البوسنيون يناشدون العالم: تعلموا من تجربة سراييفو وأنقذوا كييف

مظاهرة في البوسنة لدعم أوكرانيا في الحرب الروسية عليها (مواقع التواصل الاجتماعي)

سراييفو- في صباح اليوم الـ24 من فبراير/شباط الماضي، انطلقت صفارات الإنذار في أوكرانيا، فأيقظت أوروبا، ووصل صداها إلى البوسنة، فأعادت ذكرى سنوات الحرب الحزينة.

وأثارت التقارير الإخبارية الواردة من كييف وباقي المدن الأوكرانية ذكريات مؤلمة بين الناجين من حصار التسعينيات في العاصمة البوسنية سراييفو.

وقال أحد المشاركين في المظاهرة التي خرجت في سراييفو للتنديد بالغزو الروسي، "إذا صمت العالم أو تردد تجاه العدوان الروسي على أوكرانيا، فلا يمكن لسراييفو أن تفعل ذلك". كما رفعت متظاهرة لافتة كتب عليها "تعلموا من تجربة سراييفو.. أنقذوا كييف".

 

 

"المشاهد في أوكرانيا هي نفسها كما كانت في البوسنة قبل 30 عاما؛ دبابات تتوغل في المدن، ومدافع تقصف بلا هوادة، والأبرياء يتساقطون بين قتيل وجريح، آلاف العائلات تفر بأطفالها وعجائزها عبر الحدود بحثا عن الحياة الآمنة"، تتذكر نيرهة أفنديتش "عندما نتابع ما يحدث في أوكرانيا، تعود إلينا آلام المعاناة التي عشتها مع أمي في سربرنيتسا".

فرضت البوسنة نفسها على الجميع، فلكي تؤكد كريستيان آمانبور على قدرة الأوكرانيين على المقاومة، تستشهد بصمود سراييفو رغم الحصار المطبق، ورغم أن البوسنيين لم يتلقوا أي شيء من الغرب، على حد تعبيرها، ومع ذلك لم تسقط سراييفو.

أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فيقول في رده على أحد الصحفيين: إن قصف الروس لخاركيف يذكرني بقصف الصرب للسوق الرئيسي في سراييفو (في فبراير/شباط 1994).

الخلفية الأيدولوجية للحرب

يعتقد الباحث الأكاديمي المتخصص في دراسات الإبادة الجماعية حكمت كارتشيتش أن هناك أوجها كثيرة للتشابه بين العدوان الصربي على البوسنة والعدوان الروسي على أوكرانيا، فمثلا، لم يقبل رئيس دولة صربيا سلوبودان ميلوسوفيتش تفكك يوغوسلافيا، ولا يقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تفكك الاتحاد السوفياتي.

ويضيف كارتشيتش -للجزيرة نت- "وفي كلتا الحالتين يقوم المعتدي بتعريف الدولة المجاورة بأنها مصطنعة، وليس لها الحق في الوجود، ويتم تقديم العدوان على أنه حرب دفاعية لحماية الأفراد من الجنسية نفسها (صرب/روس)، ثم تتم محاولة فرض السلطة بطريقة وحشية، والقيام بتهجير قسري للمواطنين والاستيلاء على الأرض بهدف التوسع وزيادة النفوذ".

أما المحلل السياسي والعسكري فكرت موسليموفيتش فيرى أن "الأمر يتعدى مجرد التشابه ليصل إلى ارتباط عضوي وثيق بين الحرب الصربية والحرب الروسية"، ويوضح "لقد اعتمد ميلوسوفيتش في عدوانه على دولة البوسنة والهرسك على ما عرف بـ"مذكرة سانو" (Memorandum SANU) التي أعدتها الأكاديمية الصربية للعلوم والفنون، وخرجت للعلن سنة 1986″.

وتروج تلك الوثيقة لفكرة أفضلية الصرب على غيرهم من الشعوب اليوغسلافية، وتدعو لإقامة ما يسمى "صربيا الكبرى". هذه النظرية هي امتداد لنظرية "عالم الروس"، التي يروج لها عدد من المفكرين الروس مثل إدوارد ليمونوف وألكسندر دوغين، وهي المحرك الرئيسي لأنشطة بوتين العدوانية، إذ إن الهدف بناءُ حضارة أوروبية آسيوية مع وجود روسيا في المركز باعتبارها الإمبراطورية الرئيسية، وبناء عليه لا يمكن أن تكون أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة لأنها تقسم قوة روسيا كقوة قارية عظمى.

