السودان.. هل تطيح إجراءات البرهان باتفاق جوبا للسلام؟

يرى مراقبون أن تأييد أطراف باتفاقية جوبا إجراءات قائد الجيش خصم الكثير من رصيدها السياسي، ولاحظ هؤلاء تناقص شعبيتها بين المواطنين بمناطق النزاع حيث لا يزال الآلاف يكابدون العيش في مخيمات النزوح وسط تزايد العنف القبلي والصراعات.

Sudan signs historic peace deal with five rebel groups in Juba
تأييد عدد من قادة الجبهة الثورية لإجراءات قائد الجيش أحدث انقسامات داخل الجبهة (رويترز)

الخرطوم- تتعاظم المخاوف في السودان من انهيار اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والجبهة الثورية في أعقاب الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لعرقلتها عملية التحول الديمقراطي، بحسب مراقبين، وإشاعتها انقسامات لا تزال مكتومة وسط موقعي اتفاق السلام.

وحظيت إجراءات البرهان بسند لافت من قادة الجبهة الثورية، والتي أطاح بموجبها بالحكومة المدنية وعطّل البنود الخاصة بالشراكة مع المدنيين في الوثيقة الدستورية، علاوة على فرض حالة الطوارئ واعتقال الوزراء والنافذين، وتعطيل عمل لجنة تفكيك النظام السابق، وقطع الاتصالات، وقمع الاحتجاجات الرافضة لتلك الخطوات.

وبحسب معلومات حصلت عليها الجزيرة نت، فإن البرهان أبلغ قادة الحركات المسلحة بنواياه قبل ساعات من تنفيذ تلك الإجراءات، وحصل على ضوء أخضر "للانقلاب" على ائتلاف الحرية والتغيير -التحالف الحاكم- بعد أن قدم للحركات تعهدات بعدم المساس ببنود اتفاق السلام والحفاظ عليه، مع إبقاء كل وزراء وقادة الحركات الموقعة على الاتفاق في مواقعهم السيادية ومناصبهم الوزارية، وهو ما حدث فعليا، إذ لم يشمل قرار حل الحكومة حقائب أطراف اتفاق السلام التي حصلوا عليها بموجب التفاهم الموقع في جوبا في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2020.

لكن تأييد أطراف اتفاق السلام لتحركات العسكر ضد التحالف المدني، خصم الكثير من رصيدها السياسي، وفق مراقبين لاحظوا كذلك انحسار قبولها وسط أصحاب المصلحة -الأطراف المتأثرة بالحرب- لا سيما في إقليم دارفور حيث لا يزال الآلاف يكابدون العيش في مخيمات النزوح وسط تزايد العنف القبلي والصراعات دون تلمس نتيجة لاتفاق السلام على الأرض.

ياسر عرمان: الانقلاب أدخل السودان في مأزق وبخاصة أطراف عملية السلام (رويترز)

مأزق "الانقلاب"

علاوة على ذلك، تواجه أطراف اتفاق السلام انقسامات داخلية حادة لم يطفو غالبها على السطح بعد، فإجراءات قائد الجيش تناقض ركيزة أساسية في اتفاق السلام المفترض أن يفضي إلى تحول ديمقراطي، وهو ما أشار إليه صراحة ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية في حديثه للجزيرة حين قال إن الحفاظ على اتفاق السلام "يستوجب هزيمة انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 والعودة إلى الحكم المدني الديمقراطي".

وأضاف "الانقلاب أدخل السودان في مأزق، لكن أطراف العملية السلمية كان مأزقهم أكبر، بالنظر إلى أن اتفاقية السلام مرتبطة بالتحول الديمقراطي والإطار الدستوري".

وفي إشارة إلى رفضه مساندة قادة الحركات المسلحة للبرهان في إجراءاته، قال عرمان إن "أطراف السلام ستدرك مع الوقت أن الشمولية والدكتاتورية لن تقود إلى سلام، والسلام لن ينبت إلا في تربة ديمقراطية".

ويحصي القيادي بالحرية والتغيير طلب الختيم جملة خسائر تواجه اتفاق السلام والحركات الموقعة عليه، من بينها "انهيار الضمانات لتنفيذه بعد خرق الوثيقة الدستورية"، كما يشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن "التأييد لاتفاق السلام تلاشى كليا بفعل الانقلاب، وهو ما يجعل الانقضاض عليه سهلا ولا بواكي له".

ويقول الختيم إن "الحركات المسلحة كانت قبل الانقلاب شريكة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي عبر مؤسسات مهما كانت اعتلالاتها تعمل وفق الدستور والقانون، لكن الآن أصبح القرار السياسي في يد قائد الجيش فقط والحركات مجرد كومبارس"، فهي من وجهة نظره "تورطت في انقلاب لا يملك أي تصور للبديل، فقط اعتمد على الإجراءات الأمنية والخبرات الإدارية لكوادر النظام السابق لتامين استمراره".

