في سؤال وجواب.. قراءة أميركية للتقدم العسكري السريع لطالبان

واشنطن ـ لا يمثل اقتراب موعد استكمال القوات الأميركية الانسحاب من أفغانستان خبرا جيدا للدوائر الأميركية في ضوء الأنباء التي تتوارد عن التقدم السريع لقوات حركة طالبان وسيطرة مسلحيها على المزيد من المدن والولايات في البلاد.

وتُعقّد تلك التطورات من تبرير إدارة الرئيس جو بايدن لقرار استكمال انسحاب قوات بلاده من هناك بنهاية شهر أغسطس/آب الجاري قبل التوصل لاتفاق سلام ملزم بين حركة طالبان من جهة، والحكومة الأفغانية المعترف بها دوليا من جهة أخرى.

وفي الوقت ذاته الذي حثت فيه واشنطن ولندن رعاياهما على مغادرة أفغانستان فورا بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، كان من اللافت استخدام الولايات المتحدة قاذفات عملاقة من طراز بي-52 (B-52)، وطائرات سبيكتر القتالية، في قصف مقاتلي طالبان، وذلك في محاولة لوقف تقدم قوات الحركة.

في هذه المادة تعرض الجزيرة نت -في صورة سؤال وجواب- قراءة أميركية لتطورات الموقف داخل أفغانستان وتداعيات ذلك على الجدل الدائر حول إرث وتداعيات الحرب الأطول في التاريخ الأميركي.

– هل توقعت واشنطن التقدم السريع لقوات طالبان على الأرض داخل أفغانستان؟

كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) الأميركية قبل أسابيع أن تقييما استخباراتيا سريا خلص إلى أن الحكومة الأفغانية قد تنهار خلال 6 أشهر من انتهاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

وفي شهادة له أمام مجلس الشيوخ، أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز أنه "عندما يحين الوقت لانسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان، فإن قدرة حكومة كابل على مواجهة التهديدات والتصرف بشأنها سوف تتضاءل".

وسبق ذلك تعبير عدد من الجنرالات، بعضهم قاد القوات الأميركية في أفغانستان -بمن فيهم الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة ديفيد بترايوس الذي أصبح لاحقا مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، والجنرال جوزيف دانفورد القائد السابق للقيادة العسكرية الوسطى- عن رفضهم لقرار انسحاب قوات بلادهم من أفغانستان واعتبروه بمثابة تمهيد لانتصار واضح لحركة طالبان.

كما اعتبر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، في مقال له كتبه بالمشاركة مع الجنرال جوزيف كين، أن قرار الانسحاب ضد رغبة كبار القادة العسكريين وتوقع السيناتور والجنرال كين أن تسيطر حركة طالبان على كل أفغانستان.

لكن وعلى النقيض مما سبق، نفى الرئيس جو بايدن في خطاب له أن تكون سيطرة طالبان حتمية، واستشهد بأن قوة طالبان العسكرية يبلغ قوامها حوالي 75 ألف رجل مقابل 300 ألف جندي من قوات الأمن الأفغانية.

– هل يمكن أن يؤدي التقدم السريع لقوات طالبان لعرقلة أو إبطاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟

لا يبدو ذلك سيناريو واقعيا مع استكمال انسحاب غالبية الجنود والعتاد الأميركي بالفعل من أفغانستان، واقتراب تاريخ 31 أغسطس/آب المحدد لنهاية عملية الانسحاب.

وكان البنتاغون قد أعلن قبل 3 أسابيع اكتمال انسحاب 90% من جنوده وعتاده من أفغانستان.

وأكد بايدن في خطاب إعلان الانسحاب من أفغانستان أن "مجرد عام إضافي من القتال في أفغانستان ليس حلا، ولكنه سيؤدي إلى إطالة أمد القتال هناك إلى أجل غير مسمى".

من ناحية أخرى، تحاول واشنطن إبطاء عملية تقدم طالبان عن طريق شن هجمات جوية على قوات طالبان والضغط لتنشيط مفاوضات السلام بين طالبان وحكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني.

