طالبان تجيب الجزيرة نت.. هل تسعى الحركة للانفراد بحكم أفغانستان؟

تدرك طالبان أن تفردها بالحكم سيضعها في مواجهة تحد دولي وإقليمي وداخلي، وربما يفضي ذلك لفرض عزلة دولية عليها، كما حدث في ستينيات القرن الماضي، وهو ما تتجنبه اليوم.

قادة من طالبان يجتمعون بالأهالي وسط فيض آباد بعد سيطرة مقاتلي الحركة على عاصمة ولاية بدخشان (الجزيرة)

كابل – تقدر الاستخبارات الأمريكية أنه إذا استمرت طالبان بالسيطرة على عواصم الولايات بالوتيرة المتسارعة التي تمضي بها، فإنها ستسيطر على العاصمة كابل في غضون 3 أشهر.

ويقدر المراقبون الأفغان أن التقييم الأميركي للأحداث بالبلاد في محلها. بالنظر إلى مجريات الأحداث وإلى تدني معنويات القوات الحكومية التي استسلم أكثر من 3000 عنصر منها في يوم واحد وفي ولاية واحدة، وهو ما يسهل مهمة طالبان في السيطرة، وما ما يشير إلى أنها تخرج منتصرة من جميع الولايات الواحدة تلو الأخرى.

الإستراتيجية التي تتبعها طالبان للاستيلاء على مراكز الولايات تتسم بمرونة وشدة في آن، فهي ترسل الوفود من شيوخ القبائل ووجهاء المنطقة إلى حكام الولايات لتسليمها دون حرب حقنا للدماء، وقد أثبتت هذه الإستراتيجية نجاعتها. كما يقول مولوي قلم الدين رئيس حركة الانقلاب الإسلامي.

فقد اتفقت طالبان مع داود لغماني حاكم ولاية غزني أن يخرج بأمان، وكان قد نُقل جوا حين عين حاكما للولاية، لكنه خرج منها عائدا إلى كابل برا وتحت حماية طالبان. قبل أن تعلن وزارة الداخلية أن قوات الأمن ألقت القبض على لغماني ونائبه بعد سيطرة طالبان على المدينة.

مولوي قلم الدين زعيم حركة انقلاب إسلامي (الجزيرة)

إستراتيجية مرنة

ويرى مولوي قلم الدين في حديثه للجزيرة نت أن "هذه المعاملة المرنة تجد أصداء إيجابية في الولايات الأخرى، وحتى داخل العاصمة كابل، فقد بدأت ترتفع الأصوات المطالبة باستقالة الرئيس بعد فشله في إدارة الصراع. ويضيف "نحن في كابل، ونعرف جيدا أن الحكومة أخفقت في الإدارة، ولم تستطع أن تلبي طلبات الشعب".

ويواصل حديثه بالقول "لذلك، اليوم ليس أمام الرئيس إلا أن يقدم استقالته، ويفوض الأمور للأفغان ليقرروا مصيرهم، ويرسموا مستقبلهم، ومن الضروري تأسيس نظام جديد يكون مقبولا شعبيا ودوليا. وتكون طالبان جزءا أساسيا للنظام في المستقبل ونرحب بقدومهم".

محمد نعيم: حكومة كابل أضاعت فرصة منحتها لها الحركة لتحقيق السلام وإنهاء الحرب (الجزيرة)

هل تنفرد طالبان بالحكم؟

غير أن طالبان لا ترضى بأقل من حكم أفغانستان، فهي لا تعترف بالحكومة كطرف أصيل في المعادلة، وتنعتها بالعمالة، وبأن بقاءها يعني بقاء عملاء للاحتلال الأميركي، بحسب مسؤولين في الحركة.

وهو ما يؤكده المتحدث باسم المكتب السياسي محمد نعيم للجزيرة نت بقوله "إن هجمات ومعارك طالبان الأخيرة، التي أدت إلى سقوط المديريات والمدن الرئيسية، كانت رد فعل طبيعي لطالبان على إعلان الرئيس الحرب على الحركة، وكان ردا أيضا على العمليات العسكرية الوحشية التي تشنها الحكومة بلا رحمة على عامة الشعب، وبذلك نقضت اتفاقية الدوحة".

