هل ترفع واشنطن يدها عن دعم التنسيق بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

يعبّر هذا المنصب عن التزام واشنطن بلعب دور أمني دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويُعد خفض رتبته رسالة سلبية بعدم اكتراث الأميركيين بهذا التنسيق، خاصة مع شعور السلطة الفلسطينية بخيبة أمل مما تعدّه دعما أميركيا غير كافٍ لها.

لقاء يجمع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو (يمين) والرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2016 (رويترز)

واشنطن- حثّ السيناتوران الديمقراطي جون آسوف والجمهوري ليندسي غراهام -ومعهما 34 من أعضاء مجلس الشيوخ- إدارة الرئيس جو بايدن على الحفاظ على رتبة شاغل منصب المنسق الأمني الأميركي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وأشار المشرّعون الأميركيون -في رسالة موجهة لوزير الدفاع لويد أوستن- إلى أن حفاظ الولايات المتحدة على انخراط رفيع المستوى من أجل دعم السلام والاستقرار في الضفة الغربية وإسرائيل يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي.

ويرى الأعضاء أن خفض رتبة شاغل هذا المنصب يقوّض برامج أمنية ضرورية في الاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين، ولفتوا إلى أن تخفيض هذه الرتبة يهدد بشرخ في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، و"الملتزم بتعزيز أمن واستقرار إسرائيل والضفة الغربية".

كما أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والسفير الأميركي لدى إسرائيل توم نيدس عن قلقهما بشأن التخفيض المزمع. وأثارت وزارة الأمن الإسرائيلية اعتراضات مماثلة.

وقبل أسبوعين من وصول الرئيس جو بايدن إلى المنطقة، يعمل المسؤولون الأميركيون على إزالة أي توترات قد تعكر صفو الزيارة.

Michael R. Fenze
المنسق الأمني الأميركي الحالي لدى إسرائيل والفلسطينيين الجنرال مايكل فينزل (مواقع التواصل)

في أي سياق تأتي هذه الخطوة؟

أقرّ الكونغرس قانونا يُخفّض عدد الجنرالات عموما لأسباب مالية بحتة، ويخطط البنتاغون لخفض الرتبة المطلوبة لتعيين المنسق الأمني الأميركي (USSC) في القدس من رتبة جنرال من فئة "3 نجوم" إلى رتبة عقيد.

وتأتي هذه الخطوة نتيجة لقانون ميزانية الدفاع الوطني الذي أقره الكونغرس عام 2017، الذي تضمن بندا لخفض عدد الجنرالات بمقدار 111 في إطار خطة تقشف للحد من الإنفاق.

ورغم أن أغلب أعضاء مجلس الشيوخ -الذين وقّعوا على الرسالة الجمعة الماضي إلى وزير الدفاع لويد أوستن- صوتوا لصالح مشروع قانون الميزانية، فإنهم يؤمنون بأن إدراج المنسق الأمني الأميركي في القدس ضمن قائمة المناصب التي سيتم تخفيضها "من شأنه أن يقوّض القيادة الأميركية ومصداقيتها في منطقة مضطربة، ومن الضروري وجود ضابط رفيع المستوى يمكنه التعامل مع القادة العسكريين رفيعي المستوى في الدول الأخرى".

وتأسس مكتب المنسق الأمني الأميركي في القدس عام 2005 كجزء من "خطة خارطة الطريق" للسلام التي وضعتها إدارة الرئيس جورج بوش. ويضم الفريق الدولي ممثلين من المملكة المتحدة وكندا وهولندا وإيطاليا وتركيا وبولندا وبلغاريا، لكن يرأسه جنرال أميركي، ويقوم بهذه المهمة حاليا الجنرال مايكل فنزيل.

أهمية تاريخية لهذا المنصب

منذ إنشائه، ركّز المنسق الأمني على برامج إصلاح وتعزيز قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وتعزيز تنسيق تلك القوة مع الجانب الإسرائيلي الذي طالما وصف هذه المهمة بأنها حاسمة للاستقرار في المنطقة.

وعرض معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ورقة بحثية حول منصب "المنسق الأمني الأميركي" فصّلت الظروف والنتائج والإطار الأوسع لهذا المنصب وآثار القرار الأميركي المتوقع.

