من أوكرانيا إلى فرنسا.. وصول الفوج الأول من اللاجئين وتقديم الحماية المؤقتة "بشروط"

وبحسب السلطات الفرنسية، لن يستفيد المواطنون غير الأوكرانيين، الذين لم يكن لديهم وضع اللاجئ في أوكرانيا، والذين يمكنهم العودة إلى بلادهم بطريقة "آمنة"، من آلية الحماية المؤقتة

من أوكرانيا إلى فرنسا.. وصول الفوج الأول من اللاجئين وتقديم الحماية المؤقتة
موظفون فرنسيون يستقبلون الفوج الأول من اللاجئين القادمين من أوكرانيا وتقديم الحماية المؤقتة والمشروطة لهم (الجزيرة)

باريس- بعد رحلة استغرقت أياما في طريق هروبه من تحت القصف الروسي على مدينة خاركيف، شمال شرقي أوكرانيا، وصل الطالب المغربي عثمان أخيرا إلى مركز استقبال خاص باللاجئين في العاصمة باريس، لكنه حتى الآن لا يعرف مصيره إن كان سيُسمح له بالاستقرار في فرنسا أم سيغادر إلى بلده الأم.

وروى عثمان، للجزيرة نت، أنه قضى أكثر من أسبوع تحت القصف الروسي على خاركيف، حيث يدرس الهندسة، واستغرقت محاولة هروبه مع مجموعة من زملائه، ومعهم أُم مغربية وضعت طفلها منذ 5 أيام فقط، أكثر من 14 ساعة للخروج من المدينة التي تحتدم بها المعارك، إلى مدينة لفيف غربا.

ولصعوبة الإقامة هناك أيضا، توجّه عثمان هربا إلى الحدود البولندية، ومع ازدحام عشرات آلاف الفارين مع أطفالهم في أجواء شديدة البرودة، قال عثمان إنه كان محظوظا لأن السيارة التي تقله قطعت مسافة 500 متر في 13 ساعة "فقط".

بعد وصوله وتلقيه القليل من الطعام، قرر عثمان التوجه للعاصمة "وارسو" مباشرة، وبعدها سافر إلى فرنسا حتى وصل الثلاثاء مع أول أفواج اللاجئين من أوكرانيا إلى باريس.

ولكن بعد أيام من وصوله، لا يزال عثمان لا يعرف مصيره. وقال إن التعليمات واضحة بخصوص استقبال المواطنين الأوكرانيين وتقديم الحماية لهم، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمن لا يحملون وثائق أوكرانية. كما أن كثيرا من اللاجئين هربوا دون أن يتمكنوا من حمل أوراقهم الثبوتية لأن بيوتهم أو مساكنهم تعرضت للقصف.

إحدى ضواحي خاركيف كما صورها الشاب المغربي عثمان أثناء هروبه تحت القصف (الجزيرة)

ازدواجية الإجراءات

ويوم الثلاثاء الماضي، زار رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس، مركز استقبال اللاجئين من أوكرانيا، الواقع في الدائرة 18 في باريس، وتشرف عليه جمعية "فرنسا أرض اللجوء".

وبتنسيق من بلدية باريس وعمدتها، آن هيدالغو، وصلت عشرات الحافلات إلى مركز الاستقبال، ومن المتوقع افتتاح قاعتين إضافيتين فيه لاستيعاب المزيد من الواصلين.

وأخبر أحد الموظفين في المركز، الجزيرة نت، أنه يتم الترحيب هنا بأكثر من 250 لاجئا أوكرانيا يوميا سافروا عن طريق القطار أو الحافلات بالمجان، لتلقي الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية والاستفادة من الإقامة.

وتشتهر الدائرة 18 في العاصمة الفرنسية، بوجود عدد كبير من المهاجرين يفترشون الأرض ليلا ونهارا أو ينامون في الخيام بالشوارع، وأغلبهم من طالبي اللجوء الأفغان.

وفي الوقت الذي يتلقى فيه اللاجئون من أوكرانيا مساعدات إنسانية، ينام هؤلاء في مخيمات متنقلة وتقوم الشرطة بإخلائها بشكل متكرر، رغم نقص أماكن الإقامة التي توفرها السلطات في المدينة منذ عام 2015.

وهو ما دفع بعدد من الجمعيات للمطالبة بتوسيع نطاق المساعدات وتحسين الإجراءات من استقبال اللاجئين إلى تقديم سكنات لهم وإصدار سريع لأوراق إقامتهم، ولتشمل جميع الجنسيات التي طلبت اللجوء في فرنسا طوال السنوات الماضية.

استنكار اليمين المتطرف

في هذه الأثناء، استنكر العديد من المسؤولين المنتخبين في اليمين واليمين المتطرف، السبت، وجود المهاجرين "غير الأوروبيين" في فرنسا، وزعم البعض منهم أن ثلث الوافدين من أوكرانيا "ليسوا أوكرانيين".