– ما دلالات استخدام واشنطن طائرات "بي 52" لوقف تقدم طالبان على الأرض؟

يُشير استخدام قاذفات "بي 52" العملاقة لاستمرار اعتماد القوات الأفغانية على الدعم الجوي الأميركي، وتحمل قاذفات "بي 52" قنابل إستراتيجية بعيدة المدى ويمكنها حمل ما يصل إلى 32 طنا من القنابل، ولم يتم استخدام هذه القاذفات في أفغانستان منذ عام تقريبا.

وعلى الرغم من أن تحديد الرئيس بايدن موعدا نهائيا للانسحاب في 31 أغسطس/آب، فإن هناك تأكيدات أميركية أيضا على الاستعداد لمواصلة الضربات الجوية بعد ذلك التاريخ.

ويمثل اللجوء لقاذفات "بي 52" شعورا أميركيا بخطورة الأوضاع على الأرض في ظل أداء الجيش الأفغاني الصادم للمراقبين والخبراء الأميركيين.

في الوقت ذاته، دعا بيان للسفارة الأميركية في كابل حركة طالبان للالتزام فورا بوقف إطلاق النار وتكريس طاقتها لعملية السلام وليس للهجمات العسكرية.

– لماذا تفشل قوات الأمن الأفغانية في مواجهة قوات طالبان؟

من الناحية النظرية تتمتع قوات الأمن التابعة للحكومة الأفغانية بأفضلية واضحة على قوات حركة طالبان، فهي أكبر حجما وأفضل تجهيزا، وتلقت كميات هائلة من برامج التدريب العسكري الخارجي، والدعم اللوجستي، والمساعدات المالية والأسلحة المتطورة، والمعلومات الاستخباراتية.

وبعد ما يقرب من عقدين من التدريب المستمر وتلقي أشكال المساعدة الأخرى، ما تزال القوات الأفغانية ضعيفة القيادة وتعاني الكثير من الفساد والفرار المتكرر من الخدمة.

ويمثل استسلام قوات الأمن الأفغانية دون قتال في حالات كثيرة، تاركة وراءها سيارات مصفحة أميركية الصنع وغيرها من المعدات العسكرية التي زودتهم بها واشنطن لطالبان، سببا لقلق الكثير من القادة العسكريين الأميركيين، إذ يعكس ذلك فشلا للجهود الأميركية لتأسيس جيش أفغاني فعال، ولم تلتفت الدوائر الأميركية المختلفة لهذه المعضلة خلال السنوات الماضية.

– لماذا فشلت واشنطن في تأسيس جيش أفغاني قوي لمواجهة تطلعات حركة طالبان؟

هناك عدة أسباب منها محاولة المستشارين العسكريين الأميركيين تعليم الأفغان القتال بطريقة الأميركيين اعتمادا على التكنولوجيا بدل الطرق التقليدية، وهي طريقة حرب ليست مناسبة لأغلب الجنود الأفغان، ولا لبيئة المواجهات داخل أفغانستان.

ويعتبر بعض المحليين أن الإغراق المالي على القوات الأفغانية بالأموال الأميركية شجع الفساد والانتهازية بدلا من معيار الكفاءة العسكرية بين كوادر القوات الأفغانية.

ولم تحظَ قوات الجيش الأفغاني بشعبية واسعة كغيرها من جيوش العالم، وذلك بسبب ارتباطها بمحتل أجنبي (الولايات المتحدة).

– لماذا فشلت واشنطن في تحقيق أهدافها العسكرية في أفغانستان؟

منذ البداية وقبل 20 عاما، لم يضع الجيش الأميركي إستراتيجية فعالة لتحقيق انتصار عسكري واضح، ولم يقدم الجيش للساسة الأميركيين سبب عدم تحقيق أهدافهم المعلنة في الحرب.

من ناحية أخرى، لم يتلقَّ العسكريون الأميركيون من القادة السياسيين توجيها إستراتيجيا واضحا للحرب، واستسهل الكونغرس الأمر بتخصيص مليارات الدولارات للمجهود العسكري ومشروعات إعادة الإعمار في أفغانستان، دون طرح أسئلة صعبة حول احتمالات النجاح، حتى مع بدء تراكم الأدلة على أن الحرب لم تكن تسير على ما يرام.