المجتمع الدولي

وعلى الرغم من أن العدوان في كلتا الحالتين يتم على دولة أوروبية ذات سيادة ومعترف بها دوليا، فإن ردود الفعل تباينت في الحالتين، إذ رفض الأوروبيون الوقوف مع البوسنة والهرسك، وقبلوا برواية أن ما يحدث هو حرب أهلية بين 3 مجموعات عرقية متناحرة.

أما في أوكرانيا فقد سارع الغرب لإدانة المعتدي الروسي ومواجهته بفرض عقوبات اقتصادية دولية صارمة، وأُعلن عن الوقوف بقوة مع الدولة المستقلة ذات السيادة التي تعرضت للغزو. كما تبارت الدول في إمداد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة والفتاكة لدعمها في التصدي للعدوان الروسي.

ويعلق موسليموفيتش "لم تدعمنا القوى الغربية بالسلاح لندافع عن أنفسنا، ولم يسمحوا لنا بالحصول على السلاح، بل أبقوا على حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن، وتركونا فريسة لأسلحة الجيش اليوغسلافي التي بيد صربيا".

ويضيف "ربما كان هناك نوع من الإسلاموفوبيا، لكني أعتقد أن الأوروبيين لم يستشعروا الخطر على أمنهم عندما اعتدى الصرب على البوسنة، بيد أنهم أيقنوا بالخطر الصربي عندما أراد أن يتوسع جنوبا في اتجاه كوسوفو، لهذا قام حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) بتدخل عسكري حاسم ضد صربيا. لكن الغرب ينظر إلى بوتين، من البداية، بوصفه زعيم قوة عظمى ويشكل غزوه لأوكرانيا تهديدا للنظام الأمني ​​الأوروبي".

التناول الإعلامي

يرى الصحفي المتخصص في الشأن اليوغسلافي أسعد طه أن التناول الإعلامي للحرب البوسنية اعتمد على المهنية، واجتذبت البوسنة مشاهير العاملين في مجال الصحافة، بعكس الحرب الأوكرانية، فوسائل الإعلام لديها أعداد كبيرة من المراسلين المنتشرين في أنحاء البلاد. ويضيف طه -للجزيرة نت- كان الاعتماد في حرب البوسنة على المراسل فقط لتغطية الأحداث، وكان عليه أن يخاطر بحياته ليحصل على المادة الصحفية، أما الآن فقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة للجميع المشاركة في نقل الأحداث من خلال التصوير بالهواتف المحمولة ثم النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

بالنسبة للإعلام العربي، فقد زاد عدد القنوات التلفزيونية عما كان عليه أيام البوسنة، والجميع مهتم بمتابعة ما يجري في أوكرانيا، ولقد لاحظت اهتماما كبيرا بالقارئ العربي من طرفَي الحرب، حيث "توجد حسابات عديدة تمثل المواطنين الروس والأوكران تنقل الأحداث بطريقة موجهة".

ويضيف "من المثير أنها كلها تستخدم اللغة العربية بطريقة سليمة ومحكمة، لا تتفق مع الصورة الذهنية التي نعرفها عن اللغة العربية لدى غير العرب!".

لكن يبدو أن الحرب الأوكرانية قد رفعت وعي الغرب بشأن سياسة بوتين في دعم القوى المزعزعة للاستقرار في أجزاء أخرى من أوروبا، وخاصة في البلقان. وفي هذا السياق، يأتي التحذير الذي وجهه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حين قال "من الواضح أن بوتين لن يتوقف في أوكرانيا وأنه من الضروري متابعة الأحداث في غرب البلقان عن كثب".

وربما لا يكون السؤال هو: ما الذي يمكن أن نتعلمه من تجربة سراييفو، بل ما الذي يمكن أن نتعلمه من تجربة كييف؟

المصدر : الجزيرة