وطالبت مديرة الأبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية شيرا عفرون، والمفاوض الفلسطيني السابق والخبير بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى غيث العمري؛ بعدم تخفيض مستوى المنسق الأمني الأميركي لما لذلك من تداعيات سلبية على دور وصورة الولايات المتحدة في هذه الفترة المهمة التي تشهد توترا متكررا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

الموسوعة - epa01870820 U.S. President Barack Obama (C) watches Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu and Palestinian President Mahmoud Abbas (R) shake hands at a trilateral meeting at the Waldorf Astoria Hotel in New York City on 22 September 2009. The talks in New York were dampened by a warning from Israeli
لقاء عام 2009 جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (يمين) ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (يسار) وبحضور الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (الأوروبية)

وحسب ما جاء في البحث:

  • بدأت مبادرة إنشاء مكتب المنسق الأمني الأميركي في مدينة القدس، ويعدّها كثير من المراقبين أحد النجاحات النادرة التي حققتها سياسة الولايات المتحدة بشأن إسرائيل وفلسطين.
  • على مدار السنوات الماضية، ساعد مكتب المنسق في إعادة بناء قطاع الأمن الفلسطيني بعد "الانتفاضة الفلسطينية الثانية"، وأسهم المكتب كذلك في رفع التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى مستويات متقدمة.
  • دفع ذلك الجانبين لتخفيف "حدة التوترات" في الضفة الغربية في فترات التصعيد خاصة، وتمكن المنسق الأمني الأميركي من الوصول بسرعة إلى كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في الولايات المتحدة وفلسطين وإسرائيل.
  • استحدثت وزارة الخارجية الأميركية هذا المنصب كجزء من خطة "خارطة الطريق" للسلام، وهو ضمن فريق مشترك يمثل- بالإضافة إلى الولايات المتحدة- 7 دول أخرى في حلف الناتو (المملكة المتحدة وكندا وهولندا وإيطاليا وتركيا وبولندا وبلغاريا)، إلا أن نواته تتألف من عناصر وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون).
  • يشرف على عمل المنسق كل من وزير الخارجية الأميركي ورئيس هيئة الأركان المشتركة بالبنتاغون، وينسق المسؤول عن هذا المكتب مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية لتعميق التنسيق الأمني ​​بين الجانبين، و"تحسين قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتقديم المشورة للسلطة الفلسطينية بشأن إصلاح القطاع الأمني".
  • على مدار السنوات الماضية، تميز منصب المنسق الأمني ​​بخاصيتين: أولاهما الرتبة العالية على رأس قيادته، والثانية في مقره بمدينة القدس.
  • وفر وجود هذه المنصب علامة إيجابية وواضحة على التزام واشنطن بلعب دور أمني دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ويؤمن كل من العمري وعفرون بأن خفض رتبة المنسق في هذا التوقيت يأتي في توقيت غير مناسب من ناحيتين: أولا هناك تصاعد في الأحداث مجددا بالضفة الغربية، بعد سنوات من الهدوء النسبي، كما يضيف توترا للعلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وثانيا يوتر العلاقات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية.

رسائل أميركية سلبية

ويرى الباحثان الفلسطيني والإسرائيلية أن تخفيض رتبة المنسق الأمني يبعث رسالة رمزية سلبية بعدم اكتراث واشنطن بالتنسيق الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة مع شعور السلطة الفلسطينية بخيبة أمل مما تعدّه دعما أميركيا غير كافٍ، لا سيما بعد فشل إدارة بايدن في الوفاء بوعدها في موضوع إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس.

كما يرسل خفض منصب المنسق رسالة سلبية لعملية "إصلاح" قطاع الأمن الفلسطيني، وهي المهمة التي توليها واشنطن أهمية كبيرة وتلعب دورا كبيرا فيها ماليا وماديا وعملياتيا. ومن شأن خفض رتبة المنسق إهدار الهيبة الأميركية اللازمة أمام الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

وأخيرا، يُعد المنسّق الأميركي المسؤول الأعلى رتبة بين ممثلي الدول الثماني التي يتكون منها مكتبه الأمني، ومن شأن خفض رتبته إلى عقيد دفع البلدان الأخرى إلى خفض رتب ضباطها، مما يقضي فعليا على مهام المكتب.

المصدر : الجزيرة