وقال نيكولا باس، نائب مرشح الرئاسة اليميني المتطرف، إريك زمور، إن "ثلث اللاجئين الذين يمرون عبر أوكرانيا لا يأتون منها، بل من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يستخدمون طريق الهجرة الجديد هذا للوصول إلى أوروبا".

وأضاف عضو البرلمان الأوروبي المنشق عن التجمع الوطني: "هناك من يأتي لأسباب اقتصادية لإثقال حساباتنا العامة والاجتماعية، بينما الأوكرانيون علينا واجب التضامن الأوروبي تجاههم، لأنهم جزء من حضارتنا".

فيما صرحت ماريون مارشال، ابنة أخت مرشحة الرئاسة مارين لوبان، والتي أعلنت دعمها لحزب زمور في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أن 30% من اللاجئين الذين وصلوا إلى فرنسا مهاجرون من جنسيات أخرى، والعديد منهم جزائريون.

وهو ما أشارت إليه فاليري بواييه، العضو في مجلس الشيوخ الفرنسي، في تغريدة نشرتها الجمعة عبر حسابها الرسمي على تويتر.

بدوره، أشار ديدييه ليسكي، المدير العام للمكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (OFII)، الخميس، إلى أن هذه النسبة قد يكون سببها حالات ازدواج الجنسية التي "يصعب التعامل معها"، على حد تعبيره.

ولا تتوافق هذه المزاعم مع الأرقام الرسمية التي نشرتها وزارة الداخلية الفرنسية، الجمعة، إذ أشارت إلى أن من بين 10007 أشخاص فحصتهم شرطة الحدود على الأراضي الفرنسية منذ 25 فبراير/شباط، كان هناك 9761 أوكرانيا، أي 97.5% منهم.

من أوكرانيا إلى فرنسا.. وصول الفوج الأول من اللاجئين وتقديم الحماية المؤقتة
لاجئون بأحد مراكز الاستقبال في باريس وصلوا ضمن الفوج الأول من أوكرانيا إلى فرنسا (الجزيرة)

أكبر هجرة منذ الحرب العالمية الثانية

ومع استمرار الهجوم الروسي، فر أكثر من 2.6 مليون شخص من أوكرانيا، حتى السبت وفق الأمم المتحدة. وهو رقم مرشح للارتفاع ويمكن أن يصل إلى 6 ملايين لاجئ، ما قد يوصف بأكبر هجرة جماعية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وأقامت البلدان الحدودية، بما في ذلك بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا، مراكز استقبال لتقديم الطعام والملبس والمأوى للهاربين من الحرب.

وتعهدت دول أبعد بتقديم الدعم مثل فرنسا التي استقبلت حتى الآن أكثر من 7500 شخص، فيما يتوقع وصول بين 50 إلى 100 ألف لاجئ من أوكرانيا في الأسابيع المقبلة، وفق بيان لوزارة الداخلية الفرنسية.

حماية مؤقتة "بشروط"

اعتمد الاتحاد الأوروبي ما يسمى بـ"الحماية المؤقتة" لصالح المواطنين الأوكرانيين واللاجئين في أوكرانيا والمقيمين الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم.

واستقبلت بولندا أكثر من 1.6 مليون لاجئ، تليها هنغاريا بأكثر من 246 ألفا، وسلوفاكيا بما يزيد على 195 ألف مهاجر. وتشير إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 304 آلاف شخص توجهوا إلى دول أوروبية أخرى حتى السبت 12 مارس/آذار الجاري.

يُذكر أن الاتحاد الأوروبي تبنى هذا النظام في 20 يوليو/تموز 2001 للتعامل مع التدفق الهائل للاجئين بسبب الحروب في يوغوسلافيا. وفي عام 2011، طلبت إيطاليا باعتماده لمواجهة هجرة السوريين الفارين من الصراع في بلادهم، إلا أن المفوضية الأوروبية رفضت ذلك.

ويمنح هذا النظام للاجئين القادمين من أوكرانيا حق البقاء 6 أشهر في فرنسا، مع إمكانية تجديدها لسنة واحدة على الأقل. وهو ما سيتيح لهم فرصة الوصول إلى سوق العمل والاستفادة من النظام الصحي، فضلا عن المساعدات المالية لتلبية احتياجاتهم والعثور على سكن وتعليم لأطفالهم الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و16 عاما.

كما يقوم المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج بتقديم مبلغ مالي بحسب أفراد الأسرة، وهو نفس المبلغ الذي يتلقاه طالبو اللجوء، وفق بيان لوزارة الداخلية.

وبحسب التعميم الذي أرسل مؤخرا إلى محافظي المدن الفرنسية، لن يستفيد المواطنون غير الأوكرانيين، والذين لم يكن لديهم فعليا وضع اللاجئ في أوكرانيا والذين يمكنهم العودة إلى بلادهم بطريقة "آمنة"، من آلية الحماية المؤقتة. وهذا يعني أن الطلبة الأجانب الذين كانوا يدرسون في الجامعات الأوكرانية لن يستطيعوا البقاء في فرنسا.

المصدر : الجزيرة