التمويل

لكن من وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور راشد محمد علي الشيخ فإن التحدي الأكبر أمام اتفاق السلام هو تمويل عملية تنفيذ برامجه واستحقاقاته، لأن معظم المهددات مادية تستلزم توفير 18 مليار دولار وفقا لما جاء في نص الاتفاق لإطلاق مشروعات التنمية وغيرها، مما يساعد على تثبيت دعائم السلام في المناطق المتأثرة بالحرب.

ويؤكد الشيخ للجزيرة نت أن التنفيذ صاحبته إخفاقات يتحملها الوسيط -دولة جنوب السودان- بمخاطبة الضامنين للاتفاقية من شركاء المجتمع الدولي لتوفير الأموال المطلوبة. ومع ذلك يتحدث الشيخ عن إخفاقات كلية يتحملها كل شركاء التغيير في السودان، الذين -كما يقول- أخفقوا في إدارة الدولة ولم يستطيعوا قط النظر إلى ما وراء النظام السابق.

ويتفق الجميع على أن الاتفاقية أصابها حاليا الشلل بفعل الإجراءات العسكرية، كما يقول عرمان إن بنودها الأمنية والسياسية غير مطبقة، بل يجري تشويهها لمصلحة الشمولية.

وينعى عثمان إبراهيم القائد بالحركة الشعبية-قيادة الحلو اتفاق السلام، قائلا إنه "مات" وإن إجراءات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي نفسها كانت مؤامرة للالتفاف على الاتفاقية التي لم تشارك فيها حركته منذ البداية.

ويقول للجزيرة نت إن اتفاق جوبا للسلام لم يتبق منه حاليا سوى المناصب الوزارية التي يتقلدها القادة، لافتا إلى أنهم لم يعترضوا على تحركات الجيش التي أنهت كل مظاهر التحول الديمقراطي وفرضت قبضتها الأمنية التي أوقعت أكثر من 75 قتيلا، دون أن يحرك ذلك أطراف عملية السلام للاعتراض.

اتفاقية السلام في جوبا
صحفي مختص بشؤون دارفور يرى أن اتفاق جوبا غير موجود على الأرض (الجزيرة)

انقسامات وفقدان السند

ويرى الصحفي المختص في شؤون دارفور آدم مهدي في حديثه للجزيرة نت أن مواطني الإقليم لم يشعروا أصلا بثمار اتفاق السلام مع استمرار حالة الانفلات الأمني التي تدخلت في تفاصيلها الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع بمشاركتهم في النزاعات المحلية، كل يناصر قبيلته، في حين أن المفترض بهم تحقيق السلام والحفاظ على الاستقرار.

ويشير مهدي إلى أن اتفاق السلام أوقف الحرب فقط بين جيوش الحركات والدعم السريع لكنه غير موجود على الأرض، ويردف "ما زاد الطين بلة مشاركة الحركات في الانقلاب بشكل أساسي، وهذا نسف أي رصيد سياسي متبق للحركات في دارفور".

ويوضح أن المواطنين الذين كانوا منقسمين حيال الاتفاق صاروا جميعا ضده وضد قادة تنظيمات الكفاح المسلح، كما أن عناصر الحركات من الشباب المشاركين في الثورة دفعوا باستقالاتهم، مما يعني -وفقا لآدم مهدي- أن إحساسهم بالسلام بات منعدما وتأييدههم لقادتهم تراجع كثيرا.

الانقسام بسبب إجراءات قائد الجيش داخل الحركات المسلحة تحدث عنه عرمان، وأشار لعدم توافق بينه وبين رئيس الحركة مالك عقار، الذي استمر في منصبه عضوا بمجلس السيادة تحت تبرير ساقه عرمان قائلا "عقار يجري محاولات أخيرة لإنقاذ اتفاقية السلام من مأزق الانقلاب"، وألمح إلى خلاف بينه وبين عقار في تقييم هذه الخطوة، قائلا "نحن تقييمنا متباين لهذه النقطة لكني مقتنع بضرورة المحافظة على وحدة الحركة". وتابع "الاختلاف في التقييم السياسي للانقلاب هو أمر لا يخص الحركة فقط، هناك أحزاب وقوى سياسية تمر بالمرحلة نفسها".

بدوره يؤكد طلب الختيم أن الخطر الأكبر أمام الاتفاق يتمثل حاليا في فقدان الحركات للسند الدولي بعد أن بات قادتها المؤيدون للانقلاب في عزلة دولية، وهو ما سينعكس على أي التزامات دولية كانت مخصصة للاتفاق، مما يهدد بشكل كبير انهياره.

المصدر : الجزيرة