ويضيف "نجاح العملية السياسية والتوصل إلى حل سلمي للقضية رهن نية حقيقية بإحلال السلام في البلد، وهذا ما لا تملكه حكومة كابل، وهي أضاعت فرصا كثيرة منحتها إياها الحركة لحل الأزمة، لكن إصرار إدارة كابل على المضي قدما في حسم الصراع عسكريا جعل خياراتنا محدودة في تصعيد العمليات العسكرية".

وحول سعي طالبان للاستيلاء على العاصمة قال نعيم "ليس هناك أي تعهدات أو ضمانات بعدم قيامنا بالهجمات على الولايات والسيطرة على المدن، وإنما كان موقفنا بعدم التعرض للولايات ومقرات المديريات لإبداء حسن النية، وما يخص سقوط كابل أو سيطرتنا على العاصمة فليست مهمة بالنسبة لإمارة أفغانستان الإسلامية، وإنما هدفنا الأساسي ضمان سلامة الشعب، وتقديم نظام يضمن الحياة السعيدة له. أما الإدارة الفاسدة الحاكمة في كابل فهي غير مؤهلة للاستمرار، والشعب عانى منها في كل المجالات".

خيارات محدودة

ويرى مراقبون أن تفرد طالبان بالحكم سيضعها في مواجهة تحد دولي وإقليمي وداخلي، وربما يفضي ذلك إلى فرض عزلة دولية عليها، وهذا ليس في صالح مستقبل البلد، وقد واجهت الحركة هذا التحدي أيام حكمها أفغانستان بين عامي 1996 و2001، وطالبان تدرك هذا جيدا، كما يقول المحلل السياسي فضل الرحمن أوريا.

ويضيف أوريا، في حديثه للجزيرة نت، أن طالبان "أعلنت صراحة في مناسبات مختلفة بأنها لن تتفرد بحكم أفغانستان، وإنما تريد حكومة وطنية تتشارك فيها جميع الفئات العرقية والأقليات المذهبية، لكنها تحتاج إلى وسائل أخرى غير الحرب للوصول إلى هذا الهدف. فقد أعلنت دول كثيرة بأنها لن تعترف بحكومة تستولي على حكم كابل بقوة السلاح".

ويعتبر أن خيارات طالبان محدودة في التصعيد العسكري، وفرض واقع جديد تحاصر فيه حكومة كابل في نطاق جغرافي ضيق، بعد تضييق الخناق الاقتصادي عليها خاصة بعد الاستيلاء على معظم المعابر التجارية "لكن طالبان ستبقى بحاجة إلى قبول شعبي وإقناع دول العالم بأحقيتها في رسم معالم مستقبل الدولة" في أفغانستان.

سيناريوهات

يرى الأستاذ الجامعي أحمد سعيدي أن طالبان تعيش الآن حالة انتشاء بالانتصارات التي تحققها في ميادين القتال ضد الحكومة، لكن التحدي الجدير بالدراسة هو ماذا بعد سيطرة عسكرية على كابل؟

ويضع سعيدي السناريوهات التالية لتعامل الحركة مع الوصول إلى السلطة وهي:

* سيطرة طالبان على الحكم في كابل بالقوة، وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

* تأني طالبان وتوخي الحذر في الاستيلاء على كابل، تمهيدا للاتفاق على صيغة ترضي جميع الأطراف، وأن تقبل ضمنيا بحكم طالبان، وفي هذه الحال ستحظى الحركة بما تحلم به من اعتراف دولي.

* إصرار الحكومة على الحرب والحصول على دعم من جهات معينة بما فيها الولايات المتحدة سيطيل أمد الحرب، لكن النهاية قد تحسمها طالبان لصالحها، ويكون هذا الحسم مشابها لاستيلاء الحركة على مقاليد الحكم في كابل في تسعينيات القرن الماضي، وسيجعلها أمام اختبار يصعب اجتيازه في ظل توجس واضح لدول المنطقة والعالم، بقدرة طالبان على تسير الأمور في أفغانستان بشكل يضمن مصالح هذه الدول، وتوفر خدمات أساسية للشعب.

المصدر : الجزيرة