لتونس وفرنسا أن التقتا في مسابقة كأس العالم، لكن المواجهات الودية التي جمعتهما كانت دوما مليئة بالتشويق، ومناسبة لإثارة الماضي الاستعماري (سياسيا)، وتجديد الجدل حول سعي فرنسا لضم اللاعبين التونسيين المولودين والناشئين في البلد الأوروبي، وآخرهم حنبعل المجبري متوسط ميدان بيرمنغهام سيتي الإنجليزي.

ولم يسبق لتونس أن فازت على فرنسا في تاريخ مواجهات المنتخبين، لكنها حققت التعادل بهدف واحد لكل منهما في مناسبتين في إطار ودي: الأولى في أغسطس/آب 2002، والثانية في مايو/أيار 2010.

وأثار مذيع تلفزيوني فرنسي -الثلاثاء- موجة من الجدل والتفاعلات على منصات التواصل، عندما طلب من مدرب الديوك ديديي ديشان -خلال برنامج تلفزيوني مباشر- أن يسمح لمنتخب تونس بالفوز، اعترافا بالعلاقة التاريخية بين البلدين.

وقال في رسالة وجهها لديشان: "أتمنى أن تقبل طلبي بإيجابية، قل لمدافعيك أن يفسحوا طريق الشباك لمهاجمي تونس. المنتخب الفرنسي ضَمِن ترشحه لذلك يجب الوقوف إلى جانب المنتخب التونسي وتمكينه من تسجيل الأهداف".

وأثار مقطع الفيديو الذي جرى تناقله على نطاق واسع جدلا كبيرا، لكنه أعاد إلى الواجهة العلاقة الاستعمارية بين تونس وفرنسا، والارتباط الرياضي المستمر منذ سنوات بينهما.

وولد 10 من لاعبي المنتخب التونسي الحالي في فرنسا، وبعضهم لعب لمنتخبات الشباب الفرنسية قبل تغيير ولائهم إلى تونس، كما يعيش اثنان منهم في فرنسا منذ صغرهما ويحملان جنسية البلدين.

عيسى العيدوني واحد من 10 لاعبين في قائمة منتخب تونس مولودين في فرنسا (غيتي)

وفوق ذلك، فإن 3 من 4 أفراد يشكلون الجهاز الفني لمنتخب تونس ولدوا في فرنسا ونشؤوا في أنديتها، وهم المدرب المساعد سليم بن عاشور متوسط ميدان باريس سان جرمان السابق، وعلي بومنيجل مدرب حراس المرمى الذي خاض أغلب مسيرته الكروية في فرنسا، وسليم بن عثمان مكتشف اللاعبين المحترفين الذي لعب في أندية فرنسية مختلفة.

وولد المهاجم التونسي المخضرم وهبي الخزري في جزيرة كورسيكا الفرنسية، وتنقل بين عدة أندية في "الليغ 1″، قبل أن يحط رحاله في نادي مونبلييه الفرنسي.

وقال الخزري للصحفيين الثلاثاء "أردت أن نكون في مجموعة فرنسا قبل القرعة. إنه حلم تحقق، أحاول أن أمثل تونس في فرنسا أسبوعيا من خلال الأداء الجيد، وأحب أن أمثل كورسيكا أيضا لأنني ولدت هناك. أحمل الكثير من الرايات على كتفي، أنا تونسي 100% وفرنسي ومن كورسيكا 100% أيضا، وليس لدي أي حرج من ذلك".

وقال الخزري في تصريحات سابقة: "الفرنسيون هم الأوفر حظا، ونحن بعيدون عنهم لكننا نملك فرصة لإثبات ذواتنا بعد كل تلك السنوات التي قضاها أغلب لاعبي منتخبنا في الدوري الفرنسي".

إرث استعماري

وحققت تونس أكبر أمجادها الكروية بقدرات فنية فرنسية، إذ كان المدرب روجي لومار بطل أوروبا مع الديكة في 2000، وراء تتويج تونس بكأس أمم أفريقيا الوحيدة في تاريخها، عندما استضافت النهائيات في 2004 وفازت آنذاك على المغرب 2ـ1.

الفرنسي روجي لومار كان مدربا لمنتخب تونس عندما توج للمرة الأولى في تاريخه بلقب كأس أمم أفريقيا 2004 (رويترز)

كما قاد لومار تونس إلى نهائيات كأس العالم 2006، أما مواطنه آلان جيراس فقد تولى تدريب تونس في أمم أفريقيا 2019، وبلغ به نصف نهائي المسابقة.

لكن تلك الأحداث الخالدة للكرة التونسية لم تنس الجماهير التونسية تاريخا طويلا من الإرث الاستعماري، إذ كثيرا ما هاجموا المنتخب الفرنسي ولاعبيه خلال المواجهات القليلة التي جمعت المنتخبين.

ويوجد نحو 700 ألف تونسي يعيشون في فرنسا وشاهد العديد منهم مباراة ودية أمام فرنسا عام 2008 في باريس، حيث أطلقوا صافرات الاستهجان أثناء عزف النشيد الوطني الفرنسي، وصاحوا مع كل لمسة للكرة من البديل الفرنسي حاتم بن عرفة ذي الأصول التونسية.

وأدى ذلك إلى ردة فعل غاضبة من الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي، الذي دعا الاتحاد المحلي إلى اجتماع وطالب بعدم إجراء المزيد من المباريات في فرنسا ضد منتخبات وطنية للمستعمرات السابقة من شمال أفريقيا.

وأصرّت الحكومة الفرنسية أيضا على ضرورة إيقاف المباريات المستقبلية في حال أطلقت صيحات استهجان أثناء عزف النشيد الوطني.

المصدر : الجزيرة + رويترز