خارج النص

"من هنا.. نبدأ" كتاب أثار الجدل في مصر لمحتواه عن علاقة الدين بالدولة

كتاب ألفه شاب أزهري مطلع الخمسينيات وأثار جدلا واسعا حينها بسبب ما قدمه من أفكار جريئة حول علاقة الدين بالدولة، ثم تراجع لاحقا عن هذه الأفكار في كتاب آخر.

في مطلع عام 1950، شهدت أروقة جامع الأزهر والمؤسسات الدينية في مصر حالة من الجدل إثر صدور كتاب حمل عنوان "من هنا.. نبدأ" للمؤلف خالد محمد خالد، الذي كان في 30 من عمره.

ضم الكتاب 4 فصول، طرح فيها الكاتب أفكاره بشأن علاقة الدين بالدولة، والأوضاع الاجتماعية في مصر، وكيف تأثرت وقتها بأداء المؤسسات الدينية التقليدية ورجالها.

وأثار كتاب خالد محمد خالد كثيرا من الجدل والنقاش بسبب أفكاره الجريئة، وأمرت النيابة العامة حينها بضبط الكتاب ومنع تداوله، بعد شكوى تقدم بها رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر.

كما أن بعض رجال الدين رأوا فيه هجوما على الإسلام ونقدا لكثير من ثوابته. وفي ذلك يقول أستاذ العقيدة بجامعة قطر أحمد زايد إن كتاب "من هنا.. نبدأ" ظهر حاملا صدمة لجماهير المسلمين في بداية ظهوره،
غير أن آخرين رأوا أن الكتاب -الذي نال رواجا شعبيا ونفذت منه 4 طبعات في عام صدوره- تطور ضروري للخطاب الديني، وفهم أكثر انفتاحا لتعاليم الإسلام.

وفي الفصل الأول "الدين لا الكهانة" انتقد الكاتب ما اسماه "الكهنوت الديني" في المجتمع المصري، والدور الذي يلعبه بعض رجال الدين في "شرعنة" سياسات الإفقار ودعم أرباب المصالح والأنظمة الحاكمة باسم الدين.

وفي الفصل الثاني "الخبز هو السلام" رأى الكاتب أن الإسلام ينزع نحو الأفكار الاشتراكية التي تدعم العدالة.

وحسب أستاذة الحضارة في جامعة منوبة زهية جويرو، فقد كان تفكير الكاتب في الاشتراكية مدفوعا بوعيه بحاجة المجتمع المصري لنظام أكثر عدالة ويحفظ لأغلبية المصريين كرامتهم.

غير أن قول الكاتب إن الإسلام ينزع إلى الاشتراكية يعني أن بعض الجوانب المضيئة في الاشتراكية تقاطعت مع بعض التعاليم الإسلامية، لكن الإسلام هو الأصل؛ إذ جاءت الزكاة (أحد فرائضه الخمسة) قمة الإصلاح الاجتماعي.

وفي الفصل الثالث "قومية الحكم" قدّم الكاتب رؤيته حول علاقة الدين بالدولة، مبينا أن الحكومات الدينية تضر الإسلام والدولة على السواء، وأن الفصل بينهما يحفظ قدسية الدين وتأثيره الإيجابي على نفوس الناس، ويفتح المجال حول دولة مدنية حديثة.

وينتقد أستاذ الفقه في جامعة السلطان محمد الفتاح محمد أيمن الجمّال ما ذهب إليه الكاتب في الفصل الثالث، ويقول إنه حمل فكرة شاذة عندما رأى أن الدين لا يصح أن يبنى عليه الحكم، مشددا على أن الدين نظرته شاملة للحياة، وهو الأساس الذي يبنى عليه الحكم.

ويخالف الدكتور محمد الصغير مستشار وزير الأوقاف المصري الأسبق رؤية الكاتب خالد محمد خالد؛ لأنه لا توجد حكومة دينية في الإسلام بالمفهوم الكهنوتي الغربي.

وبعد الجدل الذي أثاره كتاب "من هنا.. نبدأ"؛ أصدر خالد محمد خالد كتابا جديدا بعد 30 عاما بعنوان "الدولة في الإسلام"، وقدّم فيه قراءة جديدة لعلاقة الدين بالدولة، ورأى أن ما طرحه في مقتبل عمره كان أفكارا حماسية.

ويقر الكاتب -في تسجيل صوتي نقلته حلقة "خارج النص"- بأنه جازف عندما قال "إن الإسلام دين لا دولة"، وأنه انتهى إلى اقتناع أكيد بأن "الإسلام دين ودولة".