يُذكر أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان ردا على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وكان الهدف الرئيسي هو القبض على أسامة بن لادن وأكبر عدد ممكن من كبار قادة تنظيم القاعدة. ولأن حكومة طالبان رفضت تسليم بن لادن، فقد تحولت الإطاحة بحكمها إلى جزء من المهمة أيضا.

ولكن بمجرد الإطاحة بحكم طالبان، أخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها على عاتقهم مهمة غريبة تتمثل في محاولة تحويل دولة فقيرة منقسمة ومزقتها الحروب الأهلية المتتالية إلى ديمقراطية ليبرالية مركزية على النمط الغربي.

وماذا عن موقف الشعب الأميركي من قرار الانسحاب من أفغانستان؟

بعد النجاح السريع للقوات الأميركية في القضاء على حكم طالبان قبل 20 عاما، دعم أغلب الأميركيين عملية غزو أفغانستان، ثم أدرك الأميركيون لاحقا أن المخاطر من أفغانستان ليست كبيرة إلى تلك الدرجة بعد القضاء على تنظيم القاعدة ومقتل زعيمه أسامة بن لادن.

ومع مرور السنوات دون سحب القوات من أفغانستان، أدركت غالبية الشعب الأميركي أن قرار وحسابات غزو بلد أجنبي عسكريا أسهل من حسابات قرار الانسحاب منه.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته مجلة الإيكونوميست (The Economist) من 10 إلى 13 يوليو/تموز الماضي دعم 57% من الأميركيين لقرار الانسحاب من أفغانستان، في حين عبر 20% عن معارضتهم للقرار، ولم يحدد 22% منهم موقفا واضحا من الانسحاب من أفغانستان. ولا تتأثر نسب الموافقة الشعبية بالانسحاب من أفغانستان بالانتماء الحزبي.

ماذا تملك واشنطن من خيارات أمام التقدم العسكري لطالبان؟

يرى عدد من الخبراء الأميركيين أن بإمكان واشنطن مواصلة ومضاعفة الدعم الأميركي لقوات الأمن والشرطة الأفغانية كي تستطيع مواجهة تنظيم طالبان.

ويطالب آخرون بضرورة الإبقاء على العقوبات الدولية والأميركية الحالية المفروضة على قادة طالبان وتوسيع نطاق تلك العقوبات أيضا، بما في ذلك إدراج أسماء مسؤولين جدد إذا لم يتوقف الزحف العسكري للحركة.

وهناك طرح يتعلق بضرورة السعي إلى إشراك جيران أفغانستان لدعم التوصل لاتفاق سلام، ويمكن دعوة الخصوم الإستراتيجيين لواشنطن مثل روسيا وإيران والصين، للمساعدة في إحلال السلام بأفغانستان قبل وعقب استكمال انسحاب القوات الأميركية.

هل تخلت واشنطن عن المسار الدبلوماسي بعد انتصارات طالبان الأخيرة؟

لم تغير واشنطن موقفها من مفاوضات السلام التي تستضيفها الدوحة بين أطراف الصراع الأفغاني، بل تؤكد الولايات المتحدة أنها ليست مستعدة للتخلي عن المسار الدبلوماسي المتعلق بمحادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن طالبان تفهم أنها لن تتمتع بشرعية دولية إذا أطاحت قواتها بالحكومة الأفغانية بدلا من التوصل إلى اتفاق على طاولة المفاوضات.

وفي حديث مع الإذاعة الوطنية، قدم المبعوث الأميركي لأفغانستان زلماي خليل زاد صورة قاتمة للوضع داخل أفغانستان، واعتبر أن طالبان تشعر بالجرأة مع تقدمها العسكري، ولذلك تطالب بحصة الأسد من السلطة في الحكومة المقبلة نظرا لوضعها العسكري الجيد كما تراه في الوقت الحالي.

المصدر : الجزيرة