في الذكرى الـ25 لنهاية الحرب.. صحفية بوسنية تروي ذكرياتها تحت حصار سراييفو

ألما ميليشيتش الصحفية البوسنية بشبكة الجزيرة (الجزيرة)

في المقال الآتي تروي الصحفية البوسنية بشبكة الجزيرة ألما ميليشيتش ذكرياتها تحت حصار سراييفو خلال حرب البوسنة، ونشر المقال بموقع الجزيرة الإنجليزية في الذكرى الـ25 لانتهاء تلك الحرب البشعة.

ولدتُ في سراييفو في يوليو/تموز عام 1991، قبل 9 أشهر من اشتعال حرب البوسنة. كان الحصار حديث الناس الوحيد، لذلك لم يكن مفاجئًا أن تكون كلمة (Opsada) "ومعناها حصار باللغة البوسنية" من بين الكلمات الأولى التي نطقتها.

حزم والداي المتزوجان حديثًا، ولديهما طفلتان صغيرتان، أغراضهما وتركا منزلهما الجديد طلبا للنجاة.

كانت سراييفو تحت الحصار الذي تحول فيما بعد ليصبح أطول حصار في تاريخ الحروب الحديثة، وكان الخيار الوحيد المتاح لوالدي هو التنقل من بلدية إلى أخرى في أنحاء المدينة، قبل أن يستقر بهما المقام  في إحدى القرى الواقعة على جبل إيغمان قرب سراييفو.

كان أبي شاعرا طموحا في ذلك الوقت، أجبرته الحرب على تحويل شعره إلى شكل من أشكال الصحافة الشعرية، وسرد الأحداث ونقلها عبر الإذاعة المحلية. وقد كتب مئات التقارير والقصائد والملاحظات من الميدان على مدى سنوات الحرب.

اضطر والداي فيما بعد إلى العودة إلى منزلهما في سراييفو بعد تعرض جبل إيغمان لهجوم عام 1993.

بيت نفق الحياة في البوسنة
البيت الذي حفر تحته "نفق الحياة" وبات متحفا ومعلما سياحيا بسراييفو (الجزيرة)

كان أبي قد التحق بالخدمة في الجيش آنذاك، لذلك بقيت أنا وأمي وأختي وحدنا، ولم يعد العيش في منزلنا آمنًا، فانتقلنا للعيش مع الجيران في البيت المقابل لمنزلنا مباشرة.

وكان منزل الجيران يحتوي على قبو حيث تعيش عائلات عدة، بما في ذلك عائلتنا. وكانت ذكرياتي الخاصة عن الحرب قد بدأت تتشكل في ذلك الوقت.

كانت نوافذ بيت الجيران الذي انتقلنا للعيش فيه مغطاة بأكياس الرمل، وشعاع الضوء الوحيد الذي كنا بالكاد نراه كان يتسلل من باب المدخل الذي كان مغلقًا في أغلب الأوقات.

وغالبًا ما كنت أقوم بفتح الباب عندما لا يكون هناك من يراقبني، لأتأمل بيتنا وأتخيل كيف سيكون شعور العيش في مكاننا الخاص.

في الحرب يمكن أن تكون على بعد أمتار قليلة من منزلك، ولكنك تعيش في المنفى. وقد نما الشوق إلى منزلنا القديم على مدى العامين التاليين لانتقالنا منه. كنتُ وأختي نقضي ساعات عديدة مصغيتين إلى قصص والدتنا عما ستكون عليه حياتنا عندما نتمكن من العودة إلى بيتنا.

كان هناك نقص حاد في الطعام والأوراق النقدية في سراييفو آنذاك، ولكن كان هناك الكثير من السجائر، كنا نقايض 5 علب سجائر بكيلوغرام واحد من السكر، و20 علبة سجائر مقابل كيلوغرام من القهوة.

رافقت والديّ مرات قليلة في رحلاتهما عبر نفق سراييفو المعروف باسم "نفق الحياة". كان الطريق الوحيد للدخول إلى المدينة والخروج منها، وكانا يحملان معهما حقيبة مملوءة بالسجائر على أمل مقايضتها بأي نوع من الطعام.

كان النفق ضيقًا، وكثيرا ما كان رأسي يصطدم بسقفه وتلامس جدرانه يداي، لكنني كنت بين ذراعي أبي ولم أكن أبالي بأي من ذلك.

كان أبي يجلب معه الحلوى والتفاح ومجموعة من الصحف التي تحوي كتاباته الجديدة في كل مرة يزورنا.

وبحلول عام 1995 أصبح الورق في البوسنة نادرا جدا، فكان أبي يجمع علب السجائر المستعملة ويكتب عليها.

وفي الـ19 من يوليو/تموز من العام نفسه، بعد أيام قليلة من عيد ميلادي الرابع، أصابت قنبلة يدوية منزلنا وأخذت معها الأمل الأخير في العودة إليه في أي وقت قريب.

وشهد ذاك العام منعطفا مهما آخر في حياتي، فقد انضممت إلى أبي لأول مرة في مقابلة عبر الراديو. لم أكن أستطيع القراءة وقتئذ، ولكن بفضل حفظي لمعظم كتاباته، شاركت معه في دور الشاهد على الحرب خلال 6 أشهر.

ومع التوقيع الرسمي على معاهدة دايتون للسلام، في الـ14 من ديسمبر/كانون الأول عام 1995، كتب أبي تقريره الأخير، وبعد انتهاء الحرب بعامين، نشر كتابه الأول.

قلت لأبي فيما بعد "عندما أكبر سأكون صحفية"، فأجاب "آمل ألا تضطري إلى تغطية الحرب مرة أخرى".

المصدر : الجزيرة