خارج النص

"متحضرات".. فيلم منعته الرقابة اللبنانية ووصفته بالبذيء وحاز جائزتين عالميتين

أثار جدلا بين النقاد بسبب محتواه، ومنعته الرقابة اللبنانية بحجة أنه يسيء إلى البلد، ومع ذلك تمكنت مخرجته من الحضور به في الخارج من خلال المشاركة في مهرجان البندقية وحازت به جائزتين عالميتين.

يتعلق الأمر بفيلم "متحضرات" للمخرجة اللبنانية رندة الشهال الذي أنتج عام 1999 بعد انتهاء الحرب الأهلية بـ9 سنوات، وشكل صفعة مؤلمة رأى البعض أنها "وضعت اللبنانيين أمام ذنوبهم الأخلاقية وتجاوزاتهم العنصرية خلال الحرب الطائفية التي مزقت المجتمع اللبناني".

ويصف الناقذ السينمائي جورج كعدي فيلم "متحضرات" بالصادم، ويقول إن المخرجة تعمّدت ذلك، لأنها كانت واعية أن السينما يجب أن يكون فيها استفزاز، على حد قوله.

ومن جهته، رأى المسرحي والناقد عبيدو باشا أن همّ المخرجة كان توجيه لكمة للأشخاص الذين كانوا يحاولون حماية "ذاكرة الحرب الأهلية بتغييبها"، لكنه يؤكد أن الفيلم لم يقدم مادة يمكن قراءتها وإنما قدم مشاهد قريبة إلى منطق وأجواء الحرب.

وبخلاف ذلك تقول الكاتبة والباحثة رندة الشهال -مخرجة الفيلم- إنها بدورها فنانة وسينمائية نقلت بحساسية عالية ما شاهدته من الواقع وعاشته.

وبرأيها، يتضمن فيلم "متحضرات" حبكة وسياقا ورواية مكثفة، ولم يكن يعطي صورة وردية عن اللبنانيين باعتبارهم مجرد ضحايا، بل كان يظهر اشتراكهم في الجريمة التي حلّت ببلدهم، وكان يظهر انقساماتهم وتناقضاتهم وأحيانا عنصريتهم.

وفي قراءته الخاصة، يرى الناقد السينمائي إبراهيم العريس أن الفيلم لا يعتمد على النص التقليدي، وهو عبارة عن لوحات مأخوذة من هنا وهناك تصور علاقة الناس ببعضها خلال مرحلة الحرب الأهلية في لبنان.

ووجدت المخرجة أن لا طائل من مقاربة الحرب الأهلية اللبنانية عبر توثيق أحداثها الواقعية أو تحليل موازين قواها العسكرية والسياسية، فراحت تبحث خلف أحداثها من عنف وطائفية وعنصرية أدت إلى اندلاعها، فركزت على الدلالات التي تحيل عليها أفعال الشخصيات وحكاياتها بدلا من سرد وقائعها.

نزعات عنصرية

ويوجه الفيلم إدانة شديدة اللهجة إلى نزعات عنصرية يقول إنها ظهرت في المجتمع اللبناني من خلال مشاهد لسوء معاملة الخادمات احتلت مساحة مهمة من زمن الفيلم، وهو ما أثار ردود فعل سلبية ضده في الصحافة، وفي الرقابة الرسمية للأعمال الفنية.

وبرأي الناقد السينمائي إبراهيم العريس فإن رندة الشهال هي أول من طرحت موضوع العنصرية في فيلم "متحضرات"، والموقف نفسه يبديه جورج كعدي الذي يقول إن المخرجة طرحت زوايا جديدة وفريدة من نوعها في الفيلم، وركزت على فئة الخدم والخادمات التي لم ينتبه إليها أحد في ذلك الوقت، كما طرحت إشكالية: من هن المتحضرات؟ هل هنّ الخادمات أم سواهنّ؟

وجوبه فيلم "متحضرات" بالمنع، إذ أصدر الأمن العام اللبناني لائحة اتهامات حدد فيها أسباب المنع، ومنها أن الفيلم بذيء ويصدر صورة سيئة عن لبنان إلى الخارج، وطالب مخرجته أن تحذف نحو 45 دقيقة من أحداثه، غير أن المخرجة رفضت الحذف فحكمت على فيلها بالبقاء حبيس الأدراج.

ولكن الرقابة لم تمنع الفيلم من المشاركة في مهرجان البندقية الذي نال فيه جائزتين عالميتين.