عندما كانت أميرة من كييف ملكة فرنسا

تم إطلاق يوم آن دي كييف عام 2009 في سينليس (الفرنسية) كما هي الحال في كييف (العاصمة أوكرانيا) باعتبارها شخصية مثالية تثبت مدى تجذر الشعب الأوكراني في أوروبا القديمة جدا.

تمثال آن كييف في سينليس الفرنسية، الموجود في قلب دير سانت فنسنت السابق، الذي أصبح مدرسة سانت فنسنت الثانوية في ما بعد (الصحافة الفرنسية)

تستعد بلدة سينليس لترتيب ما أمكن من مساعدة للأوكرانيين في حربهم ضد روسيا، وهذه المدينة الواقعة في مقاطعة لواز الفرنسية هي ذاتها التي أسست فيها زوجة الملك هنري الأول ديرًا عام 1065، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية أعده فرانسوا غيوم لورين.

في عام 2005، قام فيكتور يوشينكو، الرئيس الجديد آنذاك لأوكرانيا الذي تولى السلطة على إثر الثورة البرتقالية، بزيارة سينليس لافتتاح تمثال يخلد ذكرى تلك الأميرة.

"آن الكييفية"

وتضيف الصحيفة أن سبب نصب تمثالها هنا هو أن ملكة فرنسا آن (Anne) -التي كان اسمها عند الولادة آن دي كييف (آن الكييفية نسبة لمدينة كييف)- كانت تحب بلدة سينليس، كما يقول أحد المؤرخين، "لقد أحبت الهواء الذي يتنفسه المرء هناك بقدر ما أحبت المكان من أجل التسلية الممتعة للصيد الذي استمتعت به بشكل فريد".

لكن كيف وجدت أميرة أوكرانية نفسها في بلاط فرنسا، في منتصف القرن الـ11؟ يوضح كاتب سيرتها، فيليب ديلورم، أن "الكنيسة أرست قواعد صارمة للغاية بشأن عدم الزواج من الأقارب، حتى الدرجة السابعة، الأمر الذي أجبر الملوك على البحث بعيدًا عمن يتزوجونهم".

وكانت روثينيا -التي تنتمي لها آن- اتحادا كونفدراليا من مدن تهيمن عليها كييف، وكان حكامها قد عقدوا بالفعل زيجات مع المجر، وبولندا، والإمبراطورية الرومانية المقدسة، حيث عثر الملك الكابيتاني هنري الأول ملك فرنسا، ابن هوغز كابت، على اثنتين من الأميرات الجرمانيات للزواج منهما.

ابنة أمير كييف الكبير

وبعد أن توفيت زوجته تزوج من ابنة أمير كييف الكبير، ياروسلاف الحكيم، وفي ذلك الوقت، كان حكام كييف قد انضموا إلى أحضان المسيحية لجيلين، وذلك عن طريق التحول إلى الطقوس اليونانية في القسطنطينية، ولم تكن الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية قد شهدتا الشرخ الكبير الذي لحق بهما، وقد تزوجت آن من هنري في كاتدرائية ريمس، في عيد العنصرة عام 1051.

أوكرانيا - كييف - ساحة القديسة صوفيا التي شهدت توقيع اتفاقية الوحدة بين شطري أوكرانيا في 22 يناير 1919 (7) copy.jpg
ساحة القديسة صوفيا في كييف عاصمة أوكرانيا، المدينة التي شهدت مولد آن ابنة أمير كييف الكبير (الجزيرة)

جدة أوروبا

يتساءل كاتب هذا التقرير عن الآثار التي تم الاحتفاظ لهذه الأميرة -والدة الملك فيليب الأول- التي يمكن اعتبارها جدة أوروبا، ويجيب بأنه ليست هناك آثار تذكر لها "إنها نادرة للغاية"، وهذا ما يؤكده الكاتب المختص في الأميرات التي حكمت فرنسا، فيلي ديلورم.

وقد لاحظ ديلورم، مع ذلك، أنها وقَّعت باللغة السيريلية باسمها آنا ريجينا، أسفل ميثاق مؤرخ عام 1061، محفوظ في الخزانة الحديدية للأرشيف الوطني الفرنسي قائلا: "ربما يكون هذا أقدم نقش باللغة السيريلية احتفظنا به في فرنسا. لا شك أنها كانت تتحدث السلافية القديمة، وكذلك اللغة الإسكندنافية القديمة، لأنها كانت أيضًا سويدية من والدتها، وهذا هو الدم الإسكندنافي الذي تم العثور عليه في سلالة أمراء كييف الكبار".

ويرفض ديلورم فكرة أن آن تنحدر من فيليب دي مقدونيا، ويقول إنها أنجبت 4 أطفال من هنري الأول بفرنسا، لافتا إلى أن تاريخ ميلادها أو وفاتها غير مؤكد، وأن المعروف هو أنها أصبحت أرملة في عام 1060، وتزوجت من حاكم منطقة فالوا، وقد ورد اسمها في ميثاق عام 1075 بينما ورد حديث عن ذكراها في ميثاق عام 1085.

قصة حب وطنية

ومنذ استقلال أوكرانيا، أقام هذا البلد بالطبع قصة حب وطنية لآن دو كييف باعتبارها، حسب رأيهم، شخصية مثالية تثبت مدى تجذر الشعب الأوكراني في أوروبا القديمة جدا.

وفي عام 1994، أخذت المدرسة الفرنسية في كييف هذا الاسم، في سينليس، حيث تزوج العمدة السابق جان كريستوف كانتر من أوكرانية، وتم افتتاح مركز ثقافي آن دو كييف، وهو يقع اليوم في قلب المساعدة الفرنسية المقدمة حاليًا إلى الأوكرانيين.

وفي وقت مبكر من عام 1998، تم توقيع اتفاقية صداقة بين بلدة سينليس وبيشيرسك، إحدى مقاطعات كييف.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، جاء الأوكرانيون الموجودون في مناجم ومنسوجات شمال فرنسا للتجمع أمام تمثال آن كييف الموجود في قلب دير سانت فنسنت السابق، والذي أصبح مدرسة سانت فنسنت الثانوية في ما بعد.

وتحولت اتفاقية الصداقة بين البلدتين إلى توأمة عام 2005 في أثناء زيارة الرئيس يوشينكو، وتم إجراء تبادل مدرسي مع المدارس في كييف، استمر حتى عام 2014 (تاريخ ضم شبه جزيرة القرم لروسيا)، كما تم إطلاق يوم آن دي كييف عام 2009 في سينليس كما هي الحال في كييف.

المصدر : لوبوان